أحد آباء المجمع المسكوني السابع
بين الرابع والعشرين من شهر أيلول والثالث عشر من شهر تشرين الأول من العام 787م التأم في مدينة نيقية مجمع عرف بالمجمع المسكوني السابع.
رعت المجمع الإمبراطورة ايريني بصفتها الملكة الوصيّة على ابنها القاصر قسطنطين السادس البرفيري الذي لم يكن آنئذ، قد تجاوز العاشرة من العمر. رأس المجمع طراسيوس، بطريرك القسطنطينية، وحضره ممثلّون عن البابا ادريانوس وبطاركة كل من الإسكندرية وانطاكية وأورشليم. وقد بلغ عدد المشتركين فيه ثلاثمائة وسبعة وستين، إلى جانب عدد كبير من الرهبان.
هدف المجمع
الغرض الأساسي من هذا المجمع كان إبداء موقف الكنيسة بشأن موضوع إكرام الأيقونات، استنادا إلى المجامع المسكونية السابقة وتعليم الآباء الموقّرين، وإعادة الأيقونات إلى صلب حياة الكنيسة بعدما كان الموقف الرسمي المدعوم من السلطات المدنية والموحى به منها قد حظّر إكرام الصور الكنسية وعمل على مصادرتها وإتلافها وملاحقة مكرميها والمدافعين عنها. جدير بالذكر أن الاضطهاد، في هذا الاتجاه، كان قد بدأ بمرسوم ملكي أصدره الإمبراطور لاون الثالث الايصوري عام 725 أو 726م، واستمر في عهده إلى العام 741، ثم في عهد ابنه قسطنطين الخامس (741-775م) الملقّب بالزبلي. وقد أدّت موجات الاضطهاد المتلاحقة في هذه الحقبة إلى استشهاد البعض وتعذيب ونفي الكثيرين. وأكثر من تحمّل وطأة الاضطهاد كان الرهبان الذين عمد الأباطرة إلى تحويل أديرتهم إلى ثكنات عسكرية وقاموا بتهجيرهم ونفيهم وملاحقتهم وإكراههم على الزواج. ويقال أن خمسين ألفاً من الرهبان اضطروا في تلك الأيام إلى الفرار إلى ايطاليا. ومن الذين استشهدوا آنئذ الأبوان الباران استفانوس الجديد (28 تشرين الثاني) واندراوس الكريسي (17 تشرين الأول).
جلسات المجمع
عقد المجمع ثماني جلسات وأصدر اثنين وعشرين قانوناً. وقد اقتبل عدداً من الأساقفة المبتدعين ممن جاؤوا تائبين، معترفين بضلالهم، مقدمين اعترافات تشهد لارتدادهم إلى حظيرة الرأي القويم. من هؤلاء، لا بل في مقدّمهم، باسيليوس أسقف أنقرة. كذلك أبسل المجمع البطاركة الهراطقة اناستاسيوس وقسطنطين ونيسيتاس كما أبسل المجمع المزعوم المنعقد في هياريا في العام 754 م بإيعاز من الإمبراطور قسطنطين الخامس. من جهة أخرى غبّط المجمع ذكر الآباء القدّيسين الذين دافعوا عن الإيمان الأرثوذكسي، في هذا السياق،أمثال البطريرك جرمانوس القسطنطيني (12 أيار) ويوحنا الدمشقي (4 كانون الأول) وغريفوريوس القبرصي (7 نيسان).
ومما جاء في تحديد المجمع لموقف الكنيسة من الأيقونات ما يلي
“… إننا نحافظ على كل تقاليد الكنيسة حتى يومنا هذا بلا تغيير أو تبديل. ومن هذه التقاليد الصور الممثلة للأشخاص… وهو تقليد مفيد من عدة وجوه، ولا سيما إذ يظهر أن تجسّد الكلمة إلهنا هو حقيقة وليس خيالاً أو تصوّراً، ولأن الصور عدا ما فيها من إشارات وإيضاحات تثير المشاعر الشريفة.
ولذلك نحن باتخاذنا … تقليد الكنيسة الجامعة الملهمة من الله… نحدّد بكل حزم وتدقيق انه كما يرفع الصليب الكريم المحيي، هكذا يجب أن تعلق الصور الموقرّة المقدّسة المصنوعة بالدهان أو من الفسيفساء أو من مواد أخرى في كنائس الله المقدسة وأن توضع على الأواني المكرّسة والحلل الكهنوتية، وان ترفع وتعلق في المنازل وفي الطرق، ونعني بذلك صورة ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح وصورة سيدتنا الكلية الطهارة والدة الإله وصور الملائكة المكرّمين وصور كل القديسين وكل الأتقياء لأنه بتكرار مشاهدتهم في رسومهم يسهل على الشعب أن يتذكر الأصل وتثار فيه الرغبة للاقتداء بسيرتهم. ويجب أن يقدم لهذه الصور الإكرام. خاصة المختصة بالطبيعة الإلهية دون سواها. وحسب العادة التقوية القديمة يجوز أن يقدّم البخور وإضاءة الشموع أمام هذه الصور وأمام الصليب الكريم المحيي … لأن التكريم الذي يُقَدّم للصورة إنما يقدّم للأصل الذي تمثله”.
“فالذين يجسرون إذن على أن يعلّموا خلاف هذا مخترعين أشياء جديدة نأمر بإسقاطهم من درجا تهم، إذا كانوا أساقفة أو إكليريكيين وبقطعهم من الشركة إذا كانوا رهباناً أو عواماً”.
ولا بد من الإشارة في معرض حديثنا عن لاهوت الأيقونة إلى الرباط الوثيق الذي يشدّ الأيقونة إلى لاهوت التجسّد على نحو ما علّم أبونا القديس يوحنا الدمشقي مثلاً حين قال في مبحثه في هذا الشأن: “أنا امثّل الله غير المنظور لا من حيث هو غير منظور، بل بقدر ما صار منظوراً من أجلنا واشترك في اللحم والدم. لست أكرم المادة بل خالق المادة، الذي صار مادة من أجلي واتخذ الحياة في المادة، وحقّق بالمادة خلاصي”.
هكذا أبرز المجمع المسكوني السابع لاهوت الأيقونة بصورة نهائية. وهو، وإن فعل ذلك على صعيد الفكر والتراث فإن حرب الأيقونات ما لبثت أن استعرت من جديد ابتداء من العام 813 م، لتستمر على نحو متقطع حتى العام 843 م حين وضعت الإمبراطورة ثيودرة حداً نهائياً لها في عهد البطريرك المسكوني مثوديوس، وذلك على أساس مقولة المجمع المسكوني السابع (787 م).
ملاحظة
أما الآباء الذين اشتركوا في هذا المجمع وكانوا من بلادنا فنعرف منهم : ثيودوروس، بطريرك أنطاكية، وثيودوروس، مطران اللاذقية، وقسطنطين أسقف برجي، وثايوفيليكس أسقف اوخاييطا، وثيودوروس أسقف سلفكية، وسيسينيوس أسقف قنسرين، وقسطنطين أسقف بعلبك، وثاوفيلوس أسقف دارا، ونسطاسيوس أسقف طرابلس، ولاون أسقف بشرّى (تدمر)، وميخائيل أسقف منبج، وسيسينيوس أسقف افامية، وسليمان أسقف مرعش، وبطرس أسقف سلفكية أنطاكية، واستفانوس أسقف فيلادلفية حوران.
طروبارية للآباء باللحن الثامن
أنتَ أيها المسيح إلهنا الفائق التسبيح، يا مَن أسَّستَ أبائنا القدّيسين على الأرض كواكب منيرة، وبهم هديتَنا جميعاً إلى الإيمان الحقيقي، أيها الجزيل الرحمة المجد لك.
قنداق للآباء باللحن الثامن
إن الكنيسة بكرازة الرسل، وعقائد الآباء بالإيمان الواحد قد خُتمَتْ، وإذ أنها متسربلة بثوب الحق المنسوج من التكلم في اللاهوت العلوي، فهي تعتقد باستقامةٍ، بالسرّ العظيم، سرّ حسن العبادة.
اترك تعليقاً