أسماء سورية لشوارع مصرية.. تقديراً لتاريخ طويل مشترك

FILE PHOTO: A general view of the city after heavy rainfall, in Cairo
صورة عامة لمدينة القاهرة- أرشيفية

ربطت علاقات قوية بين مصر وسوريا منذ فترة تاريخية مبكرة. تبادلت الدولتان التجارة والثقافة، كما تبادلتا التأثير على منطقة الشرق الأدنى القديم لقرون طويلة. بعد وقوع السيطرة العربية الإسلامية على المنطقة، حكم الأمويون دولتهم الواسعة من دمشق، وكانت مصر تابعة لحكمهم في تلك الفترة. في العصر الحديث، تحققت الوحدة بين مصر وسوريا لعدة سنوات، كما خاضت الدولتان معاً حرب أكتوبر سنة 1973م.

تسببت تلك العلاقات في إطلاق الأسماء المصرية على بعض المعالم السورية المهمة. وبالمثل، حملت بعض المعالم المصرية أسماءً سورية.

في القاهرة: سليمان الحلبي

يقع شارع “سليمان الحلبي” في منطقة وسط البلد في العاصمة المصرية القاهرة. ويمتد على حافة منطقة الأزبكية القديمة. ويُعدّ واحداً من أشهر الشوارع التراثية في القاهرة. يُنسب الشارع إلى سليمان الحلبي، وهو طالب سوري نشأ في مدينة حلب في الشمال السوري، ثم سافر إلى مصر ليدرس بالجامع الأزهر.

تزامنت مدة إقامة الحلبي في القاهرة مع وصول الحملة الفرنسية على مصر سنة 1798م. قرر الحلبي أن يغتال كليبر، القائد الثاني للحملة بعد رحيل نابليون بونابرت. نجح الحلبي في مهمته، فحكم عليه الفرنسيون بحرق اليد اليمنى، والإعدام.

لم ينس المصريون الحلبي بعد موته. جرت تسمية الشارع الذي شهد اغتيال كليبر باسم سليمان الحلبي تخليداً لذكراه.

في النصف الأول من القرن العشرين، عُرف الشارع كأحد المراكز الفنية والثقافية المهمة في القاهرة. تبدّل الوضع بعد حريق القاهرة سنة 1952م. أُهمل الشارع وفقد قدراً كبيراً من أهميته الثقافية، فيما ظل محتفظاً بمكانته اللوجستية كواحد من الشوارع المحورية المهمة في منطقة وسط البلد.

في الجيزة: الكواكبي وجول جمال والرافعي

تضم محافظة الجيزة العديد من الشوارع التي تحمل أسماءً السورية.

من أهم تلك الشوارع، شارع وميدان “عبد الرحمن الكواكبي”. يقع هذا الشارع في منطقة العجوزة المُطلة على نهر النيل. ويُنسب إلى عبد الرحمن أحمد بهائي الكواكبي المولود في مدينة حلب السورية سنة 1855م.

عُرف الكواكبي بأفكاره الإصلاحية في المجال السياسي. واشتهر بكتابه ذائع الصيت “طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد” والذي يُعدّ واحد من أهم الكتب العربية التي صدرت في القرن التاسع عشر الميلادي. سافر الكواكبي إلى القاهرة في سنة 1898م، وتوفي فيها في 1902م ودُفن في منطقة المقطّم.

لاحقاً، شيد المصريون مسجدا كبيراً باسم الكواكبي في منطقة العجوزة. ولمّا تطورت المنطقة القريبة من المسجد عرفت أيضاً باسم الكواكبي. ومن ثم صار اسم المفكر السوري مرتبطاً بمساحة جغرافية واسعة.

في حي العجوزة أيضاً، يوجد شارع “جول جمال” الكائن في منطقة المهندسين. وهو واحد من أشهر الشوارع في المنطقة.

يُنسب هذا الشارع إلى الضابط البحري السوري المسيحي جول يوسف جمال، الذي ولد في مدينة اللاذقية الساحلية في سوريا.

شارك جمال مع القوات البحرية المصرية في معركة البرلس البحرية أثناء “العدوان الثلاثي” على مصر سنة 1956م. وقُتل أثناء المعركة.

بعد وفاته، كرمته الحكومة المصرية بالعديد من الأوسمة والنياشين. وأُطلق اسمه على هذا الشارع المهم تخليداً لذكراه.

تضم الجيزة كذلك شارع أمين الرفاعي. يتفرع الشارع من ميدان المساحة بحي الدقي العريق. بشكل عام، يُعتبر الشارع واحداً من أقدم وأهم الشوارع في المنطقة.

ويُنسب إلى الكاتب السياسي الشامي الأصل أمين عبد اللطيف الرافعي. يضم الشارع العديد من المباني المهمة ومنها على سبيل المثال مبنى السفارة اليمنية.

في 6 أكتوبر: شارع السوريين

يوجد هذا الشارع بميدان الحصري بمدينة 6 أكتوبر، التي تقع على بعد 38 كيلومتراً من القاهرة.

قبل سنوات، كان الشارع خالياً من أي مظاهر تجارية ولكنه تحول الآن إلى حي تجاري نشط، بعدما صار مقصداً لآلاف المهاجرين واللاجئين السوريين الذين تركوا بلدهم أثناء الحرب الاهلية (2011)، واختاروا أن يرحلوا إلى مصر.

بحسب بعض التقارير فإن ما يقرب من 3000 عامل سوري يقطنون في هذا الشارع. ويعمل هؤلاء في العديد من الأنشطة التجارية، ومنها المطاعم، والمقاهي، والمحلات، وصالونات الحلاقة. كما أن الكثير من هؤلاء العمال يفترشون الأرض ليبيعوا بعض سلعهم. كل تلك المظاهر حدت بالمصريين ليطلقوا اسم شارع السوريين على هذا الشارع.

اللاجئون السوريون في مصر.. تدنّي الأجور ينغّص حسن الإستقبال
يعيش في مصر نحو مليون ونصف مليون سوري، بحسب المنظمة الدولية للهجرة في مصر (في احصاء يعود إلى يوليو 2022) بينهم نحو 148 ألف لاجئ مسجّلين في مفوّضية اللاجئين، يعاني غالبيتهم من ظروف اقتصادية صعبة.

خارج القاهرة الكبرى.. سورية والرصافة وشكري القوتلي

لا ينحصر وجود الشوارع المصرية ذات الأسماء السورية على القاهرة الكبرى فقط. بل توجد أيضاً العديد من الشوارع المهمة التي تحمل أسماءً سورية في المدن المصرية الأخرى.

على سبيل المثال يوجد شارعان مهمان في الإسكندرية. الأول، هو شارع “سوريا” الذي يقع في منطقة رشدي. يُعدّ هذا الشارع واحداً من أهم الشوارع الموجودة في منطقة رشدي. ويضم العديد من البنوك والمحال التجارية الفخمة فضلاً عن بعض المباني الرسمية والحكومية، والشقق السكنية الفاخرة.

قديماً، عُرف هذا الشارع باسم “الدكتور لوفر”، في إشارة إلى الدكتور روفر رئيس مجلس الصحة البحرية والكورنتينات بمصر في عصر الخديوي عباس حلمي الثاني. بعد ثورة الضباط الأحرار تم تغيير اسم الشارع إلى سوريا للتأكيد على الوحدة والتقارب بين الشعبين المصري والسوري.

الشارع الثاني، هو شارع الرصافة الذي يقع في منطقة محرم بك. يُعدّ هذا الشارع من أقدم شوارع الإسكندرية. وعرف عبر تاريخه حضوراً مميزاً للعديد من الجنسيات والأديان والطبقات الاجتماعية.

في سنة 1882م، انتقلت إلى الشارع الكثير من العائلات الأرستقراطية عقب قيام الأسطول البريطاني بقصف مدينة الإسكندرية.

وعاش فيه المسلمون والمسيحيون واليهود بجوار بعضهم البعض لعقود طويلة، كما قصده التجار اليونانيون والإيطاليون لممارسة أعمالهم التجارية.

أُطلق على هذا الشارع اسم “الرصافة” نسبة إلى مدينة الرصافة التاريخية العريقة الواقعة على بعد ثلاثين كيلومتراً من مدينة الرقة في شمال سوريا على نهر الفرات. تمت إعادة تعمير وتطوير تلك المدينة في العهد الأموي على يد الخليفة هشام بن عبد الملك بن مروان. ويعتبرها الباحثون نموذجاً فريداً للمدن التاريخية التي تطور عمرانها على مر القرون.

يضم شارع الرصافة العديد من المعالم العمرانية التراثية. ومنها على سبيل المثال ملجأ اليهود العجزة الذي أسسه رجل الأعمال اليهودي إبرام عاداه بك. ثم تحول فيما بعد إلى مستشفى “النزهة”.

سنجد أيضاً شوارع سورية الاسم في بعض مدن الدلتا. من أشهرها شارع شكري القوتلي في مدينة المحلة الكبرى في محافظة طنطا.

يُعتبر هذا الشارع  أحد أهم الشوارع المحورية بالمدينة. أُطلق عليه هذا الاسم نسبةً إلى الرئيس السوري الأسبق شكري القوتلي.

حظي القوتلي بشعبية واسعة في مصر في فترة نهاية الخمسينات وبداية الستينات من القرن الماضي، وذلك بعدما وقع مع الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر على ميثاق الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا في سنة 1958م.

ومن ثم كان إطلاق اسمه على أحد شوارع مدينة المحلة -التي كانت مركزاً صناعياً كبيراً في الستينات- أمراً متوقعاً بسبب التقارب السياسي بين البلدين في تلك الحقبة.

 

  • Beta

Beta feature

  • Beta

Beta feature

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *