لاتنسوا لواء الاسكندروناصداء من ماضي المرحوم المناضل من اجل عروبة لواء الاسكندرون الاب قسطنطين يني

اصداء من ماضي المرحوم المناضل من اجل عروبة لواء الاسكندرون الاب قسطنطين يني

لواء الاسكندرون سوري حتى الخلود لاتنسوه

اصداء من ماضي المرحوم المناضل من اجل عروبة لواء الاسكندرون الاب قسطنطين يني

كتب قدس الأب الاديب قسطنطين يني رحمه الله ابن لواء الاسكندرون السليب، وهو المناضل مع اسرته، كما اشرنا هنا في توثيقنا لسيرته العطرة الطاهرة(1) في مدونتنا عنه رحمه الله، وبقية العائلات اللوائية المسيحية، التي قدمت شهداء تم تنفيذ الاعدام بهم، ومحكومين بالاعدام من الاستعمار الفرنسي المسهل للاغتصاب والسلخ التركي الاستعماري، ومن الغاصب التركي ربما نجا بعضه هرباً في ظلمات الليل كعائلته وشقيقه المحكوم بالاعدام(2)، او بمساعي من هنا وهناك انقذتهم… وخاصة بحق المناضلين من أبناء كرسينا الانطاكي المقدس في لواء الاسكندرون، وعاصمتنا الرمز انطاكية مدينة الله العظمى” بكل دلالاتها الروحية والوطنية… وفي الدفاع قبلا عن سورية كيليكيا الشهيدة والابرشيتين الانطاكيتين الشهيدتين الأخريين ديار بكر وارضروم (3) بحق سوريين ويونان وأرمن دفاعاً عن الوطن الانطاكي، ومنهم شقيقه، ولولا هروب العائلة الى سورية بظروف مريرة لكان جثمانه وحيدا في ارض اللواء الحبيب السليب… ذات الجور الذي ضرب به الفرنسيون والاتراك كل سوري مخلص من بقية المكونات السورية بانتماءتها الدينية والمذهبية والقومية.. وهذا ماظهر جلياً بنتيجة الاستفتاء الصاعق للأتراك والفرنسيين وعصبة الأمم ومن هي عصبة الامم هي المشكلة من الدول المنتصرة والتي تراعي مصالحها السياسية، كما مداراتها للأتراك خوفاً من انحيازها الى المانيا في حرب مقبلة، وحتى الصاعق للحكم في سورية الذي ماكان يتحرك لدعم هذا النضال العنيف ضد السلخ والبقاء في حوزة الوطن وتحت علمه، لغايات تظهر حالياً بشهادات، ومذكرات…

كتب الأب المتقدس قسطنطين يني مقالته هذه، بعد عشرين سنة اي في عام 1958 معتبرا سنة السلخ عام 1938  وهو الادرى كونه ابن النضال، بينما المعروف ان ذلك تم عام 1939 بعد مخاض ونضال بقيادة اركان الحركة الوطنية كزكي الارسوزي وصبحي زخور …وقادة ارمن دام(4) من قبل سنوات، ولا نبخس حق اي من المكونات السورية التي ساهمت في هذا النضال، وهو  اي ابونا قسطنطين بكل مصداقيته المعلنة للجميع يسلط بكلمته هنا الضوء يسيراً  ويسيراً فقط، بينما غيره دخل في جزئيات وتفاصيل كل الحرك الوطني وكل أدلى بدلوه على هذا النضال، ومن البديهي في التوثيق التأريخي إذ أن الغث اوالايجاز يسعف الثمين او الكامل، وهذا هو قصدنا من كتابتها هنا في موقعنا، وقياما بالواجب تجاه كاتبها، الذي كنت ولا زلت احب واقدر.

لواء الاسكندرون قطعة من الجنة السماوية
لواء الاسكندرون قطعة من الجنة السماوية

كانت هذه الكلمة البسيطة في مفرداتها والبليغة في مضمونها، والتي ضمنها  في صدر كتابه الرائع ” أصداء من الماضي”(5) وهي تجربته الشخصية في ارض وطنه اللوائي الانطاكي السوري السليب.

هذه الكلمة التالية بعنوان

“كلمات موجزة تسجل مالم يعرف عن الوطن السليب

لعل الكثيرين من المواطنين في سورية، يجهلون الأسباب والملابسات والمسائل التي رافقت قضية اللواء، وكيفية إتمام سلخه عن سورية عن سورية و(إلحاقه) بتركيا وذلك منذ عام 1938.

بل ان الاستعمار حينئذاك، وبعض رجاله هنا قد حاولوا أوهم قد حاولوا، أو هم عملوا – جميعاً – على طمس هذه القضية فدخلت مذ ذاك في عالم النسيان، وطويت كأنها لم تكن، وكأن الاسكندرون ليست من هذا الوطن، تؤلف ركنا منيعا من اركان الدفاع عن البلاد.

ونحن الذين عشنا، المراحل الرهيبة الدامية في تاريخ اللواء العظيم وسايرنا الفترات الرائعة والدامية والشاذة أيضا، ليحلو لنا ان نستعيد الذكرى المريرة، فنسجل بعض سطور، للذكرى لا للتاريخ، لعل الذكرى تنفع المؤمن.

اذن لابد لنا من الرجوع الى الوراء قليلاً…إلى الأيام التي وقعت فيها اتفاقية أنقرة المعقودة بين فرنسا وتركيا…تمهد الطريق لتركيا لتحتلها غنيمة باردة ولقمة شهية سائغة، وهي تطمح الى المزيد…فتتراجع الحدود السورية…بفضل حكمة فرنسا…

الى الوراء متخلية عن أغنى وأخصب بقاع الدنيا.

وفي عام 1923 تعقد معاهدة لوزان فتثبت الحدود كما هي نهائيا وتنام الأجفان قريرة ناعمة، هانئة…

ولن نتعرض لعروبة هذه المنطقة – كيليكية – لأنها سورية وعربية ليست  بشهادتنا فقط بل شهادة جميع المؤرخين، والجغرافيين من قدامى ومحدثين ومن عرب وفرنج ولم يشك في ذلك احد منهم.

ولكن الاستعمار-عفوا للانتداب- وللا ستعمار يومذاك صولة ودولة لاتقاوم- شاء إرضاء  للنزعات السياسية والحربية وغيرها أن يتنازل عنها طواعية وعن طيب خاطر، فتكتسب الصداقة قبل فوات الأوان، ولأن الصديق في وقت الضيق…فكان الكرم على حساب (الأجاويد) أمثالنا.

وكان ماكان عام 1925 من اندلاع لهيب الثورات السورية في كل مكان، امتدت حتى عام 1927 حيث تقوم في نهايته حركة وطنية في سورية الى ان يبرز اول رئيس سوري للجمهورية عام 1932 وهو محمد علي العابد- يستمر حكمه الى عام 1936…

وخلال هذه الأيام كانت سورية مجزأة الى خمس دول: دولة دمشق، ودولة حلب، ودولة الدروز، ودولة العلويين…ودولة أو سنجق الاسكندرون المستقل، إستقلالاً مالياً، وادارياً، وما لا ادري…ويُدار هذا النظام الأعرج المشوه وفق هوى مندوب سامٍ فرنسي تعينه السلطة الفرنسية.!

وما أن يَهلْ عام 1936 على اللواء حتى تشتد الحركة الوطنية فيه اشتدادا عنيفاً، وتبلغ أوج ضرامها تكتسح جميع الحواجز المصطنعة بين افراد الشعب، ولم يبق هنالك مايمكن ان يصد اندفاع ابنائه العاطفي، وحماسهم الوطني فأصبحوا كتلة واحدة، كالبنيان المرصوص، تدفعهم مُثُلٌ واحدةْ وغاياتٍ نبيلة مشتركة ومصالح موحدة: شعارهم شعور واحد، وتراجعت المصالح الخاصة، لدى عائلة كبيرة من الشباب، لتحل محلها المصالح القومية العليا…فكنت لاترى الا المظاهرات والخطب اللاهبة، والاجتماعات تعقد في السر والعلن، والمناشير توزع، هنا وهناك، والاضرابات قائمة على قدم وساق، تشجب السياسة الرعناء التي تتبعها فرنسا في اللواء وغير اللواء…

ويعود الوفد…تثير تركيا بواسطة مندوبها في عصبة الأمم في جنيف  قضية  الاسكندرونة. وتطلب عدم تصديق المعاهدة – الفرنسية من قبل فرنسا. قبل تسوية المشكلة المذكورة – مشكلة الاسكندرونة – وذلك لأن ماكان يلاقيه الرعايا التُرك هناك قبل أن يلاقيه اي فرد من مكان آخر من معاملة حسنة، وفي جميع النواحي التعليمية منها والوظائف والمجالس وما الى ذلك من شؤون.

بلى تطلب تركيا من العَصبة تسوية المشكلة بالتي هي أحسن …فتؤلف العصبة لجنة تحقيق دولية خماسية توفدها الى اللواء بقصد استفتاء السكون فيه والاطلاع على رغباتهم وآرائهم. وذلك بعد مناورات ومباحثات في أروقة العَصبة وتحت سقوفها وبعد أخذ ورد بين فرنسا وتركيا.

وتأتي اللجنة وتطوف في أرجائه باحثةً ويقوم الاستفتاء، وتظهر النتيجة الباهرة المنتظرة: شاء المستعمرون أم أبوا… ولكن الفرنسيين يتدخلون تدخلاً فاضحاً من قبل ممثلهم في اللواء في اللواء الكولونيل كوليه ويلفلف القضية بالمهارة العسكرية العجيبة… وتَنسب اللجنة دليل استبقائها ونفضها اليد منها وتلغي النتائج وتعلم الحقيقة ويذر الملح في العيون…

ويَصدر بعد ذلك مشروعٌ يقضي بفصل اللواء نهائياً عن سورية، تمهيداً للمهزلة الدامية التي مثلت على ارض اللواء الطاهرة، وتنشر القرارات بإجراء انتخابات نيابية في اللواء وتأسيس مجالس ادارية واستشارية وما الى ذلك من شؤون لعب التزوير، والتحوير، فيها دوراً كبيراً…

وأخيراً يُنزل العلم السوري من سماء الاسكندرونة في 29 تشرين الثاني عام 1937 وتؤسس في اللواء دولة يطلق عليها اسم (هاتاي) كلمة منحوتة ومشتقة من الحثيين، لأن الأتراك يدعون سلالة هذا الشعب، مع ان هذا خطأ، اذ من المعلوم انهم ينحدرون من المغول الصينيين لا من الحثيين كما يقول التاريخ… وحينئذ يرسل بعضهم برقية الى المسؤولين ينعون فيها العلم السوري الشهيد… مع كثير من الاحتجاجات والشكاوي التي طُيِّرت الى هنا وهناك ولم يكن لها اي تأثير مطلقا…اذ انها صيحةْ في وادْ…

دخول الغزاة الاتراك الى الاسكندرونة وانزال العلم السوري واعلان جمهورية هاتاي
دخول الغزاة الاتراك الى الاسكندرونة وانزال العلم السوري واعلان جمهورية هاتاي

ومهما يكن من أمر… فان هاتاي تُؤسسْ ويُنقل مركز اللواء الى انطاكية  وتنتهي الشكليات… وفي 5تموز عام 1938 يدخل الجيش التركي  الى اللواء بحالة مرهقة جداً… ويتمركز في انحاء اللواء… بينما كان ابناؤه وقسم كبير من الأتراك المناوئين للنظام الجديد في تركيا ينزحون عن اللواء زرافاتٍ ووحداناً، ويتفرقون في أنحاء كثيرة من سورية ولبنان، مخلفين وراءهم أرض الأجداد والآباء ودماء القلوب، وذكريات السنين، وتاركين الأملاك والعقارات والأثاث تحت رحمة الأقدار(وأولاد الحلال) يتصرفون بها كيفما يشاؤون.

وفي 30 حزيران عام 1939 تنتهي المأساة- وكأنها حلم مزعج – وأُلحق اللواء نهائيا بتركيا مضافاً سعيداً رغيداً الى ولاياتها الاثنتين والستين.

وهكذا اسدل الستار على مأساة مروعة دامية لاتقل في هولها وبشاعتها عن الفاجعة التي اصابت البلاد بفقدان الأرض المقدسة فلسطين…

فنسأل الله من مثلهما النجاة، وأن يحفظ البلاد بسواعد أبنائها وابطالها المرابطين غلى كل الحدود في كل مكان.”

واجهة مغارة القديسين بطرس وبولس في مدينة انطاكية
واجهة مغارة القديسين بطرس وبولس في مدينة انطاكية

 

                                  حواشي البحث

1- موقعنا د.جوزيف زيتون، قسم اعلام كنسيون…

2- السيرة الذاتية في موقعنا.

3- الابرشيات الانطاكية الشهيدة كيليكيا وديار بكر وارضروم وكنيسة الموصل الشهيدة مقال غير منشور، / الوثائق البطريركية بدمشق.

4- د. الكسندر كشيشيان، كتاب “كفاح الارمن من اجل عروبة لواء الاسكندرون”، دار طلاس دمشق. وغيره للكاتب وسواه…

5- الاب قسطنطين يني، كتاب “أصداء من الماضي” من منشورات مكتبة السائح طرابلس، لبنان العام 1987.

 

 

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *