اقليات غيرت وجه التاريخ …

اقليات غيرت وجه التاريخ …

اقليات غيرت وجه التاريخ …

من منّا لم يسمع بتلك الشخصيات التي غيّرت وجه التاريخ؟

ولكن من منّا يعرف ان “معظم” تلك الشخصيات التاريخية، كانت من “الاقليات” في البلاد التي قادتها، وليس من “الأكثريات السائدة” .
نظرة “تدقيق” في التاريخ، ستظهر لنا المفاجأة:
فلنبدأ ب”كليوباترا” ملكة مصر… من منا لا يعرفها، ولا يعرف كيف انتحرت عام 31 ق.م بعد هزيمة عشيقها مارك انطونيوس؟ حسناً، كثيرون يظنون ان كليوباترا مصرية مثلها مثل اكثرية سكان مصر آنذاك… اما الحقيقة … فلا …
ان كليوباترا تلك، كانت من “الاسرة البتوليمية”، اسرة البطالسة من “الاقلية اليونانية المصرية” التي حكمت مصر، دون ان تصبح اكثرية السكان.
ومن مصر اليونانية، فلننطلق الى سورية الرومانية، من منَا لم يسمع ب”زنوبيا” ملكة تدمر التي تحدت سيطرة الرومان على شرق المتوسط وقاتلت الامبراطور اورليان عام 272 م ؟ … زنوبيا هذه، كذلك، كانت من عائلة “بتوليماوس” الاغريقية، وهي من “اليونان” الذين سكنوا المشرق آنذاك، وحكمت فسيفساء قومية في تدمر من يهود وآراميين وعرب ويونانيين.
اقليات غيرت وجه التاريخ...

ورغم ان اكثرية الرومان آنذاك كانوا وثنيين يضطهدون المسيحية، الا ان ذلك لم يمنع “قسطنطين الكبير” من ان يصبح “امبراطوراً رومانياً” رغم كونه من “الاقلية المسيحية” آنذاك، فوحّد الامبراطورية الرومانية من جديد واصدر مرسوم ميلانو “براءة ميلان”عام ٣١٣ مسيحية واعطى المسيحيين حرية العبادة وشملهم بعطف الدولة .

عزيزي القارئ، عندما تقرأ التاريخ بدقة … فإن “الصورة النمطية السائدة” في ذهنك عن “الهوية الحقيقية” لتلك الشخصيات التاريخية، ستتغير حكماً…

مثلاً…

– هل تعلم ان الرجل الذي بنى مدينة “القاهرة”، و”الجامع الازهر” عام 969 م، لم يكن عربياً ولا مصرياً؟… انه “القائد الفاطمي” “جوهر الصقلي” … وأصله من اقلية من “الروم من جزيرة صقلية الايطالية”… وهو وإن اعتنق الاسلام، الا انه لم يكن عربي الاصل.
– هل تعرف ان “صلاح الدين الأيوبي”، القائد التاريخي الذي يعظّمه العرب جيلاً بعد جيل، بسبب دوره في طرد  الفرنجة الصليبيين من القدس عام 1187م ، كان من “الاقلية الكردية”، ولم يكن من “الاكثرية العربية” التي حكمها؟
– أما أهم ملوك اسبانيا، وهو الملك “شارل الخامس” (1500-1588م)، الذي جعل “اسبانيا امبراطورية لا تغيب الشمس عن اراضيها”، فإنه لم يكن اسبانياً، بل كان “المانياً” من اسرة “الهابسبورغ”، وقد حكم أكثرية من الاسبان، وكان “لا يجيد اللغة الاسبانية حتى”.
اما “عصر اسبانيا الذهبي” الذي سمي “Siglo De Oro”… فقد كان فيه ملوك اسبانيا جميعاً، من “تلك الأسرة” الالمانية الغريبة…وما ان انتهى حكمهم حتى بدأ حكم عائلة جديدة لإسبانيا منذ عام 1700، وقد كانوا هذه المرة ايضاً، لا من “الاكثرية الاسبانية” بل “من الأقلية الفرنسية” من اسرة “البوربون”.
– فلننتقل الى فرنسا … من منا لا يعرف اسرة “البوربون” الشهيرة “آل بوربون”التي خرج منها اعظم ملوك فرنسا: “لويس الرابع عشر”… حسناً ، حميعنا يعرف تلك الأسرة…
ولكن من منا يعرف ان “مؤسس هذه الأسرة” واول ملوكها “هنري الرابع” كان من “الأقلية البروتستانتية” في فرنسا، والمعروفة باسم الهوجنوت HUGUENOTS وقد حكم أكثرية من الكاثوليك الفرنسيين، قبل ان يقتله “رافاياك”، احد المتعصبين الكاثوليك عام 1610، لأنه سمح للهوجنوت بحرية العبادة في فرنسا…
عزيزي القارئ …
– هل تعلم ان “الامبراطورة كاترين الكبيرة”، (1762 – 1796م)، اعظم قياصرة روسيا عبر التاريخ، والتي وسّعت مساحة روسيا ثلاثة اضعاف، وانتزعت من العثمانيين الحق بحماية ارثوذكس السلطنة، كانت من “اصل الماني بروتستانتي” من مدينة “شتيتن”، اعتنقت الأرثوذكسية وحكمت اكثرية ساحقة من الروس الأرثوذكس الذين احبوها حتى الرمق الاخير؟
– وهل تعلم ان “نابوليون بونابرت” (1769 – 1821م) ، باني مجد فرنسا ، كان من”اصل ايطالي” من جزيرة كورسيكا، وهو من “اقلية ايطالية” حكم “اكثرية من الفرنسيين”، وصار رمزاً لفرنسا؟
– وهل تعلم ان “الملكة فيكتوريا” (1819-1901م)، التي اصبحت أشهر ملوك بريطانيا وامبراطورة الهند، لم تكن “انكليزية” الاصل ، بل “المانية الأصل” من “عائلة هانوفر” حكمت أكثرية من الانكليز؟
– وهل تعلم ان اشهر رئيس وزراء بريطاني في التاريخ، دزرايلي (1804- 1881م)، كان من الأقلية “اليهودية” البريطانية واسمه “بنيامين بن اسحق دسرائيلي”؟
– وهل تعلم ان مؤسس مصر الحديثة، محمد علي باشا (1805-1848م)، وجميع احفاده ممن حكموا مصرحتى “الملك فاروق” عام 1953 ، كانوا من “الأقلية الالبانية” الذين حكموا اكثرية من المصريين؟
– وهل تعلم ان اعظم امير من أمراء جبل لبنان التاريخيين، الذي حارب النفوذ العثماني، ووسع حدود لبنان، ليبني “نواة لبنان الكبير”، كان من الأقلية “الدرزية اللبنانية”، وهو الامير فخر الدين المعني الثاني الكبير؟ (1572- 1635م).
– وهل تعلم ان “تروتسكي” مؤسس “الجيش الأحمر”، الجيش السوفياتي الشهير، عام 1918، كان من “الأقلية اليهودية” في الاتحاد السوفياتي، ابناً لمزارع يهودي اسمه “دافيد ليونتييفيتش برونشتاين”؟
– وهل تعلم ان “جوزيف ستالين”، اعظم رؤساء الاتحاد السوفياتي، لم يكن روسياً كأكثرية الروس الذين حكمهم… بل كان من “الأقلية الجورجية” في الاتحاد السوفياتي، ولد في “غوري – جورجيا”، لصانع أحذية اسمه “بيساريون دجوغاشفيلي”، وقد حكم روسيا منذ عام 1929 حتى وفاته عام 1953 … وبقي حتى وفاته، يتحدث الروسية “بلكنة جورجية”؟
– هل تعلم كذلك، ان “اشهر قائد الماني” في القرن العشرين، “ادولف هتلر” كان من “الأقلية النمساوية الكاثوليكية” ، وقد حكم “اكثرية من البروتستانت الألمان” وجعل المانيا لفترة اعظم دولة في اوربة قبل هزيمته في الحرب العالمية الثانية عام 1945؟
– وهل تعلم ان “تشي غيفارا”، قائد الثورات الشيوعية في اميركا اللاتينية، قبل استشهاده عام 1967م… هو في الاصل “ليس من اميركا اللاتينية”: لا من “شعوبها الاصليين” ولا “من المستوطنين الاسبان”… بل هو سليل “اقلية من الايرلنديين”. وتحديداً هو “ارنستو غيفارا لينش”، احد احفاد “باتريك لينش” الذي هاجر من ايرلندا عام 1740م الى “ريو دي لا بلاتا” في الارجنتين حيث استقر وأسس مستوطنة هناك؟

عزيزي القارئ…

ومن ذاكرتنا المشرقية الحاضرة …

كلما ذكرنا سورية… ذكرنا  البطريرك العظيم غريغوريوس حداد بطريرك الرحمة الذي بايعه مفتو سورية الكبرى نبياً  ” لو اجاز لنا ديننا اتخاذ نبي بعد محمد لقلنا عليك رحمات الله يامحمد غريغوريوس ياقائد الامة السورية يابطل سورية
من منا يستطيع ان ينسى”رئيس وزرائها” “فارس الخوري” لثلاث دورات ابن الكفير الارثوذكسية مولداً، ابن دمشق موطنا تلميذ آلآسية الدمشقية الارثوذكسية … والمدرس العظيم بها وربيب البطريرك غريغوريوس حداد، ومن احد صناع استقلال سورية الوليدة منذ الدولة الفيصلية 1918 الى مطلع السبعينات  وبطال الجلاء عن سورية عام 1945… مذكّرين انه كان  روم ارثوذكسي واعتنق البروتستانتية بينما بقي شقيقه فائز بك الخوري ارثوذكسيا وكان كشقيقه الاكبر فارس من المناضلين عن سورية وصناع تاريخها منذ الثلاثينات الى السبعينات وعضو المجلس الملي الارثوذكسية و والوزير باستمرار فيها…
وذكرنا كذلك “قائد ثورتها” ضد الاحتلال الفرنسي “سلطان باشا الأطرش”،” قائد الثورة السورية الكبرى(1925-1927)” مذكرين انه كان من “الاقلية الدرزية فيها” وكان معه مستشاره ورفيق نضاله بأشد الاخلاص  عقلة بك القطامي المسيحي الارثوذكسي ابن الجبل الأشم….الذي رد على المحقق الافرنسي عند محاكمته عن السبب بقتاله لهم وهو المسيحي والفرنسيين مسيحيون اجاب عقلة بك انا سوري مسيحي ارثوذكسي، قوميتي سوري ولست افرنسي وحقي ان احرر سورية بالرغم من الدين الواحد…
وكلما ذكرنا سورية كذلك… ذكرنا رئيسها حسني الزعيم، الذي كان رغم سيئاته، اول من اعطى المرأة السورية حق التصويت، واول من حكم سورية من خارج نادي العائلات الغنية، وقد كان من “الأقلية الكردية” في سورية، قبل ان يطاح به عام 1949.
وكلما ذكرنا اليس قندلفت ود.جورج طعمة مندوبا سورية في الامم المتحدة وهما من الروم الارثوذكس الدمشقيين.
وكلما ذكرنا سورية كذلك، ذكرنا رئيسها “حافظ الاسد”، الذي فرض الاستقرار بعد فترة من الانقلابات المتتالية… ذلك الرئيس الذي حكم سورية من عام 1971 حتى عام 2000م … كان ايضاً من “الاقلية العلوية”، وقد جعل لسورية حضوراً ونفوذاً لا يستهان به في الشرق الاوسط.
كلما ذكرنا لبنان… ذكرنا دوره في “صناعة الاعلان العالمي لحقوق الانسان”… ومندوبه “شارل مالك” الذي “صاغ ديباجة الشرعة العالمية لحقوق الانسان” عام 1948… ذاك الرجل كان ايضاً من “الاقلية الرومية الارثوذكسية” في لبنان…

ومن ذاكرتنا الشرقية الحاضرة…

كلما ذكرنا العراق، تذكرنا فوراً رئيسها “صدام حسين”… الذي جعل للعراق حضورا قويا في المنطقة، قبل ان يطاح به عام 2003 … وهذا الرئيس الذي طبع العراق بطابعه لعقود… كان كذلك من “الاقلية السنية” وقد حكم اكثرية من الشيعة في العراق…

ومن ذاكرتنا الاقليمية الحاضرة …

فنحن ما ان نذكر “ايران” حتى يتبادر الى ذهننا صورة “الامام الخميني” قائد الثورة الاسلامية الايرانية عام 1979م … ولكن، من منّا يعرف ان الامام الخميني في الاصل ليس من “سلالة فارسية”… بل هو من “الاقلية العربية” في ايران التي قادت “أكثرية من الفرس”… ذلك ان الاسم الحقيقي للامام الخميني هو “روح الله الموسوي الخميني”، سليل الأسرة الهاشمية العربية من حيث النسب،السلالة العربية نفسها التي يتحدر منها نبي المسلمين محمد والامام علي والحسن والحسين.

ومن ذاكرتنا الدولية الحاضرة…

هل يمكننا ان ننسى ان احد اكثر رؤساء الولايات المتحدة شهرة وشعبية، الرئيس جون كينيدي، كان من الاقلية “الكاثوليكية” وقد حكم أكثرية من البروتستانت قبل ان يتم اغتياله عام 1963؟
وهل يمكننا ان ننسى ان احد اشهر رؤساء العالم، الرئيس الأميركي باراك اوباما، كان من “الأقلية السوداء”، وقد حكم “اكثرية من البيض”، وذلك بعدما انتخبته تلك الأكثرية لدورتين متتاليتين؟ (2009-2017).
وهل يمكننا ان ننسى ان احد اهم رؤساء باكستان “ذو الفقار علي بوتو” (1971-1973)… كان من “الاقلية الشيعية”، وقد حكم أكثرية ساحقة من السنة في باكستان؟
وهل ننسى ان الرئيس الذي حكم الأرجنتين من عام 1989 حتى عام 1999 اسمه “كارلوس منعم”، وهو احد افراد “الأقلية السورية” في الأرجنتين ، ومثله رئيس البرازيل الحالي ميشال تامر ذو الأصل اللبناني؟
من حيث السياسة، تحدثنا كثيراً عن دور “قادة” من “الاقليات” قادوا شعبهم ودولهم سياسيا دون ان يشعروا “بعقدة الأقلية” تجاه “الاكثرية” …

ويضيق بنا المجال للتحدث عن دور الأقليات كذلك في “حركة الفكر” …

يكفي ان نذكر ان “ابن سينا وابن المقفع والخوارزمي والغزالي كانوا من “الاقلية الفارسية” المستعربة بين اكثرية من العرب، وابن الرومي من الاقلية اليونانية الرومية ” المستعربة بين اكثرية من العرب، وابن ميمون من الاقلية “اليهودية” المستعربة بين اكثرية من العرب، وابن خلدون من “الاقلية البربرية” المستعربة بين اكثرية من العرب… وهل تعلم ان الذين قادوا النهضة الادبية في اللغة العربية في القرنين التاسع عشر والعشرين كانوا كذلك من “الاقليات الناطقين بالعربية”؟ فاليازجيان وميخائيل نعيمه وايليا ابو ماضي كانوا من الروم، وجبران خليل جبران والياس ابو شبكه من الموارنة.
وفي اوروبا، نذكرالفيلسوف سبينوزا الذي كان من “الاقلية اليهودية” بين اكثرية من المسيحيين، و”كارل ماركس” الذي كان من الاقلية اليهودية بين اكثرية من المسيحيين، و”اينشتين” الذي كان من الاقلية اليهودية بين اكثرية من المسيحيين… وهل ننسى “سنان” المهندس العظيم باني مسجد سليمان القانوني، و “معلم” المهندس الذي بنى المسجد الازرق في تركيا، و هو كذلك ابن لعائلة من اقلية من الروم الاناضوليين عاشت وسط اكثرية من الاتراك المسلمين…
وماذا عسانا نقول عن الدور الذي لعبته بعض “الأقليات” الناشطة مالياً (كأسرة روتشيلد اليهودية في اوروبا وتأثيرها على الحكومات) .. او الناشطة فنياً وعلمياً وتأثيرها على الاكثريات الشعبية في مختلف نواحي الحياة…
ما قصدنا اليه في هذا المقال، هو ان نشدد على ان “الاقليات” لا يجب ان تنظر الى نفسها “كمجموعة لا قيمة لها” … فالتاريخ يشهد… انها عندما تصرفت “بانفتاح” على محيطها… ابدعت وقادت وصنعت التاريخ…
وعلى الأكثريات كذلك ان تنظر الى تلك الاقليات، لا “كمجموعة لا قيمة لها”… بل ان تساعدها في الحفاظ على حقوقها وحضورها … فالاقلية قد تصنع مجد الاكثرية التاريخي، تماما كما ان الاكثرية قد تصنع مجد الاقلية التاريخي…
والأكثرية قد تصبح اقلية في زمان آخر او مكان آخر… تماماً كما ان الأقلية قد تصبح أكثرية في زمان آخر او مكان آخر.
اما حق الوجود، حق المساواة والحرية… فذلك “اكبر واعظم… من اي اقلية واكثرية …في اي زمان ومكان.
( من صفحة نسور الروم- بتصرف واضافات)

واختم بقولي انا

اني ارفض منطق الاقلية وخاصة عندما يُطلق علينا نحن مسيحيو سورية والمشرق فان امسى عددنا قليلا بسبب مامر علينا من اضطهادات وظلم في اكثر العهود الاسلامية من هذه الاضطهادات بتخطيط من الحكام والخلفاء كا المماليك وابرزهم الظاهر بيبرس  والفاطميين  وابرزهم الحاكم بأمر الله والمعز لدين الله…  او كانت عبارة عن ردات طائفية كما حصل في حلب وبعلبك والقلمون 1850 وفي جبل لبنان وزحلة والبقاع الغربي ودمشق الأكثر وجعا في مأساة 1860 …الا اننا  كنا ومازلنا زهور المشرق والفاعلين الرئيسيين في نهضته واسماء اعلامنا المحكية هي غيض من فيض من هذه الزهور الفواحة.

 

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *