الأيقونات المقدسة بين فَكيّ “العروبة” و “الأَسْلَمَة” !!!
مهما كانت محبتك لفلسطين كبيرة، ومهما كنت تريد إظهار تضامنك مع الفلسطينيين في غزّة، هذا لا يعطيك الحقّ أبداً في أن تعبث بالأيقونات المقدسة وبما تحويه من رموز ومعاني لاهوتية وعقائدية.
إن تركيب مثل هذه الصور لا يأتي عبثاً ولا يولد من فراغ، لأنّ “فبركة” نموذج كهذا ما هو إلاّ تكريس لمفاهيم تاريخية وسياسية خاطئة، وتصريحات كاذبة ومشوّهه للحقيقة ومزيّفة للكتاب المقدس والتاريخ، يُهلِّل ويصفّق لها بعض المسيحيين البُسطاء، عن جهل، كالتي أدلى بها في إحدى المرات رئيس السُلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس لمّا قال أن “المسيح فلسطيني”!! وفي مناسبة أخرى صرّح صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين قائلاً: “المسيح هو أول شهيد فلسطيني بعد مقتله على يد الرومان”!!!
كما حضرت إلى ذاكرتي شخصية “إم عطا” المرأة المسلمة المُحجّبة في مسلسل “حارس القدس” الذي عُرض في شهر رمضان سنة 2020 والتي تجاسر “المطران إيلاريون كبوجي” على تشبيهها بالسيدة الكلّية القداسة والدة الإله الدائمة البتولية مريم!!!
مع إحترامي الكامل لمشاعر هذه الأم المفجوعة بمقتل إبنها، وتعاطفي معها، وبغضّ النظر عن السبب الذي مات لأجله والظروف التي قُتِلَ فيها… ولكن هل هذا يعطيكم الحقّ بأن تُماهوا بينها وبين السيدة والدة الإله العذراء، وبين إبنها القتيل وبين السيد المسيح له المجد؟! لدرجة أنّ البعض لم يخجل من التعليق عليها بمطلع ترتيلة من الطقس الماروني: “أنا الأمّ الحزينة وما من يُعزّيها، فليكن موتُ إبنكِ حياةً لطالبيها”؟!!!!
لماذا تخلطون بين ما لا يُمكن الخلط بينهما أبداً؟ ولأي سببٍ تفعلون ذلك؟ وإرضاءً لمن؟ هل مات السيد المسيح على الصليب في سبيل قضية وطنية أو من أجل صراعٍ سياسي بين الرومان واليهود ودفاعاً عن أرض وهو الذي يقول: “أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله” (مرقس 17:12) وأيضاً: “مملكتي ليست من هذا العالم” (يوحنا 18: 36).
هل قُتل السيد المسيح على الصليب لأنه كان يرشُق الرومان بالحجارة في هيكل سليمان بعدما إقتحموه أو لأنه كان يقصفهم بالصواريخ وهم كانوا يردّون عليه القَصف بالمِثل؟؟؟
هل إحتضنت العذراء ولدها بعد إنزاله عن الصليب وبكَتهُ لأنه حمل السلاح وضحّى بحياته ومات “شهيداً” في سبيل القضية القومية لبني إسرائيل مناضلاً من أجل تحرير أورشليم والهيكل من الرومان؟؟!!
يكفيكم تلاعباً بالمقدسات المسيحية واستخفافاً واستهتاراً برموزنا الإيمانية وتمييعاً لها، وإلباسها عباءَة العروبة والإسلام من أجل تسويق أفكاركم الخاصة وعقائدكم السياسية.
من أنتم لتعبثوا بالأيقونات ومن الذي يُبرّر لكم أن تُسقِطوا عليها الفكر العروبي القومجي والصراع العربي الإسرائيلي، الذي لم يَعُد خافياً على أحد أنه في جوهره صراع ديني إسلامي يهودي، جذوره تاريخية، تعود إلى عهد رسول الإسلام وعداوته وحربه مع يهود خيبر وبني قينقاع وبنو قُريظة والنظير في شبه الجزيرة العربية…
إذا كنتم أنتم الذين تُسمّون أنفسكم “مسيحيين” تقومون بهذه الإسقاطات، ولديكم هذا الاستخفاف بالقيمة اللاهوتية والعقائدية للصور الدينية، فماذا تركتم وأبقيتم لغيركم إذن؟ وأيُّ لومٍ أو عِتابٍ يمكننا أن نوجّهه بعد ذلك لشخص غير مسيحي تجرّأ وتطاول على رموزنا الإيمانية في الأيقونات المقدسة ؟!
بقلم: رومانوس الكريتي