الأيقونة البحمدونية.أم النِّعَمْ السّريعة الاستجابة

الأيقونة البحمدونية.أم النِّعَمْ السّريعة الاستجابة

الأيقونة البحمدونية.أم النِّعَمْ السّريعة الاستجابة

التي فاض منها الزيت لأسابيع

إيقونة السّيّدة “البحمدونيّة”

سيدتنا أم النِّعَمْ، السريعة الاستجابة، العجائبية، (بحمدون) هي نسخة عن الأيقونة التي صورها القديس لوقا الإنجيلي في حياة السيدة العذراء. هي من روائع الفنّ في القرن الخامس المسيحي، وقد ظهرت على شاطئ البحر بالقرب من كورنثوس سنة 1147م وفي سنة 1554م نقلت إلى إنطاكية وسنة 1857م نقلها غبطة البطريرك “أيروثيوس” (1850-1885) إلى بلدة بحمدون بجبل لبنان. وهي التي صلى أمامها غبطة البطريرك غريغوريوس الرابع (1906-1928) يوم مرضه المشهور في عينيه (1928) وظهرت له يومئذٍ وشفته من هذا المرض الوبيل.
تمجدت هذه الأيقونة العجائبية منذ القرن الخامس بوفرة عجائبها. فهي من أشهر أيقونات والدة الإله العجائبية في الشرق، لأنها كانت الطبيب الشافي في الأمراض الصعبة والأدواء الوافدة، والمعزية الحنون للحزانى، والمساعدة القوية للمجاهدين في سبل الإيمان القويم، والنصيرة السريعة في الدواهي والملمات، والصائنة لطهارة العائلات، والغنى للفقراء، والقوة للضعفاء، والفرح للمغمومين، والمعتنية بالأطفال، والهادية للجهلاء والضالين، والرجاء للبائسين، والأم الرؤوم لجميع الملتجئين إليها بإيمان. فبالصلاة الحارة أمامها لأم الإله أَبصر العميان وسمع الصمّ ونطق البكم واستقام الحدب وقفز العرج وشفي المشلولون وجميع المصابين بأنواع الحميات وتشويهات الأعضاء البدنية.
عرف أهالي بلدة بحمدون قوة أم الإله فعظموها وكرموا أيقونتها المقدسة بتشييدهم لها كنيسة عظيمة بفخامة بنيانها وجمال قدسيّاتها وغنى أوانيها وأثاثها ووفرة تقادمهم لها وعلى الأخص بمواظبتهم على الصلاة أمامها بالورع والتقوى والاحترام اللائق ببيوت الله على العموم.
إن هذه الأيقونة العجائبية إنما هي نسخة طبق الأصل عن الأيقونة (الراحمة) التي صورها القديس لوقا الإنجيلي في السنة الخامسة عشرة بعد صعود الربّ وعُرفت فيما بعد (باوديغيتريا) أي القائدة. وتُذكر في صلاة (الباراكليسي) الابتهال هكذا: (لتصمت شفاه الذين لا يسجدون لأيقونتك المقدسة قائدة العميان التي صورها لوقا الإنجيلي الكلي الطهر). وهي من بدائع فنّ التصوير في القرن الخامس. وقد نقلت إلى إنطاكية سنة (1554)، ومنها استجلبها سنة (1858م) إلى بحمدون المثلث الرحمات البطريرك الإنطاكي إيروثيوس ووصفها لأهلها كما يلي:
المجد لله دائماً
في 2 تموز سنة 1857م
بلدة “بحمدون”.
إن المثلث الرحمات البطريرك إيروثيوس يريد أن يشير إلى ما يتواتر عنه في التقليد القومي في بحمدون بقوله: (إن عمل الله الذي أجراه اليوم في هذه القرية الصغيرة بواسطة أيقونة أمه الكلية القداسة…) ألا وهو أنه لما بلغ بحمدون لم يستقبله إلا بضعة رجال فتعجب من ذلك لِمَا كان يعلم من تقوى أهلها وسأل عن السبب فأجيب: إن هذه البلدة داء وافداً أَلا وهو الهواء الأصفر المخيف وقد توفي فيه بعض وبعض آخر على وشك الوفاة. فالناس يتجنبون في مثل هذه الحالة مخالطة بعضهم بعضاً خوفاً من انتشار الداء المرعب فضلاً عن الحزن المالئ القلوب والكمد المستولي على النفوس. حينئذ هدأ البطريرك اضطرابهم وسكّن روعهم بنصائحه الحكيمة وإرشاداته الأبوية وانتدبهم لإقامة صلاة ابتهال معه أمام هذه الأيقونة العجائبية فلبوا الدعوة الأبوية. وبعد الصلاة حمل البطريرك الأيقونة وزار بها بيوت المصابين بالداء المخيف وباركهم بها فقبّلوها بكل ورع وتقوى وهم واثقون بقوتها العجيبة فشفوا لساعتهم. وكذلك زار بيوت المتوفين ساكباً بلسم العزاء السماوي على قلوب عيالهم. وهكذا كفَّ البلاء عن البلدة. وإجابة لإلحاح الأهالي وبكائهم أمام البطريرك وهبهم الأيقونة لتكون الواقية لهم من كل ضرر ورزية. ومن ذلك الحين لم تُمنَ بحمدون بداء وافد بل أصبحت محط رحال المصطافين من الوطنيين والأجانب وكفى بذلك شاهداً محطة بحمدون التي لم يكن فيها منذ خمسين سنة إلا خان يأوي إليه المسافرون وقد أضحت الآن أشهى مصطاف لظرافة منازلها ومواتاتها لهناء السكنى وراحة المعيشة.
* إبان ثورة سنة (1860م) هاجم الثائرون وعددهم نحو خمسة آلاف رجل من بلدة بحمدون فلاقاهم الآهلون بعد أن اجتمعوا في الكنيسة وسألوا بالصلاة والابتهال خاشعين معونة الحامية العزيزة التي لا تحارب وردوهم عنها دون أن يضروا بها. وقد شهد الثائرون بأنهم رأوا امرأة في حلة ذهبية تتقدم جماهير الآهلين.
البطريرك “غريغوريوس” الرّابع “حدّاد”. *وفي سنة (1912م) لما دُعي البطريرك الإنطاكي القديس غريغوريوس حداد الرابع ليترأس حفلات يوبيل الثلاثمائة سنة لتملك بيت رومانوف في الروسية جاء بحمدون وأراد أن يأخذ هذه الأيقونة معه ليقدمها هدية للإمبراطور الحسن العبادة نقولا الثاني فأخذها وعوّض عنها بأيقونة بديعة التصوير من جبل أثوس المقدس كلَّفته مئة ليرة فرنسية ذهباً لتوضع في مكانها. واتفق أنه لما وصل إلى دمشق جاءها الأرشمندريت فيليمون حداد ليتداوى من مرض النوم ونزل في دار البطريركية في المقصورة التي كانت فيها الأيقونة. فابتهل أمامها إلى والدة الإله فظهرت له ليلاً وقالت: (كن معافىً) فشفي لساعته. وفي الغد التمس من البطريرك أن يهبه إياها فأجاب التماسه لأنه كان يعزه لصحة إيمانه وصدق تقواه فأخذها إلى قريته الخيام في منطقة مرجعيون وأقامها في الكنيسة. وخلفه الخوري نقولا طعمة في خدمة الكنيسة واتفق له أن أخبر أرشمندريت مطرانية بيروت (مطران لبنان الحالي ايليا الصليبي) عن عجائبها المتتالية وأنه سمع منها صوتاً قائلاً: (أريد أن أكون في مثواي في بحمدون) فالتمسها سيادة الأرشمندريت إيليا من مطران الأبرشية يومئذ السيد ثيوذوسيوس أبي رجيلي فسمح له لقاء نسخة عنها طبق الأصل وحلة كهنوتية لكنيسة قرية الخيام .

ونقلها الارشمندريت إيليا  الصليبي في 26 نيسان إلى دير العذارى في بيروت .

*واتفق أن جاءت يومئذ الحاجة مريم السمرا رئيسة دير  سيدة صيدنايا  البطريركي إلى بيروت لتعمل عملية جراحية في المرارة بواسطة طبيبها النطاسي الماهر المرحوم أسعد عفيش في مستشفى القديس جاورجيوس مستشفى الروم ببيروت تنظيفاً لها من الحصى. فلما عرفت بوجود الأيقونة في دير سيدة الأشرفية سألت أن يؤتى بها إلى غرفتها فأجيبت إلى سؤالها. وفي الليل صلت أمامها راكعة بكل ورع وخشوع وملتمسة الشفاء من دائها فسقط للحال من مرارتها اثنتان وعشرون حصاة فاستغنت عن العملية الجراحية الخطرة وعادت إلى ديرها معافاة سليمة ترنم لأم الإله: (لا يسارع أحد إليك ويرجع من لدنك خازياً أيتها البتول النقية أم الإله بل يسأل النعمة فيحرز الموهبة بحسب ما يوافق طلبته) .

زياح بالإيقونات في “روسيا”. أوائل القرن العشرين.

*وفي بيروت لجأت إليها السيدة لورنس طراد بعد أن أعيا داؤها أمهر الأطباء مبتهلة بإيمان حارٍّ فظهرت لها أمُّ الإله ومنّت عليها بالبرء من دائها المميت .
*وفيها أيضاً أنعمت العذراء بواسطة أيقونتها هذه العجائبية على السيد جورج ابن المرحوم ناصيف الريس بالشفاء لما لم تفده العملية الجراحية في جوفه فراح يكثر من المبرات شكراً لها على أنعامها العظيم. واستصنع لها حلّة فضية نادرة المثال بديعة الصنعة.
*وفيها أيضاً جادت العذراء بواسطة أيقونتها على السيدة لبيبة كرم بالبرء من داء السرطان في معدتها بعد أن أخفقت معالجتها بالكهرباء وجميع الطرق الفنية.
*وظهرت العذراء مريم للمرحوم ناصيف كرم والد نيافة السيد إيليا كرم مطران لبنان وشفته من داء الفالج بعد أن عالجه سنة تقريباً. وكان ظهورها له في الخامس والعشرين من آذار يوم بشارة رئيس الملائكة لها بالنعمة الشاملة العالم كله.
* وفي اليوم الثامن من آذار مرض المثلث الرحمات المطران جراسموس مسرة بالتهاب الرئتين وجزم أطباء بيروت باستحالة شفائه فاستحضروها ولجأوا إلى معونتها عن إيمان حار فشفي ساعة دخولها إلى غرفته.
*وحدث لأسعد حنا الهبر صهر الدكتور بشارة اندراوس في طريقه إلى بغداد أن كان قدامه خمسون سيارة غارقة في وحل البادية ولا تستطيع التقدم. حينئذ أقام صورة هذه الأيقونة العجائبية على مقدم سيارته واستدعى معونة والدة الإله فجرت سيارته في الحال فصفق له السائقون وتبعوهُ فرحين معظمين العذراء .
*وفي الثّامن من نيسان عام (1938م) جزمت جمعية الأطباء بعدم شفاء الدكتور فؤاد سعد من دائه العياء فاستقدم أهله هذه الأيقونة العجائبية فصلى أمامها السيد إيليا كرم مطران لبنان صلاة الابتهال وما أن انتهى من الصّلاة عند سرير المريض المدنف حتى سقطت حرارته وتكلم مخبراً عن أن راهبة بيضاء ظهرت له في الرؤيا وسقته دنًّ ماء فعاد إلى الحياة.
* واشتد داء امرأة الدكتور توفيق كرم من بلدة حامات وفي 25 أيار ساءت حالها جداً في الجامعة الأمريكية حتى أوعزت إدارة مستشفاها بنقلها منه ولكن لم تبطئ أن فارقت الحياة وهُيّئَ لها التابوت إلا أن والدتها أصّرت على عدم نقلها عن سريرها حتى تستحضر الأيقونة العجائبية المقدسة. فلما وضع سيادة مطران لبنان السيد إيليا كرم هذه الأيقونة على صدر الميتة أمام أطباء المستشفى حتّى عادت إلى الحياة فبارك الجميع الله الفاعل العجائب بواسطة أيقونة أمه الفائقة القداسة.>
المطران “إيليّا كرم”.
** إن امرأة خير الحداد من بلدة دوما لما لم يهبها الله ثمرة بطنها ذهبت مرتين إلى أوربا رجاء أن تحصل على منيتها بالوسائط الطبية. ولكن لما خاب رجاؤها استحضرت هذه الأيقونة المقدسة فصلى أمامها في منزلها نيافة مطران لبنان السيد إيليا كرم. وما انقضت على تلك الصلاة الإبتهالية تسعة أشهر حتى رزقت المرأة ولداً.
† وبعد أن صار الأرشمندريت إيليا كرم مطراناً للبنان نقلها إلى بحمدون. وفي يوم أحد القديس الرسول توما احتفل فيها بالقداس الإلهي واجتمع إليه الآهلون يهنئون بسيامته مطراناً قائلين: أنت يا سيدنا أعدت الأيقونة إلى بحمدون فأنت أحق منا بها. ولكن لما كان سيادته يعرف شدة تعلقهم بها ولا سيما بعد غيابها الطويل عنهم لم يرد أن يحرمهم إياها فشكرهم وعاد فقدمها لهم. فهي الآن في الكنيسة التي شيدها لشرفها في بحمدون لا تزال تفيض النِّعَمْ والبركات والأشفية لكل ملتجئ إليها عن إيمان.
† وفي اليوم الثامن من أيلول سنة (1928م) أطلق عليها البطريرك القديس غريغوريوس الرابع في احتفال حافل في كنيسة بحمدون اسم (السريعة الإجابة) مضافاً إلى اسم (أم النِّعَمْ) بمناسبة ظهورها له في اليوم السابع من شهر آب في تلك السنة وشفائها لعينيه من المياه السوداء.
فيا والدة الإله الأم الحنون! يا أم النِّعَمْ السريعة الإجابة! يا رجاء العالمين بعد الله وشفيعة الخاطئين التائبين أمام عرشه الإلهي وهادية الضالين إلى نور المعرفة الحقيقية معرفة ابنك ربنا وإلهنا يسوع المسيح شعاع الآب ورسم جوهره الإلهي الذي نعاين به النور. لا تهملينا في الضيقات ومصاعب هذه الحياة ورزاياها. آمين.

المرجع:

عن كتاب “حياة العذراء والدة الإله على الأرض”. الأرشمندريت توما ديبو المعلوف. طُبع سنة 1947، أعاد طبعه دير مار الياس شويّا سنة 2008. بتصرف منا…

 

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *