الإنجيل الواحد

الإنجيل_الواحد

الإنجيل الواحد

لفظة الانجيل

اشتقت لفظة “الإنجيل” باللغة العربية من مثيلتها اليونانية “إيفانغيليون”، وتعني في الأصل “النبأ السعيد”.

كانت هذه اللفظة تُطلق على الرسول الحامل بشارة الانتصار. وكانت العادة تقضي بعودته فور تحقيق الانتصار، لكي يبشر الشعب به فيهيء بدوره مراسيم استقبال الملك والجيش العائدين، بأكاليل الغار.

لقد أطلق المسيحيون الأوائل هذه اللفظة على حاملي بشارة الرب يسوع المسيح، باعتبارها البشرى الأسعد للبشرية، حسب قول الملائكة للرعاة: “ها أنا أبشركم بفرح عظيم… ولد لكم مخلص وهو المسيح الرب ” (لو ۲/ ۱۰-۱۱). ومن ثم حملت الكتب التي تتكلم عن هذه البشرى السعيدة”،

هذا الاسم. كما عُرف كاتبوها بالإنجيليين وصارت تالياً، مصطلحاً مسيحياً، منتشراً في كل اللغات.

الانجيل الواحد

رموز الانجيليين الاربعة
رموز الانجيليين الاربعة

بشرى المسيح واحدة، وتالياً الإنجيل واحد، وهو بشارة يسوع المسيح، التي لا تقتصر على تعليمه وعجائبه، بل تلتحم بشخصه، وما حققه من أجل خلاص البشر. وصلت هذه البشارة السعيدة في أشكال أربعة. فقد كتبها أربعة من تلاميذ المسيح؛ اثنان منهم من الاثني عشر (متى ويوحنا)، واثنان من تلاميذهم (مرقس ولوقا).

نقول، اختصاراً، إنجيل متى أو مرقس أو لوقا أو يوحنا، ونعني بذلك بشارة المسيح كما رواها أحد هؤلاء الإنجيليين الأربعة. يوجد إنجيل واحد، إذن، لا عدة أناجيل في المسيحية. وتفادياً للتشويش واللبس بدأت الطبعات الجديدة المدققة علمياً، منذ سنوات عديدة، تستخدم عبارة “الإنجيل كما رواه فلان، أو بحسب فلان”. ولأن الإنجيل هو بشارة المسيح له المجد لم يكتب الإنجيليون الأربعة سيرة حياة المسيح بالتفصيل، بل بشارته. هكذا يبدأ مرقس “بدء إنجيل يسوع المسيح ” ( مر ۱/۱)، بينما يبدأ متى بسلسلة نسب تبدأ بإبراهيم وتنتهي بيوسف، ومن ثم ينتقل إلى ميلاد يسوع. بدأ كثيرون على قول لوقا الإنجيلي، بكتابة تعليم يسوع المسيح من بعد قيامته وصعوده إلى السماء. وقد درجت في عالم الأدب، عادة نسب الكتاب إلى اسم شخصية مهمة، بغية رواجه وانتشاره. ولكن الكنيسة، بالروح القدس الحاضر فيها، واستناداً إلى معايير دقيقة، لا تتسع هذه المقالة للتطرق إليها، ميزت بين الكتابات الأصيلة وتلك المزيفة أو المنحولة. فأبقت على النسخ الأربع، المعروفة لدى المسيحيين منذ القدم وحتى اليوم، ونبذت البقية.

لعبت صورة المسيح الحي والقائم من بين الأموات الدور الأهم في تجميع أقواله وعظاته وعجائبه، وما قام به في أثناء حياته الأرضية، قبل صلبه وموته. فقد انطلق التلاميذ بعد العنصرة، إلى التبشير بالمسيح القائم من بين الأموات. وساهمت ثلاثة عناصر أساسية في تجميع الصيغ الأولى لبشارته.

كان العنصر الأول هو الوعظ، ومنه الموجه إلى اليهود، مستنداً إلى يسوع، “الذي صلبتموه ولكن الله أقامه ونحن شهود على ذلك”

. أما ذاك الموجه إلى الوثنيين، فكان يتمحور حول شخص المسيح المخلص، الذي جاء إلينا، ومات وقام والعنصر الثاني هو الليتورجيا القداس الإلهي)، التي بدأوا يقيمونها، بناء على طلب الرب “اصنعوا هذا الذكري”، وكانت مناسبة لتذكر وتكريم ما فعله المسيح وقاله، وصولاً إلى كلمات العشاء الأخير.

أما الثالث فكان التعليم المسيحي، الذي اضطرهم إليه انطلاقهم إلى التبشير بالإيمان الجديد، وتالياً شرح واستذكار كل ما رأوه وشهدوا عليه من تعليم الرب وأعماله. هذا، كله، تم لأن الذي رأيناه وسمعناه نبشركم به لتكونوا أنتم أيضاً شركاءنا” (١ يو ٣/١). فالذين كتبوا كانوا شهوداً حاضرين لأن الحياة قد تجلت فرأيناها، والآن نشهد لها، ونبشركم بالحياة الأبدية” ( ١ يو ۲/۱). وعلى حد قول الرسول بطرس سمعنا نحن هذا الصوت آتياً من السماء إذ كنا معه على الجبل المقدس ” ( ۲ بط (۱۸/۱) . فالكتابة تمت بوحي الله، لا بدافع بشري “لأن ما من نبوءة، على الإطلاق، جاءت بإرادة إنسان، ولكن الروح القدس دفع بعض الناس إلى أن يتكلموا بكلام من عند الله ” (۲) بط ۲۰/۱).

كتب كل من الإنجيليين الأربعة بشارة المسيح، انطلاقاً من الهدف الذي دعته إليه البشارة بالمسيح. هذا تم بوحي إلهي، حتى تظهر صورة المسيح، وكذلك عمله وتعليمه الخلاصيين ببيان أكثر وضوحاً وبتفصيل وعمق أكبر مثلهم في ذلك مثل من يأخذ صورة فوتوغرافية لشخص ما من عدة زوايا من هنا جاء تمايز كل كتاب عن الآخر، وإن احتوت الكتب الأربعة أحداثاً كثيرة، لكنها واحدة، وأقوالاً كثيرة، لكنها متشابهة. قدم كل منهم بشارة المسيح بالطريقة الفضلى، التي كان المبشرون يفهمونها، وذلك بإلهام الله ، حتى تصل إليهم على حقيقتها. الإنجيلي متى على سبيل المثال، الذي بشر في سوريا الطبيعية، ووجه كتابه إلى اليهود، ربط أحداث حياة المسيح بنبوءات أنبياء العهد القديم، واستشهد بآيات من كتبهم، ليبين لهم أنه المسيح الموعود المنتظر.

أما مرقس، الذي بشر الوثنيين في روما، فما ذكر هؤلاء الأنبياء، بل ترجم كل كلمة عبرية اضطر، إلى استخدامها، إلى اللاتينية، لكي يعرف قراؤه معناها.

وضع متى تعليم المسيح وفق ترتيب يبين أن المسيح هو موسى الجديد الذي يعطي الشريعة الكاملة على الجبل) التي تبطل الشريعة القديمة الناقصة، كما أكثر من تعاليمه، له المجد، في كتابه.

أما مرقس فكتب عن أعمال المسيح أكثر مما أورد عن تعاليمه، لأنه يخاطب الرومان المولعين بالقوة، لكي يُظهر لهم وجه المسيح الإله الأقوى، ويقول إن ما عمله المسيح عجزت عنه الآلهة التي يعرفونها.

رموز الانجيليين الاربعة

رموز الانجيليين الاربعة
رموز الانجيليين الاربعة

اختار التقليد الكنسي رمزاً خاصاً بكل إنجيلي، مأخوذاً من صور الكائنات الأربعة، التي وردت في رؤيا النبي حزقيال. ذلك بسبب ما وجدته الكنيسة من علاقة بينها وبين مضمون كل كتاب.

فرمز متى الإنجيلي هو شبه الإنسان، لكونه تكلم كثيراً عن المسيح ابن الإنسان.

أما مرقس الذي أبرز قوة المسيح، فرمزه الأسد،

بينما لوقا، لكثرة ما أبرز من تعاليم وأمثال المسيح الرحيمة، حتى دعي بحق إنجيل الرحمة، فرمزه الثور الذي كان يقدم ذبيحة رحمة.

أما يوحنا، الذي حلق في سماء لاهوت المسيح وتجسده، فرمز له بالنسر.

الكتب الازائية

تضم الكتب الثلاثة الأولى الكثير من الأحداث والأقوال المتطابقة، لذلك تدعى بالكتب الإزائية كون علماء الكتاب المقدس وضعوا هذه الأحداث والأقوال في أعمدة متوازية، بغية مقارنتها.

أما يوحنا الذي كتب البشارة الإلهية في أواخر أيامه، ومات شيخاً قارب المئة سنة، فلم يجد حاجة لتكرار ما كتبه السابقون. وجاء كتابه متميّزاً في الأسلوب وطريقة العرض، فدعي بالإنجيل الروحاني، مع أنه أبرز لاهوت التجسد كما لم يتكلم غيره عنه.

موقف الكنيسة

تظهر الكتب الأربعة أبعاد شخص المسيح وبشارته بغنى، ما كان لكتاب واحد أن يُظهره. لذلك رفضت الكنيسة، منذ البدء، دمج هذه الكتب الأربعة في كتاب واحد شامل. فاللاهوت الذي یکشفه كل من الإنجيليين الأربعة في كتابه، لا يمكن أن يبقى إياه، في حال دمجت سوياً في كتاب واحد. لك أن تتأمل وتغتني بشخص المسيح ودوره وتعليمه وفعله الخلاصي بغنى لا حد له، استناداً لما لديك، ولما عاش عليه ألوف الملايين من البشر قبلك. فيسوع هو هو بالأمس واليوم وإلى الأبد” (عب ۸/۱۳).

المتروبوليت سابا (اسبر)

 

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *