التجلي الالهي على جبل ثابور
كلمة تجلي في اليونانية كما أتت في النص الإنجيلي هي μετεμορφώθη أي ما هو أبعد من الشكل.ونجدها نفسها في الرسالة إلى رومية عندما يناشد بولس الرسول المؤمنين قائلا: “وَلاَ تُشَاكِلُوا هذَا الدَّهْرَ، بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ، لِتَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ اللهِ: الصَّالِحَةُ الْمَرْضِيَّةُ الْكَامِلَةُ.” (رو2:12). إذ تأتي “تغيروا عن شكلكم” في اليونانية μεταμορφοῦσθε. وهنا لا بد لنا من التوقف عند كلمة Μορφή التي تختلف تمام الإختلاف عن كلمة σχῆμα التي يستعملها بولس الرسول عندما يقول “لأن هيئة هذا العالم تزول” (1كو31:7). فالكلمة الأولى تعني تغييرًا جذريًا في العمق، تغييرًا كليًّا، أما الثانية فهي خارجية فقط. عندما تجلى الرب يسوح المسيح كشف عن عمقه، عن طبيعته، عن حقيقته بالكامل. وعندما يطلب منا بولس الرسول أن نتغير، يطلب منا أن نتغير بالكامل، بالعمق وليس من الخارج فقط. دعوتنا اليوم أن نعود إلى عمقنا الذي هو المسيح، الملكوت الموجود في داخلنا،فنتجلى ويتجلى العالم من حولنا. |
يخبرنا الإنجيليون الثلاثة متى ومرقس ولوقا عن حادثة التجلّي.
إنجيل العيد
مقدّمة وتعريف
يُشدّد اللاهوت الأرثوذكسيّ على طبيعة النور غير المخلوق الذي شعّ من الرّب يسوع في هذا العيد، فهو لم يكن إلّا طبيعته الإلهيّة نفسها. ويشرح بالتالي أنّه كشف إلهيّ إذ إن الربّ يسوع يجمع في شخصه الطبيعة الإلهيّة الكاملة والطبيعة الإنسانيّة الكاملة، فهو إله كامل وإنسان كامل.
لهذا الكشف الإلهيّ تسميةMetamorphosis ، وهي كلمةُ يونانية تعني “تغيّر”، المقصود هنا تغيّر “إلى ما بعد الشكل – أبعد من الشكل”، فكلمة Meta تعني “بعد” Beyond، وكلمة (μορφή (morphe تعني الشكل. المسيحيّة تنظر وتصبو إلى ما أهو أبعد من المنظور، وأبعد من الأرضيّات أيّ إلى السماويّات.
نحن مدعوّون أن نقوم بهذا التغيّر، هو تغيّر في العمق وإعادة تصوّيب هدف حياتنا. هو تركٌ للخطيئة والسير نحو الرّب يسوع. وهذا معنى كلمة Metania التي تُترجم باللغة العربيّة إلى كلمة “مطانيّة”.
هذا التغيّر هو استنارة داخليّة وتركٌ لظلمة السقوط واستعادة نور ما خُلقنا عليه، وهذا تمامًا ما ترنّمه الكنيسة في سحر العيد: “أيّها المسيح لمّا لبست آدم بجملته، غيّرت الطبيعة التي أُظلمت قديمًا، وجعلتها لامعةً، وألّهتها بتغيّير صورتك”.
هذا ا التغيّر هو تغيّر كامل في الذهنية والاهتمامات والتصرّفات وعدم إدانة الآخرين والسعيّ الدائم إلى التوبة من خلال جهادٍ حقيقيّ مكلّل بالصلاة والصوم دون تعبٍ أو كلل.
هذا ا التغيّر دعوة قداسة وسعيٌ أبديّ لتأله الطبيعة الإنسانيّة بنور الله غير المخلوق من خلال الاتّحاد به. هذا كلّه لا يمكن أن يتم دون أن نموت عن ذواتنا ونولد مِن جديد. وهنا يأتي الصليب، فنلاحظ بأن الكنيسة ترتّل كاطافاسيّات الصليب ابتداءً مِن سحر عيد التجلّي، كما أن عيد رفع الصليب الكريم المحيي يأتي بعد أربعين يومًا مِن عيد التجلّي.
تاريخ العيد
ارتبطت خدمة عيد التجلّي بشكل كبير، بحسب التاريخ الليتورجي – الذاكرة الليتورجيّة – ، بخدمة تكريس بازيليك جبل ثابور[1](القرن الرابع-الخامس).
يأتي الاحتفال بالعيد متأخِّرَا عن عيد رفع الصليب الكريم المُحيّي بأكثر من قرن، إذ دخل الاحتفال رسميًّا بعيد التجلّي في آواخر القرن الخامس وبدايات القرن السادس. وقد وُجدت فُسيفساء من تلك الحقبة في الحنية في بازيليك Parenzo وبازيليك القدّيس أبوليناريوس في رافين Basilique saint apollinare in classe – Ravenne، وفي دير القدّيسة كاترينا في سيناء – مصر.
كذلك المشاهد في أيقونة التجلّي تمثّل الحدث الإنجيليّ الأساسيّ، إلّا أنّه هناك تفاصيل أضيفت لاحقًا على مرّ العصور. عيد رفع الصليب الكريم المحيّي الذي يقع في 14 أيلول.
والعلاقة بين هذين العيدين تظهر بقوّةٍ من خلال ترتيل كاطافسيّات عيد رفع الصليب ابتداءً من عيد التجلّي.
تبدأ خدمة غروب عيد التجلّي بالإشارة إلى الصليب:”لمّا تجليّت قبل صلبك يا ربّ، شابه الجبلُ سماءً، وانبسطت السحابة كمظلّةٍ، وشُهد لك من لدن الآب…”
التجلّي وكتابة الأيقونات
هناك قول قديم في فنّ كتابة الأيقونة يقول:”نحن نحتاج لأن نمزج مع الألوان الروح نفسه، والنور الوهّاج نفسه الذي صنعت العالم به، أيّها القدّوس لنحيط بجمالك”.
تركّز الكنيسة بشكلٍ أساسي على دخول الإنسان في سر نور الله غير المخلوق، نور التجلّي، من هنا تطلب من الذي يريد كتابة الأيقونات، (نقول الأيقونة تُكتب ولا تُرسم لانّها تكتب مشاهد إنجيليّة للتعّليم والبشارة وبالتالي تُترجم لاهوت الحدث)، أن يصوم ويصلّي، وحتى قبل مباشرته العمل، يتلو عليه الكاهن، في كلّ مرّة، صلاةً خاصّة بعد أن يتلو صلوات تخصّ التجلّي مع الطروباريّة، يُطلب خلالهم المعونة من الرّب، كانّه بذلك يقول:”بنورك نكتب ما لا يُكتب”، كذلك يتضرّع أمام أيقونة والدة الإله “الهادية/المرشدة” Hodigitria طالبًا منها أن ترشده في عمله وتهديه إلى الطريق القويم.
يقول اللاهوتي بول إفذوكيموف[2]، في السياق نفسه،:”نحن نكتب لا الأيقونة بالألوان، بل بنور ثابور، وهو النور نفسه الذي عاينه التلاميذ في التجلّي”.
هذه الحالة النورانيّة تنعكس في الأيقونة نورًا وبهاءً، وهو بالتالي يُفعّل دور الروح القدس الذي يجعل جمالها يتخطّى الجمال المشاهد بالعين الطبيعيّة، جمال أبعد من مقايّيس الألوان، فيتحقّق فيها المقولة اللاهوتيّة:”الأيقونة نافذة إلى الملكوت”.
كذلك تعلّم الكنيسة أنّه كلّ من يريد أن يتعلّم فن كتابة الأيقونة، يجب عليه اوّلًا أن يبدأ بأيقونة التجلّي حتى إذا امتهن هذا الفن الإلهيّ ينتقل إلى غيرها.
التجلّي نور أبديّ لا يوصف: كان وكائن وسيكون.
يضعنا التجلّي أمام تضاد إيجابيّ كبير. النصّ الإنجيليّ يصف ما لا يوصَف، وكذلك أيقونته.
يقول القدّيس غريغوريوس النيصصي(335-395م) في معاينة موسى النبي لله:
التقى موسى النبيّ الله أوّلاً في النور، فكانت العليّقة الملتهبة وغير المحترقة(خروج3)، ثُمَّ كان له لقاءات أخرى معه، وتكلّم معه في الغمام، ولكنّه أدرك أن الله لا يراه أحد(خروج 20:33).
وهذا ما تعلّمه الكنيسة في عقيدتها: إنّ جوهر الله لا يُدرك، ولكنّ، الإنسان يتألّه بالنور والقوّة غير المخلوقة Energie non créée النازلة من الله على الإنسان وغير المنفصلة عن جوهر الله.
لقد اختبر كثيرون من القدّيسين هذا الأمر في علاقتهم بالله، وعبّرت الكنيسة عن ذلك خاصةً في المجمع المسكوني الرابع(451م) فكانت لغة اللاوصف واللاتحديد، اللاهوت التنزيهيّ L’apophatisme، فهو أبعد وفوق الرحمة، وأبعد فوق النور، وأبعد وفوق المحبّة،…
يُظهر النصّ الإنجيليّ حول التجلّي هذا العجز البشري عن التحديد والوصف بشكل واضحٍ جدًا: “وتغيّرت هيئته قدّامهم، وصارت ثيابه تلمع بيضاء جدًا كالثلج، لا يقدر قصّار على الأرض أن يبيّض مثل ذلك (مرقس2:9-3)”.
نور الله لا يمكن وصفه، وما يقوله الإنجيليون الثلاثة (متى17-مرقس9-لوقا9) ما هو إلّا تشابيه بشريّة ناقصة.
يشّع النور من الرّب يسوع: ثياب المسيح هي ثياب القيامة، انفجار الألوهة، إنبعاث الحياة، هذه الحياة التي هي حياة الناس، يسوع هو الحياة: “فيه كانت الحياة، والحياة كانت نور الناس، والنور يضيء في الظلمة، والظلمة لم تدركه (يوحنّا 4:1)”.
يأتي الوصف اللغويّ ضعيفًا أمام عظمة السيّد. هو أنصَع من البياض نفسه، وأكثر إشراقًا من الشعاع، وأبهى جلالاً من المجد. إنّه مصدر كلّ هذه الأشياء وغيرها.
هو الذي أوجدها وصنعها من العدم، هو الله الذي تجسّد وأصبح إنسانًا مثلنا، من دون أن يفقد شيئًا من ألوهيّته.
يكتب القدّيس يوحنّا الذهبي الفم (349-407) حوارًا مع الإنجيليّ مرقس، ويتوسّع ليشمل بحديثه باقي الإنجيلييّن الذين تناولوا حدث التجلّي:
القدّيس يوحنا: كيف تجلّى؟ أخبرني.
مرقس الإنجيليّ: بقوّة كبيرة.
القدّيس يوحنا: لماذا قلتم مثل الشمس؟ لقد قلتم مثل الشمس أليس كذلك؟
مرقس الإنجيليّ: نعم
القدّيس يوحنا: لماذا؟
مرقس الإنجيليّ: لأنّي لا أعرف كوكبًا أكثر منه إشعاعًا. وكان أيضًا “أبيض مثل الثلج”.
القدّيس يوحنا: لماذا مثل الثلج؟
مرقس الإنجيليّ: لأني لا أعرف مادة أشدَّ بياضًا من الثلج.
وهنا يشرح القدّيس يوحنّا فيقول:
صحيح، فلو كان نوره مثل الشمس، وبياضه مثل الثلج لما وقع التلاميذ أرضًا، فوقوععهم أرضًا هو شهادة بحدّ ذاتها على عدم تحمّل الطبيعة البشريّة قوّة الطبيعة الإلهيّة ومجدها.
اللاهوت التنزيهيّ يظهر في أيقونة التجلّي من خلال دوائر ثلاثة موجودة خلف الرّب يسوع وتنتقل بالتدرّج من اللون الفاتح إلى الداكن، فالداكن يرمز إلى ما لا يمكن إدراكه، وكانّه بذلك تقول: كلّما غصنا أكثر في معرفة الله theognosia، كلّما اكتشفنا أن عمق جوهره لا يُدرك.
“الذي وحده له عدم الموت ساكنًا في نور لا يدنى منه، الذي لم يره أحد من الناس، ولا يقدر أن يراه الذي له الكرامة والقدرة الأبديّة. آمين (1 تيموتاوس 16:6)”.
لقد حذّر الآباءٌ القدّيسون الدارسين والباحثين في اللاهوت والكتاب المقدّس من الوقوع في فخّ الانتفاخ العقليّ، ومصيدة الكبرياء القاتلة المميتة، ومرض الإدّعاء والخروج بتفاسير وتحديدات عن الله صادرة عن تحاليل عقليّة بشريّة صرف، مهما يعلو شأن الباحث والدارس.
القاعدة ثابتة، لم ولن تتغيّر: “بنورك نعاين النور”، وهذا النور لا يُكتسب إلاّ بإخلاء الذات من كلّ انتفاخ أرضيّ للامتلاء من الروح القدس. “إنّها معرفة الله وليس معرفة عن الله”.
بالعودة إلى التجلّي، نقول، النور يقود إلى النور، لأنّ المسيح هو نور من نور، والنور هو الحياة، لأنّ المسيح هو الحياة، وهذه الحياة موجودة في أعماق كلّ إنسان منّا، وما علينا إلّا الغوص لاكتشافها. إنّها الحياة الأبديّة، الملكوت الذي يدعونا الله إليه: “ملكوت الله داخلكم”(لوقا 20:17).
إنّها دعوة إلى أبعد ما هو منظورBeyond، إنّها دعوة للمجد الإلهيّ، إن أحسنّا الاختيار:”اهتمّوا بما فوق لا بما على الأرض“(كولوسي3)”.
يقول القدّيس نيقولاوس كاباسيلاس (1319/1323):” من يكتفِ بالعلاقة من الخارج يبقَ خارجًا، وكلّ شيْ خارج نور المسيح ظلام”، ويكمّل:”بقدر ما يغوص المرء في نور الله تزول العوائق، والحواجز تضمحلّ بنور المسيح لأنّ نور الرّب ساطع ولا شيء يحجبه”.
كذلك يقف هذا القدّيس مرنّمًا ومدهوشًا إزاء النور الإلهيّ فيقول:” آه، كم هو جميل النور الذي هو داخل الإنسان، إنّه حضور الله بذاته، وشعاعاته تشعّ في كلّ الاتّجاهات مزيلةً كُلَّ الظلام والسواد”.
أظهر بعض كاتبي أيقونة التجلّي تركيزًا أقوى من غيرهم للتعبير عن قوّة النور وخصائصه، ، فنجد مثلًا عند كاتب الأيقونات ثيوفانس اليونانيّ (1350-1410) أسهمًا تنبعث من السيّد لتشكّل مع السيّد نفسه نجمًا بستة رؤوس ويشّع في كلّ الاتجاهات.
لهذا الشكل من النجم – معنىً – مثلّثان متساويان متداخلان – وهو اتحّاد الروح بالمادة، واتّحاد العوامل القويّة بالضعيفة (الإيجابيّة والسلبيّة)، وأيضًا يُشير إلى حركة قوّة لا تتوقّف Le rythme du dynamism”” ، وهو يُدعى أيضًا خاتم سليمان في اللغة القديمة، وهو شكلٌ يرمز إلى القوّة والجبروت والسلطة على كلّ المخلوقات الحيّة.
وهنا الشيء نفسه، فيسوع هو سيّد السماء والأرض والجحيم.
هذه القوّة أعطاها الله للإنسان، “الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فالأعمال اللتي أن أعملها يعملها هو أيضًا،ويعمل أعظم منها (يوحنا 12:14)”.
هذا بالفعل ما تسميّه الكنيسة “مؤازرة”Synergy [3] أي العمل معًا، الله يعمل فينا بإرادتنا ونحن نعمل معه. المؤازرة هذه تصل بالتجلّي إلى كمالها، فهي لا تكشف فقط عن طبيعة الرّب يسوع الإلهيّة بل، تكشف عما يمكن للإنسان أن يُصبح عليه إذا ما اتّحد بهذا النور.
هذه هي ثمار التجسّد، الذي ليس ما يحويه: يتّحد بالطبيعة الإنسانيّة إتّحادًا كاملًا ليرفعها إلى الإلهيّات (القدّيسين ذيذيموس الضرير وأثناسيوس الكبير، القرن الرابع ميلادي). حبّ إلهيّ مطلق نازل من فوق، وقبول وجهاد صاعد إلى فوق.
ومن الشعاع ينبثق شعاعات ثلاثة تتّجه نحو التلاميذ الثلاثة، كلّ واحد بدوره، وهذا تاكيد لمشاهدتهم نور الرّب.
ينشد القدّيس كليمنضس الاسكندري (150-215) في هذا الأمر مفارقة إيجابيًّة تفوق العقل والإدراك فيقول:”في التجلّي، يكشف المسيح عن طبيعته الإلهيّة، بحيث أن الذين أصعدهم معه ليروا هذا المجد لا يستطيعوا أن يروا”[4].
هذا تمامًا ما تقصده طروباريّة التجلّي:” … بحسب ما استطاعوا”.
من هنا يقصد كاتبوا أيقونة التجلّي أن يميّزوا بين بياض النور الصادر من الرّب وبين النور القريب من التلاميذ اذي يميل إلى الرمادي أو يغمق بعض الشيء، وهو طبعًا لا يخفّ بطبيعته وإنّما ليشير على ضعف قدرة احتمال التلاميذ.
بطرس الرسول يُشير إلى الرّب يسوع تأكيدًا لقوله: أنت هو المسيح ابن الله الحيّ. (متى 16)
حركة يوحنّا تترجم المهابة والرهبة.
يعقوب يحاول أن يستر وجهه، هذا طبيعي، وكانّه بذلك يكشف لنا العهد القديم بكامله:
– “لا تستطيع أن ترى وجهي يقول الرّب (خر20:33)”.
– “لم يكن يستطيع العبرانيّون مشاهدة وجه موسى النبيّ بعد نزوله من الجبل، وفي كلّ مرّةٍ كان يدخل فيها خيمة الاجتماع ليلتقي بالله، لذا كان يضع برقعًا على وجهه (خروج 29:34-35)”.
دائرتان وكواكب ونجوم خلف الرّب يسوع
نشاهد في بعض الأيقونات دائرتين خلف الرّب يسوع وفي الدائرة الأولى كواكب ونجوم.
هذا مرتبط ببعض الأحاديث التي تناقلت حول أن السماء انفتحت والشعوب، جيل بعد جيل، كانت تأتي لتنظر إله يعقوب، مشتهى الأمم، وكانت تنتقل بالتالي إلى السماء الثانية.
الكواكب والنجوم ترمز إلى المسيح القائم والمتلّحف بالأبيض، لون القيامة، والى الصالحين والأطهار. نقرأ في سفر دانيال: “وكثيرون من الراقدين في تراب الأرض يستيقظون، هؤلاء إلى الحياة الابديّة، وهؤلاء إلى العار للازدراء الأبديّ. والفاهمون يضيئون كضياء الجلد، والذين ردّوا كثيرين إلى البرّ كالكواكب إلى أبد الدهور (2:12-3)”. و”مجد الشمس شيء ومجد القمر آخر ومجد النجوم آخر، لأن نجمًا يمتاز عن نجمٍ في المجد.(1كور41:15)”.
وأيضًا، نقرأ في سفر العدد :” أراه – يقول بلعام- ولكن ليس الأن.أبصره ولكن ليس قريبًا. يبرز كوكب من يعقوب ويقوم قضيب من اسرائيل، فيحطّم طرفي مؤاب ويهلك كلّ بني الوغى. (17:24)”.
نلاحظ جليًّا هنا كيف أن النبؤّات تنجلي أمام الذي يتجلّى، لأنّه هو”هو” أيّ الكائن:
“أنا هو الألف والياء، البداية والنهاية، يقول الرّب الكائن والذي كان، والذي يأتي القادر على كلّ شيء” (رؤ1: 7، 8).
والنجم الأساسيّ او الكوكب الأساسي الأوّل مبدأ كلّ النجوم وصانعها موجود في الوسط: “أنا أصل وذريّة داود. كوكب الصبح المنير(رؤيّا 16:22)”.
من المهم جدًّا أن نعيّ ما المقصود بقول “كوكب الصبح“. فهو الذي يُعلن الولادة المستمرّة للنهار أيّ الحياة، وهو مبدء الحياة وعلّتها.
المسيح يشرق على الدنيا بأسرها، على كلّ الشعوب، والنور يبدّد الظلام، ظلام الخطيئة وسواد الشرير.
وهكذا تتحقّق مرةً تلو المرّة آية أشعياء النبي:”الشعب السالك في الظلمة أبصر نورًا عظيمًا. الجالسون في أرض ظلال الموت اشرق عليهم نور (2:9)”.
التجلّي والبعد الثالث
البعد الأول في الأيقونة هو ارتفاعها، والبعد الثاني هو عرضها، أمّا البعد الثالث فهو العمق.
هو عبور من ما هو زائل وترابيّ إلى ما هو أبديّ وإلهيّ. إنّه جمال ما بعده جمال، جمال يذهب أبعد بكثير من العين الترابيّة.
هذا ما نسميّه بالبعد الثالث غير المنظور. فلنذهب إلى العمق ونرمي شباكنا للصيّد الإلهيّ.
التجلّي إعلان إلهيّ: نورٌ يضيء ظلمة العالم.
سأل الرّب يسوع التلاميذ:”من يقول الناس إنّي أنا ابن الانسان؟” فقالوا:”قوم يوحنا المعمدان وآخرون إيليا وآخرون إرميا أو واحد من الأنبياء“. قال لهم:”وأنتم من تقولون إنّي أنا؟” فأجاب سمعان بطرس:”أنت هو المسيح ابن الله الحيّ (متى16)”.
سؤال يطرحه على كلّ إنسان وفي كلّ الأزمان. من الذي يتجلّى؟ لنرى هنا ماذا يحصل؟
نشاهد في بعض أيقونات التجلّي، على الجهّتين اليمنى واليسرى، تضاريس صخور تبدو كأنّها مغارة وفي وسطها الرّب يسوع المسيح وثلاثة تلاميذ:”بطرس ويعقوب ويوحنّا” (وحده الرّب على رأسه هالة). إنّهم التلامذة أنفسهم الذين اخذهم الرّب يسوع على حدةٍ في الجسمانيّة.
في التجلّي، يُصعدهم يسوع معه ليكشف لهم عن ذاته.
الجبل كمكانٍ مرتفع هو رمز لحالةٍ مرجوّة: “أرفع عينيّ إلى الجبال، من حيث يأتي عوني معونتي من عند الرّب (مزمور 121 : 1-2)”.
في العهد القديم كان الجبل المكان الذي تكلّم الله فيه مع النبيّين موسى وإيليّا.
الجبل هو عكس الوادي الذي يرمز إلى الجحيم ومسكن الخطيئة والشر. (حتّى في الحضارات الوثنيّة كانت قمم الجبال مسكن الآلهة).
ها قد بدأ الرّب يسوع بالاقتراب أكثر فأكثر، مُضيئًا ما هو مظلم، هو يبدأ بالكشف عن ما لا يُدرك، عن ما ليس له نهاية. فأيقونة التجلّي عنوانها النور، وتخبرنا عن النور، نور لا ينتهي إلى آبد الآبدين[5]
ولا بدّ لنا هنا أن نتذكّر ما يقوله القدّيس يوحنا الدمشقي (القرن السابع ميلادي) :”لنصوّم عيوننا بالطهارة والنقاوة قبل النظر إلى الأيقونة”، أيّ لنزيل منها كلّ ظلمة وشهوة رديئة.
حركة الصعود واضحة مع التلاميذ، الرّب يسوع يتقدّمهم وهم يتبعونه، تمامًا كالخراف التي تتبع الراعيّ. “مَا أَجْمَلَ عَلَى الْجِبَالِ قَدَمَيِ الْمُبَشِّرِ، الْمُخْبِرِ بِالسَّلاَمِ، الْمُبَشِّرِ بِالْخَيْرِ، الْمُخْبِرِ بِالْخَلاَصِ، الْقَائِلِ لِصِهْيَوْنَ:قَدْ مَلَكَ إِلهُكِ (أشعيا 7:52).”
الطبيعة الصخرية تُعطي انطباعًا لمغارة مظلمة، وكانّه هناك ولادةً ميلاديّة جديدة.
في التجلّي يظهر سرّ التجسّد بملئه، أيّ الاتّحاد بين الطبيعتين الإلهيّة والإنسانيّة.
لقد ساد في الماضي اعتقاد فلسفي أفلاطوني، كذلك عند الأفلاطونيّة الجديدة، أن العالم هو مغارة كبيرة[6]، فأتت المسيحيّة لتنير تلك المغارة[7]، إن كان في الميلاد أو في كلّ حدث تظهر فيه – في الميلاد، في الصلب، في النزول إلى الجحيم (القيامة) – فالمسيحيّة بلاهوتها تتخطّى الفلسفة وتعطي معنى أعمق للحياة الحقيقيّة والآبديّة.
كذلك تظهر جليًّا رغبة الرّب يسوع برفع التلاميذ إلى العلى، وأن يُدركوا ويعاينوا، ولو لبرهة قصيرة، حقيقة ألوهيّته التي أعلنها بطرس الرسول في قيصريّة فيلبس(متى16).
إنّه في الحقيقية انفصال عن الماديّات Detachment، وهذا تمامًا ما نحن مدعوّون إليه ونحن في هذه الخيمة الأرضيّة (الجسد): أن نعيّ أنّنا مواطنو السماء”Beyond”.
يقابل الصعود حركة نزول. إنّها عودة إلى العالم، إلى الألم والتجارب والجهاد. إنّه خروج من المغارة والعودة إليها، ولكن هذه المرّة بعد معاينة النور الإلهيّ، ليعي المرء أن لحياته معنى وهدف ألا وهو الاتّحاد بالله لينقل بدوره النور الإلهيّ إلى العالم.
وأجمل ما في هذه الحركة أن الرّب يسوع ينزل أمام التلاميذ، يسبقهم إلى تحت ليعود يرفعهم إلى فوق. يرفعهم ويرفعنا، يجذبهم ويجذبنا.“وَأَنَا إِنِ ارْتَفَعْتُ عَنِ الأَرْضِ أَجْذِبُ إِلَيَّ الْجَمِيع، قَالَ هذَا مُشِيرًا إِلَى أَيَّةِ مِيتَةٍ كَانَ مُزْمِعًا أَنْ يَمُوتَ (يوحنا 32:12-33)“.
تبدأ الكنيسة بترتيل كاطافسيّات الصليب إبتداءً من عيد التجلّي ولمدّة أربعين يومَا أي إلى حين بلوغ عيد رفع الصليب الكريم المحيّي الذي يقع في ١٤ أيلول
وبحسب ترتيب الإنجيل يقع التجلّي قبل صلب الرب يسوع بأربعين يومًا ولكن تم نقله إلى قبل عيد رفع الصليب كي لا يقع في الصوم.فالصليب قاعدته في الأرض ولكن رأسه في السماء، وبفتحه يديه عليه ضم السيد المسكونة جمعاء الى قلبه.
هذا هو لاهوتنا وهذه هي محبّة الله اللامتناهية لكلّ واحدٍ منّا، أدرك ذلك أو لم يُدرك.
كذلك نشاهد في الأيقونة الرّب يسوع ينحني نحو التلاميذ أثناء النزول، وهي إشارةُ إلى أنّه دائمًا معهم، ومعنا. الله لا يتركنا يتامى. بل على العكس تمامًا، النور موجود في داخل كلّ واحدٍ منّا وينتظرنا. هذا النور لا يضيئنا نحن فقط، بل يضيء كلّ من نلتقي به إذا أحسنّا تفعيله وقبوله.
حركة النزول لا تعني بتاتًا أنّنا تخليّنا عن ما هو فوق، وهذا بالضبط ما نشاهده في الأيقونة التي تظهر التلاميذ ينظرون إلى الرّب كأنّهم يقولون له: ها قد عدنا،” أمكث معنا، لأنّه نحو المساء وقد مال النهار (لوقا 29:24)“، تمامًا، كما قال تلميذا عمّاوس للرّب عند لحظة الاافتراق. ليل التجارب والمحن يقترب،
يقول القدّيس غريغوريوس النيصصي[8]: “هذا هو التحدّي، وهذه هي الحذاقة، ألا نفقد في هذا الزمان العابر جمال ما هو فوق”.
يُنشد القدّيس رومانوس المرنّم (القرن الخامس) في حدث التجلّي ما يلي:”الذي نزل بتدبيره إلى الأرض، وهو وحده يعرف كيف، والذي صعد إلى العلى، يدعو اليوم الذين أحبّوه وتبعوه أن يصعدوا إلى فوق، ويقودهم لكيّ يرتقوا إلى ما هو أسمى من الأرضيّات”.
لنرى جيّدًا، كيف يأتي الرّب يسوع إلى كنيسته. إنّه يقفز على قمم الجبال، وها البرقع يسقط وينشقّ الحجاب، وينكشف كلّ شيء، والعروس، أي الكنيسة، تلاقي عريسها المسيح[9].
الله يتجلّى على الأرض. يتجلّى على الجبل، لا في السهول ولا في الوديان، بل فوق، على القمّة، لكيّ ندرك ضرورة الارتقاء دائمًا إلى فوق والبحث عنه وقلوبنا إلى فوق.
على الجبل قديمًا، أُعلنت الشريعة التي ستقودنا إلى المسيح. العهد القديم يكتمل بالعهد الجديد ومكمّله الإله المتجلّي.
النبيّ موسى يُشير إلى الشريعة، وقد أخذها من الله، وها هو يقف أمامه الآن، وكان الله قد كشف له عن اسمه، “يهوى”، الذي هو يهوشع ويسوع أو يشوع، ومعناه الكائن من ذاته الذي يخلّص.
كذلك إيليّا النبيّ، الذي يمثّل الأنبياء، كان يقول: “حَيٌّ هُوَ رَبُّ الْجُنُودِ الَّذِي أَنَا وَاقِفٌ أَمَامَهُ (1ملوك 15:18)”، وها هو اليوم أيضًا يقف أمام الإله نفسه قبل ذهابه طوعيًّا إلى الصلب.
جبلُنا اليوم هو حفظ وصاياه والعمل بها، هو معرفة الله بروحه القدّوس. فكما التلاميذ تبعوا الرّب إلى القمّة، كذلك نحن نقوم من خطايانا، بنعمته، لنتبعه إلى حيث هو موطننا الأوّل وننتقل معه من “مجدٍ إلى مجدٍ (2كور18:3)”.
موسى وإيليّا النبيّين: وألم تكن هنا أيضًا تُفتح الكتب بظهور موسى وإيليّا؟
“وفيما هو يصلّي صارت هيئة وجهه متغيّرة ولباسه مبيّضًا لامعًا، واذا رجلان يتكلّمان معه وهما موسى وإيليّا اللذان ظهرا بمجدٍ وتكلّما عن خروجه الذي كان عتيدًا أن يكملّه في أورشليم (لوقا 29:9)”.
موسى صاحب اللحية القصيرة، يقف عن يسار المسيح، يبدو شابًا نضرًا: “وكان موسى ابن مئة وعشرين سنة حين مات ولم تكلّ عينه ولا ذهبت نضارته (تثنية الاشتراع 7:34)”.
في حركة إنحناء، يقدّم موسى للرّب يسوع لوحيّ الشريعة اللذين كتب عليهما يسوع في العهد القديم قبل أن يتجسّد، وكانّه بذلك يقول:” تفضّل يا رّب أنت هو صاحب الشريعة وكاتبها، فهلّم أكمل ما ينقصها إذا هي لا تكمل إلا بك”، كذلك نراه يتأمّل ويشاهد ما اشتهى كثيرون أن يشاهدوه: “الحق أقول لكم، إنّ أنبياء وأبرارًا كثيرين اشتهوا أن يروا ما أنتم ترون ولم يروا، وأن يسمعوا ما أنتم تسمعون ولم يسمعوا(متى 17:13)”.
عيناه تشخصان إلى إلهه ” يهوى” الكائن، وقد علّم الشعب أن ينظر دومًا إلى فوق من حيث يأتي العون.
موسى هو القائد، كليم الله والمصلّي. يشرح القدّيس غريغوريوس النيصصي عنه فيقول:”هو صورة مسبقة عن المصلوب المنتصر، أيّ الرّب يسوع المسيح، وصورةٌُ عن الكاهن الاوّل الذي يرفع يديه حاملًا القرابين لينال البركة من الله”.
نعم، موسى النبيّ يرفع عصاه فينشق البحر، يلمس الصخرة فتتفجر المياه وتروي العطشى، يرفع يديه ليصلّي فينزل المن والسلوى ويأكل الجائعون، يلقي عصاه فتصبح حيّة لتبتلع الحيّات الأخرى، ويمدّ يديه على شكل صليب فينتصر الشعب. كان موسى على رأس التل يرمز للسيِّد المسيح الذي صُلب على جبل الجلجثة، وكان يشوع بن نون مع رجال الحرب يجاهدون ضد عماليق رمزًا لجهاد الكنيسة المستمر ضد الخطيئة.
رفْع يديّ موسى ومساعدة الجماعة له بحملهم يديه، يُشيران إلى حياة المثابَرة والجهد والشركة حتّى النهاية، إذ ما كان يمكن له أن يبقى رافعًا يديه بدون هرون وحور، وبهذا يدرك كلّ مؤمن موقعه في العمل الإلهيّ، فلا يستهين أحد بمواهبه مهما صغرت.
لنلاحظ جيّدًا كيف أن الصليب موجود في كلّ حدث خلاصيّ، كذلك في أيقونة التجلّي، ومحورُه الرّب يسوع المسيح. موسى وإيليّا يمينًا ويسارًا (الخط الأفقيّ) والتلاميذ في الأسفل (الخط العامودي).
فكما يسوع يجمع في شخصه الطبيعتين الإلهيّة والإنسانيّة، كذلك هنا يجمع العهدين القديم والجديد وعالم الأرض والسماء.
وجود موسى مع الشريعة في التجلّي هو تأكيدٌ لما قاله الرّب:” لا تظنوا إنّي جئت لانقض الناموس أو الانبياء. ماجئت لانقض بل لأكمّل(متى 17:5)”.
أليست الشريعة تقود إلى يسوع؟ وهل يمكن فصل العهد القديم عن العهد الجديد؟ بالطبع لا.
يخفق بطرس الرسول بقوله “فان شئت نصنع هنا ثلاث مظال. لك واحدة ولموسى واحدة ولايليا واحدة””، هناك خيمة واحدة تجمع الكل ألا وهي الرّب يسوع المسيح[10].
في الجهة المقابلة عن يمين السيّد يقف إيليّا النبي الذي يعني اسمه “يهوى إلهّي” أي “يسوع إلهي”.
إيليّا ذقنه طويلة وشعره طويل، وهذه من علامات النسك والجهاد والتخلّي عن كلّ شيء من أجل الرّب.
إيليّا يمثّل الأنبياء، كلّ الأنبياء ونبؤاتهم التي تتحقّق بالرّب يسوع. هناك اكثر من ثلاث مئة نبؤة في العهد القديم عن يسوع.
في الأعلى وفي كلّ زاوية من الأيقونة، نشاهد ملائكة رافقت قدوم النبيّين، كما تشير الملائكة أن موسى وإيليا لم يموتا بل هم أحياء بالمسيح كحال كلّ مؤمن به.
وفيماهو يتكلّم اذا سحابة نيّرة ظلّلتهم وصوت من السحابة قائلاً: «هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت. له اسمعوا»
السحابة هي من علامات حضور الله. نعم الله حاضر، وعبارة ابني الحبيب التي أتت في الظهور الإلهيّ، تُذكر هنا ثانيّةً مع إضافة وتأكيد أن للرّب يسوع السلطان الإلهيّ الكامل:” له اسمعوا”.
نهايةً، يسوع بتجليّه دعانا إلى مجده الآبديّ لأن:”جميعنا (جميعكم) أبناء نور، وأبناء نهار، لسنا من ليل ولا ظلمة(1 تسالونيكي5:5)”.
حواشي البحث
[1] G.HABRA, La Transfiguration selon les Peres Grecs. R.DE FEERAUDY, L’icône de la Transfiguration.
[2] Paul Evdokimov was a Russian and French theologian, writer, and professor of theology at St. Sergius Institute in Paris.
[3] From Ancient Greek συνεργία joint work, assistance, help. Working together, σύν means “together” + ἔργον(ergon) means work.
[4] CLÉMENT D’ALEXANDRIE Stromates
[5] القدّيس غريغوريوس النيصصي(335-394)
[6] Platon – La Repuplique 7
[7] القدّيس غريغوريوس النيصصي(335-394)
[8] Saint Grégoire de Nysse– L’être humain et le temps.
[9] (أوريجنس القرنان الثاني والثالث)
[10] أوريجنّس – عظة في اللاويّين
اترك تعليقاً