الجذر الكتابي لصلاتَي “هوذا الختن يأتي”و”إنّني أشاهد خدرك”
لقد رتّب آباء الكنيسة أن يبدأ الأسبوع العَظيم المُقدّس بصلاة الختن، بدءاً من مساء أحد دخول الرب – الختن إلى أورشليم، وهو المعروف عند العامّة “أحد الشعانين”. وفي هذه الصلاة نرتل اثنتين من أجمل تراتيل السنة الطقسية. وبالتدقيق في نصّهما نتبيّن المصدر الكتابي لكلّ منهما.
أولاً: “هوذا الختن يأتي في نصف الليل، فطوبى للعبد الذي يجده مستيقظاً، أما الذي يجده متغافلاً فهو غير مستحقّ. فانظري يا نفسي ألا تستغرقي في النوم، ويُغلق عليكِ خارج الملكوت وتُسلَّمي إلى الموت، بل كوني منتبهةً صارخة: قدوس قدوس قدوس، أنت يا الله. بشفاعات والدة الإله ارحمنا”.
إنها مأخوذة من مثل العذارى في إنجيل متى (الإصحاح 25، الآيات 1-13). عشر فتيات أخذنَ مصابيحهن وخرجنَ للقاء العريس. خمسٌ منهنّ عاقلات أخذن معهن زيتًا، وخمسٌ جاهلات أخذنَ المصابيح بلا زيتٍ. وأبطأ العريس، فنعسنَ جميعًا ونمنَ، وعند منتصف الليل، علا النداء: هوذا العريس آتٍ! استيقظت الفتيات، لكن المصابيح كانت قد انطفأت. الحكيمات، اللواتي معهن زيت أضأن المصابيح. أما الأخريات، كونهنّ جاهلات ولم يكن معهنّ زيت، خرجن لشراء الزيت. وفي هذه الأثناء، دخل الختن إلى بيت العرس، وأغلق الباب، فبقين في الخارج.
اللافت في الترتيلة هو استعمال لفظة الختن ذات الأصل السامي بدلاً من العروس (العريس). ليس هذا من باب الصدفة، بل بإيحاء ربّاني لكتّاب ملهمين، تمكنوا من فهم لغة الكتاب المقدس وسبر غور المعنى المعجمي واللاهوتي للألفاظ. في (نشيد الانشاد 11 : 3) نقرأ: “اُخْرُجْنَ يَا بَنَاتِ صِهْيَوْنَ، وَانْظُرْنَ الْمَلِكَ سُلَيْمَانَ بِالتَّاجِ الَّذِي تَوَّجَتْهُ بِهِ أُمُّهُ فِي يَوْمِ عُرْسِهِ، وَفِي يَوْمِ فَرَحِ قَلْبِهِ”. الحديث هو بكل وضوح عن العرس والختن. وهكذا، فهي بمثابة تهيئة للقيامة المجيدة للرب -الختن، الذي هو النور البهيّ، المواجه للعدوّ، لإبرام العهد، فالختن – المسيح هو العهد الجديد بين الرب وشعبه، وهو الفرح الحقيقي بعد الأربعين يوماً من الصوم.
ومن هنا كان تكثيف الصلوات قبل الفصح. فإن العريس/الختن في المثل يرمز إلى المسيح، الذي ننتظر جميعاً مجيئه الثاني، ولكنه تأخر. سوف يأتي فجأة، “في منتصف الليل”. وحينها سيكون البعض مستعدين للظهور أمامه، لأنهم دأبوا ليكونوا صالحين. بينما سيكون آخرون غير مستعدين، كونهم لم يهتموا بتنقية قلوبهم، فيُتركون خارج “العرس”، أي “ملكوت الله السموي”.
ثانياً- “إنّني أشاهد خدرك مُزيّنًا يا مخلصي، وليس لي لباسٌ للدخول إليه. فأبهج لنفسي حُلّةً، يا مانح النور وخلصني”. هذه الترتيلة مأخوذة من مثلين رواهما المسيح. الأول في إنجيل لوقا (الإصحاح 12، الآيات 36-46). يتحدث فيه عن بعض الخدم الذين ينتظرون عودة سيدهم من العرس. طوبى، يقول الرب، لذلك العبد الذي يجده سيده ساهراً يترقبه. ويقول هذا المثل أن المسيح سوف يعود، “مثل اللص في الليل”، أي بوقت لا يتوقعه أحد: “وَأَنْتُمْ مِثْلُ أُنَاسٍ يَنْتَظِرُونَ سَيِّدَهُمْ مَتَى يَرْجعُ مِنَ الْعُرْسِ، حَتَّى إِذَا جَاءَ وَقَرَعَ يَفْتَحُونَ لَهُ لِلْوَقْتِ”. وفي (نشيد الانشاد 4 :1) نقرأ:” اُجْذُبْنِي وَرَاءَكَ فَنَجْرِيَ. أَدْخَلَنِي الْمَلِكُ إِلَى حِجَالِهِ [والترجمة الأصح والأدقّ هي “أَدْخَلَنِي الْمَلِكُ إِلَى خدره”]. نَبْتَهِجُ وَنَفْرَحُ بِكَ”.
وأمّا الثاني فهو المثل الوارد عن وليمة الملك في إنجيل متى (الإصحاح 22، الآيات 1-14)، فيتحدّث عن الملك الذي أقام لابنه عرساً، فرأى رجلاً لم يكن له لباس العرس. “فقَالَ لَهُ: يَا صَاحِبُ، كَيْفَ دَخَلْتَ إِلَى هُنَا وَلَيْسَ عَلَيْكَ لِبَاسُ الْعُرْسِ؟ فَسَكَتَ. حِينَئِذٍ قَالَ الْمَلِكُ لِلْخُدَّامِ: ارْبُطُوا رِجْلَيْهِ وَيَدَيْهِ، وَخُذُوهُ وَاطْرَحُوهُ فِي الظُّلْمَةِ الْخَارِجِيَّةِ. هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ”.
لقد أدرك آباء الكنيسة أنّ المأدبة هي إنما زفاف الكنيسة على المسيح ومائدة القربان الأقدس، كما فهموا أنّ المدعوّين الأوّلين الّذين رفضوا الدّعوة الملكيّة ونكّلوا بمُرسلي الملك كانوا العبرانيّين، رافضي المسيح. وأنّ حُلّة العرس هي مشاعر التّوبة وحال النّعمة، و”ثوب المحبّة، رباط الكمال” (كولوسي 14 : 3). وحدها النفس المتواضعة تسأل الله أن يلقي عليها الحلّة للدخول إلى الخدر.
الشماس بولس عبد الله/