كثيرون هم الذين ارخوا للكنيسة وتاريخها عموما وللكنيسة الانطاكية خصوصا وكل منهم ادلى بدلوه وبطريقته وفسر الحوادث التاريخية وفق رؤيته وميوله ولكن علمنا يالخوري المؤرخ ميخائيل بريك، من الكهنة الذين عملوا في مجال التأليف والتأريخ، بمنهجية رفيعة المستوى بالنسبة لما كان دارجاً، في عصره، في القرن الثامن عشر.
لقد غاص علمنا في التاريخ الانطاكي في يومياته، واعتمد التأريخ الحولي في كتابته للحوادث التاريخية معتمداً على أمهات الكتب، والمخطوطات النادرة تاركا زاداً معرفيا وتاريخيا عظيما، شكّلَ مرجعاً هاماً جداً للباحثين في تاريخ المجتمع الدمشقي خاصة والانطاكي عامة، وتاريخ دمشق المدني والكنسي باعتبار ان جمهرة المسيحيين كانت تشكل في عهده نسبة ازيد عن 35% من مجموع سكانها الشوام حصراً،. فالمواضيع التاريخية التي ناقشها، غاص لأجلها في أعماق أعماقها، اذ كان يعبُّ من هذا النبع ، ويكتب شارحا ومفسراً ما حصل عليه، مما لم نشهد له من مثيل من المؤرخين في تلك العصور التي تدعى حقيقة بعصر الانحطاط والتزمت، سواء عند كتاب التاريخ في ذلك العصر الرمادي الحالي، ولا حتى في يومنا القاتم هذا… ولقد شارك الكثير من الباحثين في تاريخ سورية و تاريخ دمشق المدني والمسيحي كما اسلفنا والكرسي الانطاكي بوصف انطاكية العظمى الوعاء الشامل والذي لم يتناوله زيف وتجديف بل ان الاحداث بكل المها دونتْ… شارك هؤلاء بحلقات بحث متعوب عليها من تعب فكره ويديه ومعاصرته وربط الاحداث، ولكنها كلها لم تفِ قدراته النادرة. يشاركني الباحث الرصين الاستاذ سامر عوض الرؤية ذاتها بأنه وللأسف الشديد جداً، أن الكتب التي ألفها هذا المؤرخ الانطاكي الأرثوذكسي الشهير، لم تأخذ حقها كما يجب، إذ أنَّ قلة قليلة من الأرثوذكسيين الإنطاكيين، هم الذين يعرفون الأب ميخائيل بريك، إذ لم يُنشَر له أرثوذكسيا على صعيد كنيستنا الانطاكية، سوى تحقيق لكتاب (الحقائق الوفية في تاريخ بطاركة الكنيسة الأنطاكية) والذي صدر بالشراكة في شهر تشرين الاول من العام 2006، عن دار النهار، ومنشورات جامعة البلمند. إذ لم يصدر عن أي دار نشر أرثوذكسية أنطاكية، أي إصدار كان، لأحد مؤلفات الأب ميخائيل بريك. لكن مطبعة القديس بولس في حريصا (لبنان) سنة 1930، قامت بنشر كتاب (تاريخ الشام 1720-1782)، بعنوان رئيسي هو (وثائق تاريخية للكرسي الملكي الانطاكي) وكأن بالكتاب يعرض بعض الوثائق التاريخية، عن الكرسي الملكي (الرومي الكاثوليكي) الانطاكي، بما أن المتعارف الشائع /بالرغم من عدم دقته/ على هذه التسمية (الكرسي الملكي) هو للدلالة فقط على الكرسي الرومي الكاثوليكي المنشق من رحم كنيستنا فهو لم ينشأ بمفرده، وعلمنا لم يكن قط من الفئة المنشقة بل اصيل في دفاعه عن ارثوذكسية الكرسي الانطاكي الرومي المقدس.
والمطلع على الكتاب، يتيقن من أنه، يشرح عَرَضَاً، ما يختص بموضوع الإنشقاق (الأرثوذكسي- الكاثوليكي) سنة 1724. مع العلم بأن الكتاب نفسه (تاريخ الشام) قد طُبِع من خلال دار قتيبة في دمشق، تحقيق المحامي الصديق السيد د. (أحمد غسان سبانو)، وقدارتأى شخصان، بأن تحقيق اسيد سبانو ، لم يكن بالمستوى الرفيع المطلوب، لمثل هذا الكتاب. وأنا شخصيا..، اعتبر بأن الأب ميخائيل بريك، قد ظُلِمَ كثيراً، من قِبَلِنَا نحن الأرثوذكس الانطاكيين، حيث أنه قد نُشِرَت كتبه من قبل، الآخرين، وقد شُوِهَت حيناً، وعُومل مؤلفها كمؤرخ، وليس كخوري مؤرخ كما يجب أن يُعَامَل، إذ كان حريٌ بل لابدَّ، أن تُجمَع الأعمال الكاملة لهذا الأب الأنطاكي الأرثوذكسي المؤرخ الخوري ميخائيل بريك،عدا كتابه (الحقائق الوفية في تاريخ بطاركة الكنيسة الإنطاكية)، وأن تطبع في إحدى دور النشر الأرثوذكسية؛ كي يُعطَى حقه من جهة، وينتفع منه الإنطاكيون من جهة اخرى وكل الكراسي الارثوذكسية في كل العالم.
( انتهى الاقتباس عن الباحث أ. سامر عوض لأهميته وبتصرف منا حيث يقتضي الامر)
لوحة مدفن البطاركة في حرم الكاتدرائية المريمية قبل نقل المدفن الى مدفن البطاركة الحديث تحت هيكل الكاتدرائية 1992
سيرة حياته
لم يَرِد ذكر للسنة التي وُلِدَ فيها الأب ميخائيل بريك، إذ عاش في القرن الثامن عشر، ورُسِمَ شماساً سنة 1748، وبعدها اصبح كاهناً، وفي سنة 1768م أصبح وكيلا على دير سيدة صيدنايا لسنة واحدة، ويُذكًر أنه تنازل عن منصبه لسببٍ ما؛ ولكثرة الأتعاب، وعدم النظام، وقد ذكر :معجم المؤلفين، تراجم مصنفي الكتب العربية” خطأً، بأنه ميخائيل بريك اللبناني. وعند الباحث الدكتور احمد غسان سبانو هو ميخائيل الدمشقي والبعض يعتبره باحثاً مجهولاً “ميخائيل المجهول” ولكن ثمة اجماع مغلوط انه كاثوليكي، بينما هو ارثوذكسي عنيد في دفاعه عن الارثوذكسية، وان كان منتقدا الكثير من التصرفات الاكليريكية وينحي بلائمة على بعض البطاركة اليونان الذين تولوا السدة الانطاكية منذ 1725 والتصرفات من علمانيين لمخالفتها للتعليم المستقيم الرأي كما هي الارثوذكسية…
مسيرتي في ترجمته
اول ماشدني الى علمنا هو كتابه “تاريخ الشام ” الذي حقق مخطوطته المحامي الصديق د. احمد غسان سبانو” واطلعت على المخطوط ومخطوط الحقائق الوفية خاصة حينما بدأت مسيرتي مع الوثائق والمخطوطات البطريركية واحيانا كان بعض الكتاب المزيفين لانتمائه يعرفون به ” ميخائل الدمشقي” ومرة “مؤلف مجهول” وهؤلاء اجمعوا على انه اعتنق الكثلكة سراً لذلك ينتقد من يهاجم الكاثوليك !!! وبلا شك هذا لاينطبق على نزاهة المؤرخ وموضوعيته وبعده عن الميل الشخصي…! وهنا اقصد من زيفوا في انتمائه!!!.
بحثت في امهات كتب المكتبة البطريركية ومخطوطاتها القديمة وكذلك مكتبات الاديرة البطريركية (البلمند وجاورجيوس الحميراء وسيدة صيدنايا والقديسة تقلا معلولا) والكنائس المتجذرة في تاريخيتها بكتبها ومخطوطاتها التي لعبت بمعظمها ايدي سبأ، فمحقت منها الكثير مما نرى في كشوفه القديمة ذكرا ورقما ( ورأينا معروف وسبق وادرجناه هنا في موقعنا وسلطنا ضوءاً يسيراً على الظنينين وهم ليسوا ظنينين بل مختلسين مستغلين حقيقيين لمخطوطات بطريركية عظيمة في فترة ماقبل تسلمنا لهذه الأمانة التي لاتقدر بثمن / نجل اسماءهم مقاماتهم الاكليريكية في طوائفهم من اعلان اسمائهم… حفظاً لذكراهم وقد صاروا في دنيا الحق/، وما اسوقه الا من واقع امانتي على هذه الكنوز لحوالي خمسة عقود بين هذه الوثائق العظيمة! لكن وفي كل عمري منذ1987 وحتى الآن لم اجد لعلمنا العظيم هذا اثرا بخط يده او مخطوط او وثيقة تسلط الضوء عليه وجل مافعله الظنين والسارق هو اخفاء ذلك ليحتكره لذاته فيما بعد وليعلن عنه من تركته عندما مات ماعزز قناعتنا !!! لم أعثر له على ذكر في بيته الانطاكي (لأنه سُرقْ)، استند عليه الا ماحققه الاستاذ سبانو لأي تاريخ أو مفصل أو تفصيل في تسعينات القرن الماضي…
بعد اطلاعي على مخطوطه، اطلعت على التحقيق والاصدار بكتابه الاشهر الحقائق الوفية في تاريخ بطاركة الكنيسة الإنطاكية تحقيق أ. نائلة تقي الدين قائد بيه اشراف د. حياة العبد بوعلوان والصادر عن دار الهادي في بيروت 2006 وقد استندنا عليه مع بقية المصادر في تاريخ كرسينا الانطاكي في تأريخنا لبطاركة انطاكية في موقعنا هنا اضافة الى تأريخ ظاهر خير الله ود. اسد رستم وما اشار اليه البطريرك غريغوريوس وتأريخ الارشمندريت بولس ابو عضل ومحاولتنا (هنا في مدونتنا التوفيق بين بعض التضارب بينها) وكنا فعلناه ايضا في كتابنا “زيارة غبطة البطريرك اغناطيوس الرابع الى انطاكية وكيليكيا والاسكندرون” العام 1992 والصادر عن البطريركية بدمشق عام 1994…
مارأيناه في المؤرخ الخوري ميخائيل بريك
يتصف علمنا بتأريخه للمراكز المسيحية وللأحداث الاجتماعية والسياسية في عهده منتصف القرن الثامن عشر، وهو في كتابيه ” الحقائق الوفية…” و”تاريخ الشام لايكتفي بنقل الأخبار، بل يتمعن بها ويتخذ مواقف منها، دأعياً لاتخاذ العبر بالله المنجي عز وجل، ويتميز عمن سبقه من مؤرخي الأحداث فس سرده لأوضاع المسيحيين الاجتماعية في زمانه، ثم اهتمامه بأخبار واحداث البلاد الاوربية وتركيزه على كلمة عرب وابن عرب ويعتز بمن يتحدث عن عروبتهم، وهو يتكلم هنا عن تولي بيت العظم على ولايات في بلاد الشام.
يصف في كتابه ” تاريخ الشام” احوال المسيحيين الدمشقيين فيعطي إخبارات عن بعض العائلات المسيحية كما فعل عندما تكلم عن عائلة اليازجي، فقال:” انه في سنة 1730 أخذ اسماعيل باشا العظم اثنين نصارى (مسيحيين) اخوة نعمة ويوسف ووظَّفّهم كتبة وترقوا عنده، وجاء بعدهم اولادهم واشتهرت عائلة اليازجي في حمص ويشير الى دور اليازجي ابو حنا الحمصس انه لم يعد اليهود والنصارى (المسيحيين) ملتزمين بالخروج بالشموع لملاقاة أمير الحج عند عودته عند بوابة الله او اذا حضر وزير جديد من اسلامبول (والي جديد لدمشق آتياً من اسطنبول)، ويضيف : إن ذاك ترقف سنة 1762 بعد البدء العمل به سنة 1707، يقول :”في هذه السنة ارتفعت هذه العادة عن النصارى (المسيحيين) بواسطة يزجي (كاتب) الوزير أبو حنا الحمصي.جازاه الله عن ذلك خيراً.”
وفي مكان آخر من الكتاب يذكر المؤلف أنه في ايام أسعد باشا ارتدى المسيحيون مايحلو لهم من الثياب ما عدا الأخضر . وبعد أن يصف الحرية التي تمتع بها المسيحيون في بناء الدور والقصور والخروج الى المتنزهات وشرب الخمر في الأماكن العامة يعود ليبرز تألمه من التمادي في اللهو والمسرات واضعاً اللوم على النساء في تجاوز الحدود .(03بريك : تاريخ الشام)
تهيمن على كتابات مؤرخنا الخوري بريك اللهجة التأملية، وهو يستجلي العبر من الأحداث، وينبه المسيحيين، وبالأخص النساء، من مغبة الاسترسال في الأهواء … ويعود ليروي ماحدث للمسيحيين ايام احمد باشا الجزار حين دخل سنة 1777 الى دير المخلص واستباحه حيث يقول:
” ونهب دير المخلص المشهور وقيل أنه أخذ منه خزاين جزيلة للدير، وودائع للدروز، ونهب غي ديوره ( أديرة) وبلاد كثيرة وجابوا نساهم (ونساءهم) واولادهم وباعوهم في دمشق مثل الأسرى، وكان شي يحزن القلب ويعكر الخاطر.
وبعد ايام قلائل جميع الذين انتهبوا من القرايا من النصارى انحدروا الى دمشق، وكانوا كل عيلة بعيلتها طائفين الأزقة والشوارع ليشحدوا ويأكلوا وكم وكم مات منهم من الجوع والبرد وكم وكم اشترى أهل دمشق من العسكر بنات ونسوان واطلقوهم لوجه الله تعالى.(بريك تاريخ الشام/ 64)
ولا يقتصر سرد بريك للأحداث السياسية على البلاد الاسلامية وحدها، بل يتخطاها الى اوربه، فيتحدث عن الحرب سنة 1755 بين الانكليز والفرنسيين وعن غلبة الانكليز في تلك الخرب، ولعله يقصد الحرب في القارة الاميركية الحرب المقصودة (وهي الحرب الفرنسية والهندية، وهي جزء من حرب السنوات السبع الأوروبية (1754-1763)، ووقعت بين بريطانيا وفرنسا على الأراضي الأميريكية الشمالية. بدأت بشكل رئيسي في 1754 بسبب التنافس على السيطرة على الغرب الأمريكي والموارد، وتضمنت معارك مثل معركة بحيرة جورج في 8 ايلول 1755. نتج عنها هزيمة فرنسا وخسارتها لأغلب مستعمراتها في أمريكا الشمالية لصالح بريطانيا، مما أدى لاحقًا إلى زيادة الضرائب على المستعمرات الأميريكية وزيادة التوترات التي أدت إلى الثورة الأميريكية.) وقد جاءت هذه نتيجة لتدخل الملكة كاترينا الثانية الروسية في بولونيا، ووضع أحد رجالها على العرش البولندي آنذاك ما أدى الى حرب مع الدولة العثمانية.
وعن الحرب بين الروس المسكوب ( المسكوب تسمية قديمة للروس)وبلاد بولونيا سنة 1769 مبدياً ميله للروس”وكان النصر والفخر العظيم للمسكوبيين”
“… انتصر المسكوبي وفقد من عسكر الاسلام ( الدولة العثمانية) كثير ثم استظهر المسكوبي (انتصر الاسطول الروسي) في البحر الابيض (المتوسط) وأخذ مراكب كثيرة من الاسلام… ولم يبق للاسلام ولا مركب فيه بل الجميع مسكوبي”. (بريك تاريخ الشام 93)، /هاجم يومها الروس بلاد القرم (شبه جزيرة القرم وكانت تحت الاحتلال العثماني) وهذا ادى لاحقاًالى تقسيم بولونيا.)
وهكذا يتخطى بريك حدود الدولة العثمانية في سرده، مما يعكس آفاقه الواسعة واهتماماته التنوعة وشعور الانتماء الى المسيحيين في البلاد الاخرى المسيحية، وكذلك يبدو اندفاعه نحو الارثوذكسية، ويشيد بتولي آل العظم العرب المناصب الحكومية في دمشق وغيرها مشيدا بالعرب ويظهر في ذلك انتماءً عظيماً لتعود السدة الانطاكية الى اهلها.
برأينا ينطلق الخوري ميخائيل بريك المؤرخ الكبير والمنسي بآن ينطلق من وعي ديني وقومي واللهجة التعليمية التبشيرية تهيمن على كتابيه “الحقائق الوفية…” و”تاريخ الشام”، فهو لايتوانى عن ابراز الحقائق واسداء النصح معتبراًان مملكة الله تقع وراء الوقائع التاريخية وماهذه الارض الا ممر لحياة أخرى في السماء وهو الهدف الذي كُتب التاريخ من اجله.
آثاره المحققة
1- الحقائق الوفية في تاريخ بطاركة الكنيسة الإنطاكية
يتحدث الكتاب عن البطاركة المتعاقبين، على تولي االسدة البطريركية في الكنيسة الانطاكية. ابتداءً من بطرس الرسول (45-53)، إلى البطريرك دانيال (1767-1793) ، مع العلم بأن الجدول الذي أورده تقويم مجلة النعمة، يختلف عن التواريخ الواردة، في كتاب(الحقائق الوفية في تاريخ بطاركة الكنيسة الانطاكية)، فالبطريرك دانيال يرد ترتيبه ال(145) في كتاب الحقائق الوفية، أمَّا في تقويم النعمة فهو البطريرك ال(153) حيث أنه توجد بعض الفروقات التاريخية، مابين كل من المرجعين.
يشرح الكتاب، حول البطاركة في سيرهم، وأشهر الأحداث التي جرت على عهدهم، ويُفَصِل عن تأريخ الكرسي الإنطاكي، من خلال البطاركة الذين تعاقبوا عليه.
ويسرد علمنا الخوري ميخائيل بريك الأحداث، ويمتد من وراءها إلى ما بعد الخبر، إذ يحلل الوقائع، ويفصل فيها ، إلى أن يبين رؤيته بما يجري من حوله، وقد كان له الأثر الكبير في تأريخ تلك المراحل التي عاصرها، سواء من خلال هذا الكتاب، أو كتابه (تاريخ الشام).
ومن الجدير بالذكر، أن كتاب “الحقائق الوفية في تاريخ بطاركة الكنيسة الإنطاكية”، قد صَدَر في مصر، بهمة الصحفي سليم قبعين، وذلك كنسخة طبق الأصل، عن المخطوط الأصلي، تحت عنوان:
“الحقائق الوفية في تاريخ الكنيسة الانطاكية الأرثوذكسية”، وقد أُورِد عنواناً آخر: “تاريخ الآباء بطاركة انطاكية للخوري ميخائيل بريك الشهير”، مع ملحق بعنوان: “في نشأة طائفة الروم الكاثوليك لمجهول يقول أنه حضر بعض الوقائع”. وفي الصفحة الأولى صورة كتبَ تحتها: “غبطة الأب الأقدس إمام الأحبار الأنبا كيرلس الخامس بابا وبطريك الكرازة المرقسية للأقباط الأرثوذكس الجزيل القداسة”. وفي الصفحة الثالثة صورة كتب تحتها: “غبطة الأب الأقدس والسيد المغبوط كيريوس كيريوس ملاتيوس بطريرك مدينة الله انطاكية العظمى وسائر المشرق”، وبيتين من الشعرْ التالي:
“هذا هو المغبوط مولانا الذي عمَّت مدائحه البلاد بأسرها
والبطريركية قد زهت رحباتها لما تولاها تنامى قدرها”
لهذه النسخة مقدمة، بخط قبعين، يشرح من خلالها أهمية الكتاب، كمرجع تأريخي. كما ويحوي الكتاب على بعض الصور للقيصر الروسي نيقولا الثاني، والدوقة ألكسندرة، ومطران طرابلس غريغوريوس حداد، ولابد من الاشارة إلى بعض الحواشي التفسيرية، التي تبين معاني بعض الكلمات أو المصطلحات غير المفهومة.
2- تاريخ الشام(1720-1782)، (وثائق تاريخية للكرسي الملكي الانطاكي)
يعتبر الكتاب من المراجع الهامة، التي يستند اليها المؤرخون؛ لإكتشاف تلك الحقبة، ومعرفة ما حصل فيها، من احداث: تاريخية، وسياسية، وعسكرية، ودينية، واجتماعية.
للكتاب مقدمتان، الأولى: للناشر، ويتحدث فيها عن التاريخ الذي قام المؤرخ الخوري ميخائيل بريك بتدوينه، ومدى دقته واهميته..، وثانية للمؤلف: ويتحدث من خلالها عن الكتاب، وأن السبب في تأليفه يعود إلى ثلاثة ركائز، الأولى: أن العام 1720 (عام البدء بالتاريخ) هو بداية وعي الكاتب، والمامه بما يجري من حوله. والثانية: ظهور آل العظم، وتوليهم المناصب الوزارية، والحكم في دمشق وحلب. والثالثة: ظهور كنيسة الروم الكاثوليك المنشقة عن امها الكنيسة الانطاكية الرومية الأرثوذكسية في تلك الحقبة والتحاقها بالكنيسة البابوية.
يضم الكتاب حوالي (27) فصلاً، وكل فصل مقسم إلى فقرات، حسب عدد الأحداث، التي جرت في السنة. إذ بُعَنوَن كل فصل بذكر العام، ومن ثم يسرد عن الأحداث التي عاصرها فيه، ابتداءاً من العام (1720) وانتهاءاً بالعام (1781).
خاتمة
بصفتنا باحث في تاريخ الكرسي الانطاكي عموما وتاريخ دمشق المسيحية خصوصاً، ومن خلال مسؤوليتي عن المكتبة البطريركية بوثائقها ومخطوطاتها وامهات كتب وكتبها النادرة التي تغني ابحاث اكبر الباحثين والتي هي بمجموعها صارت جزءا متجذرا من عمري الطبيعي ومعرفتنا التاريخية الانطاكية لتشمل تاريخنا المسيحي الذي يمتد نيف والالفين المنصرمتين في حياتي بين هذا الكم المكتبي والمخطوط العظيم والوثائقي المؤرخ للذاكرة الانطاكية وحتى السورية والارثوذكسية بعيش حقيقي في الفترة الممتدة من عام 1987 وحتى الآن 2025 مايعني البحث عن هذا المؤرخ العملاق الذي خط نهج التأريخ الحولي اي السنوي وتذكير المعنيين بأهمية التعريف،به كعلم انطاكي يكاد يكون وحيدا ولكنه من مؤرخي انطاكية البارزين.
بكل اسف واكيد بدون قصد عانى من الإهمال والتواري عن الأنظار، ما عاناه. إذ أنَّ هناك مسؤولية جمة ملقاة على عاتق كلٍ منا، كأرثوذكسيين انطاكيين نعنى بالتاريخ المسيحية والرومي الارثوذكسي الانطاكي، إذ يجب أن نجلب آثاره من كل ركن وزاوية وباطن غلاف كل مخطوط تاريخي واية حاشية مدونة في الغلاف الداخلي لكتاب نادر، ونقرأ فيها، وننشر ما لم يُنشَر، ونعيد طباعة ما نُشِر، بحلة لائقة ككتاب (الحقائق الوفية)، إذ يجب أن تُحقق أعماله الكاملة؛ كي يتسنى لنا معرفة مكنوناتها الثمينة، والتي تكاد رهينة الرفوف والأدراج. ومنها ماتم طبعه ولكن زُيِفَ مضمونه، فقد ظهر بمضمون لا تليق، لا بالأب ميخائيل ميخائيل وتفكيره وتحليله للحوادث التاريخية، ولا بأي مؤرخ آخر؛ لأن هذه الكتب التي طُبِعَت،كاثوليكياً (كما ذكرنا) لم تُطبَع بنفس أكاديمي، وبالأحرى…حيادي وموضوعي. بل كان للمشرفين في نفوسهم ما كان من رغبة في إعادة بعث هذه المؤلفات بطريقة، تخدم مصالحهم الشخصية والخاصة واظهار الكثلكة على انها اساس كرسينا الانطاكي المقدس وان الارثوذكسية هي من انفصلت عن القيادة الاصل اي الكاثوليكية برئاسة بابا رومية، دون التريث ولو للحظة، والتيقن بأن المؤرخ الخوري الارثوذكسي الصميم ميخائيل بريك، لم يكتب بنفس أرثوذكسي أو مذهبي، بل كان مؤرخا روميا وناقدا للسلبيات بكل ما للكلمة من معنى، يأتي بالوقائع والوثائق، ومن ثم يسردها ويحللها.
في الختام نسجل شكرنا لموقع التراث الارثوذكسي والباحث المجتهد الاستاذ سامر عوض …