دار البطريركية الانطاكية القديمة بدمشق ماقبلتحيثها 1953

الخوري المؤرخ ميخائيل بريك الدمشقي

الخوري المؤرخ ميخائيل بريك الدمشقي

مقدمة

ايقونة القديسين بطرس وبولس مؤسسي الكرسي الانطاكي
ايقونة القديسين بطرس وبولس مؤسسي الكرسي الانطاكي
 كثيرون هم الذين ارخوا للكنيسة وتاريخها عموما وللكنيسة الانطاكية خصوصا وكل منهم ادلى بدلوه وبطريقته وفسر الحوادث التاريخية وفق رؤيته وميوله ولكن علمنا يالخوري المؤرخ ميخائيل بريك، من الكهنة الذين عملوا في مجال التأليف والتأريخ، بمنهجية رفيعة المستوى بالنسبة لما كان دارجاً، في عصره، في القرن الثامن عشر.  لقد غاص علمنا في التاريخ الانطاكي في يومياته  واعتمد التأريخ الحولي في كتابته التاريخ معتمداً على  أمهات الكتب، والمخطوطات النادرة تاركا زاداً معرفيا وتاريخيا شكل مرجعاً هاماً للباحثين في تاريخ المجتمع الدمشقي خاصة والانطاكي عامة،. فالمواضيع التاريخية التي ناقشها،غاض في أعماق أعماقها، اذ كان يعبُّ، ويكتب مما حصل عليه، مما لم نشهد له من مثيل، في ذلك العصر، ولا حتى في يومنا هذا ولقد شارك الكثير من الباحثين في تاريخ سورية ودمشق والكرسي الانطاكي بحلقات بحث متعوب عليها عنه ولكنها كلها لم تف قدراته النادرة. يشاركني الباحث الرصين الاستاذ سامر عوض الرؤية ذاتها بأنه وللأسف الشديد جداً، أن الكتب التي ألفها هذا المؤرخ الانطاكي الأرثوذكسي الشهير، لم تأخذ حقها كما يجب، إذ أنَّ قلة قليلة من الأرثوذكسيين الإنطاكيين، هم الذين يعرفون الأب ميخائيل بريك، إذ لم يُنشَر له أرثوذكسيا على صعيد كنيستنا الانطاكية، سوى تحقيق لكتاب (الحقائق الوفية في تاريخ بطاركة الكنيسة الأنطاكية) والذي صدر بالشراكة في شهر تشرين الاول من العام 2006، عن دار النهار، ومنشورات جامعة البلمند. إذ لم يصدر عن أي دار نشر أرثوذكسية أنطاكية، أي إصدار كان، لأحد مؤلفات الأب ميخائيل بريك. لكن مطبعة القديس بولس في حريصا (لبنان) سنة 1930، قامت بنشر كتاب (تاريخ الشام 1720-1782)، بعنوان رئيسي هو (وثائق تاريخية للكرسي الملكي الانطاكي) وكأن بالكتاب يعرض بعض الوثائق التاريخية، عن الكرسي الملكي (الرومي الكاثوليكي) الانطاكي، بما أن المتعارف على هذه التسمية (الكرسي الملكي) هو دلالة على الكرسي الرومي الكاثوليكي.
والمطلع على الكتاب، يتيقن من أنه، يشرح عَرَضَاً، ما يختص بموضوع الإنشقاق (الأرثوذكسي- الكاثوليكي) سنة 1724. مع العلم بأن الكتاب نفسه (تاريخ الشام) قد طُبِع من خلال دار قتيبة في دمشق، تحقيق السيد (أحمد غسان سبالو)، وقدعلمت من خلال شخصين، بأن تحقيق الأخير، لم يكن بالمستوى الرفيع المطلوب، لمثل هذا الكتاب. وأنا شخصيا..، اعتبر بأن الأب ميخائيل بريك، قد ظُلِمَ كثيراً، من قِبَلِنَا نحن الأرثوذكس الانطاكيين، حيث أنه قد نُشِرَت كتبه من قبل، الآخرين، إذ شُوِهَت حيناً، وعُومل مؤلفها كمؤرخ، وليس كخوري مؤرخ كما يجب أن يُعَامَل، إذ كان حريٌ بل لابدَّ، أن تُجمَع الأعمال الكاملة لهذا الأب الأنطاكي الأرثوذكسي المؤرخ،عدا كتابه (الحقائق الوفية في تاريخ بطاركة الكنيسة الإنطاكية)، وأن تطبع في إحدى دور النشر الأرثوذكسية؛ كي يُعطَى حقه من جهة، وينتفع منه الإنطاكيين من جهة اخرى.
( انتهى الاقتباس الحرفي عن الباحث سامر عوض)
لوحة مدفن البطاركة في حرم الكاتدرائية المريمية قبل نقل المدفن الى مدفن البطاركة الحديث تحت هيكل الكاتدرائية 1992
لوحة مدفن البطاركة في حرم الكاتدرائية المريمية قبل نقل المدفن الى مدفن البطاركة الحديث تحت هيكل الكاتدرائية 1992

سيرة حياته

لم يَرِد ذكر للسنة التي وُلِدَ فيها الأب ميخائيل بريك، إذ عاش في القرن الثامن عشر، ورُسِمَ شماساً سنة 1748، وبعدها اصبح كاهناً، وفي سنة 1768م أصبح وكيلا على دير سيدة صيدنايا لسنة واحدة، ويُذكًر أنه تنازل عن منصبه لسببٍ ما؛ ولكثرة الأتعاب، وعدم النظام، وقد ذكر معجم المؤلفين، تراجم مصنفي الكتب العربية خطأً، بأنه ميخائيل بريك اللبناني. وعند الباحث الدكتور احمد غسان سبانو هو ميخائيل الدمشقي والبعض يعتبره باحثا مجهولا ولكن ثمة اجماع مغلوط انه كاثوليكي…
 بحثت في امهات كتب المكتبة البطريركية ومخطوطاتها القديمة التي لعبت بمعظمها ايدي سبأ فمحقت منها الكثير مما نرى في كشوفه القديمة ذكرا ورقما ( ورأينا معروف وسبق وادرجناه هنا في موقعنا وسلطنا ضوءاً يسيراً على الظنينين… لكن وفي كل عمري منذ1987 وحتى الآن لم اجد لعلمنا العظيم هذا اثرا بخط يده او مخطوط او وثيقة تسلط الضوء عليه وجل مافعله الظنين اخفاء ذلك ليحتكره لذاته فيما بعد!!! لم أعثر له  على ذكر،استند عليه الا ماحققه الاستاذ سبانو لأي تاريخ أو مفصل أو تفصيل…
ثم اطلعت على كتابه الاشهر الحقائق الوفية في تاريخ بطاركة الكنيسة الإنطاكية تحقيق نائلة تقي الدين قائد بيه اشراف حياة العبد بوعلوان والصادر عن دار الهادي في بيروت 2006 وقد اسندنا عليه في تأريخنا لبطاركة انطاكية  في موقعنا هنا اضافة الى تأريخ ظاهر خير الله ود. اسد رستم وما اشار اليه البطريرك غريغوريوس وتأريخ الارشمندريت بولس ابو عضل ومحاولتنا (هنا في مدونتنا التوفيق بين بعض التضارب بينها) وكنا بكتابنا زيارة غبطة البطريرك اغناطيوس الرابع الى انطاكية وكيليكيا والاسكندرون العام 1992 والصادر عن البطريركية بدمشق عام 1994…
آثاره المحققة
1- الحقائق الوفية في تاريخ بطاركة الكنيسة الإنطاكية
يتحدث الكتاب عن البطاركة المتعاقبين، على تولي االسدة البطريركية في الكنيسة الانطاكية. ابتداءً من بطرس الرسول (45-53)، إلى البطريرك دانيال (1767-1793) ، مع العلم بأن الجدول الذي أورده تقويم مجلة النعمة، يختلف عن التواريخ الواردة، في كتاب(الحقائق الوفية في تاريخ بطاركة الكنيسة الانطاكية)، فالبطريرك دانيال يرد ترتيبه ال(145) في كتاب الحقائق الوفية، أمَّا في تقويم النعمة فهو البطريرك ال(153) حيث أنه توجد بعض الفروقات التاريخية، مابين كل من المرجعين.
يشرح الكتاب، حول البطاركة في سيرهم، وأشهر الأحداث التي جرت على عهدهم، ويُفَصِل عن تأريخ الكرسي الإنطاكي، من خلال البطاركة الذين تعاقبوا عليه.
ويسرد الأب بريك الأحداث، ويمتد من وراءها إلى ما بعد الخبر، إذ يحلل الوقائع، ويفصل فيه ، إلى أن يبين رؤيته بما يجري من حوله، وقد كان له الأثر الكبير في تأريخ تلك المراحل التي عاصرها، سواء من خلال هذا الكتاب، أو كتابه (تاريخ الشام).
ومن الجدير بالذكر، أن كتاب (الحقائق الوفية في تاريخ بطاركة الكنيسة الإنطاكية)، قد صَدَر في مصر، بهمة سليم بقعين ، وذلك كنسخة طبق الأصل، عن المخطوط الأصلي، تحت عنوان: (الحقائق الوفية في تاريخ الكنيسة الانطاكية الأرثوذكسية)، وقد أُورِد عنوان آخر: (تاريخ الآباء بطاركة انطاكية للخوري ميخائيل بريك الشهير)، مع ملحق بعنوان: (في نشأة طائفة الروم الكاثوليك لمجهول يقول أنه حضر بعض الوقائع). وفي الصفحة الأولى صورة كتب تحتها: غبطة الأب الأقدس إمام الأحبار الأنبا كيرلس الخامس بابا وبطريك الكرازة المرقسية للأقباط الأرثوذكس الجزيل القداسة. وفي الصفحة الثالثة صورة كتب تحتها: غبطة الأب الأقدس والسيد المغبوط كيريوس كيريوس ملاتيوس بطريرك مدينة الله انطاكية العظمى وسائر المشرق، وبيتين من الشعر هما:
هذا هو المغبوط مولانا الذي عمَّت مدائحه البلاد بأسرها
والبطريركية قد زهت رحباتها لما تولاها تنامى قدرها
لهذه النسخة مقدمة، بخط بقعين، يشرح من خلالها أهمية الكتاب، كمرجع تأريخي. كما ويحوي الكتاب على بعض الصور للقيصر نيكولا الثاني، والدوقة ألكسندرة، ومطران طرابلس غريغوريوس حداد، ولابد من الاشارة إلى بعض الحواشي التفسيرية، التي تبين معاني بعض الكلمات أو المصطلحات غير المفهومة.
2- تاريخ الشام(1720-1782)، (وثائق تاريخية للكرسي الملكي الانطاكي)
يعتبر الكتاب من المراجع الهامة، التي يستند اليها المؤرخون؛ لإكتشاف تلك الحقبة، ومعرفة ما حصل فيها، من احداث: تاريخية، وسياسية، وعسكرية، ودينية، واجتماعية.
للكتاب مقدمتان، الأولى: للناشر، ويتحدث فيها عن التاريخ الذي يقوم بتوثيقه الأب بريك، ومدى دقته واهميته..، وثانية للمؤلف: ويتحدث من خلالها عن الكتاب، وأن السبب في تأليفه يعود إلى ثلاث ركائز، الأولى: أن العام 1720 (عام البدء بالتاريخ) هو بداية وعي الكاتب، والمامه بما يجري من حوله. والثانية: ظهور آل العظم، وتوليهم المناصب الوزارية، والحكم في دمشق وحلب. والثالثة: ظهور الكنيسة الكاثوليكية، المنشقة عن الكنيسة الأرثوذكسية في تلك الحقبة.

يضم الكتاب حوالي (27) فصلاً، وكل فصل مقسم إلى فقرات، حسب عدد الأحداث، التي جرت في السنة. إذ بُعَنوَن كل فصل بذكر العام، ومن ثم يسرد عن الأحداث التي عاصرها فيه، ابتداءاً من العام (1720) وانتهاءاً بالعام (1781).

دار البطريركية الحديثة
دار البطريركية الحديثة

خاتمة

بصفتي باحث في تاريخ الكرسي الانطاكي عموما وتاريخ دمشق المسيحية خصوصا ومن خلال مسؤوليتي عن المكتبة البطريركية  بوثائقها ومخطوطاتها وامهات كتبها وكتبها النادرة التي تغني ابحاث اكبر الباحثين والتي هي صارت جزءا متجذرا من عمري وتاريخي المعرفي الانطاكي عبر العصور خلال الفترة الممتدة من عام 1987 وحتى الآن 2025 مايعني البحث عن هذا المؤرخ العملاق الذي خط نهج التأريخ الحولي اي السنوي وتذكير المعنيين بأهمية التعريف، بهذا العلم الأنطاكي البارز، الذي عانى من الإهمال والتواري عن الأنظار، ما عاناه. إذ أنَّ هناك مسؤولية جمة ملقاة على عاتق كلٍ منا، كأرثوذكسيين انطاكيين، بالاتفاق في الرؤية مع الباحث أ. سامر عوض إذ يجب أن نجلب آثاره، ونقرأ فيها، وننشر ما لم يُنشَر، ونعيد طباعة ما نُشِر، بحلة لائقة ككتاب (الحقائق الوفية)، إذ يجب أن تُحقق أعماله الكاملة؛ كي يتسنى لنا معرفة مكنوناتها الثمينة، والتي تكاد رهينة الرفوف والأدراج. ومما طبع منها، فقد ظهر بهيئة لا تليق، لا بالأب ميخائيل، ولا بأي مؤرخ آخر؛ لأن هذه الكتب التي طُبِعَت،كاثوليكياً (كما ذكرنا) لم تُطبَع بنفس أكاديمي، وبالأحرى…حيادي وموضوعي. بل كان للمشرفين في نفوسهم ما كان، من رغبة في إعادة بعث هذه المؤلفات بطريقة، تخدم مصالحهم الشخصية والخاصة واظهار الكثلكة على انها اساس كرسينا الانطاكي المقدس، دون التريث ولو للحظة، والتيقن بأن الأب بريك، لم يكتب بنفس أرثوذكسي أو مذهبي، بل كان مؤرخا  روميا وناقدا للسلبيات بكل ما للكلمة من معنى، يأتي بالوقائع والوثائق، ومن ثم يسردها ويحللها. مع الشكر لموقع التراث الارثوذكسي…