الطاعون …كارثة البشرية
الطاعون …كارثة البشرية
مقدمة
انتشار الوباء
كيف يقتل الطاعون؟
أما الطاعون الدبلي- والذي ينتشر عن طريق البراغيث – فيتبع نمطاً مختلفاً، فبمجرد أن يُصيب الشخص فإن الأمر يستغرق ما بين ثلاثة إلى خمسة أيام قبل أن تظهر على المريض أي علامات للمرض، ومن ثلاثة إلى خمسة أيام أخرى قبل أن يقضي عليه الموت.
انتشار مرض الطاعون في اوربة
انهيار الإيمان أمام الطاعون
يجب أن يكون هناك كبش فداء!
وبحلول خريف عام 1348، انتشرت شائعات على نطاق واسع في كل أرجاء اوربة تفيد بان الطاعون كان في الواقع مؤامرة يهودية ضد المسيحية، هذه الأقاويل أطلقت العنان للمسيحيين في اوربة لتدمير عقيدة كاملة، فتم اعتقال وتعذيب الكثير من اليهود، وبدأت حملات الإنتقام الجماعي، فأُحرقت مئات من المدن وتجمعات اليهود… وتم إعدام الآلاف منهم على يد الجماهير الغاضبة، كان الأمر كمذبحة اجتاحت مشارق أوربة ومغاربها، لدرجة أن الأمر استغرق من اليهود ثلاثة قرون لإعادة بناء معتقداتهم ونشر ثقافتهم من جديد في البلدان التي يعيشون فيها.المقابر الجماعية في زمن الطاعون
ربما سمع معظمكم عن حُفر الطاعون، وعن المقابر الجماعية – حيث انتهى المطاف بجثث ضحايا الطاعون- , كان هناك الكثير من الجثث، ولكن ربما تم التعامل مع الجثث بطريقة مراعية بعض الشيء للياقة الانسانية، ففي عام 2016 تم اكتشاف مقبرة لموتى الطاعون في لينكولنشاير تحت أرضية دير قديم من القرون الوسطى ويعود تاريخ المقبرة إلى عام 1349 وتضم 48 جثة، سبعة وعشرون منها كانت لأطفال، وقد وضعوا جميعهم بعناية جنباً إلى جنب في صفوف. وقد وجد علماء الآثار أيضاً أن العديد من الجثث تم دفنها مع حليها ومصوغاتها، و حتى أن أحدهم قد وضع تميمة على شكل رمز وقائي على إحدى الجثث.
صور الطاعون في لوحات رسامي العصر الذهبي الاسباني
و منذ العصور القديمة، طغت الأوبئة على البشرية بأكثر الطرق إثارة. وباء الطاعون على وجه الخصوص، أصاب البشر بالرعب، لأنه ضرب بغض النظر عن العمر والجنس والوضع الاجتماعي، ويكاد يكون أحيانا بلا علاج.
في الوقت الذي ينبع فيه الطب من معرفة تجريبية إلى حد ما، حيث يسير النهج العلمي، جنبًا إلى جنب مع الخرافات والأساليب الخيالية، كان التفسير المقبول عمومًا هو عقاب الله (أو الآلهة)، بسبب الأخطاء التي ارتكبت من طرف الإنسان، كانعدام التقوى، ومخالفة تعاليم الله، والجري وراء الشهوات وملذات الحياة. لذا، فإن الصور، النادرة نسبيًا التي توفرها لنا اللوحات القديمة الإسبانية أبان العهد الذهبي للمملكة الإسبانية. ستكون جزءًا من هذه العملية العقلية من خلال الرقي الأخلاقي للمؤمنين، الذين تدعوهم إلى التوبة عن خطاياهم الحقيقية أو المفترضة. حيث يتبين أن بصمة الكنيسة الكاثوليكية عميقة جدًا، ونلاحظ كذلك من خلال الشهادات التي وصلت إلينا، مدى كفاية الكمال مع هذا التحليل الديني لظاهرة الوباء، غير المفهوم أصلا مصدره الحقيقي (جرثومة الطاعون فقط ثم التعرف عليها في عام 1894 من قبل ألكسندر يرسين وكيتاساتو اليابانية). ودعونا نلاحظ من خلال الايجاب، أن صورة الوباء تفوض غرضًا مزدوجًا: الأول من النظام الأخلاقي والتكفيري، المتمثل بالعقاب الإلهي الذي يعاقب على الخطأ ويجيز كلا من التكفير والغفران؛ الثاني نظام شفاعة الكنيسة التي تجعل نفسها (مثل أوراكل اليونان القديم) المتحدث باسم غضب السماء مع تعزيز قوتها على الأرواح.
لذلك يجب علينا أن نفهم أن العديد من هذه الرموز، التي تم رسمها رسامو فترة العصر الذهبي الإسباني، كانت برعاية دينية أو من قبل أشخاص اعتقدوا أن إيمانهم وكذلك معتقداتهم الأخلاقية هي الحقيقية (الأخوية المسيحية). كان الخوف من الطاعون والأوبئة عظيمًا جدًا، لدرجة أن تمثيلهم القاطع لم يكن بديهيًا. في الواقع، نلاحظ وجود أعداد أكبر من رموز الموت، أو إيجاز الحياة، بدلاً من المشاهد المأخوذة من الواقع الحقيقي للأوبئة المشهود عليها (مثل التي وقعت بمدينة إشبيلية سنة 1649 على سبيل المثال). وبالتالي فإن المؤلفين المشهورين من قبل خوان دي فالديس ليل (1622- 1690) لمستشفى الخيرية في إشبيلية، التي رسمت اللوحة ما بين سنتي 1671-1672. هي رسومات حقيقية لأيقونات مسيحية، طلبت من قبل ميغيل دي ما نارا، رئيس أساقفة كنيسة ميغيل دي مونيارا. بغمضة عين، يطفئ الموت، شعلة الحياة، وتدوس الآلهة على الملذات والإغراءات الإنسانية، المتمثلة في كومة من الأشياء الرمزية: الكرة الأرضية، التيجان، الكتب، رموز أسلحة المجد العسكري. التكوين الثاني، الرسام فينيس غلوريا مندي، يقدم لنا رؤية مخيفة للجثث المتحللة، بما في ذلك جثث الأسقف وفارس بدرجة وسام كالاترافا، بينما يد السيد المسيح تزن الخطايا والأفعال الصالحة في الميزان وفقا لمبدأ «لا أكثر ولا أقل».
-وبوسعنا ان نلاحظ هذا الاختصار في اشكال عديدة من اللوحات الاسبانية بذلك العهد. مثيرة للدهشة عند الرسام بيدرو دي كاميرو، في لوحة الموت والشاب الشجاع (موجودة بأشبيلية، بمستشفى سانتا كريداد). وبمظهر هيكل عظمي لسيدة محجبة، الموت على وشك ضرب شاب من الواضح انه واقع تأثير الحب. هنا التلميح الأخلاقي، الى الصحة العامة، اللوحة تفترض شكلا مسرحيا وكذلك شكل الغرور، بسبب الأشياء المتراكمة بمقدمة اللوحة. لقد شهد القرنين السادس عشر والسابع عشر على الخراب الذي أحدثه مرض الزهري، وتجسد هذه الصورة تماماً خراب الحب الشرير.
مثال آخر مثير للدهشة إلى حد ما هو مثال الرسام اغتاسيو دو راييس (1661-1616)، بلوحة رمزية شجرة الحياة. يمكننا أن نرى، مجموعة من الضيوف السعداء بالقرب من شجرة. والسيد المسيح يدق الجرس لتحذير هؤلاء الصيادين بينما الموت، على شكل هيكل عظمي، على وشك أن يسقط الشجرة، بمساعده ومؤازرة الشيطان. كما نرى، أن الجانب الرمزي هو الطريقة الأكثر شعبية للسلطات الدينية والأخلاقية، لوصم التأثيرات الدرامية المترتبة على النهاية غير المتوقعة.
في التفاني الشعبي، كانت يلجأ غالبا للسيدة العذراء، وكانت تُدعى في الغالب، سانت سيباستيان، او سانت روش، سانت فرانسوا أو حتى سانت روزالي لمكافحة الأوبئة. وهكذا، كان العديد من التمثلات لهذه الشخصية المقدسة، مرتبطة بالتضرع، وكان عليها مساعدة الفقراء الذين اعتبروا تجسيدا للسيد المسيح من خلال بؤس العالم. وهكذا أعطانا الرسام لويس تريستان (1595 -1624) في عام 1624 لوحة مثيرة، La Ronda de pan y huevo (جولة الخبز والبيض) حيث عمد إلى إبراز أعضاء «أخوية هرمادا للمهاجرين»، التي تأسست في مدريد عام 1615، وهي تساعد شابًا محتضرًا، ورجلًا مسنًا من خلال توفير الراحة لأحدهم، الذي يعاني بشكل واضح من مرض معدٍ، بالإضافة إلى الخبز والبيض وكأس نبيذ للآخر. في الخلفية، امرأة مريضة تحمل في صندوق قمامة محاطة بمدبرة المنزل. تم وضع هذا العمل الفني تحت رواق أبرشية سان رومان في مدينة توليدو. لا شك لدينا أنها مشاهد مأخوذة من واقع شبه يومي.
خلال وباء الطاعون في إشبيلية سنة (1649-1650)، الأوامر الدينية التي أعطيت، دفعت ثمناً باهظاً للوباء الذي ترك من بين تعداد ساكنة تصل إلى 120.000 نسمة، النصف فقط على قيد الحياة. يوضح الرسام بيدرو أناستاسيو (غرناطة، 1635 -1688) في عمل مؤرخ عام 1684، تم الاحتفاظ به في متحف غويا في كاسترس، الواقع الرهيب للوباء. شابة، ضحية الطاعون، تقع على الأرض مع أحد طفليها المتوفين. الثاني، مهجور، أما الثاني الذي تخلى عنه، فهو يتشبث بجسم امه، الذي بدأت تظهر عليه ملامح لون الجثة. بالإضافة إلى حقيقة أن الرسام بوكانيكرا، تلميذ الرسام ألونسو كانو، استوحى لوحته من عمل شهير للرسام نيكولاس بوسين، طاعون أسدود، نميز في الخلفية سلسلة من الشخصيات الرمزية. الإيمان، معصوب العينين، يمسك القربان المقدس، ينزل من السماء، بينما يفر الأمل يجر مرساة عند قدمه. فالزمن، المجنح، المساند للعالم، هو نفسه، محمول من قبل امرأة تحمل حقيبة في يدها ولا شيء سوى الجشع.
وتظل الرسالة الفنية واضحة لا لبس فيها: فالطاعون هو في الواقع عقاب إلهي يفرض على الضعف البشري الأبدي. ويبقى الإيمان الديني الوحيد الذي يستطيع الخلاص من هذا الوباء. ومع ذلك، سيكون من التبسيط تصور الجائحة فقط، من خلال هذا المقاربة، الذي تهدف إلى توجيه ضربة قاضية للعقول المفكرة. هناك صور مباشرة أكثر، وإن كانت في كثير من الأحيان ذات جودة جمالية أقل، والتي تسمح لنا بتخمين مدى تأثير هذه الكوارث، على البشر. هناك لوحة مجهولة، محفوظة في مستشفى ديل بوزو سانتو في إشبيلية: «الطاعون في إشبيلية»، تظهر لنا بدون مكياج وبدون أي رمز وباء إشبيلية الرهيب، الذي كسر ظهر المدينة الأندلسية وتطورها الديناميكي، حيث هلك ابن الرسام زورباران، وكذلك النحات مارتينيز مونتانيس. المدينة مليئة بالقتلى الذين تركوا بدون دفن، بعضهم في أكفانهم، والبعض الآخر ملقى على الأرض، حيث ضربهم الطاعون. الناس تجتمع فقط في مجموعات صغيرة للغاية. المنازل مهجورة وكذلك جميع الأنشطة باستثناء المواكب أو المدافن. فمن خلال هذه اللوحة الساذجة والقاسية، يمكننا الحصول على الفكرة الأكثر دقة، عن محنة السكان والسلطات المدنية والدينية، في مدينة إشبيلية بتلك الفترة الرهيبة من تاريخ إسبانيا.
في الوقت الحاضر، تقدمت العلوم وضعفت الأفكار الدينية، ما جعلنا ننسى إلى حد ما هذه التجارب الجماعية التي، بشكل متكرر وغير متوقع، أهلكت سكان مدن إسبانية بأكملها. ومع ذلك، تموت الأفكار المسبقة بشدة، ولم يعد يصبح الدين ملاذًا للشفاء من الوباء. فإننا نسمع أحيانًا صدى من خلال وسائل الإعلام، لخطابات غريبة، مثل تلك الخاصة بالعقاب العادل، الذي يلحق بالمجتمعات المخطئة، لطريقة حياتهم أو ممارساتهم الجنسية، من الواضح أن هذا يشير إلى مرض الإيدز. وكما نعلم، فإن ناقلات الطاعون هي البراغيث التي تعيش على الجرذان. وليس من المستغرب أن نفاجأ بملاحظة، أنه خلال الطاعون في إشبيلية سنة 1649، حدثت نوبة الوباء بعد ارتفاع مياه غوادالكوير، التي دفعت لانطلاق القوارض من جحورها.
أكثر من أي وقت مضى، كل شيء هو الخطاب والصورة، ويبقى مقدار استخدامنا له بشكل الافضل أو الأسوأ في حياتنا.
قرية ضحّى سكانها بحياتهم.. وأنقذوا إنجلترا من كارثة
ما بين القرنين 14 و17، عاشت القارة الأوروبية على وقع موجات طاعون عديدة تسببت في وفاة ما لا يقل عن 150 مليونا من سكانها. وحسب المصادر المعاصرة، يعود سبب إصابة البشر بالطاعون خلال تلك الفترة لبكتيريا يرسينا الطاعونية (Yersinia pestis) التي عادة ما تنتشر بين القوارض الصغيرة كالفئران والجرذان والسناجب وتنتقل للإنسان بسبب لسعات البراغيث. ومع انتقال هذه البكتيريا إليه، تبدأ الأعراض الأولى والمتمثلة أساسا في آلام الرأس والحمى في الظهور على المصاب خلال فترة لا تتجاوز أسبوعا ومن ثم تبرز على جسده تورمات سوداء تلقب بالدبل يتسرب منها الدم والقيح ويتعرض جهاز المناعة لجانب من التقلبات التي تتسبب في إضعافه.
وعقب وباء الطاعون الأسود الذي عصف بإنجلترا منتصف القرن 14 وتسبب في وفاة نحو ربع سكانها، عاشت البلاد ما بين عامي 1665 و1666 على وقع طاعون لندن العظيم الذي أسفر عن وفاة ما يقارب 100 ألف إنجليزي. في الأثناء، كاد هذا الوباء أن ينتشر بشكل أكبر ويتسبب في سقوط ملايين الضحايا بإنجلترا لولا تدخل إحدى القرى التي فضّل سكانها الموت وإنقاذ أرواح بقية أهالي البلاد.
خلال شهر آب 1665، تلقى الخياط جورج فيكارس (George Viccars) المقيم بقرية إيام (Eyam) بمقاطعة ديربيشاير (Derbyshire) الإنجليزية دفعة ثياب قادمة من مدينة لندن التي نخرها الطاعون الأسود طيلة الأشهر الماضية متسببا في وفاة عشرات الآلاف من سكانها. وبسبب جهله بأسباب انتشار الطاعون حينها، وضع جورج فيكارس الثياب القادمة من لندن والمليئة بالبراغيث بمحله ليكون بذلك أول ضحية يصاب ويموت بهذا المرض بقرية إيام.
ما بين شهري أيلول وكانون الأول 1665، فارق نحو 45 شخصا من أهالي إيام الحياة بسبب الطاعون، وأمام هذا الوضع فضّل الراهب والمسؤول عن القرية وليام مومبسون (William Mompesson) التدخل لمنع انتشار المرض نحو مدينتي شفيلد (Sheffield) وبيكويل (Bakewell) القريبتين، فأقدم على وضع خطة لفرض الحجر الصحي على إيام وغلق جميع منافذها ومنع سكانها من مغادرتها وتحجير دخولها على الأجانب. وبسبب شعبيته الضئيلة، استعان مومبسون بالمسؤول السابق عن إيام توماس ستانلي (Thomas Stanley) الذي عزل عقب الحرب الأهلية الإنجليزية من منصبه. ومعا، تمكّن الرجلان من إقناع أهالي قرية إيام بضرورة اعتماد هذا “التطويق الصحي” والانعزال لإنقاذ البلاد من الكارثة ووعدوهم بتوفير المؤن والغذاء لهم انطلاقا من قرية تشاتسوورث (Chatsworth) القريبة.
وعلى الرغم من تراجعها بشكل واضح خلال فترة الشتاء، سجلت نسبة الوفيات ارتفاعا مذهلا مع بداية صيف 1666، وخلال شهر آب/أغسطس من نفس السنة تجاوز عدد الوفيات 6 حالات يوميا بسبب تكاثر البراغيث.
وقد نقلت تقارير تلك الفترة قصصا عن معاناة أهالي إيام مع الطاعون. فعلى سبيل المثال، خسرت السيدة إليزابيث هانكوك (Elizabeth Hancock) 6 من أطفالها وزوجها خلال 8 أيام فقط، وأجبرت على دفنهم جميعا بقبور متلاصقة، كما عانى السيد مارشال هاو (Marshall Howe) من نفس المشكلة فدفن زوجته وابنه واتجه لمساعدة جيرانه في دفن ضحاياهم، فضلا عن ذلك فارقت كاثرين زوجة المسؤول وليام مومبسون الحياة عن عمر يناهز 27 سنة عقب انتقال العدوى إليها أثناء اعتنائها بالمرضى.
ما بين شهري أيلول وتشرين الأول تراجع عدد الوفيات بشكل واضح قبل أن يزول المرض بشكل تام من المنطقة مطلع تشرين الثاني/نوفمبر. وبسبب الطاعون فارق 260 فردا من أهالي قرية إيام، المقدر عددهم ببضعة مئات، الحياة ومنعوا بفضل تضحيتهم وعدم مغادرتهم للقرية انتشار المرض نحو بقية المناطق المجاورة.
لهذه الأسباب جلد الأوروبيون أنفسهم بالعصور الوسطى
لهذه الأسباب جلد الأوروبيون أنفسهم بالعصور الوسطى
في حدود منتصف القرن الرابع عشر، مر العالم بواحدة من أسوأ الكوارث التي هددت وجود البشرية حيث كانت الإنسانية على موعد مع ظهور وانتشار وباء الطاعون الأسود في أغلب أصقاع العالم القديم.
ما بين عامي 1347 و1351، سجل هذا الوباء ظهوره بالقارة الأوروبية لينتشر في مختلف أرجائها، مسفرا عن وفاة ما لا يقل عن 50 مليون أوروبي.
وسجل الطاعون الأسود بحسب أغلب المؤرخين، ظهوره بصقلية بعد نقله من قبل البحارة على متن السفن التجارية ليمتد نحو بقية المدن الأوروبية ويبلغ تدريجيا الجزر البريطانية عام 1348.
خلال تلك الفترة، أثارت تسمية الطاعون الأسود الرعب أينما حلت، فقبل بداية انتشار الوباء بأوروبا، تناقل التجار قصصا مرعبة حول أعداد الموتى الهائلة والجثث المنتشرة في الشوارع ومعاناة المرضى بالشرق.
فضلا عن ذلك، تصاعدت حالة الذعر لدى الأوروبيين بسبب جهلهم لأسباب انتشار الطاعون الأسود المرتبطة في حقيقة الأمر بالبراغيث التي نقلتها الفئران بين مختلف المنازل.
وفي حل سيئ، لجأ العديد من الأهالي لمغادرة القرى المصابة ناقلين معهم في ثيابهم وأغراضهم البراغيث المحملة بالمرض نحو المناطق المجاورة.
أمام غياب تفسير منطقي للطاعون الأسود وارتفاع عدد الوفيات بشكل يومي، ألقى الأوروبيون اللوم خلال العصور الوسطى على أشياء متعددة، وشككوا بما أسموه الغضب والعقاب الإلهي فلجأوا لمعاقبة كل من تحوم حوله بعض الشكوك بممارسة السحر والهرطقة عن طريق الحرق، لتندلع بذلك في عديد المدن أعمال عنف انتهت بإحراق الآلاف من اليهود والمهاجرين الأجانب الذين اتهموا أيضا بتسميم آبار الشرب.
أمام هذا الوضع، تدخل البابا كليمونت السادس (Clement VI) سنة 1348 ليطالب بوقف أعمال العنف عن طريق المرسوم البابوي Quamvis perfidiam الذي حثّ من خلاله على حماية اليهود ووقف استهدافهم وتلفيق التهم لهم.
بينما لجأ البعض لمعاقبة غيرهم على ظهور الطاعون الأسود، اتجه البعض الآخر لتسليط أقسى العقوبات على أنفسهم في محاولة منهم لوقف ما اعتقدوا بأنه عقاب إلهي مسلط عليهم بسبب تفاقم خطاياهم.
انطلاقا من ذلك، ظهرت بكل من إيطاليا وشرق أوروبا وألمانيا والأراضي المنخفضة مجموعة من الأشخاص الذين لجأوا لجلد أنفسهم أملا منهم في التكفير عن خطاياهم ووقف انتشار الطاعون الأسود.
وخلال سنوات الوباء، سجلت طقوس هذه المجموعات توسعها لتشمل مختلف أرجاء أوروبا.
كذلك صنّف الأهالي، بحسب المؤرخين، هذه المجموعات خلال العصور الوسطى كأتقياء ومنقذين، واتجه هؤلاء الأفراد لجلد أنفسهم مرات عديدة يوميا أمام العموم، وأقاموا احتفالات تنقلوا أثناءها من مدينة لأخرى كل 33 يوما ونصف اليوم.
استخدم هؤلاء الأشخاص في الغالب سياطا تكونت من ثلاثة حبال مصنوعة من الجلد، كما لجأ البعض منهم لتثبيت عدد من المسامير عليها لزيادة معاناتهم وتسهيل إراقة دمائهم التي “تبرّك بها الحاضرون”، بحسب اعتقاداتهم.
أيضا، لم تتردد بعض المجموعات في تغطية وجوهها بقطع من القماش وارتداء ثياب بيضاء مقطعة عند الظهر لإبراز موقع الجلدات على أجسامهم.
في غضون ذلك، رفض البابا كليمونت السادس تصرفات المجموعات التي اتجهت لجلد أنفسها واتهمها بالهرطقة وتقديم آمال كاذبة للمناطق المتضررة من الطاعون الأسود.
وخلال شهر تشرين الأول/أكتوبر سنة 1349، أصدر البابا مرسوما أدان من خلاله هذه المجموعات وهدد بممارسة الحرمان الكنسي ضدها، كما طالب السلطات الكنسية بالتصدي لها ووقفها.
في الأثناء، بدأت أزمة الطاعون الأسود بالانفراج خلال خمسينيات القرن الرابع عشر، حيث لعب تحسّن الوضع والرعاية الصحية والطقس البارد دورا هاما في القضاء على هذا الوباء الذي فتك بنحو ثلث سكان أوروبا.
٭ جان لوي أوجيه كبير أمناء متحف غويا وجوريس ترجمة عبد الله الحيمر
Beta feature
Beta feature
Beta feature
Beta feature
Beta feature
Beta feature
Beta feature
Beta feature
Beta feature
Beta feature
Beta feature
Beta feature
Beta feature
Beta feature
Beta feature
Beta feature
Beta feature
Beta feature
Beta feature
Beta feature
Beta feature
Beta feature
Beta feature
اترك تعليقاً