دير القديس سمعان العمودي

“العموديون” طريقة فريدة للتعبد في مدن الشمال السوري المنسية

“العموديون” طريقة فريدة للتعبد في مدن الشمال السوري المنسية

 آثار منطقة جبل سمعان كنز سياحي وفن سوري متميز

تمهيد

دخلت المسيحية شمال سورية في عهود مبكرة وتركت حضارة عظيمة ما زالت أوابدها تشهد على مدى التمدن والنضج الفني الذي وصل إليه الفنان السوري في القرنين الخامس والسادس الميلاديين، وتكاد سورية الشمالية تنفرد بهذا النوع من الرقي العمراني الذي تجلى بأبهى صوره في البارة ومحيطها وباريشا وقلب لوزة ومنطقة جبل سمعان، التي من أهم أوابدها الرائعة قلعة سمعان. وتعتبر الأخيرة من أهم المناطق المهجورة أو التي اصطلح على تسميتها بالمدن الميتة أو المنسية بتعبير أدق، وأهميتها هذه جاءت من كونها أحد الحصون البيزنطية الحدودية ومركزاً ومنطلقاً مسيحياً بالغ الأهمية لعب دوراً مميزاً في تلك الفترة.
وتنتشر خرائب تلك المدن والقرى التي تعود إلى الفترة الممتدة بين القرنين الأول والسابع الميلاديين بكثافة في مناطق جبلية كلسية تشكل مثلثاً يمتد بين انطاكية في الشمال الغربي وأفامية في الجنوب وسط سورية، بينما يشكل الرأس الثالث سيروس أو النبي هوري في الشمال.
وسواء كانت هذه الاماكن الحضرية اقيمت بمثابة سكن للمزارعين أو منتجعات صيفية لأثرياء انطاكية والمدن الأخرى، إلا ان هجرة سكانها لم تكن نتيجة عمليات التهجير والضغوطات التي مورست أثناء الفتح العربي الإسلامي على السكان الأصليين، كما يدعي المستشرقون، بل العكس من ذلك، إذ حرص الفاتحون العرب على إبقاء السكان وممارسة معتقداتهم كما فعل أبو عبيدة بن الجراح عندما لم يسمح للجند بالاقامة في انطاكية وبعد فتحها.
ويعود سبب الهجرة إلى تدهور النشاط الاقتصادي نتيجة عوامل كثيرة منها الحرب الفارسية – البيزنطية مطلع القرن السابع وتدميرها تلك المدن ومن ثم المقاطعة الاقتصادية التي انتهجتها انطاكية بحقها بعدما استعادها المسلمون حيث اعتمدت بالدرجة الأولى على تصدير خمورها وزيوتها وصوفها إلى انطاكية كمصدر أساسي لبقائها واستمراريتها. والدليل على ذلك، دوام بعضها حتى القرن العاشر الميلادي بدليل العثور على نقود إسلامية فيها، وما لبث السكان ان نزلوا إلى السهول لزراعة الحبوب والمحاصيل الشتوية تاركين الكرمة والزيتون، وما زالت بعض آثار هذه الزراعات موجودة في مناطق محددة منها.

قبل الحديث عن القلعة لا بد من الحديث عن القديس سمعان العمودي الذي عرفت القلعة والمنطقة باسمه، وهو راعي غنم ولد سنة 392م في قرية سيسان في اقليم كيليكيا، كما يقول الغزي في كتابه “نهر الذهب في تاريخ حلب”. ويضيف انه “عندما بلغ الثالثة عشرة من عمره ترهب ولازم أحد الأديرة مدة ثم انتقل إلى غيره متقشفاً، اشتهر بالتعويذات للمرضى فكثروا عليه حتى ضجر، فاعتزل الناس ليتفرغ إلى العبادة”.
وتقول مصادر أخرى إن سمعان اقترب من مدينة حلب وهو يقود اغنامه ودخل إحدى الكنائس ليؤدي الصلاة فسمع ناسكاً في الدير يقول: “طوبى للمساكين، طوبى لمن يهتدي…” وبعد انتهاء القداس استفسر عن معنى كلمة طوبى فأثرت به وأراد أن يترهب فالتحق بإحدى الرهبانيات في دير برج السبع قرب قرية تل عادة وراح يطبق على نفسه نظاماً قاسياً من التقشف والصبر وربط نفسه بالحبال حتى نزف الدم، فطلب أهل الدير منه المغادرة بعد عشر سنوات احتجاجاً على هذا النهج، فجاء إلى رهبانية أخرى تدعى تيلاتيسوس، وهي دير سمعان اليوم قرب القلعة، وعاود طريقته التعبدية القاسية تلك وصام أربعين يوماً بدل العشرين ثم صعد الجبل وعاش ثلاث سنوات في كوخ خشبي وذاع صيته لما اشتهر به من كرامات وجاءه زوار من كل البقاع طالبين البركة والشفاء مما اضطره إلى الاعتزال وإقامة عمود بعلو 5،10 متر وعرض 2×2 متر يجلس فوقه، مبتعداً عن الناس، مقترباً من الله وله شرفة خشبية يطل منها على قاصديه وبقي كذلك مدة 39 عاماً حتى وفاته سنة 459 ميلادية.

وتذكر الدراسات الفرنسية أن مدة اقامته على العمود لم تتجاوز 27 سنة. ويذكر الخوري جبرائيل رباط أنه أقام أربعة أعمدة ارتفاعها على التسلسل 6، 12، 22، 40 ذراعاً. ويقول بعض الروايات إنه لم ينزل عن العمود طيلة هذه الفترة مقاوماً رياح وبرودة الشتاء وشمس الصيف المحرقة، وكان يتصدق على فلاحي القرى المجاورة بالطعام والنبيذ الذي يهدى إليه، كما كان يقضي جميع حاجاته من دون ان يضطر إلى النزول، مستدلين على ذلك بوجود عمود مشابه في قرية باسوفان القريبة ويحتوي على شق عرضه 13سم لقضاء الحاجات.
وتؤكد الرواية ان سمعان العمودي “نسبة إلى العمود” رائد هذا المذهب في العبادة فوق الأعمدة، وجاء بعده القديس دانيال العمودي الذي أمضى 37 عاماً فوق عمود في القسطنطينية، ويقول بعض المؤرخين إن القديس دانيال عاش في قرية كفر دريان قرب حارم على الحدود التركية، والقديس يوحنا الاتاربي في تل الأتارب قرب حلب، والقديسان لوقا واليعازر.

ويرى فيليب حتي في كتابه عن سورية ولبنان وفلسطين ان مؤسس هذه الطريقة هو انطوان المصري في النصف الثاني من القرن الرابع الميلادي ثم انتقلت بعد ذلك إلى سورية  الجنوبية ومن ثم الشمالية. وتقول رواية أخرى إن هذه الطريقة جاءت من نساك  الهند “العموديين”.
بعد وفاة القديس سمعان، دفن بجانب العمود ثلاثة أيام وما زال مكان الدفن جنوب العمود مكشوفاً حتى الآن. وأمر اسقف انطاكية بنقل رفاته إلى انطاكية فرفض أهل المنطقة فبعث 100 جندي حملوا رفاته إلى انطاكية فالقسطنطينية، وهو الآن في كنيسة أيا صوفيا الشهيدة في القسطنطينية .
سياحة تاريخية

دير القديس سمعان العمودي
دير القديس سمعان العمودي


يقول مدير القلعة حماش حماش إن “وجود الصلبان الخمسة: الاغريقي والروماني والمالطي والبيزنطي والسرياني، دليل الوحدة الدينية، لذا يؤم الكنيسة السياح الأجانب من كل المذاهب”. ويضيف بأن “بعض السياح يقيمون قداسات في المناسبات الدينية لا سيما في عيد مولد القديس سمعان، ويعتبر المسيحيون الارثوذكس يوم وفاته ويوم دفنه عيدين دينيين، ويعتبره نصارى حلب بأنه سيدهم، وشهد هيكل الكنيسة الكبرى تكليل بعض الأزواج على ما هو عليه من بساطة مما يدل على أهمية الكنيسة والقلعة كونهما مزيجاً لثلاث حضارات: رومانية وبيزنطية وسورية لأنها كانت على الدوام مقراً دينياً وكاتدرائية تضم كنائس عدة هي الأجمل في الشرق من حيث طرازها المعماري”.
وتشاركه هذا الرأي سائحة ايطالية كانت تتفحص التيجان والعقود وتقول: “سحرها وروعتها لا يصدق. وهندسة عمارتها متطورة جداً مما يدل على عراقة الفنان السوري”، كما أن “المنطقة رائعة لأنها تمثل الصمت والراحة النفسية”. ومن الجدير ذكره أن رواد الآثار السورية من الدارسين والمهتمين والمثقفين، لا يأتون إلى سورية بقصد الترفيه، بل لاغناء ثقافتهم بما تمثل سورية من رقي وأصالة.

لعله من الغريب ان يطلق على منطقة كبيرة اسم راهب سوري عاش أحداث قصة حقيقية شيقة شبيهة بالاسطورة على قمة جبل، وهو جبل سمعان، الذي يضم قلعة سمعان العمودي، وتبعد هذه القلعة عن مدينة حلب 37 كيلومتراً باتجاه الشمال الغربي، وإذا أراد الزائر الوصول إليها، فهناك منافذ وطرق عدة، لكن أقربها إلى حلب الطريق المباشر عبر حلب الجديدة ودارة عزة، في هذا الطريق، كما هو الحال في طرق المنطقة الشمالية من سورية تتناثر القرى في السهول وسفوح الجبال وتتداخل السهول الخضراء مع الهضاب الجرداء التي تميل حجارتها إلى اللون الرمادي في منظر طبيعي خام يفتن السائح ويعطي سكان هذه القرى حبوراً وطمأنينة، وعلى بعد 25 كيلومتراً تعلو إحدى الهضاب بقايا كنيسة مؤلفة من ثلاث طبقات بطول 27 متراً وعرض 14 متراً تعود الى القرن السابع، وتدعى كنيسة “المشبك” يؤدي اليها طريق ترابي تناثرت على جانبيه خيام الشعر وكأن هناك علاقة حميمة بين البدو الرحل وهذه الآثار الثابتة التي تشهد على تبدل أقوام وشعوب سلكوا هذا الطريق وآثر بعضهم أن يترك ما يدل على أنهم مروا أو كانوا هنا.
يتسلق الطريق نتوءات صخرية وصولاً الى القلعة التي ترتفع 564 متراً عن سطح البحر، وتتفرع عن القلعة طرق كثيرة تصلها بالمناطق المحيطة الغنية بآثارها العائدة الى الفترة الزمنية نفسها وربما تسبقها.
للكنيسة قيمتها المعنوية الهامة حيث أمّها أبناء الطائفة المسيحية من كل بقاع العالم وغدت صور القديس سمعان معروضة في أهم المعارض والصالونات الأوروبية.
وبوشر العمل في بناء كنيسة  القديس سمعان “الكبيرة” سنة 476 ميلادية زمن الامبراطور ليو تخليداً لذكرى القديس سمعان واستمر 14 عاماً، انتهى في عهد الامبراطور “زينون” وهي على شكل صليب يتوسطه العمود الذي لم يبق منه سوى ارتفاع ثلاثة أمتار لأن الحجاج كانوا يعودون بالحجارة والغبار ذكرى للقديس، وأضيفت بعد ذلك في نهاية القرن الخامس المعمودية والدير “الرهبانية” والفندق ومرافق أخرى.
وتعتبر الكنيسة الكبيرة ثاني أكبر كنيسة في العالم بعد كنيسة “أيا صوفيا” في القسطنطينية والتي تضم رفات القديس سمعان، ومساحة الكنيسة قدرت بنحو خمسة آلاف متر مربع وتعتبر من أجمل روائع الفن السوري قبل الاسلام حيث يتضافر الانسجام مع البساطة، وتتألف من شكل مثمن بني حول العمود كان مسقوفاً على شكل هرم وهو أول الأقسام المبنية، ورصف بحجارة كبيرة ما زالت باقية، وحول المثمن أربعة أقسام يدخل اليها عبر أربعة أقواس تيجانها كورنثية، يتألف كل قسم من أروقة ثلاثة يتوسطها الرواق العريض الذي يقوم فوق بابه جدار يحوي أربع نوافذ تعلوها زخرفة دقيقة على شكل شريط مميزة للعمارة ا الرومية ، وعند التقاء أضلاع الأقسام الأربعة بالمثمن عند الزوايا هناك منحنيات شبيهة بالمحراب تقام فيها الصلوات وفي فترة لاحقة وضعت فيها توابيت كبار الرهبان، وتنفصل الأروقة الثلاثة بصفوف سداسية من الأعمدة وأضيفت الى نهاية القسم الشرقي ثلاث حنيات تشكل الهيكل، ترتفع الحنية الوسطى بمقدار ثلاث درجات وأمامها يوضع المذبح وتقام في الهيكل قداسات الأعياد والآحاد والمناسبات الدينية أما الحنية الشمالية فشكلها نصف دائري تحوي في وسطها نافذة طولانية فوقها شريط مزركش على شكل أوراق الكرمة وعناقيد العنب والخرشوف، كما في الحنية الوسطى الكبيرة التي يزيد عرضها الى ستة أمتار مما استدعى زيادة في طول الجدار الشرقي الذي يحوي أربعة أبواب اثنان في الجدار  الجنوبي  وآخران في الشمالي.

والواجهة الرئيسية للكنيسة الكبيرة مؤلفة من ردهة عريضة وثلاثة أقواس الأوسط كبير، وفيها بابان كبيران في الوسط لدخول رجال الدين وباب صغير على اليمين لدخول الرجال وعلى اليسار لدخول النساء. ويتم الاجتماع حول العمود ومن ثم الدخول الى الهيكل.
ويعلو كل قوس من الأقواس الثلاثة مثلث، وتاج الأعمدة التي تحمل الأقواس كورنثية مميزة للعمارة السورية في القرنين الخامس والسادس الميلاديين وهي مشابهة للتيجان والأعمدة الرومانية. وتترك المدرسة السورية الرومية بصمات معمارية واضحة من خلال الأعمدة المكعبة المخططة طولياً، وتتجه أوراق الخرشوف ذات اللون الأحمر المجوفة المزينة للتيجان الكورنثية باتجاه الريح أما حجارة البناء كله فمالت الى لون دافئ ذهبي شبه وردي.
يقود المدخل الرئيسي للكنيسة الكبيرة الضلع الجنوبي إلى رواق ومنه الى أبواب أربعة تؤدي الى الرواق الرئيسي والجانبي وهناك ثلاثة أبواب في الجدار الشرقي تناظر ثلاثة في الجدار الغربي وبجانبي القسم الشرقي للكنيسة تتناظر غرفتان مربعتان، خصصت  الجنوبية للرهبان حيث يحضر القداس الديني والشمالية للعامة والخدم.
أما الجدار الشمالي فيحوي على ثمانية أبواب ثلاثة في الجهة الشمالية ومثلهم في الشرقية واثنان في الجهة الغربية ويلاحظ وجود قواعد أمام هذا الجدار مما يدل على وجود بناء يستند الى الأعمدة التي ترتكز على هذه القواعد. وأقيم المدخل الرئيسي في الجدار الجنوبي مخالفاً لما هو مألوف ويعتقد انه كان موجوداً في الجهة الغربية لكنه خرب ونقل الى الجهة ا الجنوبية في فترات سابقة لأن الجدار الغربي مبني على منحدر لذلك أقيم على أقواس متينة، ويستطيع الزائر أن يرى من أعلى المنحدر إذا ما نظر الى الأفق الثلوج على جبال طوروس التركية حتى نهاية فصل الربيع عندما تكون الرؤية جيدة ويطل المنحدر على سهل عفرين حيث القرى المبعثرة في السهول والجبال والتي تستوطنها غالبية كردية.

ويبدو أن أرضية القسم الشرقي كانت مرصوفة بالفسيفساء  الرومية بأشكال هندسية حيث تم العثور على قطع منها دلت على أن الامبراطورين باسيليوس الثاني وقسطنطين الثامن رصفوا الكنيسة في بداية الألف الثاني الميلادي. وضرب شمال سورية زلزال مدمر في النصف الأول من القرن السادس كانت الكنيسة احدى ضحاياه وأعيد ترميمها ورصفها بالفسيفساء. وبعد الفتح العربي الاسلامي لحلب أبقى المسلمون الكنيسة بيد أصحابها كعادتهم، وما لبث البيزنطيون أن استعادوا الكنيسة وحولوها الى قلعة في القرن العاشر فبنوا السور بمساحة 12 ألف متر مربع وأشادوا 12 برجاً دفاعياً كرمز الى الحراس الاثني عشر، وبقيت القلعة نحو 100 عام تحت سيطرتهم الى أن استعادها سعد الدولة ابن سيف الدولة الحمداني سنة 986م لأهميتها الاستراتيجية واحتلها الفاطميون سنة 1017م، وهجرت تدريجياً بعد فقدانها قيمتها العسكرية.
وسكن القسم الشرقي متنفذ كردي “أغا” من منطقة عفرين المجاورة في القرن السادس عشر وأضاف الى القسم بناء مؤلفاً من طابقين مما أدى الى تشوه المخطط الأصلي للكنيسة، كما سكن في فترة لاحقة متنفذ آخر كردي بناء المعمودية الذي يقع الى الجنوب من الكنيسة الكبيرة حتى قامت مديرية الآثار والمتاحف بإخلائه.
– حركة السياحة وأخبارها
ناهز عدد السياح الأجانب لعام 1996 قرابة 37 ألف زائر، والسوريون 22 ألف زائر، وارتفع الرقم العام الماضي إلى 5،44 ألف زائر أجنبي بزيادة قدرها 8،20 في المئة، بينما تساوى عدد الزوار السوريين.
ودخل القلعة السنة الجارية 17 ألف زائر من وفود رسمية وطلاب سوريين وأجانب من دون رسوم، ومعظم المجموعات السياحية يأتي من أوروبا لا سيما من المانيا وفرنسا وايطاليا، بينما لم يتجاوز عدد السياح العرب 200 سائح.
بلغ رسم دخول القلعة لعام 1980 ليرة سورية واحدة 2 سنت، ارتفع إلى خمس ليرات عام 1992 ويبلغ الآن 25 ليرة سورية، بينما يرتفع الرسم 200 ليرة سورية أربعة دولارات وسيرتفع إلى ستة دولارات الموسم الجاري بقرار من وزارة الثقافة، مع العلم ان رسم الدخول للعسكري وللطالب السوري والأجنبي يصل إلى 15 ليرة سورية. ويعامل اللبناني معاملة السوري.
يقوم سكان القرى المجاورة بدخول القلعة من الجهة الجنوبية الغربية تهرباً من رسم الدخول حيث يبلغ ارتفاع السور مترين، وهو بحاجة إلى ترميم، وأحياناً يغامر بعض الأجانب بتسلق هذا السور، كما يقول حارس القلعة أبو عبدو، الذي يعتبر أحد معالم القلعة، إذ أمضى اربعون سنة في خدمتها. ويقول إنه يعشق “عمله ويفضله على أي عمل آخر خدمة لوطنه وشعبه”.

بوشر بالترميم عام 1942 في عهد الانتداب الفرنسي، وترأس الترميم المهندس الفرنسي المسيو كرانكي في المرحلة الأولى، ثم جورج جالنكو الروسي. وفي الخمسينات بدأت مديرية الآثار بالترميم في فترات متباعدة، حيث أنهت ترميم السور الشرقي والواجهة الرئيسية للكنيسة الكبرى والمعمودية وقوس النصر.
أقامت وزارة الثقافة العام الماضي مهرجان المدن المنسية في محافظة إدلب المجاورة والمزامن لاحتفالات يوم السياحة العالمي، وتقرر ان يصبح مهرجاناً سنوياً. ولم تشمل احتفالات المهرجان مدن حلب المنسية ومنها قلعة سمعان. وكذلك عدّلت وزارة الثقافة للسنة الجارية قانون الآثار بخصوص الامتداد العمراني والزراعي العشوائي الذي يهدد الآثار.
وشدد القانون العقوبات على مهربي الآثار وعلى كل من يسيئ إليها، بينما زرع سكان قرية دير سمعان المجاورة أشجار الزيتون داخل سور القلعة الغربي وداخل غرف الدير التابع للقرية مع الإشارة إلى أن هذه القرية تقوم بكاملها على آثار مهمة معاصرة لقلعة سمعان ومنها ما هو أقدم.
– الأبنية الملحقة
تقع في الجهة الشمالية للسور مقبرة مقطوعة في الصخر زال سقفها الهرمي المرفوع على أعمدة وحوت جدرانها الداخلية ثمانية نواويس واخر موجود إلى يسار المدخل يوضع فيه المتوفى ثلاثة أيام ثم ينقل إلى النواويس الداخلية ليوضع مكان أقدم رفات وهي بدورها تنقل إلى القبو المسنود إلى عمود حجري أسفل المقبرة.
وألحقت في الزاوية  الجنوبية الشرقية للكنيسة الكبرى كنيسة صغيرة مخصصة للصلوات اليومية يدخل إليها عبر باب الغرفة  الجنوبية للجدار الشرقي وعبر باب الجدار  الجنوبي. وتتألف الكنيسة من أروقة ثلاثة أوسطها كبير وينتهي بحنية تشكل الهيكل، تعلوها ثلاث نوافذ ترمز إلى الثالوث المقدس  “الاب والابن والروح القدس” حسب المعتقدات المسيحية. أما الحنيتان الجانبيتان فتقودان إلى غرفة مستطيلة، وتفصل الأروقة صفوف رباعية من الأعمدة، كما تستند شرفة الباب الرئيسي إلى خمسة أعمدة.
اضيفت إلى  جنوب الكنيسة الصغيرة رهبانية “دير” باحتها كبيرة وطبقاتها ثلاث كانت تتسع إلى 500 راهب، لم يبق منها سوى الواجهة الأمامية للرواق الجنوبي وبجانب الواجهة وعلى الأرض غطاء جرن التعميد الرائع الزخرف وعليه دوائر تمثل دورة الحياة. وهناك ساحة طولها 300 متر تمتد بين الكنيسة الكبرى وبناء المعمودية  جنوبي القلعة، وتنتشر فيها أشجار اللوز والسرو والصنوبر على جانبيها.


وبناء المعمودية له شكل مربع من الخارج ومرتفع عن الأرض وفي وسطه بناء مثمن له ثلاثة أبواب من الجهة الشمالية  والجنوبية الغربية، يعلوه بناء آخر مثمن غير متطابق الاضلاع مع الأول، وما زالت قواعد الأعمدة التي تحمل السقف في مكانها الأصلي، تحوي المعمودية جرن التعميد حيث يتم تعميد الصغار وبإمكانهم بعد ذلك العبور إلى الكنيسة الكبيرة لإقامة الصلوات والتراتيل الدينية عبر ممر مغطى من الجهة  الشرقية للقلعة لم يبق له أي اثر، وقبل ذلك لا بد من الطواف ثلاث مرات في الرواق المقامة أقواسه على أعمدة والمحيط بالمعمودية قبل وبعد التعميد، وتتناثر الأعمدة والتيجان المرقمة في أرض المعمودية في انحاء القلعة كافة بانتظار الانتهاء من الترميم.
وإلى  الجنوب من المعمودية يؤدي مدخل إلى كنيسة أخرى صغيرة لتعميد الذين تجاوزوا السادسة عشرة من العمر، ويتصل القسم  الجنوبي الغربي بالطريق المقدس عبر بابين كبيرين. وتضم القلعة صهريجين كبيرين للمياه، يقع الأول جانب السور الغربي، والثاني قرب المعمودية، يجمعان مياه الأمطار من خلال أقنية حجرية موزعة في الاتجاهات كافة.
– الآثار المجاورة لقلعة سمعان … تراث إنساني قديم
1- دير سمعان: قرية أثرية ما زالت مسكونة تلاصق القلعة من الجهة الجنوبية الغربية، اسمها البيزنطي تيلازيسوس ولحق بها اسمها الحالي لأن القديس سمعان أقام فيها ثلاث سنوات، كما يأوي إليها حجاج القديس، حوت ثلاثة أديرة وكنيسة والكثير من الفنادق نهاية القرن الخامس وتعتبر منتجعاً لأثرياء انطاكية والمدن المجاورة وملاذاً للفارين من الخدمة الإلزامية.
يربط القرية بالقلعة الطريق المقدس أو طريق الحجاج حيث يأتي الحجاج الى الدير ثم يتجهون الى كنيسة التعميد في القلعة عبر الطريق الذي يلتف حولها باتجاه الجنوب ويمرون تحت قوس النصر الى المدخل الغربي، وما زالت بقايا القوس والأعمدة قائمة على جانبي الطريق. وهناك كنيسة في الجهة الجنوبية الغربية للخرائب وأخرى في الجهة الشمالية الغربية أبعادها 72×52 قدماً وهي عبارة عن صفين من الأعمدة والى شمالها تقود مداخل ثلاثة، ذات أعمدة وأقواس، الى باحة تصل الكنيسة بالمدفن المربع والى جانبه هناك “رهبانية” ومضافتان، وفي وسط الخرائب تقوم ثلاثة أروقة وهي عبارة عن دار الضيافة الرسمية لكبار الزوار والحجاج.
– القاطورة: تقع في وادي القاطورة على بعد ثلاثة كيلومترات، الى يسار الطريق الذاهب الى قلعة سمعان عبر دارة عزة، آثارها تضم الأعمدة والمدافن الرومانية المقطوعة في الصخر والتي يعود تاريخها الى القرن الثاني الميلادي، وفي سهل القاطورة تقع آثار ست الروم التي تحوي كنيسة وآثار رفادة غرب السهل والتي تعود الى القرن الميلادي الأول كما دلت إحدى كتاباتها، أما كنيستها وبرجها وفيللاتها فتعود الى عهود لاحقة، وهناك كنيسة تقلة التي تطل على سهل القاطورة وترجع الى القرن الخامس وفيها معصرة زيت تتبع لها.
3- باصوفان: يقود اليها الطريق الذاهب الى يمين القلعة مسافة خمسة كيلومترات الى الشرق ومن آثارها الحصن القديم وكنيسة القديس فوقاس التي تعود الى الفترة 491 – 492 لم يبق منها سوى غرفة الذخائر وجزء من حنيتها التي تميزت باستنادها الى عمودين كورنثيين أخاديدهما حلزونية وهي تشبه من الخلف حنية سمعان وكانت القرية فيما مضى منتزهاً يقصده الحلبيون.
4- براد: شمال جبل سمعان، تشرف على سهل عفرين، اشتهرت بصناعة زيت الزيتون والخمور في القرون الميلادية الأولى، فيها كنيسة القديس يوليانوس

التي ترجع الى نهاية القرن الرابع وقد أقيمت فوق معبد وثني كما تحوي كنيستين أخريين ورهبانية تعود الى القرن السادس، والى شمال الخرائب باتجاه الغرب مقر إقامة رسمي للضيوف يعود الى عام 496م.
5- الأتارب: تبعد عن حلب 35 كيلومتراً باتجاه الغرب على طريق باب الهوى المنفذ الحدودي السوري – التركي، ذكرتها سجلات الفراعنة اثناء الحملة على سورية في القرن الرابع عشر قبل الميلاد باسم “أليتاربا”، عاش فيها العمودي يوحنا الأتاربي في القرن السابع ثم عرفت باسم “سيريب” أيام الغزو الصليبي ولعبت دوراً مهماً في صده، حررها عماد الدين الزنكي 1135م. وهناك الكثير من الخرائب حول القلعة منها خرابة شمس وبرج حيدر ودارة عزة وفدرة ومعبد جوبيتر في جبل الشيخ بركات شمال دارة عزة وفافرتين التي تضم أقدم كنيسة في المنطقة تعود الى عام 372 مسيحية، بالإضافة الى آثار أخرى تتفرع طرقها من منطقة سمعان وتتبع إدارياً لمحافظة إدلب منها الطريق الروماني وسرمدا وترمانين وتل عقبرين وتل عادة وكنيسة قلب لوزة. والى الشمال الشرقي من جبل سمعان يقع سهل عفرين الذي يحوي آثار عين دارا حيث دلت التنقيبات الأثرية على استيطان المنطقة منذ الألف الثالث قبل الميلاد الى القرن السادس عشر الميلادي من دون انقطاع وعثر على بقايا معبد آرامي، أما سهل العمق الذي يقع شمال غرب جبل سمعان فسكنه انسان ما قبل التاريخ واكتشف في الجبال المطلة عليه في موقع “الدودرية” من قبل بعثة يابانية على كهف أثري لإنسان النيادرنالي.

الحياة خالد زنكلو

 

  • Beta

Beta feature

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *