الكنيسة والفنون الرومية

الكنيسة والفنون الرومية

الكنيسة والفنون الرومية

مدخل

الرب بكلمته الخلاقة أعطى البشر موهبة الابداع والتحسس للجمال، فلذلك تمتد يد البشر لتعمل في الحجر والطين، لتجبل من التراب وتقيم هياكلاً… ثم بنفخة من  الروح تتحول الحجارة الصماء، ولاتبقى بعد في نطاق  المادة الجامدة في الكون بل تتكرس بالنعمة، لتنطق بتسبيح الله اللابس الجمال والجلال، وذلك حين تصمت أفواه البشر في روعة التأمل، أو حين تنطلق بالترتيل والتمجيد، فيتصاعد متناغما مع انحناءات العقود واستدارة الحنيات، نحو القبة السماوية الى العرش الالهي.

فبناء الكنيسة منذ البدء مكانا يرمز سريا لكيفية اتصال الله بالانسان، عالم صغير وعالم كبير، الفوقيات والتحتيات الكل يتواجدون بانسجام وتناغم مختار وعجيب. كل شيء يتم بترتيب على مستوى الادراك الانساني،  فأصبح الانسان هو المقياس. وفن العمارة المسيحي يصبح بهذه الطريقة قانونا يُبنى ويُشاد على مفهوم ومعنى الانسان  الجديد المتسامي.

بالطبع ان المعبد اليوناني القديم بدون ان يكون عشوائيا أو واضحا لا جمال له يفصل أعضاءه حسب قانون نسبهم لأن المعبداليوناني لايدخل اليه المؤمن بل يبقى خارجا امام الكنيسة دون ان ينكر هو ايضا النسب بين اجزاء البناء الواسع فهو يبقى أكثر محافظة وتجسيدا  لقيمة ومستوى الانسان طالما ان الانسان هو الذي يتعبد في هذه الابنية. فيشعر المؤمن أن المكان حسب قياساته وأن  أبعاد عناصر البناء تنسجم وابعاد طبيعته أينما وجد في كنيسة صغيرة أو كنيسة كبيرة.

في العهد القديم لم يكن مسموحاً لليهود باقامة مكان للعبادةغير هيكل اورشليم، وذلك نظراً لميلهم الى الوثنية. ولكن بالتجسد ومجيء الرب فقد ثبت روح الله في قلوب المؤمنين بها وكهرها، فهم يعرفون ان الله يجب أن يعبد بالروح والحق، وأن كثرة الهياكل والكنائس إنما تعكس حضرة المذبح السماوي الواحد الذي هو جسد الرب يسوع نفسه القائم من الاموات والصاعد الى السماوات.

ادا الكنيسة هي مكان مكرس لله يجتمع فيه المؤمنون للقيام بالطقوس الدينية ولتقديم الذبيحة الالهية. طبعاً هناك فرق هام بين المعابد المسيحية والمعابد السابقة لها  عند اليهود والوثنيين… في المعبد اليهودي (هيكل سليمان) كان المؤمنون يبقون خارجاً في ساحاته الكبيرة، وكانت رغبة المؤمنين الملحة أن (يسبحوا اسم الرب في ساحات بيت الرب في بيت الهنا) (مز83)، لكن داخل الهيكل، وخاصة في قدس الأقداس لم يكن هناك مكان للشعب، بل كان يدخل اليه فقط رئيس الكهنة مرة واحدة في السنة، ويبقى الشعب خارجاً في الساحات.

وكذلك في المعبد الوثني القديم كان الكهنة يدخلون بحسب استحقاقهم، ويبقى الشعب خارجاً أيضاً بسبب المسافة الكبيرة بين الله والانسان. بينما في المعبد المسيحي انعكست الآية اذ يدخل الكل الى المعبد بسبب تجسد المسيح. فالله هنا هو دائما قريب من الانسان، وهو مقيم داخل بيت عبادته الذي يدعى الكنيسة، ومن خلاله يدعو كل الشعب الذي يؤلف المملكة المقدسة ليشارك بفعالية في الليتورجيا التي يقوم بها رجال الكهنوت.

الكاتدرائية المريمية بدمشق من الداخل
الكاتدرائية المريمية بدمشق من الداخل

تطور بناء الكنائس

إن الرسل والمسيحيين الاوائل كانوا يجتمعون للعبادة في بيت أحد التلاميذ، ثم في بيوت مكرسة خصيصا. إن أعمال الرسل تتكلم كثيرا عن مثل هذه الاجتماعات في اورشليم (2 : 46) فالبيت الذي أقام فيه الرب العشاء السري (متى 26 : 26) والبيت الذي اجتمع فيه العذراء والرسل يوم العنصرة ( اعمال 1 : 13) كان نموذجا للكنائس الاولى وقد ورد ذكر لوجود هذه الكنائس في تراوس ( اعمال 20 : 6 – 9) وفي رومية في بيت أكيلا وبرسكيلا (رو 6 : 5) وفي كولوسيفي بيت نمفاس (كو 49 : 15) وفي بيت فيليمون (1 : 2) وفي بيت حنانيا الرسول بدمشق…

اما في الأمكنة التي ساد فيها الاضطهاد اعتاد المسيحيون بناء او اعداد أمكنة للصلاة الليتورجية في الكهوف على مقابر الشهداء، كما في قبر جاورجيوس البواب بدمشق الذي هّرَّبَ بولس من باب بولس في سور دمشق بأن دلاه بزنبيل الى خارج السور وكان عقابه الاعدام رجما من يهود دمشق ودفن في موقع رجمه وهو مزار القديس جاورجيوس  الذي صار مدفنا للاكليروس الدمشقي ويقع في مقبرة الروم الارثوذكس مقبرة القديس جاورجيوس الارثوذكسية بدمشق. ومن ذلك الحين اعتاد المسيحيون بناء الكنائس فوق مدافن الشهداء

لقد اتسمت القرون المسيحية الاولى باضطهادات قاسية للمسيحيين منعتهم من ممارسة طقوسهم المسيحية، ولم يكن للمسيحية الفتية الظاهرة حديثا ان تقاوم الوثنية الراسخة  في قلوب غالبية الناس، الا ان هؤلاء المؤمنين فهموا أن ثباتهم وقوتهملن تزداد الا بازدياد المحبة والالفة بينهم ، ان قوتهم الأساسية تأتي من الخبز  السماوي اي من الافخارستيا المقدسة، واذ لم يستطيعوا تشييد الهياكل الفاخرة الجميلة لإقامة العبادة فيها ظلوا حتى عهد قسطنطين الكبير يجتمعون في أماكن تحت الارض ليحتفلوا هناك بسر الافخارستيا ( الشكر) الالهي ويتمموا العبادة المقدسة مستمدين نها القوة والعزم والثبات.

لقد سميت أماكن العبادة هذه بالدياميس، وكانت هذه الدياميس بالتالي المهد الذي ولدت فيه المسيحية بعيدا عن عيون الوثنيين ولكن تحت عيون ورعاية الرب.

اذا كانت النتيجة المباشرة للمقاومة العنيفة والاضطهاد الكبير الذي لاقته المسيحية  في البداية طيلة القرون الاولى لجوء الجماعة المسيحية الى هذه الدياميس تحت الارض حيث اقاموا فيها طقوس العبادة على رفاة القديسين من المسيحيين الاوائل الذين دفنوهم في هذه الدياميس بعيدا عن اعين السلطات الرومانية المضطهدة.

الدياميس او السراديب تمثل ركنا مهما في الحياة التي عاشها المسيحيون الاوائل وهي ليست ابنية بالمعنى العام للبناء وانما هي عبارة عن ممرات ودهاليز محفورة تحت الارض لها مداخل عديدة ومتشعبة وطويلة تتقاطع مع بعضها البعض، ينزل اليها بأدراج وهي مظلمة الا في بعض مناطقها المتسعة التي كانت تتلقى النور من الأعلى بواسطة فتحات صغيرة وعلى جانبي هذم الدهاليز ذات السقوف المرتفعة توجد فجوات مستطيلة الشكل (مقابر) مخصصة لوضع رفاة القديسين ثم تغلق هذه الحفر بألواح من الرخام أو القرميد  ويكتب عليها بعض الكتابات المختصرة على شكل رموز.

الدياميس اذا ليست عمارة بالمعنى المفهوم الكامل للبناء وانما هي ملجأ للمسيحيين بقام فيه العبادة اثناء فترة الاضطهاد عندما كانت ملاحقة المسيحيين تشتد وتتسع.

لقد انتشر االايمان المسيحي في امكنة مختلفة وازداد عدد المؤمنين فبدأ  التلاميذ يبنون الكنائس في كل مكان تقريبا، بشهادة القديس يو ستينيس  المتوفي عام 163 مسيحية:” وفي هذه الكنائس كان المسيحيون  يجتمعون يوم الرب لإقامة الذبيحة الليتورجية”.

وكاستمرار للعصر الرسولي حيث كان الرسل يجتمعون في العليات للعبادة واقامة الطقوس استخدم المؤمنون في العصر مابعد الرسولي البيوت الخاصة التي تمتاز بصالاتها الواسعة والتي يضعها اصحابها قيد الاستخدام وكان الاجتماع يتم عادة في الطابق العلوي  او العلية ، وغالبا مايلاحظ في هذه البيوت حوض الاغتسال وصالة الطعام ونوع خاص من صالات كبيرة داخلية تقع امام المدخل  تستخدم لاستقبال الضيوف. ومن الامثلة على وجود هذه البيوت  مثلا ان القديس جوستين الفيلسوف الشهيد عام 150 م كان يستعمل للاجتماع بيت شخص يدعى مارتين بالقرب من حمام ثيوفيلس، وفي وثيقة استشهاد القديسة سيسيليا عام 230م كانت تتمنى ان يكرس بيتها ككنيسة، اما بازيليكا القديس اكليمنص في روما فلم تكن سوى بيتا خاصا تحول الى كنيسة.

في غضون القرن الثالث ظهرت الى الوجود دور العبادة حيث أشارت مراسيم الاضكهاد في تلك الفترة الى حجز الكنائس مما يدل على وجودها بكثرة آنذاك. ويذكر تاريخ مدينة الرها ان بيت الكنيسة قد انهدم بتأثير فيضان عظيم رى عام 201م.

وقد عُثر على آثار بيت كنيسة مزينة بالتصاوير في دورا اوروبس قرب الميادين على نهر الفرات ويرجع عهدها الى حوالي سنة 250م .

ونلاحظ ان المسيحيين الاوائل في بحثهم عن مكان اكثر تخصصا من الناحية الوظيفية لممارسة الطقوس الدينية قد ابقوا على شكل البيت القديم بغير تعديل يذكر وبخاصة شكله العام الخارجي والداخلي، وذلك لأن الاضطهاد اجبرهم على جعل بيوت الصلاة غير ملفتة للانتباه عدا بعض التعديلات التي اجريت على المساحات الداخلية وبعض المواضيع الدينية التي تصورها الرسوم الجدارية. فاتخذت الكنيسة الاولى من البيت اطارا لها معتمدة على خصائصه الأساسية والتي سيصبح بعضها تقليدا راسخا لن يستطيع المعماريون تجاوزه بسهولة.

كنيسة الصليب المقدس بدمشق من الداخل
كنيسة الصليب المقدس بدمشق من الداخل

العمارة الكنسية المبكرة

مع نهاية القرن الثالث المسيحي وبداية القرن الرابع، تبدأ العمارة المسيحية الأولى بحق، لأن المباني  التي شيدت في بداية انتشار الدعوة كانت متأثرة  الى حد  كبير بفن العمارة الرومانية، وهذا شيء طبيعي بسبب  طبيعة المرحلة التي كانت تعيشها الدعوة المسيحية في مسيرتها الاولى، فان عدم توفر الامكانيات المادية دفعتهم  لاستعمال العناصر المعمارية المتوفرة في المعابد الرومانية، ولقد طوروا وبدلوا في تلك العناصر بما يتناسب وشكل الوظبفة الجديدة التي تؤديها المباني التي تكونها تلك العناصر.طظهرت في هذه الفترة الحاجة لبناء الكنائس  للتعبير عن دين الدولة الجديد ولاستيعاب  الأعداد الضخمة من المؤمنين فنجد ان الحرفيين استمروا بالطراز الروماني القديم مع التعديل والتطوير وفق المتطلبات الجديدة فأخذت الكنائس طابع البازيليكا المستعملة كمحاكم واسواق ووظفتها حسب احتياجات الدين الجديد…

كيف تشكلت العمارة المسيحية؟ يعطينا مؤرخ الكنيسة يوسابيوس القيصري دليلاً قيّماً عندما يقول:” إنه في الجزء  الأخير من القرن الثالث، أي خلال الاربعين سنة من التسامح التي نعم بها المسيحيون قبل الاضطهاد الكبير سنة303م ، قام المسيحيون غير الراضين عن مبانيهم القديمة، ببناء كنائس واسعة في كل المدن”.ويوسابيوس شاهد، وشهادته محل ثقة على الأقل فيما يخص سورية وفلسطين. فهل من الممكن أن الكنائس الواسعة التي تحدث عنهاالمؤرخ، قد اوجدت النموذج الذي بنيت على غراره كنائس القرن الرابع؟

يقدم لنا يوسابيوس وصفا لكاتدرائية صور التي بنيت بين السنات 314م و317م. وتقريره ان الكاتدرائية كانت بازلكيا ذات ساحة محاطة بأروقة وبيت صلاةمقسماً من الداخل الى ثلاثة اروقة. وهي مسقوفةبالأخشاب ومضاءةبواسطة مجموعة من النوافذ ومن الملامح الإضافية فيها وجود مقاعدلرجال الدين، وفصل الهيكل عن الرواق الأوسط، وقد أحيط كله بسور. فالبازيليكا المسيحية قد اشتقت، على الأرجح، من نمط المباني التي استُعملت بكثرة في العمارة الرومانية لعدة أغراض مدنية: سوقا، وداراً للقضاء، وقاعة للاستقبال، وردهة للمجالس، وقاعة للمقابلات الرسمية، أي باختصار، لأي نشاط يتضمناجتماع جمهور كبير لغرض غير التعبد، ولميكن للبازيليكا المدنية شكل نموذجي باستثناء كونها مستطيلة  الشكل، مسقوفة بالأخشاب عادة، وتضم في نهايتها كرسي القضاء الذي يستعمل من قبل القاضي او رئيس الجلسة. والبازيليكا الوحيدة الباقية، وتنسب بشكل مؤكد الى قسطنطين، هي بازيليكا ترير(305-312) وقد كانت بالأصل قاعة استقبال امبراطورية، وهي ذات رواق واحد، وتنتهي بحنية تصف دائرية. ونحن نستطيع أن نتفهم لماذا اختار المسيحيون قاعات الاجتماعات المدنية التي لاتُذكّر بالعبادات الوثنية لبناء كنائسهم.

اذا البازيليكا تعني مكاناً امبراطورياً أو ملوكياً كانت قائمة في الأسواق العامة حيث كانت تعقد الاجتماعات واللقاءات الشعبية والسياسية والقضائية تحت اسم الامبراطور وهي عبارة عن صالة مستطيلة الشكل مقسمة الى ثلاثة أقسام طويلة اي اروقة وفي بعض الأحيان خمسة أروقة منفصلة عن بعضها البعض  بصفين او اكثر من الاعمدة، الرواق الأوسط هو الرئيسي وكان أكثر اتساعا في عرضه وارتفاعه من المدخل الرئيسي… وفي الجهة المقابلة للمدخل يوجد حيز نصف دائري يسمى الحنيةفيها منصة يقوم عليها منبر الحكام والخطباء في الاجتماعات العامة، والبازيليكات في شكلها كانت بسيطة يغلب عليها الخط المستقيم وهي مضاءة بشكل جيد لأن نوافذها متعددة.

الكنيسة والفنون الرومية
الكنيسة والفنون الرومية

تحول البازيليكا الى كنيسة

في تحولها الى كنيسة صارت منصة المعلمين الموجودة في عمق الحنية أصبحت عرش الأسقف وماحوله أي كراسي المهتمين بالاجماع أصبحت أمكنة للكهنة الخدّام وفي وسط الفراغ المتبقي من الحنية حيث كان المنبر أصبحت المائدة المقدسة.

سقف الحنية يتصل بسطح الصالة بقوس انتصاري، زيّن بتصاوير مسيحية. مع مرور الزمن ثم توسيع جزء الصالة الواقع امام الحنية ليحوي على باقي رجال الدين واطلق عليه اسم “خورس” وفيه كانت أيضاً كراسي لجلوس بعض العلمانيين المميزين، وحدث التحول الرئيس للبازيليكا في القرن الرابع بإضافة رواق عرضي اليها بين الحنية والرواق الأوسط. وأصبح الجزء المتبقي من الصالة هو الصحن ويقسم الى قسمين القسم الايمن للرجال  والأيسر للنساء وعند تواجد اروقة في طابقين “الشعاري”كان يجلس فيها النساء والأطفال…

اما بالنسبة للمدخل الخارجي أو الرواق ” النارثكس” فقد كان حيزا مبنياً أمام مدخل البناء تقف فيه فئة الموعوظين أي المبتدئين وغالباً يمتد بعرض صحن الكنيسة. يسبق النارثكس الساحة الرئيسة او الاتريوم وهي باحة خارجية غير مغلقة مربعة او مستطيلة الشكل في وسطها توجد بركة أو حوض ماء يغسل فيه المسيحيون أيديهم قبل الدخول الى الكنيسة رمزاً للطهارة.

مع مرور الزمن أخذ استخدام الأتريوم يتقلص حتى اختفى أحياناً واحيان اخرى أغلقت منافذه من جميع الجهات واصبحت مساكن للكهنة والرهبان واستراحات  للحجاج. وفي ذات الوقت تم إضافة غرفتين الى جانبي حنية الهيكل استخدمت الأولى منها لحفظ التقدمات (الخبز والخمر) والثانية لحفظ الأواني المقدسة وملابس الكهنة وكتب العبادة وقد عملت هذه الاضافات على تغيير أصالة البازيليكا ذات المظهر الخارجي البسيط.

الكنيسة والفنون الرومية
الكنيسة والفنون الرومية

تحول الطراز البازيليكي الى رومي

نشأ طراز العمارة الرومية من تعديل الطراز البازيليكي بواسطة التأثيرات الشرقية الكامنة في العناصر المعمارية المأخوذة فكان نتيجة مزج عناصر متعددة معمارية كلاسيكية وشرقية، ودعيَّ بالطراز الرومي لأن المركز الذي احتى هذا الفن كان الامبراطورية الرومية ( القسطنطينية) في القرون المسيحية الرابع والخامس والسادس.

ينحدر هذا الفن المعماري من البازيليكا الشرقية ذات القبة ومن المباني ذات التصميم المركزي وبشكل خاص الثماني او الدائري أو المصلب والذي كان منتشراً بكثرة في الشرق… فأخذ الخط المستقيم الذي كان أساسياً في البازيليكا وكذلك الزوايا المستقيمة والحادة الناتجة من تقاطع الخطوط المستقيمة الأفقية والشاقولية أخذت شيئاً فشيئاً تستبدل او تمزج بشكل متجانس مع الخط المنحني او القوس الذي كان يستخدم بكثرة في البناء الشرقي والذي لم يكن ظاهرا في الطراز البازيليكي الافقي حنية الهيكل،السقف اخذ يغطى بالقبب التي كانت تقوم إما مباشرة عليه أو على اسطوانات مستديرة أو مضلعة والقبة المركزية كانت تغطي صحن الكنيسة. ومن حيث مواد البناء فاستخدمت الحجارة بأنواعها وقليلاً ماكانت الأخشاب تستعمل. الواجهات الخارجية اتصفت بالبساطة وجمال العناصر التزينية.

الى جانب الكنائس البازيليكية هناك فئة اخرى مهمة من العمارة الرومية المبكرة، تضم الأضرحة التذكارية والمباني التي يُحج اليها، وقد لاتقتصر هذه الكنائس على اضرحة الشهداء فقط، بل تضم كذلك المواقع المقدسة في فلسطين وقبل ان نتساءل فيما اذا ارتبط شكل معماري محدد بتلك الكنائس، من المفيد  ان ننوه الى اننا نتعامل هنا مع مجموعة متنوعة من الترتيبات التذكارية. فكنيسة الضريح قد تخلد مكانا مبجلاً في الانجيل كمغارة الميلاد أو القبر أو جبل الزيتون، أو قد تضم قبر شهيد، او عموداً كان يدعو من فوقه أحد القديسين. وكل من المواقع الإنجيلية وأعمدة القديسين كانت ثابتة في مواقعها، وتبنى الكنيسة قربها او فوقها أو حولها. أما في حالة دفن الشهداء ، فإننا نواجه اختلافاً في الممارسات  بين الشرق والغرب، فقد منع العرف الروماني القديم عملية التلاعب بالقبور. وقد استمر تأثير ذلك العرف حتى القرن السادس. وبالنتيجة، كانت المزارات الرومانية تبنى فوق القبور. وتقام هذه عادة خارج اسوار المدن اما في الشرق فقد تطورت عادة نقل الذخائر المقدسة من مكان الى آخر. وأقدم مثال موثق لدينا يتعلق بنقل رفات القديس بابيلاس الى غابة دفنه خارج مدينة انطاكيةبين السنوات (351-354)م وبعد عدة سنوات (356-357)م تم نقل ذخائر القديسين أندراوس وتوما ولوقا الى كنيسة التلاميذ الأطهار في القسطنطينية. وبحدوث تلك السابقة، وبأوامر امبراطورية، فقد انتشرت عادة نقل ذخائر القديسين، وأصبح من المألوف كذلك فصل الذخائر وتوزيعها بشكل اوسع. وبمرور الزمن ربما أصبحت كل كنيسة سواء اكانت كنيسة ضريح أم ابرشية تضم جزءً من ذخائر القديسين.

ان هذا التطور المتعلق بذخائر القديسين ، هام من الناحية المعمارية. ففي حالة المكان المقدس أو الأثر المقدس الثابت، تصمم كنيسة الضريح بحيث تتلاءم مع طبيعة الموقع، بحيث يتم احتواء الأثر المقدس، ويكون الهدف من الكنيسة، اما برهانياً محضاً او برهانياً وطقسياً.

وفي روما تم الدمج بين الجانبين في عهد قسطنطين، وعندما تم البدء بنقل رفات الشهداء، لم تعد هناك حاجة لعمارة ملتزمة، هندسياً بالضريح القائم أصلاً: فكانت الرفات توضع في كنائس ذات مخططات مألوفة، إلا في حالة الذخيرة المقدسة التي تفرز زيتاً أو تنبعث منها رائحة! وهي التي تصبح مطرحا للحج المسيحي فإن ذلك يتطلب ترتيبات خاصة.

الكنيسة والفنون الرومية
الكنيسة والفنون الرومية

التأثيرات الشرقية على الطراز البازيليكي

ان المواصفات العامة للبازيليكا والتي تشترك بها جميع البازيليكيات قد طُعمت ببعض العناصر الخاصة المتعلقة بالمناطق التي بنيت فيها ونتج عن ذلك طرازات متنوعة اقليمية او مكانية للبازيليكا تختلف عن بعضها  ببعض العناصر المعمارية والزخرفية النابعة من تأثير المنطقة. وبذلك يمكن التمييز بين طرازين أساسيين: الاول شرقي والثاني غربي. مايهمنا منهم هو الطراز الشرقي والذي يوجد في كل من سورية ولبنان وفلسطين وآسية الصغرى وبلاد مابين النهرين وارمينيا وجزئيا في شمال افريقيا ومن اهم مميزاته:

1-اخذت البازيليكا الشرقية تميل بشكل عام الى اعتماد الاشكال المركزية المصلبة والدائرية فكانت مرحلة انتقالية  نحو الطراز الرومي القسطنطيني.

2-استبدال السطح ذو العوارض الخشبية بالسطح القبب.

3-استخدام الحجارة كمادة للبناء وحتى للسقف.

4-غياب كلي للردهة الداخلية وفي بعض الاحيان غياب النارثكس.

5-الاعتناء بالزخرفة الخارجية(الواجهات)بواسطة النحت حيث كانت الزخرفة مقتصرة على الداخل.

6-الواجهة الأمامية للبناء تكون محصورة بين برجين وهذه عناصر انطاكية الأصل.7-وجود التقسيمات العرضية الداخلية بواسطة الأقواس العرضية.

8-اعتماد الجدران بدلاً من الأعمدة الداخلية لتكون ركيزة للسقف الحجري.

9-وجود البواب في الجلأن الله دائما معنا.

الكنيسة والفنون الرومية
الكنيسة والفنون الرومية

مميزات العمارة المسيحية الأنطاكية

1- إقامة المباني على قاعدة طبيعية أو اصطناعية مرتفعة يتقدمها درج امام المدخل.

2- بناء برجين في واجهة الكنيسة تتوسطها شرفة فوق المدخل تكون مفتوحة أو مغطاة.

3- التسقيف كان بواسطة الأسقف الجمالونية الخشبية المغطاة بالقرميد في التخطيط المستطيل، وبالقباب في التخطيط المربع والمثمن.

4- الإكثار من الفتحاتفي الجدران الخارجية، وهذه الفتحات كانت عبارة عن نوافذمعقودة بأقواس نصف دائرية.

تُزَّينْالواجهة من الداخل والخارج باطارات زخرفيةمحمولة في بعض الأحيان على اكتاف او اعمدة.

6- اعتمد المعمار الانطاكي اسلوب المركزية في الأبنية.

7-  استخدام أشكال متنوعة من التخطيط المختلط المربع، المثمن  أو المستدير.

8- استعمال الأقواس المبطنة لتصغير المجازات، وإظهار نقاط الارتكاز.

9- استعمال الأقبية المستمرة في تسقيف الممرات الجانبية.

10- استخدام الحجارة كمادة رئيسية في البناء، أما القرميد، فقد استعمل في حالات نادرة.

التأثيرات الطقسية والروحية لبناء المعابد المسيحية

لقد تميزت ابنية المعابد الوثنية باستقلال تام عن الابنية السكنية وبانعزال مكاني عنها. وكانت بشكل عام عبارة عن بناء مستطيل ابعاده9/14م يتقدمه رواق عرضه 4 م وكانت وظيفة احتواء إله مصنوع من الذهب أو الفضةومنحوت بيد الانسان…إنسان خاف مما صنعت يداه فانعكس ذلك بممارسةطقوس وحشية دموية عندمداخل المعابد… ولكن  عند معرفة الاله الحقيقي…الإله غير المنظور غير المحدودغدت الطقوس روحانية رمزيةتحمل معاني تسامي  الذات وتصالحها مع الله فتغير مستوى الفعل الوظيفي للبناء… واصبحت وظيفة المعبد ليس ايواء الله وإنما ايواء مجموعة المؤمنين لتقديم التسبيح والبخور.

” والبيت الذي أنا ابنيه عظيم، فمن ذا يستطيع أن يبنيله بيتاًوالسموات… وسموات السماوات  لاتسعه؟ومن أنا حتى ابني له بيتاً إلا لأحرق امامه البخور…” هذا هو الأساس المعرفي  لاشادة بيت الرب: الكنيسة دخولاً ليس الى بيت من ترهب وتخشى فقط بل ولوجاً الى عالم تتسامى فيه الروح وارتكازاً بين يدي من تحب. وتبعاً لهذا المفهوم الوجداني للعبادة الجديدة أشاد المسيحيون كنائسهم في البيوت السكنية نفسها وداخل النسيج السكني ذاته.

الكنيسة والفنون الرومية
الكنيسة والفنون الرومية

مظهر الكنيسة الخارجي

يجب ان يُظهرْ بناء الكنيسة اختصاصها، فهي متجهة نحو الشرقحسبما حددت تعاليم الرسل(2 : 57) لأن المشرق يرمز للمسيح نور العالم، وفيها قبة لجرس يدعو المؤمنين الى الصلاة وفوق القبة صليب يشير الى تمجيد المسيح المصلوب الذي صالح الارض مع السماء.إن أشكال الكنائس الخارجية تختلف عن بعضها البعض فتعددت النماذج والمخططات للكنائس الرومية، كما تعددت أساليب الزخرفة والتقسيمات الداخلية لكل كنيسة على حدة، وأهم مخططات الكنيسة الرومية الارثوذكسية هي:

– كنيسة مخططها مستطيل الشكل على نمط الكنائس البازيليكية التي كانت سائدة في فجر العمارة المسيحية، الا انها مغطاة بالقبابب دلاً من الأَسقفْ الجملونية، فالمستطيل أو المربع يرمز الى السفينة/ سفينة نوح الخلاصية في العهد القديم، فالكنيسة هي سفينة النجاة التني تنقل المؤمنين  عبر بحر الحياة  المتلاطم الأمواج لتصل بهم الى الميناء الهادئ فهي مثل سفينة نوح المنقذة من طوفان الخطيئة وهي التي تنقل المؤمنين  الى ملكوت الله وتخلص من يدخلها وايضاً منها تُلقى شباك الرب لتحمي البشرية بإلقائها الكلمة الالهية.

– كنائس مخططها مستدير من الداخل والخارج وهي المعابد الدائرية التي كانت بالأساس عبارة عن مدافن للشهداء، وثم تطورت الى كنائس. والدائرة في المسيحية رمز الكمال لأن لابداية لها ولانهاية. فالكنيسة تحمل الدعوة لكل مؤمن ليدخل في دائرة الحب الإلهي في دائرة الكمال فالله هو البداية والنهاية والدائرة تجمع كل العالم الممثل بالكرة الأرضية.

– كنائس مخططها العام من الخارج والداخل على شكل صليب وهي المعابد المصلبة. اي التي على شكل صليب… عند نقطة تواجد الصليب يتواجد المؤمنونبأمان ويمارسون عباداتهم. ويعلمنا الآباء وخاصة القديس بولس الرسول بأن كل التدبير الإلهي محتوى في كلمة الصليب. اي في التجسد، الآلام ، وفي قيامة المسيح. لهذا يعتبر البطريرك جرمانوس  ان ( الكنيسة سماء ارضية فيها يسكن الله الآب السماوي ويجول، معبرة يامة المسيح).  وهكذا في الكنائس التي تحمل شكل الصليب برمزيته للتدبير الالهي ينحصر العالم كله رمزياً فيها. في الصليب يُرسَمُ العالم من أقطابه الأربع.

بالاضافة الى ذلك عندنا نماذج مختلفة وكلها تدخل ضمن الاطار العام للكنيسة  فمنها كنائس مخططها من الخارج مربع الشكل ومن الداخل تأخذ شكل صليب. او كنائس مخططها . أو كنائس مخططها  على شكل مثمن من الخارج والداخل.

موقع الكنائس

تُبنى الكنائس تقليدياً  في مكان عالٍ نسبياً، في العهد القديم كان الله يعتلن على الجبال. والرب يسوع كان يصلي في الجبل وهيكل أورشليم الذي هو  يسشم الكنائس كان مقاماً على جبل صهيون، إن الأمكنة العالية تساعد على الصلاة. إن يسوع  نفسه قدم ذبيحته الأخيرة على جبل الجلجلة. إن  وجود الكنائس على المرتفعات يذكرنا بأن  الكنيسة عليها فعلاً أن تمثل المدينة على الجبل (متى 5 : 14) وتذكرنا أيضاً بأورشليم الجديدة التي رآها يوحنا الرسول نازلة من السماء ( رؤ 21 : 10).

الكنائس الارثوذكسية لها متجهة الى الشرق اي الى مطلع النور الحقيقي حيث سيشرق المسيح الآتي  ليدين العالم. الكنيسة في حالة استعداد دائم لاستقبال المسيح الآتي على غمام السماء.

والدعوة الى الصلاة تتم بطرق كتلة خشبية أو معدنية  بمطرقة، وتعلق تلك الكتلة أحياناً في برج وهو ماصار لاحقاً ببرج الجرسية، لعد ادخال استعمال الأجراس بتأثيرات غربية في القرن 12م. وصار في اعلى الكنيسة جرس يدعو المؤمنين الى كل خدمة.

الكنيسة والفنون الرومية
الكنيسة والفنون الرومية

اقسام الكنيسة الرومية الارثوذكسية

1- النرثكس

وهو عبارة عن فسحة أمام مدخل الكنيسة الغربي تغطيها قناطر عالية. ويرمز الى الفردوس  الارضي وفيه ترسم أيقونة آدم في الفردوس ليدل ذلك على ان الفردوس الضائع بسبب معية الابوين الأولين يوجد في كنيسة  المسيح. او ترسم ايقونة الدينونة وفيها اعلان استعادة الفردوس المفقود.

وقد يُقسم انرثكس الى قسمين داخلي وخارجي حيث كان يقف  في هذا القسم من الكنيسة اليهود والأمم والمبتدعين والموعوظين والتائبين. وانرثكس غالبا مايكون له ثلاثة ابواب في الوسط وعلى الجانبين وذلك على مثال الثالوث على حسب كتاب عهد الرب اذ يجب أن تكون الكنيسة ذات ثلاث مداخل على مثال الثالوث.

2- صحن الكنيسة

وهو مخصص للمرتلين وللشعب المؤمن، ويصور لنا الفردوس  السماوي لذلك فالجدران تُزينْ  بأيقونات القديسين الشهداء والأبرار الذين يتمتعون بالمجد السماوي… وفي صحن الكنيسة يوجد الأمبون ( المنبر) وهو مقام مرتفع من الخشب او ارخام يتلى من أعلاه الانجيل المقدس، أو تلقى العظات الدينية وهو يرمز الى الحجر الذي وقف عليه الملاك وبشَّرَ بقيامة المسيح.

3- الهيكل أو قدس الأقداس

هو مخصص لاتمام الذبيحة الليتورجية غير الدموية يحتوي في وسطه على المائدة المقدسة  حيث تقام الذبيحة وحيث المسيح حاضر بصورة دائمة. لذا فلمائدة قلب الكنيسة وأقدس  مكان فيها، وبدونها لاتكون كنيسة. إنها رسم لقبر المسيح وللعشاء السري وذكر القيامة. إنها بمنزلة أيقونة العرش السماوي الجالس عليه الله كما ورد في سفر الرؤيا (5 : 6) وتحته نفوس الأبرار ( 6 : 9) تنتظر القيامة شرح  القديس  جرمانوس القسطنطيني في القرن 7م. ويجب ان تكون المائدة من حجر فالمسيح حجر الزاوية، والصخرة ولذبيحة المسيح. وتُغطى المائدة بغطاء أول أبيض ثم بغطاء ثان وثالث أكثر فأكثر بياضاً رمزا للكفن والقيامة. وتوضع بقايا شهداء قديسين في أساس المائدو وفقا للقانون السابع للمجمع المسكوني السابع والقانون 14 لمجمع قرطاجنة، وعلى المائدة الأنديمنسي والانجيل الليتورجي والشموع والصليب وبيت القربان.

اذاً ترمز المائد المقدسة

1- الى قبر المسيح.

2- الى مائدة العشاء السري التي اقيمت يوم خميس الاسرار.

3- الى العرش الالهي ولذلك يوضع عليها دائماً الانجيل المقدس كلمة الله.

والمائدة قائمة على اربعة أعمدة وترمز للانجيليين الاربعة، على المائدة لابد من وجود الانديمنسي (عوض المائدة) وهي تمثل المسيح منزلاً عن الصليب وفيه بقايا لقديسين شهداء.

في قدس الأقداس أيضاً مكان لإعداد الذبيحة ويدعى المذبح وهو تجويف في حائط الهيكل الى يسار المائدة ويرمز الى

1- مغارة بيت لحم حيث ولد الرب.

2- الى جلجلة حيث صلب المسيح.

وراء المائدة يوجد العرش الاسقفي او الكاتدرا وهو كرسي عال مختص بأسقف الأبرشية يجلس عليه في أوقات معينة من الخدمة الالهية ويجلس حوله رجال الاكليروس. وهو يرمز الى العرش الالهي الجالس عليه السيد المسيح في السماء. الاسقف يمثل المسيح والكهنة  الجالسون حوله يمثلون الملائكة… المعنى الرمزي لعرش الله يعتمد على ماورد في كتاب الرؤيا( وللوقت صرتُ في الروح وإذا عرشٌ موضوعٌ في السماء وعلى العرش جالسٌ وكان الجالس في المنظر شبه حجر اليشب والعقيق وقوس قزح حول العرش في المنظر شبه الزمرد)

في حنية الهيكل تُرسم ايق، العذراء حاملة الطفل الالهي معلنة حقيقة التجسد، وهكذا اصبحت السيدة العذراء السلَّمْ التر رآها يعقوب في الحلم الواصلة من الارض الى السماء ، والهيكل يرمز أيضاً الى البتول التي حفظت الرب واعطته للعالم ( ايتها الهيكل المتقدس) كما نرنم…

بة للاضاءة والتي تعتمد بصورة رئيسة على النوافذ الموجود في القبة وعلى الجدران تساعد على اضفاء الصفة الملكية على المكان.

الكنيسة والفنون الرومية
الكنيسة والفنون الرومية

الايقونسطاس

بقي عندنا الحاجز الذي يفصل الهيكل عن صحن الكنيسة وهو مايُعرف بالأيقونسطاس أو حامل الأيقونات، وهو من الخشب او الرخام  أو الحجارة يوضع عليه ايقونة السيد والسيدة والمعمدان وشفيع الكنيسة والرسل والشهداء ومعلمي الكنيسة، وذلك اظهارا لإكرامنا لمن تمثِّل، ودحضاً لبدعة  محاربي الايقونات المقدسة الباب الملوكي في الوسط وهو واسع يدخل منه ملك المجد في الانجيل والقرابين، والبابان على الجانبين بمثابة الباب الضيق الذي يدخل منه المؤمنون الى شركة المسيح، طريق المسيح تعني مصاعب واثقالاً تسبق الفرح الأبدي.

هذا الحاجز لم يكن فيما مضى بشكله الحالي وهو يختلفمن كنيسة الى كنيسة ومن بلد الى آخر بارتفاعه وضخامته. الدلائل الآثارية تشير الى أنه في القرون الأولى كان عبارة عن حاجز قصير يرتفع حوالي المتر يفصل الهيكل عن صحن الكنيسة وله باب في الوسط يسمى الباب الجميل  هذا الشكل استمر حتى القرن الخامس.

وفيما بعد عندما نُقلت غرفة التقدمة وغرفة الشمامسة في القرن السادس صار له بابان صغيران. وقد زيِّنَهذا الحاجز بمنحوتات المسيحية الاولى كالسمكة والمرساة والسفينة والصليب واسم السيد المخلص XP  وفيما بعد دخلت زخارف أخرى وخاصة الدائل الحلزونية.

في القرنين السابع والثامن وخاصة بعد انتصار الأيقونة بعد حرب دامت حوالي المائة عام واظهارا من المؤمنين للأيقونات المكرمة صار هذا الحاجز مكاناً تُعَّلقْ عليه الايقونات  التي كان يحتفظ بها المؤمنون في بيوتهم فكانت توضع بطريقة عشوائية وكلما امتلأ صف من الايقونات  كانت تنشأ حاجة لارتفاع الحاجز كي يضعوا عليه المزيد من الايقونات. وبناء على كلمة بولس الرسول أن : ليكن كل شيء بلياقة وترتيب” ارتأت الكنيسة أن تضع ترتيباً للأيقونات تعبّر فيه  عن عقائدها من ناحية ومن ناحية أخرى تضع نماذج سماوية أمام المؤمنين كي يقتدوا بهم.

فيما عرف الأيقونسطاس نملااً كبيراً حتى وصل الى صيغته المثالية في الكنيسة الروسية في القرن الخامس عشر، فانتظمت  الأيقونات في تأليف محكم يعتمد على خمسة صفوف تتسلسل وفقا لترتيب دقيق يرمز الى اعلان الكنيسة وتطور بنائها من العهد القديم الى العهد الجديد.

كما قلنا فإن الأمر يختلفمن كنيسة الى كنيسة قحجم الأيقونسطاس قد يختصرعلى وجود صفين

من الأيقونات وقد يصل الى الخمسة ولكن الثابت فيهذه التحولاتهو الصف الاول. حيث نجد ايقونة السيد المسيح عن يمين الباب ال عن يسارهملوكي وايقونة السيدة العذراء عن يساره. وعن يسار السيد القديس السابق يوحنا المعمدان  وعن يمين العذراء القديس صاحب الكنيسة.

 وصف الأيقونسطاس البسيط.

في وسط الايقونسطاس حيث الباب الملوكي نرى أيقونة البشارةعلى دفتي الباب عن يمين الباب الملوكي أيقونة السيد المسيح بحسب نوعها (المعلم- الضابط الكل- الديان…)وعن يساره أيقونة السابق القديس يوحناالمعمدان وعن يسار الباب أيقونة السيدة العذراء بحسب نوعها ( المرشدة -الحنونة…) وعن يمينها ايقونة القديس صاحب الكنيسة. فوق الباب الملوكي عندنا ايقونة المسيح الكاهن الأعظم وعن يمينه ويساره صف الرسل القديسينالاثنيعشر. ويعلوهم الصليب المرسوم عليه السيد المسيح المصلوب وعن يمينه تنتصب السيدة العذراء وعن يساره يقف منتصباً القديس يوحنا الحبيب.

وصف الايقونسطاس لكنيسة كبيرة

اما إذا أردنا  أن نقدم وصفاً لأيقونسطاس كنيسة كبيرة، فإننا نرى على درفتي الباب الملوكي خمسة ايقونات، أولها أيقونة البشارة فنراها في القسم الأعلى قد انقسمت الى جزئين استقرا على دفتي الباب فالعذراء عن اليمين والملاك جبرائيل يساراً، وتذكرنا هذه الايقونة الموضوعة على الباب الملوكي  أن السيدة العذراء هي الباب الذي دخل منه الله وتجسد على الارض وسكن بين البشر.

تحت هذه الايقونة تأتي  ايقونات الانجيليين الاربعة متى ومرقس ولوقا ويوحنا على جانبي الباب وفي الصف الأول عندنا أيقونة السيد المسيح والسيدة العذراء  والقديس يوحنا المعمدان والقديس صاحب الكنيسة، وعلى الأبواب الجانبية  توضع أيقونات قديسين شمامسة ( القديس استفانوس، القديس رومانوس المرنم، القديس لفرانديوس…) أو أيقونات رؤساء الملائكة جبرائيل وميخائيل، ثم ايقونة مؤسس الكرسي ( كالقديسين بطرس وبولس مؤسسي الكرسي الانطاكي في انطاكية أو القديس أندراوس في القسطنطينية) وايقونة قديس مشهور شعبياً ( كالقديس جاورجيوس أو القديس ايليا الغيور).

في الصف الثاني الذي يعلوه توضع أيقونات الأعيادالسيدية والتي تمثل مراحل الخلاص ابتداءً من البشارة وحتى العنصرة وقدتوضع أيقونة ميلاد السيدة العذراء وايقونة دخولها الى الهيكل  ورقادها مع هذا الصف.

في الصف الثالث عندنا ايقونات الرسل وفي وسطهم الرب يسوعالمخلص كرئيس للكهنة وملك ديان حيث أن الرسل إنما هم رسل ملكوت  المسيح  المسيح وسيجلسون معه يوم يدين العالم. وقد يوضع مكان أيقونة السيد المسيح أيقونة الشفاعة والتي تحمل الرب يسوع  السيدة الضابط الكل وعن يمناه وعن يسراه القديس يوحنا المعمدان في وضعية التضرع. ثم ايقونتا رئيسي الملائكة ميخائيل وجبرائيل في وضعية التضرع ثم باقي الرسل، أو توضع أيقونة العشاء السري مكان ايقونة الشفاعة.

في الصف الرابع عندنا انبياء العهد القديم وابراره يحمل كل واحد منهم في يده رقاً يشير الى النبوءة التي قالها في إعلان التجسد حيث يمثلون شجرة يسى وفي وسطها السيدة العذراء مع الطفل هي ثمرة الشجرة البشرية. نراها في حركة ابتهال يداها نحو السماء مفتوحتان بكليتها للنعمة والروح حاوية للكلمة الابن  في صدرها بشكل وسام دائري يطل منه الطفل ( القديم الأيام) على الخليقة ويباركها ثم نرى صفاً خمساً يحتوي انبياء عهد ماقبل الناموس من آدم الى موسى تتوسطهم أيقونة مضافة ابراهيم فتحت بلوطة ممرا أقام الله عهده الاول مع خليقته معلنا الظهور الأول بأقانيمه الثلاثة.

يعلو الصلبوت الخامس مايعرف بالصلبوت وهو عبارة عن الجلجلة حيث صلب يسوع وكانت واقفة عند الصليب امه وتلميذه الحبيب وغالبا مايكون هذا الصلبوت محمولاً على زخارف تمثل تنينين ونباتات مختلفة التي ترمز الى ان السيد المسيح بصليبه قد حطم وداس تنين المعصية وظهر منتصراً وغالباً الخطيئة والموت.

الكنيسة والفنون الرومية
الكنيسة والفنون الرومية

تكريس الكنيسة

تُكَّرَسْ الكنيسة أو تُدَّشَّن من قبل رئيس الكهنة في احتفال خاص مهيب تُوضَع أثناءه بقايا شهداء قديسين في أساس المائدة المقدسة وتُمسح بالطيوب والميرون المقدس على مثال المسيح نفسه الذي مُسِحَ يوم الظهور الالهي بانسكاب الروح القدس عليه. وتُقَّدَس الأغطية وسائر الأواني وادوات الخدمة الإلهية بالماء المقدس وكذلك جدران الكنيسة. ويرسم بالميرون المقدس شكل صليب فوق باب الكنيسة نحو الغرب ثم فوق جدار الجهة الجنوبية ثم فوق جدار الجهة الشمالية وكذلك على كل عمود من أعمدة الكنيسة.

شبّه أحد الآباء الكون بكنيسة كبيرة. الأرض  قاعدتها . السماء قبتها. النجوم قناديلها والزهور بخورها. والحيوانات والطيور مرتليها. والانسان كاهنها، وهكذا تشترك كل الطبيعة المخلوقة الناطقة، وغير الناطقة في تنجيد الخالق.

مصادر البحث

– زيتون، د. جوزيف : العمارة الكنسية الرومية

-فياض، الاب اسبيريدون : الفن البيزنطي المعبد المسيحي منشورات الف لبنان 2007

-المعرفة

 

 

 


Posted

in

,

by