الموسيقى الرومية على قائمة التراث الانساني

الموسيقى الرومية على قائمة التراث الانساني

الموسيقى الرومية على قائمة التراث الانساني

نبدأ تدوينتنا بالأساس الذي نشأت عليه الموسيقى الرومية الموصوفة ب(البيزنطية) والادق انها رومية…

الأساس الذي نشأت عليه الموسيقى الرومية 


الموسيقى قديمة جداً في الحضارة البشرية و قد وجد ناي مصنوع من العظم يعود إلى ما قبل نحو 3200 سنة، أي في وقت ظهور أقدم عمل فني ( تمثال ) معروف، و منذ بداية ظهور ما يسمى بالإنسان العاقل المبكر. إنما لظهور نظام موسيقي متطور و بحث موسيقي و تدوين موسيقي كان لا بد من انتظار اختراع الكتابة.
و نعلم عن طريق حضارة شرق المتوسط التي أعطتنا أقدم تدوين موسيقي و أقدم قطعة موسيقية معروفة في العالم في “أوغاريت” قرب اللاذقية انتقل علم الموسيقى إلى الإغريق عبر العالم الشهير فيثاغورَس و من حضارة الإغريق انتقل إلى أوروبا . كما أن ثاني أقدم قطعة موسيقية تعود إلى شاعر إغريقي قديم يدعى يوربيدس، حين تم تلحين قصيدته “أوريستس” .
و قد تعلم اليهود العبرانيين أيضاً هذا النظام الموسيقي و أنشدوا به المزامير .

الموسيقا الكنسية منذ بدايات المسيحية حتى القرن الرابع 

في بدايات المسيحية استعمل المسيحيون نفس الموسيقا الموجودة عند اليهود، إذ كان المسيحيون يرتلون في طقوسهم المزامير بنفس الألحان القديمة المستعملة عند اليهود بأسلوب يدعى “التنغيم البسيط”. كما أخذ الروم بدورهم بتأليف تراتيل جديدة سميت “المزامير الخاصة” وصلنا منها ترتيلة “يا نوراً بهياً” التي تقال في صلاة الغروب حتى اليوم و الذي تعد أقدم ترتيلة مسيحية وصلت إلينا، و كذلك المجدلة “المجد لك يا مظهر النور”.
كان المرنمون ينشدون المزامير و يرد عليهم الشعب بلازمة مثل “فإن إلى الأبد رحمته. هلوليا” أو ” المجد لك يا إلهنا المجد لك” …الخ أما في جماعات الرهبان الناشئة ( الثيرابيين ) فكان كل يرتل بدوره و يرد عليه الجميع.
التدوين الموسيقي كان بنفس أسلوب اليهود باستعمال الحروف الأبجدية، كذلك استخدم المسيحيون الاساليب اليونانية “الرومية” في التدوين التي تعتمد أيضاً على الحروف الأبجدية.
الشعار الارثوذكسي
الشعار الارثوذكسي



الموسيقى الكنسية من القرن الرابع عشر و حتى اجتياح القسطنطينية 

في النصف الأول من القرن الرابع عشر ظهر التأثير الكبير لناظم التراتيل و الملحن يوحنا غليكيس و تلاميذه ( في القسطنطينية عاصمة الروم ) الذين شكل عملهم النبع و الأساس للنغم الرومي القسطنطيني و استمر تأثيرهم في القرون اللاحقة و حتى أيامنا الحالية.
عمل يوحنا غليكيس و تلاميذه في التأليف و التدوين الموسيقي و قاموا بحفظ التقليد الشفهي السماعي عن طريق التدوين كما كونوا العديد من الجمل الموسيقية المركبة الفخمة و التي نجدها في قطع متعددة.
من أبرز تلاميذ يوحنا غليكيس القديس يوحنا كوكوزيليس الأكثر شهرة بين المرتلين الكنسيين عبر التاريخ.
تعلم يوحنا باباذوبولس الملقب كوكوزيليس في مدرسة القصر الملكي في القسطنطينية ثم عين معلماً و مدير المنشدين في القصر لسعة معارفه و مقدرته و مرنماً أول في كنيسة البلاط. بسبب ميله للحياة النسكية هرب و التجأ إلى أحد الأديرة في جبل آثوس في اليونان على أنه متسول فقير فوكلوا إليه رعاية قطيع المعز.
سمع أحد النساك يوماً “راعي المعز” و هو ينشد فانذهل من جمال ترتيله فشُهر أمره و استبدل رئيس الدير وظيفته، فعاد يوحنا منذ ذلك الحين إلى عمله الموسيقي و تلحين التراتيل.
قام يوحنا بإلباس التراتيل القديمة ألحان جديدة مزركشة، كما أسس لمدرسة في الإبداع الصوتي في اللحن الكنسي، و أسس لطريقة جديدة في توزيع الكلمات في الألحان المطولة تقوم على تقسيم الكلمة و تكرار أجزاء منها ضمن سياق اللحن و هو المؤسس الرئيس للجمل الموسيقية الكلاسيكية التي تتكرر في الكثير من الألحان الكنسية. لقب يوحنا كوكوزيليس بـ “أستاذ الأساتذة” و “الموسيقار” و غيرها من الألقاب و طوّب قديساً في الكنيسة.
بالإضافة إلى تلحينه العديد من التراتيل طور العلامات الموسيقية و زاد عليها الكثير و هو الذي أدخل العلامات الموسيقية المقسمة للوقت فأصبح من الممكن تدوين تقسيمات الزمن الصغيرة ( نصف و ثلث و ربع الوحدة الزمنية ) بعد أن كان التقسيم الزمني يعتمد على الحفظ السماعي.
انتشر أسلوب التدوين الحديث شيئاً فشيئاً حتى عمّ بلاد المشرق في القرن الخامس عشر، و كان عمله ضمان لاستمرارية التقليد الموسيقي القديم بعد احتلال القسطنطينية.
من الملحنين المشهورين قبل احتلال القسطنطينية أيضاً مانويل خريسافي ( منتصف القرن الخامس عشر ) و غريغوريوس نبوتي و قد قاما بتدوين أعمال الملحنين السابقين غير المدونة. و تعود أهمية مانويل خريسافي إلى أنه حسّن و أبدع في تلحين العديد من القطع القديمة و أضاف ألحان كثيرة جديدة و متميزة.

الموسيقى الكنسية بعد احتلال القسطنطينية 

بعد اجتياح القسطنطينية بحوالي قرن أي في القرن السادس عشر و السابع عشر بدأت الموسيقى الكنسية في العودة إلى التقليد القديم ( قبل السقوط ) في ما عرف بمرحلة المتابعين و المحدّثين للتقليد و ذلك نتيجة لنسخ عدد كبير من المخطوطات القديمة و ظهرت أسماء كبيرة كثيرة في القرن السابع عشر في مجال التلحين الكنسي اعتبروا بموازاة ملحني القرن الرابع عشر أهميةً.
تسمى الفترة 1170 حتى 1670 تقريباً مرحلة إكمال و خلق العلامات في التدوين الرومي, و تسمى الفترة اللاحقة 1670 حتى 1814 المرحلة العبورية التفسيرية للتدوين الرومي حيث نشأت بعد ذلك مرحلة المنهج التفصيلي الحديث المستمر حتى اليوم.
في القرن الثامن عشر و التاسع عشر من أهم الأسماء بطرس البيريكيتي و بنايوتيس خلاجغلو و يعد الأخير أول من لحن على مقام الكرد الذي أخذه عن الموسيقا العربية.
نذكر كذلك بطرس الموري و هو ملحن تركي و مطرب السلاطين العثمانيين و قد بسط التدوين الموسيقي و قام بإدخال سلم “عجم” على الموسيقى الكنسية.

الموسيقى الرومية على قائمة التراث الانساني
الموسيقى الرومية على قائمة التراث الانساني

يقول الأستاذ غريغوريوس ستاثي قائد جوقة معلمي الترتيل في أثينا و مؤسس فرع علم الموسيقى الرومية في جامعة أثينا “الموسيقى اليونانية و كل موسيقات الشعب السلافي الأرثوذكسي حتى حدود 1820 لم تتعرف و لم تتأثر بأي نمط خارج عن الثقافة اليونانية باستثناء الموسيقى العربية و الفارسية مخصصة إياها في الألحان الخارجية” و يقصد بالألحان الخارجية الألحان التي لا تدخل ضمن تصنيف الألحان الثمانية التقليدية. لكن الوضع قد اختلف الآن حيث أصبحت نغمات الحجاز و الهزام و العجم جزءاً لا يتجزأ من بنيان الألحان الرومية.
لا يمكن كذلك أن نتجاهل عدد من الملحنين الهامين جداً في تلك الفترة مثل يوحنا لامباذاري و تلاميذه دانيال المرتل الأول و بطرس لامباذاريوس و يعقوب المرتل الأول و بطرس الرومي الذي قام بوضح ألحان جديدة لكتاب القياميات و هو كتاب يشمل تراتيل صلوات السبت مساءً و الأحد صباحاً بالألحان الثمانية.

من القرن التاسع عشر حتى اليوم 

ظهرت في القرن التاسع عشر حاجة ملحة لإعادة ترتيب تصنيف الألحان الرومية بعد إدخال الكثير من التطورات و العناصر الجديدة إليها القادمة من الموسيقا العربية و إعدادها في قالب واضح يخدم عملية التصنيف الأكاديمي و التعليم و هذا ما دعي بالإصلاح، و كان من أبرز رواد الإصلاح المطران خريسنثوس المديتي ( أواخر القرن الثامن عشر – 1843 ) و غريغوريوس المرنم الأول ( 1777 – 1822 ) و خورموزيوس أمين مخطوطات بطريركية القسطنطينية ( أواخر القرن 18 – 1840 ) الذين وضعوا أسس الموسيقى الرومية و أصبحت على الشكل الذي نراها فيه اليوم.
المطران خريسنثوس المديتي يعد المؤسس للمنهج التفصيلي الحديث في التدوين الموسيقي الرومي و الذي يعمل به في أيامنا الحالية، و أدخل بشكل رسمي نغمات الحجاز في الألحان الرومية و كذلك سلالم النيشامبور و الحصار و المستعار و العجم، حيث كانت تستعمل قبل ذلك في الألحان الرومية دون أن يكون لها تصنيف ضمن الألحان.
كذلك قام غريغوريوس المرنم الأول بوضع العديد من الإشارات من أجل التحويل بين السلالم الموسيقية و قام بتلحين أنغام عديدة يرتل يها اليوم و ساهم في نشر طريقة التدوين الحديثة.
أما خرموزيوس أمين مخطوطات بطريركية القسطنطينية فقد قام بوضع كتب هامة في الموسيقا النظرية و العملية و دراسات موسعة للإشارات الموسيقية القديمة و الحديثة.
تدعى طريقة التدوين الحديثة أحياناً بطريقة المعلمين الثلاثة و يقصد بهم المطران خريسنثوس و غريغوريوس و خورموزيوس المذكورين أعلاه.

– “هذه الموسيقى المنتشرة في شرق البحر المتوسط ومع قيام الروم بإنشاء دولتهم ” الرومية ” واندماج شعوب شرق البحر المتوسط وحاليا هي ” اليونان وقبرص وفينيقيا وسورية وفلسطين العبرية والكنعانية اعطت موسيقى تسمى ب “بالموسيقى الرومية ” منبعثة من عظمة وأمجاد الإمبراطورية ومن روحانية الكنيسة وإيمانها المستقيم الرأي .
مع بدايات المسيحية لم تنقرض او تتبخر عادات هذه الشعوب وموسيقاهم وتقاليدهم ، بل نتج عن هذا المزيج حالات متطورة ومن ثمَ نُظمت في نطاق الكنيسة والامبراطورية الرومية” .

ومن اهم كتاب الموسيقى في التاريخ الرومي
القديس “الحمصي” “رومانوس المرنم” ، في القرن السادس المسيحي الذي كتب “الحياة في قبر ، i zoi en tafo” او بما يعرف “يايسوع الحياة” .

و القديس الدمشقي “يوحنا الدمشقي” المولد في دمشق عام 660م والذي كتب ترتيلة “المسيح قام من بين الأموات” عام 735 م ، وهو الذي وضع قانون القيامة والكثير من الاناشيد الكنسية، وهو الذي وضع نظام “الالحان الثمانية”الرومية ( الاوكتوايخوس ) المتبع في كنيسة الروم الى اليوم .

الموسيقى الرومية على قائمة التراث الانساني
الموسيقى الرومية على قائمة التراث الانساني

 

الموسيقى الرومية على قائمة التراث الانساني

وضعت منظمة اليونسكو للثقافة والتراث الموسيقى الرومية  التي مر على ترتيبها 2000 عام على قائمة التراث الإنساني في عام 2019م.
الموسيقى الرومية هي موسيقى الإمبراطورية الرومية . كانت تتألف في الأصل من ترانيم وترانيم مؤلفة من نصوص يونانية تُستخدم في احتفالات البلاط، أو أثناء المهرجانات، أو كموسيقى ليتورجيا.
الأشكال الكنسية للموسيقى الرومية هي أفضل الأشكال المعروفة اليوم، لأن التقاليد الأرثوذكسية المختلفة لا تزال تتماشى مع تراث الموسيقى الرومية.
تطور تقليد الترانيم الليتورجية الشرقية، الذي يشمل العالم الناطق باليونانية، حتى قبل إنشاء العاصمة الرومانية الجديدة، القسطنطينية، في 330مسيحية حتى سقوطها عام 1453مسيحية.
لم تختف الموسيقى الرومية بعد سقوط القسطنطينية. واستمرت تقاليدها في عهد بطريرك القسطنطينية، الذي مُنح بعد الفتح العثماني عام 1453 مسؤوليات إدارية على جميع المسيحيين الأرثوذكس الشرقيين في الإمبراطورية العثمانية، وكذلك أثناء انهيار الإمبراطورية العثمانية في القرن التاسع عشر.

وفي هذا السياق، الأنشودة الدينية المسيحية كانت تمارس في الإمبراطورية العثمانية، في اليونان، بلغاريا، صربيا ودول أخرى، واستندت على الجذور التاريخية للفن تتبع العودة إلى الإمبراطورية الرومية. في حين خلق الموسيقى البطريركية خلال، غالبًا، ما كان يُنظر إلى الفترة العثمانية على أنها “ما بعد الرومية القسطنطينية”. هذا ما يفسر سبب إشارة الموسيقى  الرومية إلى العديد من تقاليد الترانيم المسيحية الأرثوذكسية في البحر الأبيض المتوسط ​​والقوقاز التي تمارس في التاريخ الحديث وحتى اليوم.

اليوم، يتعرف مصلو الكنائس الأرثوذكسية المسيحية مع تراث الموسيقى الرومية التي يُذكر ملحنوها الأوائل بالاسم منذ القرن الخامس، والتي كانت التراكيب الموسيقية مرتبطة بهم. لكن بعد إعادة بنائها من خلال المصادر التي تم تدوينها والتي تعود إلى قرون لاحقة. وقد تم تطوير التدوين اللحني للموسيقى الرومية في وقت متأخر من القرن العاشر. ولكن يمكن بالفعل العثور على التوقيعات النموذجية لصدى الثمانية الألحان في أجزاء برديات من كتب الترنيمة الرهبانية “تروبولوجيا” التي يعود تاريخها إلى القرن السادس.