أخبار جرائد بيروت في سنة ١٨٧٠

تاريخ الصحافة العربية ؟ البابين الاول والثاني

الباب الأول

يشتمل على أخبار كل الجرائد والمجلات في مدينة بيروت

الفصل الأول: أخبار جرائد بيروت في سنة ١٨٧٠على أثر المذابح الفظيعة التي جرت في سوريا سنة ١٨٦٠( المذبحة الطائفية 1860 في دمشق ومحيطها ووادي العجم وجبل الشيخ وصيدنايا ومحيطها والزبداني وبلودان ووادي بردى / وجبل لبنان وزحلة  واقضية راشيا وحاصبيا والبقاع الغربي وقبلها المذبحة الطائفية عام 1850 التي فتكت بمسيحيي حلب والقلمون الشرقي ومعلولا…)ولطَّخت وجه الإنسانية بمداد العار حضرت العساكر الفرنسوية إلى بيروت لمساعدة الدولة العثمانية ( الدولة العثمانية هي من شجعت الرعاع المسلمين في دمشق والدروز في جبل لبنان وزحلة واقضية البقاع… وكان لوالي دمشق احمد باشا اليد التنفيذية الاولى في اذاء نار الفتنة وكل ذلك لتتخلص الدولة من المسيحيين والامتيازات المذهبية التي فرضت عليها نتيجة حرب القرم 1856 ) (1) على تأييد الراحة والاقتصاص من الثائرين الذين عاثوا في البلاد شرًّا، وبعد انسحاب العساكر المذكورة أخذت الحركة الفكرية تنتعش في روح السوريين فأنشئوا المدارس الابتدائية والعالية في بيروت لتعليم الناشئة الحديثة، ولم يكن حينئذٍ في سوريا كلها مدرسةٌ كبرى سوى مدرسة عينطورا المؤسسة عام ١٨٣٤ بعناية الآباء اللعازريين،( في دمشق اعاد الخوري يوسف مهنا الحداد ( شهيد فتنة 1860 القديس الشهيد في الكهنة يوسف الدمشقي، احداث مدارس الآسية البطريركية الارثوذكسية التي كان البطريرك افتيموس كرمة قد احدثها عام 1635 وجددها عام 1840 وفق نظام المدارس الأوربية، وفي عام 1851 احدث فيها كليتين جامعيتين هما كلية اللاهوت، وكلية الموسيقى الرومية العالية وكانت الى ذلك تدرس مواد ست كليات جامعية متخصصة هي الحقوق والطب والصيدلة والفلسفة والتاريخ والعلوم) وكان يسعى لجعلها جامعة اضافة الى كل مراحل التعليم فيها مع وجود قسم داخلي فيها ولولا فتنة 1860 ودمار المدرسة واستشهاده ومعه الكادرين الاداري والمدرسي لكانت الآسية اول جامعة في المشرق قبل اليسوعية  والاميركية، وقضى نصف ارثوذكس دمشق  حوالي 13000 شهيد  يتقدمهم خمسة كهنة من اصل سبعة  تقدمهم الخوري يوسف وفرار الربع الى بيروت ومنها الى مرسين ومصر والاميركيتين وبقاء الربع كأقلية مرتاعة تخشى تكرار هذه المذبحة في كل لحظة،  ودمار كل النسيج العمراني الدمشقي المسيحي والكنائس والخانات وورش الحرف وكانت كل الحرف بيد المسيحيين الدمشقيين وانحسر الوجود الارثوذكسي بنتيجة الاستشهاد والفرار تحديدا، وتغيرت ديموفرافية المنطقة الشرقية في دمشق وكانت مسيحية صرف، وتم الاستيلاء على بيوتهم من قبل المسلمين الدمشقيين ومن الغوطة والممتد  من محلة البزورية جنوب دمشق  الى باب السلام شمال دمشق بخط عرضي الى الشرق وصار حده دار البطريركية  الأرثوذكسية والمريمية… فتعطلت الحياة الى حين تكريس البطريركية والمريمية عام 1867) (2).  اما في بيروت فكان أول من شمر عن ساعد الهمة لهذه الغاية الشريفة (3) كان المعلم بطرس البستاني الذي أنشأ سنة ١٨٦٣ «المدرسة الوطنية» الشهيرة، ثم غريغوريوس الأول بطريرك الروم الكاثوليك الذي أسس عام ١٨٦٥ «المدرسة البطريركية» (بدمشق)، ثم المرسلون الأميركان الذين نقلوا سنة ١٨٦٦ مدرستهم المؤسسة في عبيه عام ١٨٤٦ إلى بيروت وسموها «المدرسة الكلية السورية الإنجيلية»، فاقتدى الآباء اليسوعيون بمثلهم وافتتحوا سنة ١٨٧٥ «كلية القديس يوسف» التي شيَّدوها في بيروت على أنقاض مدرستهم القديمة في غزير، وفي تلك السنة قامت «مدرسة الحكمة» للمطران يوسف الدبس الماروني ثم «المدرسة الإسرائيلية» على يد الحاخام زاكي كوهين، وظهر أيضًا غيرها من المدارس الثانوية التي نضرب عنها صفحًا لكثرتها كمدرسة «ثلاثة الأقمار» للروم الأرثوذكس سنة ١٨٦٢، ثم «المدرسة السريانية» بإدارة الدكتور لويس صابونجي سنة ١٨٦٤.

وكانت الحكومة الفرنسية تمدُّ بالمال المدارس الكاثوليكية منها، كما أن الجمعيات البروتسانية كانت تجود على المدارس الإنجيلية بسخاءٍ وافر، وكان التلامذة يؤمُّون هذه المعاهد العلمية من بيروت ولبنان وسائر جهات بلاد سوريا ومصر وقبرص وأرمينيا والآستانة وما بين النهرين والعراق وسواها. هكذا تفجرت ينابيع المعارف وفي وقتٍ قصير كثر عدد الكُتَّاب والمؤلفين وأنشئت المطابع ودخلت البلاد في عصرٍ جديد من الرقي والفلاح، وكان النصيب الأوفر في هذا الحركة الفكرية للصحافة البيروتية التي جابت البلاد طولًا وعرضًا وأنارت الشعب بمصباح المعارف. وحسبنا القول إن عدد الصحف التي ظهرت عام ١٨٧٠ في بيروت وحدها بلغ سبعًا بين جريدة أو مجلة، وهو أمرٌ جدير بالذكر في تاريخ الصحافة العربية.

كان السلطان عبد العزيز أكبر عامل على تنشيط الآداب لا سيما بعد ما شاهد بعينه واختبر بذاته حضارة الغربيين أثناء رحلته المشهورة عام ١٨٦٧ إلى معرض باريز بدعوةٍ مخصوصة من الإمبراطور نابليون الثالث، وكان خديو مصر إسماعيل باشا الموصوف بالكرم الحاتمي شديد الرغبة في الاقتداء بالخلفاء العباسيين الذين كانوا يقربون إليهم العلماء والشعراء؛ فأخذ يقتفي آثارهم لإحياء الآداب العربية، ويجود بالعطايا على أئمة الصحافة لا سيما على بطرس البستاني عميدهم في بيروت وأحمد فارس الشدياق زعيمهم في الآستانة، وكانت مصر قبل تقدم صحافتها تلجأ إلى صحف تركيا لمعرفة الأخبار.

فلما اعتلى عبد الحميد الثاني أريكة الدولة العثمانية كانت الصحافة مطلقة الحرية تنشر الأنباء على علَّاتها زَينًا كان أو شينًا، وتنتقد أعمال الحكومة ومأموريها، حتى إنها لم تشفق على السلطان نفسه، وناهيك أن جريدة الجوائب في الآستانة وصحف الجنان والجنة والبشير والتقدم وثمرات الفنون في بيروت كانت بلا أدنى خوف تنشر المقالات الضافية الذيل عن مواقع الخلل في تركيا، بل إنها كتبت صريحًا عن مقتل الوزراء في دار الخلافة، وذكرت خلع السلطانَين عبد العزيز ومراد الخامس عن سرير الملك، وأذاعت خبر انتصار الروس سنة ١٨٧٧ على العساكر العثمانية. غير أن السلطان عبد الحميد الذي لم يكن يهمه من كل أمور السلطنة إلا صيانة حياته خشي سوء العاقبة من دولة الجرائد وصولة كتابها، فأصدر أمرًا بتقييد حريتها وضيَّق عليها المراقبة حتى صارت جسمًا بلا روح، فما كانت تنشر سوى ما يطيب للسلطان المشار إليه من ألفاظ التفخيم والتعظيم والتمجيد في مدح عدالته الموهومة على رغم مظالمه واستبداده وسوء إدارته التي كادت تجرُّ الخراب على المملكة لولا لطف الباري سبحانه كما سترى، ومن ألطف الأقوال في وصف مراقب الجرائد في تركيا ما نظمه أحمد شوقي شاعر خديو مصر بهذا المعنى وهو:

لو ابتلى الله به عاشقًا
مات به لا بالجوى والوله
لو دام للصحف ودامت له
لم تنجُ منه الصحف المنزلةْ
لو خال «بسم الله» في مصحفٍ
تغضب تحسينًا من البسملة
وعزة الله بلا «عزت»
لا ينفع القارئ ولا خردلة

هكذا سئمت نفوس الأدباء فهاجر أكثرهم إلى مصر والبلاد الأجنبية حيث أنشئوا الصحف المعتبرة كما جرى لرزق الله حسون والدكتور لويس صابونجي في لندن، وكما جرى لجبرائيل دلال وخليل غانم وميخائيل عورا ويوسف حاج والأمير أمين أرسلان في باريس، ومنهم أنطون فارس وعقل بشعلاني في مرسيليا ووديع كرم في طنجة ويوسف باخوس في غلياري، ومثل ذلك فعل سليم بك تقلا وبشارة باشا تقلا وأديب إسحاق وسليم نقاش وخليل نقاش وروفائيل زند وعزيز بك زند ورشيد شميل وخليل زينيه والشيخ نجيب الحداد والشيخ أمين الحداد وعبده بدران وطانيوس عبده ويعقوب نوفل ونجيب إبراهيم طواد والشيخ شاهين الخازن والشيخ نسيم العازار وحنا جاويش وسبع شميل في الإسكندرية، ثم نذكر أنيس خلاط والدكتور يعقوب صروف والدكتور فارس نمر وشاهين مكاريوس والشيخ إبراهيم اليازجي والشيخ خليل اليازجي وسليم بك عنحوري وسليم فارس وجرجي بك زيدان ومحمد رشيد رضا ونقولا بك توما وأمين شميل وأمين بك ناصيف والدكتور شبلي شميل وحبيب فارس وديمتري نقولا وسليم سركيس ومحمد سلطاني ومحمد كرد علي وإبراهيم نجار وأيوب عون والدكتور أديب زيات والدكتور بشارة زلزل ونجيب جاويش وأمين شدياق وإسكندر شاهين والشيخ يوسف الخازن وفرح أنطون ويوسف آصاف وسواهم في القاهرة، أخيرًا نضيف إلى هؤلاء جميع أرباب الصحف في أميركا الشمالية والجنوبية وهم يعدون بالعشرات فضلًا عن مشاهير الكتبة الذين كانوا يساعدون كل من ذكرنا في التحرير والتحبير ونضرب صفحًا عن سرد أسمائهم لكثرتهم، فإنهم قاطبةً تركوا البلاد العثمانية كي يخدموها بصدق في جرائدهم ويكونوا آمنين على حياتهم من غدر السلطان عبد الحميد وأعوانه.

الزهرة

figure

يوسف الشلفون؛ منشئ جريدة «الزهرة» و«التقدم» و«النجاح» و«الشركة الشهرية»؛ (رسمه في سنة ١٨٧٠).

نشرةٌ أسبوعية ذات ثماني صفحاتٍ صغيرة أنشأها في غرة كانون الثاني ١٨٧٠ يوسف الشلفون على عهد راشد باشا والي سوريا، وهي تتضمن فصولًا تاريخية ونكتًا أدبية وفوائدَ علمية وأخبارًا مستظرفة بقلم منشئها وبعض حملة الأقلام السوريين، فعاشت حولًا كاملًا وصدر آخر أعدادها في ٢٤ كانون الأول للسنة المذكورة، ثم خلفتها مجلة «النجاح» التي سيأتي ذكرها. وأخص الذين كتبوا فيها هم: الشيخ إبراهيم اليازجي وفرنسيس مراش والسيد محمد سعيد دجاني وسليم بك تقلا وسليم نقاش وأسعد طراد والدكتور بشارة زلزل وإبراهيم الحوراني وإبراهيم مشاقة وشاكر شقير وسليم الخوري وداود كنعان ونخلة جريديني. وقد روى غلطًا عيسى إسكندر المعلوف في مقالته عن «الصحافة العربية» أن القس لويس صابونجي ويوسف الشلفون أصدرا الزهرة بالشركة (راجع مجلة النعمة: سنة ٢ صفحة ٧١٩) فاقتضى التنويه والتنبيه، وقد نظم الشاعر البيروتي الحاج حسين بيهم قصيدة في مدح هذه الجريدة نورد منها الأبيات الآتية:

صاح نور «الزهرة» الغراء لاح
في ربى بيروت فازداد الفلاح
يا لها من نشرةٍ قد نشرت
نشر طيبٍ طاب نشرًا حين فاح
أزهرت أغصانها بل أثمرت
بفكاهاتٍ وجدٍّ ومزاح
قطفت من كل فنٍ ثمرًا
فيه تغني الروح عن أقداح راح

المهمازهو عنوان نشرةٍ دينيةٍ أدبيةٍ تاريخيةٍ روائية ذات ثماني صفحات بحجمٍ صغير، ظهرت في ٢٥ شباط ١٨٧٠ مرتين في الشهر لمنشئها خليل عطية اللبناني، وكانت معتدلة المشرب تحتوي على شذراتٍ مفيدة ونصائحَ حكمية وأشعارٍ لطيفة، وفي ١٢ آب للسنة ذاتها احتجبت بعد صدور العدد الثاني عشر منها، وقد طبعها صاحبها في المطبعة اليزبكية وصدَّرها بهذين البيتَين:

يا باذلًا بجنى الفوائد جهده
إن شئت أن تغنى عن الأعواز
فإلى السباق على مطهم همةٍ
وطنيةٍ وعليك بالمهماز

ولما ظهرت جريدة «الهدية» لجمعية التعليم المسيحي الأرثوذكسي عام ١٨٨٣ تولى خليل عطية كتابة فصولها مدة سنتين كاملتين كما أفادنا المحامي البارع إلياس بن جرجس طراد، وتوفي رحمه الله بعد التاريخ المذكور بزمنٍ قليل.

الجنةصحيفةٌ أسبوعيةٌ سياسيةٌ تجاريةٌ أدبية أنشأها في ١١ حزيران ١٨٧٠ سليم ابن المعلم بطرس البستاني، وكان عنوانها محتاطًا بغصنَين من ورق الغار يعلوهما رسم الهلال والنجمة كأكثر الصحف العثمانية في ذاك العهد، وإلى جانبَي العنوان أسماء وكلاء الجريدة ومحلات الاشتراك في الجهات. وقد اشتهرت هذه الصحيفة بصدق المبدأ وانتقاء الأخبار الصحيحة وجلب الأنباء البرقية لحسابها الخاص عند اللزوم، وكان التجار يعوِّلون عليها في أسعار التجارة وسوق القراطيس المالية والحوادث السياسية. وفي الشهر الثاني من ظهورها صارت تصدر مرتين في الأسبوع بمطبعة المعارف إلى غرة كانون الأول ١٨٨١ فصارت تُطبع في المطبعة الأدبية لمنشئها خليل سركيس. وحينئذٍ جرى الاتفاق بين المعلم بطرس البستاني منشئ «الجنان» وسليم البستاني مدير «الجنة» وخليل سركيس صاحب «لسان الحال» على ضم هذه الصحف إلى إدارةٍ واحدة ومطبعةٍ واحدة، فاستلم خليل سركيس إدارتها وفُوِّض إليه أمر طبعها وتوزيعها وحساباتها، وإنما بقيت كتابة كل صحيفة متعلقة بصاحبها الأصلي كما كانت سابقًا، وبعد وفاة سليم البستاني في ١٣ أيلول ١٨٨٤ تحول امتياز الجنة إلى أخيه نجيب الذي أصدرها مدة حولَين كاملَين، ثم أوقفها باختياره مودعًا الصحافة التي خدمتها الأسرة البستانية نحوًا من خمس وثلاثين سنة بما لا يُوصف من الغيرة والصدق واعتدال المشرب.

وسبب ذلك أنه لما اشتدت المراقبة على الجرائد في سوريا اغتاظت الحكومة من نجيب البستاني لنشره ترجمة مدحت باشا زعيم الأحرار العثمانيين، فأصدرت الأوامر بتعطيل جريدة «الجنة» ومجلة «الجنان»؛ مما ألحق بصاحبهما خسارةً كبيرة. ولما كانت الصحيفتان المذكورتان قد عُرفتا بالدفاع عن حقوق العثمانيين والضرب على أيدي المفسدين أبت نفس صاحبهما أن يجعلهما آلةً في أيدي مأموري المطبوعات أو هدفًا للأهواء؛ فتوقف عن إصدارهما رغمًا من صدور الإرادة السلطانية بالعفو عنهما بمساعي نامق باشا شيخ الوزراء وسعيد باشا ناظر الخارجية سابقًا في عاصمة الدولة. وبالإجمال فإن هاتين الصحيفتَين كانتا في عهدهما من أرقى الصحف العربية وأكثرهن نفعًا وأعظمهن انتشارًا، وقد عاشتا نيفًا وست عشرة سنة ولم تزل فوائدهما مذكورة بكل شفة ولسان. ونظم الحاج حسين بيهم قصيدة في مدح جريدة «الجنة» عند أول ظهورها ثم ختمها بتاريخَين أولهما على الحساب الهجري وثانيهما على الحساب الميلادي، فأحببنا أن نجعلها مسك الختام لأخبار هذه الجريدة المعتبرة، وقد ضمنها أسماء كل الصحف العربية التي كانت منتشرة في ذلك الحين وهي مطبوعة بين قوسين:

ألا يا بني الأوطان عوجوا «لجنةٍ»
لأخبارها بالصدق ألطف رنة
«حديقة أخبار» «جوائب» حكمةٍ
«جنان» معانٍ لفظها شهد «نحلة»
«وقائعها» «كالنيل» عذب «فراتها»
تفضلها «الزوراء» عن بحر دجلة
«كروضة» علم قد غدت «لمدارسٍ»
«ورائدها» يهدي لنا نشر «زهرة»
«بسورية» الفيحاء يعبق نشرها
وبالشرق ثم بالغرب فازت بشهرة
لمنشئها العلامة الشهم شهرة
بخدمته الأوطان في كل لحظة
يغار على نشر المعارف في الورى
ويجهد في تكثير أنواع صنعة
ويندبنا للاتحاد الذي به
وبالجد لا نحتاج بعد لأمة
بظل مليك العصر سلطاننا الذي
لدولته للعلم أعظم دولة
عدالته الغراء مدَّت رواقها
علينا فصرنا في أمان وبهجة
فلا زالت الأقطار تزداد رونقًا
بأيامه ما طاب قارئ «نشرة»
وما قال من تهدي لعلم «جنانه»
«وجنته» تهدي لنا كل طرفة
ألا استمعوا أرخ لأخبار جنةٍ
وتاريخها يُلفى كألطف غرة
سنة ١٢٨٧ هجرية/سنة ١٨٧٠ ميلادية

البشيرصحيفةٌ كاثوليكيةٌ دينيةٌ إخباريةٌ أسبوعية أنشأها الأب أمبروسيوس مونو رئيس الآباء اليسوعيين في سوريا على أنقاض مجلة «المجمع الفاتيكاني» في ٣ أيلول ١٨٧٠ لخدمة الطوائف المسيحية الكاثوليكية الشرقية، وقد اتخذ كلمات السيد المسيح «تعرفون الحق والحق يحرزكم» شعارًا لها، ويُعد البشير من أرقى الجرائد التي يُركن إلى صحة أخبارها وصفاء مبادئها وإخلاص خدمتها للآداب والعلم والوطن، وكان في أول عهده صحيفةً صغيرة تحتوي على ثماني صفحات بقطع «النشرة الأسبوعية» للمرسلين الأميركان، ثم تحول في ٢ كانون الأول ١٨٧٢ إلى جريدةٍ منشورة بأربع صفحاتٍ متوسطة، وما زال ينمو شيئًا فشيئًا حتى صار من أكبر الصحف حجمًا وأكثرها أخبارًا وأشدها إتقانًا، ومنذ ٣ كانون الثاني ١٩١١ صار يظهر مرتين في الأسبوع بعدما لبث أسبوعيًّا إحدى وأربعين سنة كاملة، وفي ٣ كانون الثاني ١٩١٣ صدر ثلاث مرات في الأسبوع مع بقاء قيمة الاشتراك فيه كما كانت في عهده الأسبوعي.

figure

رسم عنوان البشير في أوائل عهده.

وبقي ١٥ سنة يصدر بالحرف الأميركاني حتى أبدله في ١٦ نيسان ١٨٨٤ بالحرف القسطنطيني. وقد برز في فرصٍ شتى بمظهرٍ جميل يروق للأبصار بنقوشه البديعة ورسومه الفاخرة التي لم يعهد لها مثيل في سائر الصحف العربية حتى الآن. وأخص أعداده الممتازة التي تستحق الذكر هي التي صدرت في المواعيد الآتية: (١) اليوبيل الذهبي سنة ١٨٨٧ لكهنوت البابا لاون الثالث عشر. (٢) اليوبيل الذهبي الأسقفي سنة ١٨٩٣ للحبر الأعظم المشار إليه. (٣) اليوبيل الفضي سنة ١٨٩٥ لتأسيس جريدة البشير. (٤) اليوبيل الفضي سنة ١٩٠٢ لارتقاء لاون الثالث عشر إلى السدة البطرسية. (٥) جلوس البابا بيوس العاشر سنة ١٩٠٣ على العرش الرسولي. (٦) اليوبيل الذهبي في السنة المذكورة لتأسيس المطبعة الكاثوليكية. (٧) العيد الخمسيني سنة ١٩٠٤ لإعلان عقيدة الحبل بلا دنس. (٨) اليوبيلان الكهنوتي الذهبي والأسقفي الفضي سنة ١٩٠٨ للبابا بيوس العاشر. (٩) اليوبيل الفضي الأسقفي سنة ١٩١٢ للسيد أغناطيوس أفرام الثاني بطريرك السريان الأنطاكي.

وإليك أسماء الآباء اليسوعيين الذين تولوا إدارة البشير من يوم نشأته حتى الآن مع تواريخ السنين: الأب يوحنا بلو (١٨٧٠–١٨٧٤)، والأب يوسف روز (١٨٧٥-١٨٧٦)، والأب فيلبس كوش (١٨٧٧)، والأب لويس أبوجي (١٨٧٨-١٨٧٩)، والأب جرمانس دروبرتوله (١٨٨٠)، والأب فيلبس كوش للمرة الثانية (١٨٨١)، والأب بطرس ماليه (١٨٨٢)، والأب سليمان غانم (١٨٨٣-١٨٨٤)، والأب لويس أبوجي للمرة الثانية (١٨٨٥)، والأب سليمان غانم للمرة الثانية (١٨٨٦–١٨٩٠)، والأب أنطون صالحاني (١٨٩١–١٨٩٣)، والأب هنري لامنس (١٨٩٤)، والأب أنطون صالحاني للمرة الثانية (١٨٩٥–١٨٩٩)، والأب هنري لامنس للمرة الثانية (١٩٠٠–١٩٠٢)، والأب أنطون رباط (١٩٠٣–١٩٠٦)، والأب لويس معلوف (١٩٠٦–…) وهو المدير الحالي، وكنا نودُّ نشر رسوم جميع مدراء البشير منذ نشأته إلى الزمان الحاضر تقديرًا لفضلهم وتخليدًا لذكرهم، ولكن حال دون ذلك امتناع الأحياء منهم عن تلبية رغبتنا محافظةً على قانونهم الرهباني، ولم نحصل بعد الجهد إلا على رسوم بعض الأموات منهم مع رسمٍ قديم لأحد الأحياء الذي وجدناه عند عائلته.

figure

الأب لويس أبوجي؛ مدير جريدة البشير (١٨٧٨-١٨٧٩) و(١٨٨٥).

figure

الأب فيلبس كوش؛ مدير جريدة البشير (١٨٧٧ و١٨٨١).

وكان لهؤلاء الآباء مساعدون في التحرير بعض أفاضل الكتبة الذين نذكر منهم: المعلم جرجس زوين (١٨٧٠–١٨٧٦)، والخوري يوسف البستاني (١٨٧٧–١٨٨١)، وخليل البدوي (١٨٨٢–١٨٩٠)، ورشيد الشرتوني (١٨٩١–١٩٠٧)، وأنطون الجميل (١٩٠٨)، والخوري بولس طعمة (١٩٠٩–…) وهو المحرر الحالي.

وعام ١٨٧٨ نشرت إدارة البشير بعناية الأب بطرس دمياني اليسوعي تقويمًا سنويًّا يُعرف باسم «تقويم البشير» لا يزال يتزايد كل سنة كمالًا وإتقانًا، وقد حسَّنه بعد ذلك الأبوان أنطون رباط ولويس معلوف اليسوعيان وزادا في حجمه وزيَّناه بالرسوم الفاخرة، وقد وصفته مجلة «المسرة» اللبنانية (سنة ٢، جزء ١٢) بقولها:

فهو يتضمن جداولَ عديدةً لمعرفة الأيام والأسابيع والشهور والأعياد والصيامات إلخ، ثم يذكر الرؤساء الروحيين الكاثوليكيين، ثم يليه جدول للنقود العثمانية مع مقابلتها مع أهم النقود الأوروبية، ثم جدول للمساحات والعيارات والمعدودات المترية مع فوائد لتحويل النقود والمعدودات، ثم يعقبه نظر في التقسيمات الإدارية في الدولة العلية مع ذكر قناصل الدول الأجنبية والمديرين وأخص المأمورين في الإدارات والشركات في الدولة، ثم فوائد شتى في البوسطة والتلغراف والجرائد والمجلات، وقد امتاز بنوعٍ أخص بوضع جدولٍ شامل يتضمن السنين الهجرية وما يقابل بدء كلٍّ منها في السنين المسيحية مع أمثاله وفوائدَ صحية وعلمية وفكاهية إلى غير ذلك مما يجعل هذا الكتاب الذي يشتمل على ٢١٥ صفحة كاملًا في بابه، ويكفيه مدحًا أن نقول عنه بلا مراء: أحسن تقويم يصدر في اللغة العربية، وأننا لا يمكننا أن نجد في كتاب سواه الإفادات التي نجدها فيه.

ومن أحسن الشهادات التي يُركن إلى صدق ينبوعها وثقة روايتها عن نزاهة مبدأ البشير ما روته جريدة «سورية» الرسمية في شهر كانون الثاني ١٨٨٧ قالت: «البشير جريدةٌ قديمة … لا تكتب في سياق الأخبار السياسية وحوادث العالم شيئًا مضرًّا بحق الدولة والملة أصلًا.»

figure

أبنية كلية القديس يوسف للآباء اليسوعيين في بيروت: «١» المكتب الطبي، «٢» الكلية، «٣» الكنيسة، «٤» الرواق الأعلى «٥» الممشى الأوسط «٦» المكتبة الكبرى «٧» المطبعة «٨» الأب أمبروسيوس مونو مؤسس جريدة «البشير» ومنشئ الكلية «٩» الأب باليو مهندس الكلية.

figure

الأب أنطون ربَّاط؛ مدير جريدة البشير (١٩٠٣–١٩٠٦).

ولما نشبت الحرب في طرابلس الغرب بين الدولة العثمانية وإيطاليا سنة ١٩١١ و١٩١٢ أصدر ناظر الحربية العثمانية أمرًا منع فيه الجرائد عن نشر المعلومات المتعلقة بالدفاع الوطني، فتخيل للمجلس العرفي في بيروت أن جريدة «البشير» خالفت الأمر المذكور، فحكم على مديرها المسئول بدفع ستين ليرةً عثمانية وبتعطيلها لمدة الحرب، ولكن حازم بك والي بيروت قد وجد هذا القرار شديدًا، فطلب فسخه من الآستانة واستحصل عليه ثم عادت الجريدة إلى الانتشار، وفي مدة تعطيلها صدرت باسم «صدى البشير» في ٤ حزيران ١٩١٢ وقد ظهر منها عددان فقط.

واشتهر البشير بصدق الرواية وجرأة الكتابة في كل أدوار حياته، وكان في أول ظهوره مكتوبًا بعبارةٍ ركيكة مثل بقية صحف ذلك العهد، وكانت مواضيعه تتناول المسائل الدينية وبعض الحوادث المحلية وسائر أخبار الكون التي لها علاقة بالدين. وكان لا يطالعه سوى جماعة الكاثوليك دون غيرهم، فلما تولى الأب سليمان غانم اللبناني اليسوعي إدارته كان خليل البدوي قائمًا بشئونه التحريريه، فأنعش كلاهما روحًا جديدة في البشير ووسَّعا نطاق مباحثه وحسَّنا عبارته ومواضيعه حتى صار يطالعه الكاثوليكيون وغير الكاثوليكيين، وعلى أثرهما جرى مديرو الجريدة والمحررون فيها إلى الزمان الحاضر. وصارت نسخ البشير تُباع بكثرة كسائر الصحف السيارة في أسواق بيروت والجهات. والذي ساعد على نجاحه تسليم إدارته للآباء الوطنيين اليسوعيين بعد ما كان يتولاه منهم الأجانب عن بلادنا ولغتنا، وقراؤه يعدون بالألوف في بيروت وكل قرى لبنان وسائر أنحاء سوريا وفلسطين وقبرص ومصر والسودان وشمال أفريقيا والعراق وبين النهرين، وله مشتركون عديدون في أوروبا وأميركا والهند والحبشة وأستراليا وغيرها من الأقطار المأهولة بالمسيحيين الناطقين بالضاد. ومديره الحالي الأب لويس معلوف رجلٌ نشيطٌ مشهود له بالعلم والغيرة والفضل وسداد الرأي، وله اليد البيضاء في ترقية شئون الجريدة وزيادة تحسينها، وإليه يرجع الفخر في إصدارها مرتَين في الأسبوع، ثم ثلاث مرات في الأسبوع بعدما لبثت أسبوعية أكثر من أربعين سنة.

figure

أنطون الجميِّل؛ مؤسس مجلة «الزهور» في القاهرة وأحد محرري «البشير» و«الأهرام» سابقًا.

وقضى البشير أيام بؤس في عهد المراقبة على المطبوعات، وبسبب ذلك تعطل مراتٍ شتى بلا مسوغٍ قانوني سوى تعنت المراقبين لا سيما في عهد حسن فائز الذي كان يضغط بكل قواه على الجرائد، فاضطر حينئذٍ رئيس اليسوعيين مع الأب أنطون صالحاني مدير البشير أن يذهبا إلى الآستانة ويقيما الشكوى لدى الباب العالي على المراقب المذكور، فساعدتهما سفارة فرنسا للحصول على إنصاف السلطان الذي أمر بإعادة ظهور الجريدة.

وللبشير مجادلاتٌ دينية ومناظراتٌ علميةٌ شهيرة في مواضيعَ مختلفة جرت بينه وبين أهم الصحف العربية التي نذكر منها: «الجنان» و«النشرة الشهرية» و«النشرة الأسبوعية» و«الجنة» و«التقدم» و«ثمرات الفنون» و«الهدية» في بيروت، ثم «المقتطف» في بيروت والقاهرة، ومنها «الفلاح» و«اللطائف» و«الهلال» في القاهرة، وأخيرًا «المناظر» في بعبدات بجبل لبنان وغيرها. وقد ذكرنا أكثر تلك المجادلات وأسبابها ومواضيعها عندما سردنا أخبار الصحف المذكورة. وقد تلطَّف كثير من الوزراء والعظماء فزاروا إدارة «البشير» ومطبعته، فلما زارها عزيز باشا والي بيروت سنة ١٨٨٩ أخذت آلات المطبعة بأسرها تنشر مدائحه باللغات التركية والعربية والفرنسية، وهاك منها هذه الأبيات:

باهت عراص الدار لما زارها
والٍ خطير في الكرام عزيز
بالله يا بُكْمُ اهتفي بقدومه
فليحي مولانا وعاش عزيز
قد أرخوا بالرغد كن أرخت نل
سد في الورى واظفر وقاك عزيز
١٨٨٩/١٣٠٧

الفصل الثاني: أخبار جرائد بيروت منذ سنة ١٨٧١ إلى سنة ١٨٧٦

كوكب الصبح المنير

figure

رسم عنوان جريدة «كوكب الصبح المنير» للمرسلين الأميركيين.

هو عنوان نشرةٍ شهريةٍ دينيةٍ مصورة ذات أربع صفحاتٍ متوسطة الحجم، أصدرها القسوس الأميركان في بيروت بتاريخ غرة كانون الثاني سنة ١٨٧١ لتوزيعها مجانًا على تلامذة مدارسهم البروتستانية. وهي تتضمن أخبارًا وحِكمًا وألغازًا روحية وترانيمَ دينية وفوائدَ أدبية، وقد جعلوا شعارها هذه الآية: «المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة.» وكان عنوانها مكتوبًا بشكل كوكب تنبعث أشعته على بيروت، وإلى طرفي العنوان رسمان آخران يمثل أحدهما بناية الكنيسة الإنجيلية مع برج الساعة الأميركية في هذه المدينة. وفي ٣١ تموز ١٣٠٦ مالية (١٢ آب ١٨٩٠ مسيحية) تعطَّلت؛ لأن أصحابها كانوا غير حائزين على الرخصة الرسمية من الحكومة بنشرها، فأبدلوها بنشرةٍ شهرية ذات صفحتَين موسومة «بالنشرة الأسبوعية» لم تزل حية حتى الآن، وهي غير النشرة الأسبوعية التي تصدر مرة في الأسبوع وحجمها أكبر قليلًا من الثانية. وأخص الذين كتبوا في جريدة «كوكب الصبح المنير» هم: الدكتور كرنيليوس فانديك وإبراهيم سركيس وإبراهيم الحوراني ورزق الله البرباري.

النشرة الأسبوعية

figure

الدكتور هنري جسب؛ مدير جريدة «النشرة الأسبوعية».

هو عنوان صحيفةٍ دينيةٍ أسبوعيةٍ مصورة شعارها «فتح كلامك ينير» أنشأها المرسلون الأميركان في ١٠ كانون الثاني ١٨٧١ خلفًا لجريدة «النشرة الشهرية» التي سبق وصفها في الجزء الأول، وهي ذات ثماني صفحاتٍ صغيرةٍ مطبوعة طبعًا نظيفًا، وقد تولى إدارتها وتحريرها في أول عهدها الدكتور كرنيليوس فانديك، ومن بعده تحولت إدارتها لعهدة القس صموئيل جسب ثم لأخيه هنري جسب الأميركيين، فكتب فيها حينئذٍ الأساتذة إبراهيم سركيس ورزق الله برباري وأسعد شدودي، وبعد ذلك عهد بتحريرها للكاتب البليغ والشاعر المطبوع إبراهيم الحوراني الذي لم يزل قائمًا بهذه المهمة منذ سنة ١٨٨٠ حتى الآن، وفي السنين الأخيرة أخذ يساعده في الترجمة من اللغة الإنكليزية إلى العربية الأستاذ إلياس بهنا من راشيا. وفي شهر كانون الثاني ١٨٩٠ تعطَّلت بأمر الحكومة سنةً كاملة؛ لأنها نقلت عن الجرائد المحلية تلغرافات لا تُوافق مشرب الحكومة في ذلك العهد، فلما احتج مدير النشرة لدى المراجع الإيجابية على هذه المعاملة، أجابه مراقب المطبوعات أن الحكومة تعول على صدق أصحاب «النشرة الأسبوعية» وتدعوهم إلى زيادة التحري في انتقاء الأخبار.

وقد جرت مناقشاتٌ طويلة بين «النشرة الأسبوعية» وغيرها من الصحف البيروتية لا سيما «البشير» و«الهدية» سنة ١٨٨٨ فيما يتعلق ببعض القضايا المختلف عليها بين الكاثوليك والأرثوذكس والبروتستانت، وحمي وطيس الجدال بين هذه الجرائد الثلاث واستعرت نيرانها فكانت الواحدة تُخطِّئ الأُخريين وتسعى في إسقاطهما. ومن أهم فصول النشرة أثناء المناقشة المذكورة مقالات تحت عنوان «سيف ذو حدَّين» أو «أمضى من كل سيف ذي حدَّين» وغيرها، حملت فيها على البشير والهدية، وبعد احتجاب الأخيرة عام ١٨٨٩ حصلت مجادلات ليست ذات شأن بين الأُوليين ثم انقطعت تمامًا في الزمان الحاضر. ومذ تولى إبراهيم الحوراني تحرير «النشرة الأسبوعية» تحسَّنت عباراتها وأخذ ينشر على صفحاتها فصولًا أدبية وعلميةً جزيلة النفع، ولكنها صارت تصدر خاليةً من الرسوم إلا ما ندر. ولهذه الجريدة نسخةٌ شهرية ذات صفحتَين ينشرها المرسلون الأميركان منذ سنة ١٨٩٠ بدلًا من جريدة «كوكب الصبح المنير» الملغاة، وهي مخصصة بصغار التلامذة في المدارس البروتستانية.

الجنينةجريدةٌ سياسيةٌ تجارية ذات صفحتَين بقطعٍ متوسط ظهرت عام ١٨٧١ لصاحبها سليم البستاني، وهو أول صحافيٍّ عربي حاول أن يصدر جريدةً يومية، فتسنَّى له ذلك بإصدار «الجنينة» أربع مرات كل أسبوع في أيام الاثنين والأربعاء والخميس والسبت. وكانت جريدته «الجنة» السابقة الذكر تظهر في يومَي الثلاثاء والجمعة من كل أسبوع. وهكذا كان قراء هاتين الصحيفتَين يتناولون الأخبار الجديدة في كل يوم، وكانت «الجنينة» مصدَّرة بالأنباء البرقية السياسية تليها الحوادث المحلية ومراسلات الجهات، وكان القسم التجاري فيها مطولًا ومتقنًا يشمل أسعار التجارة والقراطيس المالية، وقد عاشت نيفًا وأربع سنين ثم احتجبت عام ١٨٧٥ عندما تفشَّى الهواء الأصفر في بيروت وبعض أنحاء سوريا. وكان بدل الاشتراك السنوي في «الجنينة» وحدها عشرة فرنكات، أما بدل اشتراكها مع «الجنة» فكان ١٧ فرنكًا ومع «الجنان» و«الجنة» ٣٣ فرنكًا. وكان اسم الجريدة محتاطًا برسمٍ بديع تخفق بجانبَيه رايتان عثمانيتان قد نقش على إحداهما رسم الهلال والنجمة وعلى الأخرى شكل الطغراء السلطانية. وهذا الرسم صنعه الحفار المشهور ميخائيل فرح اللبناني، وكان سليم البستاني ينشئ فصول «الجنة» و«الجنينة» بمساعدة نسيبه العلامة سليمان البستاني مُعرِّب «الإلياذة» للشاعر اليوناني أوميرس وأحد أعضاء «مجلس الأعيان» في السلطنة العثمانية حالًا.

التقدمجريدةٌ عمومية صدرت في مفتتح عام ١٨٧٤ بعد إلغاء مجلة «النجاح» لصاحب امتيازها يوسف الشلفون، فكانت أولًا نصف أسبوعية في صفحتَين متوسطتَي الحجم يحررها منشئها وحده، ثم انضم إليه أديب بك إسحاق الدمشقي الذي كتب فيها سنةً كاملة وتركها. وفي عامها الثالث صارت أسبوعية في ثماني صفحاتٍ صغيرةٍ خالية من المواضيع المفيدة وطلاوة الأنباء الجديدة. وكانت مقالاتها منقولة على الغالب من الصحف المحلية أو المصرية أو الجوائب في الآستانة؛ فانحط شأنها، وسئم الناس من مطالعتها، واضطر صاحبها إلى تعطيلها في السنة الرابعة. وقد نظم فيها حينئذٍ القس لويس صابونجي هذا البيت المشهور:

إن التقدم دائمًا يتأخر
ما زال للشلفون اسم يذكر

ولبثت محتجبةً إلى بداية سنة ١٨٨١ فعادت إلى الظهور مرتَين في الأسبوع بأربع صفحاتٍ كبيرة، وصارت تُطبع في مطبعة القديس جرجس للروم الأرثوذكس بعدما كانت تُنشر في «المطبعة الكلية» لصاحب امتيازها يوسف الشلفون. وقد تولى حينئذٍ تحريرها أديب إسحاق للمرة الثانية بعد عودته من أوروبا وكان يدفع لصاحب الامتياز ستين فرنكًا في الشهر لقاء تنازله عن إدارتها له، فألبسها حلةً قشيبةً من البلاغة ورتَّب مباحثها وحسَّن مواضيعها حتى أقبل القوم على مطالعتها من كل البلاد العربية. وقد افتتحها بمقدمةٍ نفيسة جاء فيها ما نصه:

ولقد أتى على هذه الصحيفة حين من الدهر دُفنت حبة قصدها وجُرد غصن نفعها بما طرأ عليها من حوادث الأيام وعاديات الحدثان، ثم انجلت بهذا المظهر لم تنشأ من العدم البحت ولم تَبدُ بعد المحو المطلق، ولكن تقمَّصت من الحياة ثوبًا جديدًا.

figure

رسم عنوان جريدة «التقدم» في بداية نشرها.

وكان الشيخ إسكندر العازار مع اشتغاله في بنك «سرسق أبناء عم» يساعد صديقه أديب إسحاق في كتابة بعض فصول «التقدم» بدون توقيع اسمه على صفحات الجريدة، ومثل ذلك كان يفعل صديقه الآخر سليم نجار مدير أشغال محل مورك دالك. وبعد مرور سنة من التاريخ المذكور سافر أديب إلى مصر فخلفه في تحرير الجريدة جرجس بن ميخائيل نحاس، وانتقلت من بعده إلى عوني إسحاق، ولما كان عام ١٨٨٣ استلم تحريرها أديب للمرة الثالثة مدة شهورٍ قليلة حتى اشتدت عليه العلة التي ذهبت بحياته، فأخذ حينئذٍ الشلفون يصدرها مرة في الأسبوع بحجمٍ أصغر واشترك فيها معه رجلٌ لبناني يدعى يوسف جرمانوس. وإنما قلَّ إقبال الناس عليها لخلوها من مثل المقالات الشائقة التي كان أديب يدبجها ببراعة العسَّال. ودامت الحال على هذا المنوال ثلاثة أعوام تتنازعها عوامل البقاء والفناء حتى استلم إدارتها وتحريرها إسكندر بن جرجس طاسو ونجيب بن إبراهيم طراد البيروتيان، فأصدراها في ٣١ تشرين الأول ١٨٨٧ بحجم الجرائد الكبرى، وأنعشا فيها روح النهضة الأدبية. وفي ٧ شباط ١٨٨٨ عطلها نصوحي بك حاكم بيروت لمدةٍ غير معلومة؛ لأنها نشرت في اليوم السابق عباراتٍ موجبة لتهييج الأفكار، ثم صدر العفو عنها وعاشت إلى أواخر سنة ١٨٨٩ بإدارة إسكندر طاسو المشار إليه. وقد جرت بين «التقدم» لا سيما في عهد أديب إسحاق وبين جريدة «البشير» للآباء اليسوعيين مناقشاتٌ طويلة لاختلافهما في المبادئ على قضية «التعليم الإلزامي» بالمدارس العلمانية في فرنسا، فإن الأولى كانت في أعوامها العشرة الأخيرة من الصحف الحرة التي تضرب على وتر الأفكار العصرية، بينا الثانية تُحافظ أشد المحافظة على التقاليد الكاثوليكية بكل معنًى من معاني الكلمة. ولما قرظ اليسوعيون في بشيرهم كتاب «الدرر» لأديب إسحاق شهدوا لمؤلفه بآداب المناظرة وهذا ما كتبوه١ بالحرف الواحد:

ومما يمدح به أنه في جداله معنا لو قابلناه مع كتَّاب بعض الجرائد وجدناه متعاليًا عنهم في عدم تطويح قلمه مثلهم فيما يشينهم من السفاهة والطعن الشخصي؛ فكان الأجدر بأصحاب أديب كتبة هذه الجرائد خصوصًا أن يقتفوا أثره في جدالهم معنا.

figure

الشيخ إسكندر العازار؛ المحرر في جريدة «التقدم» سابقًا وصاحب امتياز جريدة «صدى البرق».

figure

السيد عبد القادر قباني؛ صاحب امتياز «ثمرات الفنون» (رسمه عند تأسيس الجريدة).

ثمرات الفنون

صحيفةٌ أسبوعيةٌ سياسيةٌ علميةٌ أدبية أنشأتها «جمعية الفنون» المؤلَّفة من بعض أدباء المسلمين وأعيانهم برئاسة الحاج سعد ابن السيد عبد الفتاح حمادة، وفوَّضت إدارتها لصاحب امتيازها السيد عبد القادر قباني أحد أعضاء الجمعية المذكورة، وهي أولى الجرائد الإسلامية في بيروت وثانيتها في السلطنة العثمانية بعد «الجوائب» في الآستانة. وكانت ثمرات الفنون في بداية عهدها شركةً مساهمة تتألف من اثني عشر سهمًا وقيمة كل سهم ألفان وخمسمائة غرشًا، وهي من هذا القبيل باكورة الصحف العربية خلافًا لما رواه جرجي زيدان٢ من أن جريدة «اللواء» المصرية كانت أول جريدةٍ عربيةٍ مساهمة، إلا أن «جمعية الفنون» لم يطل عمرها لحلول روح الحسد في بعض النفوس واندفاعها إلى معاكسة الجمعية التي دخلت في خبر كان عند وفاة مؤسسها الحاج سعد حمادة، فانتقل اسم الجريدة ومطبعتها إلى صاحب الامتياز الذي جعل قبلته خدمة الأمة الإسلامية والجامعة العثمانية، وكثيرًا ما افتتح الاكتتابات على صفحات جريدته في سبيل الإعانات الخيرية والوطنية، وأهمها اكتتابان أحدهما لإعانات عائلات غرقى الباخرة «أرطغرل» العثمانية في مياه اليابان، والآخر لمشروع السكة الحديدية الحجازية.

وكان صدور العدد الأول من «ثمرات الفنون» في ٢٠ نيسان ١٨٧٥ فتولى كتابتها رهط من أفاضل المحرِّرين والمترجمين وهم: الشيخ يوسف الأسير الأزهري، والشيخ إبراهيم الأحدب، وإسماعيل ذهني بك محاسب جي حكومة لبنان سابقًا، وسامي قصيري، وعوني إسحاق، وسليم بن عباس الشلفون، وإسكندر بن فرج الله طراد، والشيخ أحمد حسن طبارة، والحاج محمد محمود الحبال وغيرهم. وفي شهر تشرين الثاني ١٨٨٩ كبرت حجمها فصارت أعمدتها ١٦ بعد أن كانت ١٢ فقط، وفي ١٢ آيار ١٨٩٩ جرى الاحتفال بعيدها الفضي احتفالًا زاهيًا بأهل الفضل والوجاهة تقديرًا لخدمة صاحب امتيازها ورئيس تحريرها المشار إليه، فنشرت الجرائد عبارات الثناء وعدت ذلك حادثًا تاريخيًّا للصحافة العربية، وفي تلك الأثناء صدرت بثماني صفحات وكانت تصدر في أربع فقط، وبعدما كانت صفحاتها الثماني تتألف من ٢٤ عمودًا صارت ٣٢ عمودًا، وعلى أثر ما أحرزته هذه الجريدة من المكانة بخطتها الوطنية ودَّعت عالم الصحافة يوم الاثنين الواقع في ٢ تشرين الثاني ١٩٠٨ بالغة العام الرابع والثلاثين لعهد نشأتها.

وكانت للمسلمين ثقةٌ عظيمة بهذه الصحيفة التي بقيت لسان حالهم مدةً طويلة لا سيما بعد احتجاب «الجوائب» في الآستانة، فكانوا يطالعونها من جميع الجهات؛ لأنها كانت تنشر أخبارهم وحوادث ممالكهم وأحوال شعوبهم في مشارق الأرض ومغاربها، وتدعوهم لطاعة أمير المؤمنين والالتفاف حول عرش الخليفة، وكثيرًا ما جرت المجادلات بينها وبين بعض الصحف كالجوائب لأحمد فارس والبشير لليسوعيين، أما الجوائب فنظرًا لسفاهة عباراتها فقد أعرضت عنها «ثمرات الفنون» وتركتها وشأنها، وجريدة «البشير» معروفة بتعصبها للدين الكاثوليكي كما أن «ثمرات الفنون» موصوفة بتعصبها للدين الإسلامي، وكان أهم جدال بين هاتين الصحيفتَين يتناول مسألة «النخاسة» التي قررت دول أوروبا إلغاءها من شمال أفريقيا وما وراءها من الصحراء على يد الكردينال لافيجري، فاستحسنت «ثمرات الفنون» هذا الرأي، ولكنها خشيت أن يكون القصد منه تنصير القبائل الإسلامية في تلك الأصقاع وبسط الحماية الأوروبية عليها، فذهب «البشير» غير هذا المذهب بحجة أن عمل الكردينال لافيجري هو محض خدمة لخير الإنسانية وأن لا علاقة لذلك بالدين والسياسة.

وعقيب إعلان الدستور في الدولة العثمانية سنة ١٩٠٨ جاهر السيد عبد القادر قباني صاحب «ثمرات الفنون» بما يأتي وحبذا القول: «إن مسئولية أصحاب الجرائد في زمن الدستور أعظم منها في دور الاستبداد، ولذلك يلزم أن يقوم بتحرير كل جريدة نخبة من الكتَّاب من جميع العناصر للمحافظة على تأليف وحدةٍ عثمانية من عناصر الوطن؛ فتعتز الجامعة العثمانية بهذه الوحدة. ولا أقدر من الجرائد لتحقيق هذه الأمنية التي هي روح الدستور إذا اتفق كتابها على التفاهم والتحابِّ ونبذ كل ما يدعو إلى سوء التفاهم.» ولعل عدم فوزه بهذه الأمنية حمله على إهمال نشر الجريدة.

الفصل الثالث: أخبار جرائد بيروت من سنة ١٨٧٧ إلى سنة ١٨٨٥

لسان الحالجريدةٌ سياسيةٌ تجاريةٌ علميةٌ زراعيةٌ صناعية ظهرت في ١٨ تشرين الأول ١٨٧٧ لصاحب امتيازها خليل سركيس، فجرت منذ أول نشأتها حتى الآن على خطة الاعتدال والمسالمة وعدم التشيع إلى عنصر دون آخر، فاشتهر أمرها بذلك ونالت ثقة القريب والبعيد وأقبل الناس على مطالعتها من جميع الملل والنحل، وبين مشتركيها عددٌ كثير يرتقي عهد اشتراكه فيها إلى أول ظهورها بلا انقطاع، وذلك برهانٌ جلي على ميل الناس إلى هذه الجريدة القديمة التي عُرف منشئها بشيخ الصحافيين وانتدب مرارًا لفصل الاختلافات الطارئة بين أهل مهنته في حاضرة بيروت. وقد ظهرت في بدء عمرها صغيرة الحجم، ثم أخذت تنمو وتتحسَّن تبعًا لسُنَّة الارتقاء الطبيعي حتى بلغت الحد الذي يمكن لجريدةٍ وطنية أن تبلغه في هذا الزمان، وكانت أولًا نصف أسبوعية، ثم صارت تصدر ثلاث مرات في الأسبوع، ثم أربع مرات في الأسبوع، حتى انتهى بها الأمر في ٢٣ أيلول ١٨٩٥ أن تصدر بمظهرها اليومي، ومن ذاك العهد أصدرت عددًا أسبوعيًّا يتضمن خلاصة حوادث الأسبوع وأخباره المهمة. ومن مزايا هذه الجريدة أنها اقترحت مرارًا على المتأدبين وأساطين اللغة أن يضعوا ألفاظًا ترادف بعض التعابير الأجنبية وينحتوا منها ألفاظًا تكون على أوزان الأسماء العربية، فصادف اقتراحها استحسان المشتغلين باللسان العربي. وهكذا درجت بالاستعمال ألفاظٌ كثيرة أقرَّها الأدباء في كتاباتهم، أما الذين تولوا تحرير «لسان الحال» مع صاحب امتيازه فهذه أسماؤهم مرتبة بحسب التاريخ واحدًا بعد الآخر: المعلم جرجس زوين – الشيخ يوسف الأسير – أمين أفرام البستاني – يوسف قيقانو – سليم سركيس – نجيب المشعلاني – الدكتور رزق الحداد – المعلم إلياس بهنا – المعلم عبد الله البستاني – المعلم رشيد عطية – سليم بن عباس الشلفون – سعيد فاضل عقل، وهو المحرر الحالي مع يوسف قيقانو المشار إليه.

figure

خليل سركيس — صاحب امتياز جريدة «لسان الحال» ورئيس تحريرها؛ (رسم صورته التي أهديت له في يوبيل «لسان الحال» الفضي).

ومواد «لسان الحال» تشتمل اليوم على المواضيع الآتية: في الصفحة الأولى مقالةٌ افتتاحيةٌ سياسية أو عمرانية ثم أخبار بريد أوروبا وخلاصة أقوال صحف الكون، وفي الصفحة الثانية الأنباء البرقية والأخبار المحلية ومراسلات الجهات، وفي الصفحة الثالثة أسعار التجارة والقراطيس المالية وحركة البواخر وأحوال ميزان الحرارة والمطر وفصل من رواية تهذيبية يستطيع قراءتها كل إنسان لخلوها من كل ما يشين الآداب، والصفحة الرابعة مختصة بالإعلانات الكثيرة على اختلاف أنواعها. وهي مطبوعة طبعًا نظيفًا وحروفها مصنوعة في المسكب الخاص بالجريدة، وفي فرصٍ شتى ظهرت مزينة بالرسوم والنقوش التي تستحق الوصف المخصوص.

figure

سليم سركيس؛ المحرر في جريدة «لسان الحال» سابقًا وجريدة «المؤيد» المصرية ومنشئ صحيفة «الأرز» المدرسية في عين زحلتا، و«المشير» في الإسكندرية والقاهرة و«رجع الصدى» في لندن، و«الراوي» في نيويورك، و«البستان» في بوستون، وأخيرًا «مجلة سركيس» في القاهرة؛ (رسمه بالملابس العربية).

figure

رامز سركيس؛ مدير جريدة «لسان الحال».

واشتهرت هذه الجريدة في العالم الأدبي بأخبارها الصادقة ومباحثها المفيدة ومبادئها الشريفة وإخلاص خدمتها للوطن، يشهد على ذلك إقبال القوم على مطالعتها وتزاحم باعة الجرائد على باب إدارتها صباحًا ومساءً لمشترى النسخ العديدة منها، وما عابها في أكثر أدوار حياتها قبل إعلان الدستور العثماني سوى مبالغتها في محاسنة الحكومة ومدح المأمورين الخائنين مدفوعةً إلى ذلك بحكم الضرورة ومراعاة أحوال الزمان، أما اليوم فإنها أطلقت للقلم عنان الحرية وجاهرت على صفحاتها بانتقاد أعمال الحكام مع وجوب تعميم الإصلاح في السلطنة عمومًا وبيروت خصوصًا تحت ظل الراية العثمانية.

وفي ١٧ أيلول ١٨٩٥ نكبت باحتراق بنايتها الواسعة فالتهمت النار مطابع الجريدة والحروف والكتب وصناديق المرتبين وسائر المطبوعات الباقية هناك منذ سبع وعشرين سنة، ولا تسل عما كان فيها من الأوراق على اختلاف أجناسها ومن الحبر والرصاص والقماش وغيره من لوازم المطابع، فلم يبقَ من ذلك كله سوى هيكل مطبعتين بخاريتين ومطبعة يد ومطبعةٍ حجرية، ولم يسلم من المطبعة سوى مكتب الإدارة ودفاترها، فكان ذلك خسارةً عظيمة على صاحبها تُقدر بمائة ألف فرنك.

وفي ٢٢ نيسان ١٩٠٤ جرى الاحتفال بيوبيل الجريدة الفضي فأُهديت لمنشئها التحف النفيسة والتقادم المالية والقصائد الرنانة إقرارًا بفضله. وبهذه المناسبة جُمعت تقاريظ الأدباء وأقوال الجرائد في كتاب خاص يتألف من ١١٥ صفحة، ومن جملة تلك القصائد نثبت هذه الأبيات الرقيقة التي نظمها الشيخ إسكندر العازار وفيها يعتذر عن الاشتراك في الاحتفال بداعي ألم في عينَيه:

حل في العينين إنذار العمى
فأنا في سجن بيتي مختبي
حرمتني شقوة الطالع من
مشهد مذ ربع قرن مطلبي
لي بحرماني قصاص ثم لي
من شقاء الحال ما يشفع بي
يا لسان الحال ها تهنئة
من قريضٍ بالعيا مضطرب
من صديق عرسك الفضي في
سفر ناديه اسمه لم يكتب
أنت وجه حسن لكنما
نحن فيه حبة من حلب
بي أنا أفديك لا غير فقد
رحم الرحمن أمي وأبي
نفع الله بكم أمصارنا
وبجمع الرصفاء النجب
وأرانا الذهبي المشتهي
نخلط الجد به باللعب
أنت بالعكاز تمشي وأنا
أسكب الفضة فوق الذهب
هي كأس سر من يشربها
وهي أيضًا سر من لم يشرب

figure

يوسف قيقانو؛ أحد محرري «لسان الحال» ومترجم روايات مجلة «ديوان الفكاهة».

ولخليل سركيس روزنامة سنوية يرتقي عهد ظهورها إلى سنة ١٨٦٩ تُعرف بالروزنامة السورية، وهي من أقدم جميع التقاويم السنوية التي برزت في لغة العرب بعد تقويم مجلة «مجموع فوائد» التي سبق ذكرها، فكانت هذه الروزنامة في بادئ أمرها تُطبع بالمئات فزادتها السنون والأيام رواجًا وإقبالًا حتى صارت تُطبع بعشرات الألوف، وهذا دليلٌ كبير على ثقة الشعب بها واعتماده على ضبطها وإتقانها وإحصاءاتها وسائر مضامينها المفيدة، وما قلناه عن الروزنامة نقوله عن «مفكرة لسان الحال» السنوية المشهورة.

figure

سعيد فاضل عقل؛ أحد محرري «لسان الحال» حالًا و«صدى المكسيك» و«الأحوال» و«البصير» سابقًا.

ومنذ سنتين نيطت إدارة الجريدة وشئون مطبعتها برامز سركيس نجل صاحب الامتياز لاحتياج والده إلى بعض الراحة من عناء الأعمال التي أثرت في جسمه وتعاطاها مدة خمسين سنة بلا انقطاع. ورامز سركيس هو شاب نشيط زكي الفؤاد أخذ عن أبيه كل الصفات المحمودة لا سيما محبة الوطن وخدمة المعارف والصدق في المعاملات والانصباب على الأشغال وحسن السلوك بين الناس. ولا غرو فأحسن ما يقال فيه: «إن هذا الشبل من ذاك الأسد»، وله على صفحات «لسان الحال» كتابات شائقة تدل على سلامة ذوقه في صناعة التحرير والتحبير.

المصباحاسم لجريدةٍ سياسيةٍ تجاريةٍ علميةٍ أدبية ظهرت في غرة كانون الثاني ١٨٨٠ ثلاث مرات في الأسبوع لمنشئها نقولا نقاش، فكانت خطتها كاثوليكية وصبغتها مارونية تنشر أخبار هذه الطائفة وتدافع عن مصالحها، وبنوعٍ أخصَّ كانت لسان حال المطران يوسف الدبس رئيس أساقفة بيروت الماروني الذي لا تُنكَر مساعدته المادية لها من أول نشأتها حتى أدركته المنية، وقد قدَّرتْ فضله عليها فكانت تنطق في كل فرصة بالثناء عليه، ولما جرى الاحتفال بيوبيله الأسقفي الفضي أصدرت عددًا ممتازًا في ٢٠ آذار ١٨٩٧ يتضمن رسم المطران المشار إليه والفصول الطويلة عن ترجمته وأعماله، وقد نظم فيها الشاعر البيروتي مصباح رمضان هذين البيتَين:

هذي صحيفة أخبار لقد بزغت
من أفق عصر تسامى فيه إصلاح
كأنما هي مشكاة وأحرفها
ليل ومفهومها للعقل مصباح

جان بك نقاش صاحب الامتياز الثاني لجريدة «المصباح».

وللشاعر الدمشقي جبران البحري ثلاثة أبيات أيضًا ضمنها تاريخًا لصدور «المصباح» وهي:

سطع المصباح في أفق النهى
وظلام الجهل فيه انقرضا
ونفى الشر وبالخير أتى
وأصاب السهم فيه الغرضا
ولسان العصر نادى أرخوا
قد بدا مصباح خيري وأضا
سنة ١٨٨٠ ميلادية

وفي كل أدوار حياته اشتهر «المصباح» ببلاغة الإنشاء فيما كان ينشر على صفحاته من اللمع السياسية والمقالات الأدبية والفصول الاقتصادية والآثار العدلية، وكان أكثر قرائه والمشتركين فيه من اللبنانيين، ولذلك كان يكثر من المباحث المتعلقة بشئونهم في الوطن والمهجر، ولما توفي بطل لبنان يوسف بك كرم في ٨ نيسان ١٨٨٩ منفيًّا في مدينة نابولي رثاه «المصباح» بمقالةٍ رنانة لم تُرق في عيون أرباب الحكومة فصدر الأمر بتعطيله، وكانت المقالة المذكورة مفتتحة بهذه الأبيات:

مَن للشجاعة مَن للسيف والقلم
مَن للمهمات مَن للضيف والكرم
لقد مضى ذلك الشهم الذي اشتهرت
آثاره الغر بين العرب والعجم
يا لهف لبنان بل يا لهف طائفة
عن مثله عقمت فلتبكه بدم

figure

أنطون بك شحيبر؛ المحرر في جريدة «المصباح» سابقًا.

وعند احتضار نقولا نقاش عام ١٨٩٤ تحول امتياز الجريدة ومطبعتها باسم نجله جان بك نقاش الذي جرى على خطة والده، وأشهر الكتاب الذين تولوا تحرير «المصباح» تباعًا في عهد صاحبيه المشار إليهما هم: المعلم جرجس زوين وبولس زين والشيخ خطار الدحداح وسليم نقاش وأديب إسحاق وأنطون شحيبر وداود نقاش وسليم الشلفون. ولما كانت أشغال المحاماة التي ورثها صاحب الامتياز الثاني عن سلفه تستغرق أكثر أوقاته سلَّم إدارة الجريدة وتحريرها في ٢٨ آب سنة ١٨٩٩ لإبراهيم بن سليم نجار، فأصدرها النجار أسبوعية على نفقته وحسابه بحجمٍ أصغر من حجمها الأول في ١٦ صفحة. وكان «المصباح» في عهده أنطق الصحف وأجرأها حتى إن جرأته هي التي جنت عليه؛ فتعطل عقب مقالةٍ إصلاحية انتقد فيها أعمال بلدية بيروت وما فيها من الخلل، وبعد الإفراج عنه أعاد جان بك إصداره في أربع صفحاتٍ كبيرة مدة سنتَين، وفي عام ١٩٠٣ أناط إدارته وتحريره بالمرحوم نجيب حبيقه وإلياس جدعون، فتبع هذان خطة إبراهيم نجار تمامًا، ولكن بلهجةٍ معتدلة، ومع ذلك فإنهما لم يسلما من شدة ضغط مراقب المطبوعات الذي عطل الجريدة؛ لأنهما لم يدفعا له ما يبهر نظره عنهما. وبعد ذلك بقي «المصباح» محتجبًا حتى إعلان الدستور سنة ١٩٠٨ في الدولة العثمانية، فأصدر منه صاحب الامتياز بعض أعداد في ٤ صفحاتٍ صغيرة، ولم يزل معطلًا من ذاك العهد.

وقد تلقى جان بك نقاش دروسه في كلية الآباء اليسوعيين، ثم انتقل إلى «مدرسة الحكمة» فقرأ علم الحقوق على والده وعلى الشيخ يوسف الأسير ونال الشهادة في ذلك، وسنة ١٨٨٨ صار يتعاطى مع والده فن المحاماة حتى تعيَّن سنة ١٨٩٧ عضوًا في محكمة استئناف ولاية بيروت، فخدم هذه الوظيفة أربع سنين ثم عاد إلى معاطاة فن المحاماة، وألَّف كتاب «مغني المتداعين عن المحامين» ونال الرتبة الثانية مع الوسام العثماني الثالث من الحكومة العثمانية، وأحرز وسام «محامي القديس بطرس» من الجمعية المعروفة بهذا الاسم.

الهديةهي نشرةٌ شهريةٌ دينية ذات صفحتَين صغيرتَين ظهرت في بادئ أمرها باسم «هدية إلى أولاد مدارس الأحد الأرثوذكسية» على مثال صحيفة «كوكب الصبح المنير» للبروتستانت في بيروت، غير أن الأولى كانت أصغر حجمًا من الثانية وخاليةً من التصاوير. وأنشئت «الهدية» في عهد السيد غفرئيل شاتيلا مطران الروم الأرثوذكس وبإيعازه، فصدر عددها الأول بلا تاريخ، ثم ظهر العدد الثاني مؤرخًا في غرة كانون الثاني ١٨٨٣، ثم العدد الثالث في شهر شباط وهلم جرًّا. وظلت تصدر بهذه الهيئة مدة ثلاثة أعوامٍ كاملة وتنشر قصصًا وحوادثَ دينية توافق ذوق الأولاد التي كانت تُهدى إليهم. وكانت تديرها «جمعية التعليم المسيحي الأرثوذكسية» ويُحرِّر فيها تبرعًا منهم بعض أعضاء هذه الجمعية الذين نذكر منهم: خليل عطية ووديع فياض وسامي قصيري وفضل الله أبي حلقة وغيرهم، وكان الشيخ إسكندر العازار معتنيًا بالشئون الجدلية وكتابة مقالاتها.

وفي بدء عام ١٨٨٦ أُطلق عليها اسم «الهدية» فترقَّت أحوالها وتحسَّنت مواضيعها وصارت تصدر في الشهر مرتَين بهيئة شبه مجلة، فتولَّت تحريرها لجنة أيضًا من «جمعية التعليم المسيحي» تتألف من الشماس غريغوريوس حداد (هو غبطة البطريرك الأنطاكي حالًا) ويوسف بن توماترزي الحائز على شهادة اللاهوت من مدرسة خالكي في الآستانة والشيخ رشيد نفاع اللبناني، وفي أواسط تلك السنة استقال الأخيران من تحريرها وبقي الشماس غريغوريوس وحده ينشئ فصولها، ثم أضيف إليه الشماس جراسيموس مسرة (سيادة مطران بيروت حالًا) واعظ الكرسي الأنطاكي حينئذٍ بصفة مراسل في دمشق، وفي أثناء ذلك جرت المناظرة المشهورة بين «الهدية» وجريدة «البشير» على موضوع «رئاسة القديس بطرس» وسواه من المواضيع المختلف عليها بين الأرثوذكس والكاثوليك كعصمة بابوات رومة وسعادة القديسين والمطهر وغيرها. وكان لهذه المناظرة شأنٌ كبير من الوجهتَين الدينية والتاريخية بحيث أفرغ كلٌّ من الفريقَين المتناظرَين جهده لتأييد دعواه بالأدلة التي توافق تعليم كنيسته.

figure

الشيخ رشيد نفاع؛ أحد المحررين في جريدة «الهدية».

وفي بداية سنة ١٨٨٧ صدرت «الهدية» مرَّة في كل أسبوع ولبثت إدارة تحريرها بيد الشماس غريغوريوس حداد، وقد زاد احتدام الجدال حينئذٍ بين الصحيفتَين المار ذكرهما؛ فاضطرمت نيران المناظرة واشتدَّ سعيرها حتى انقطع الجدال أخيرًا بمداخلة بعض أصدقاء الطرفَين وعقلاء الطائفتَين الكاثوليكية والأرثوذكسية. وفي فاتحة عام ١٨٨٨ استقال الشماس المشار إليه من إدارة شئون الجريدة وتحريرها، فتولاها بعده الشيخ رشيد نفاع مدة سنتَين كاملتَين، وكانت مواضيعها ما بين دينية وعلمية وتاريخية وسواها ما خلا السياسة. وفي أواخر سنة ١٨٨٩ جرت تلك المناظرة الشهيرة بين «الهدية» وجريدة «النشرة الأسبوعية» للبروتستانت على مواضيع شفاعة القديسين والصلاة لأجل الموتى وغيرها، وبعد ذلك بوقت قصير توقفت الهدية فظهرت بدلًا منها مجلة «المنار» لصاحب امتيازها الشماس أرسانيوس حداد مطران اللاذقية حالًا، وسيأتي الكلام عن «المنار» في جزءٍ آخرَ من هذا التاريخ.

وكانت «الهدية» ثانية الصحف الدينية التي أنشأها أبناء الطائفة الأرثوذكسية بعد جريدة «المهماز» المارِّ ذكرها، ومن مميزاتها أنها أنعشت في قلوب الأرثوذكسيين روح النهضة الأدبية وحملتهم على التنقيب عن مفاخر أجدادهم وعتائق تواريخ كنيستهم، ومن ذلك الحين انتشرت عندهم أكثر من سائر الطوائف الشرقية الصحف الدينية الرسمية وهي: «المنار» و«المحبة» في بيروت و«الكنيسة الأرثوذكسية» في القاهرة و«الكلمة» في نيويورك و«النعمة» في دمشق و«حمص» في حمص و«بشير فلسطين» في القدس الشريف.

منشور في مؤسسة هنداوي مع تصرف اوردناه بين قوسين (….)

حواشي البحث

1_ زيتون. د. جوزيف ( موقعنا هنا)

2_ زيتون . جوزيف سيرة القديس يوسف الدمشقي في موقعنا وفي كتابنا “الآسية مسيرة قرن ونصف 1840-1990) دمشق 1991

3_ المصدر ذاته

 

 

 

 

  • Beta

Beta feature

  • Beta

Beta feature

  • Beta

Beta feature

  • Beta

Beta feature

  • Beta

Beta feature

  • Beta

Beta feature

  • Beta

Beta feature

  • Beta

Beta feature

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *