معمودية الروس الجماعية والمطران ميخائيل السوري يعمدهم

تجذر الايمان الارثوذكسي من انطاكية الى روسيا

تجذر الايمان الارثوذكسي من انطاكية الى روسيا

لا ينسى الروس تاريخ ولادتهم بالمسيح كأمّة في العام 988، حين اعتنق أميرهم فلاديمير الأرثوذكسية وأرسل في طلب أسقفٍ ليقوم بتعميد وتعليم الشعب أصول ديانتهم وأسرار عبادتهم، فجاءهم المطران السوري ميخائيل، والذي أعلنوه أحد أكبر قديسي كنيستهم، إذ كان هو من أرسى قواعدها ونظم أحوالها، حيث أقبل عليه الناس زرافات ووحداناً طالبين المعمودية، فاختار منهم شمامسة وكهنة وأساقفة ليعتنوا بهذه الكنيسة الناشئة. كما أنهم على تعدد مشاربهم وتنوع متاربهم لا ينسون أن أول بطريرك تطأ قدماه الأرض الروسية هو الأنطاكي من برج صافيتا في سورية، البطريرك يواكيم الخامس، الذي حطّ رحاله في موسكو عام 1586، فلقي استقبالاً عزّ نظيره ووكان المساهم الاكبر في منح الكنيسة الروسية منصب بطريركية موسكو.

وكم تركت في نفوسهم من الأثر تلك الزيارة التاريخية التي قام بها إلى بلادهم عام 1913 البطريرك الأنطاكي غريغوريوس الرابع حداد، حيث هبّوا جميعاً لاستقباله بأكثر الترحاب، وعلى رأسهم القيصر حسن العبادة نيقولاوس الثاني.

القيصر الروسي نقولا الثاني والقيصرة وطفلهما
القيصر الروسي نقولا الثاني والقيصرة وطفلهما

الامطوش الانطاكي في موسكو

في العام 1842، رزحت البطريركية الأنطاكية تحت ضائقة مالية محزنة، فأرسل بطريركها إلى موسكو مبعوثاً منه المتروبوليت نيوفيتوس حلبي مطران هليوبوليس، حاملاً رسالة تصف الوضع الصعب والمشاكل الخطيرة الأخرى، لا سيما الافتقار إلى المدارس والجمعيات الخيرية. فاقترح مطران موسكو فيلاريت (+1867) على المجمع المقدس للكنيسة الروسية التبرع بكنيسة، بالقرب من الكرملين للبطريركية الأنطاكية، من أجل تعزيز الأرثوذكسية في سورية ولبنان. وبالفعل تم في عام 1848 قبول اقتراحه لدى المجمع الروسي والقيصر، فتأسس بذلك الأمطوش الأنطاكي في موسكو.
البطريرك الكسندروس طحان الدمشقي
البطريرك الكسندروس طحان الدمشقي
من أهمّ الذين تسلّموا رئاسته، نخصّ بالذكر: مطران بيروت لاحقاً ومعلم المتروبوليت أثناسيوس، غفرئيل شاتيلا الدمشقي (1860-1870)،
غفرئيل شاتيلا الدمشقي اول معتمد انطاكي في الامطوش
غفرئيل شاتيلا الدمشقي اول معتمد انطاكي في الامطوش

وثلاثة من تلامذة المتروبوليت أثناسيوس: الدمشقي ألكسندروس طحان (1899-1902)، والحمصي أنطونيوس مبيض ( 1907-1919) والقديس رفائيل هواويني الدمشقي، الذي بالرغم من قصر مدة رئاسته الأمطوش (1889-1893)، إلّا أنها كانت مثمرة للغاية. ليس أنه قد سدّد معظم الديون المتراكمة على الأمطوش فحسب، بل إنه قد أرسل إلى مختلف مطارنة الأبرشيات لينتدبوا المتفوقين من مدارسها للدراسة في جامعات وأكاديميات روسيا على نفقة الأمطوش حتى التخرج والعودة إلى الوطن ليفيدوا بعلومهم الأبرشيات التي منها جاءوا، وكان عدد من بفضله درسوا هناك 27، من طرابلس وبيروت والقدس ودمشق – موطنه، وحمص – أبرشية أبيه الروحي ومعلمه.

المطران اثناسيوس عطا الله المتقدس
المطران اثناسيوس عطا الله المتقدس

الجمعية الامبراطورية الفلسطينية- الروسية الارثوذكسية

ولم يكتف القديس رفائيل بهذا، فإنه قد شاءها نهضةً أنطاكية شاملة، تطال جميع المدن السورية واللبنانية. وبحكم منصبه كرئيس للأمطوش، بل وبسبب شخصيته الفريدة وثقافته الواسعة وأخلاقه الدمثة، كانت له اتصالاتٌ واسعة مع مسؤولي البلاط والكنيسة في روسيا. وقد بدأ معهم مباحثات لجعل الجمعية الفلسطينية الأرثوذكسية، التي تأسست عام 1882 لدعم الأرثوذكسية في الأرض المقدسة، تمدّ نشاطاتها إلى لبنان وسوريا أيضاً، لا الإكتفاء بفلسطين وحدها. وبعد عامين ونيف من المباحثات الصعبة، تمكّن رفائيل من إقناع كبار الموظفين في الجمعية والدولة والكنيسة الروسية على تغيير رأيهم وتعديل خطتهم، وضرورة ضمَ أبرشيات الكنيسة الأنطاكية إلى نطاق عمل جمعيتهم الناشطة، خاصة في مجال التعليم. أصبح رفائيل نفسه عضواً فخرياً في الجمعية، و في عام 1893 تم تعيين بيلاجيف، الذي كان عضواً في لجنتها المركزية ونائب رئيسها، كأول قنصل لدولة روسيا في دمشق، بمثابة خطوة أولى للمضي قدماً في النشاطات الكثيفة المقبلة للجمعية في سورية، ما سيُحدث ثورة علمية غير مسبوقة في شتّى الأبرشيات الأنطاكية في سورية ولبنان، بعد أن كان نشاط الجمعية لسنوات محصوراً في فلسطين والبطريركية الأورشليمية.
القديس روفائيل هواويني
القديس روفائيل هواويني
في نفس العام (1893)، أنشأت الجمعية 14 مدرسة في فلسطين مقابل 3 مدارس في بيروت. في عام 1894، تولّت الجمعية مسؤولية 11 مدرسة في حمص. في عام 1895، إلى جانب مسؤولية الإشراف على 20 مدرسة في دمشق نفسها، أسست الجمعية 13 مدرسة جديدة في مناطق مختلفة من سوريا ولبنان، بينما أنشأت في العام التالي 13 مدرسة أخرى في سورية ولبنان، مقابل 3 مدارس فقط في الأرض المقدسة. بحلول عام 1899، كانت قد نجحت في إنشاء 65 مدرسة في فلسطين وسورية ولبنان، مع 7690 تلميذاً. من بين هذه المدارس، كانت هناك 30 مدرسة في بيروت وجنوب سورية (مع 3668 تلميذاً) و 12 في شمال سورية (مع 2948 تلميذاً)، مقابل 23 فقط في فلسطين (مع 1074 تلميذاً وتلميذة فقط). في عام 1900، في عهد بطريرك أنطاكية ملاتيوس (1899- 1906)، في سورية وحدها كانت هناك 68 مدرسة للجمعية الفلسطينية الأرثوذكسية (مع 9998 تلميذاً وتلميذة). وفي عام 1904، صارت للجمعية في فلسطين وسورية 87 مدرسة تضم 10225 تلميذاً وتلميذة.

البطريرك ملاتيوس الدوماني الدمشقي

البطريرك ملاتيوس الدوماني الدمشقي
البطريرك ملاتيوس الدوماني الدمشقي
كان ملاتيوس بطريركاً ومصلحاً كبيراً، فكان يعمل بجدّ من أجل نهضة البطريركية الأنطاكية، خاصة لتثقيف رجال الإكليروس في الكنيسة، بالاعتماد المباشر على الدعم المالي والمعنوي من الروس والجمعية الفلسطينية. بدءاً من المدرسة الإكليريكية الشهيرة في دير البلمند، التي أعاد فتحها في عام 1900، قام بتسليم مسؤولية معظم المدارس الأرثوذكسية في لبنان وسورية إلى الجمعية، وكان البطريرك نفسه عضواً فخرياً فيها وكذلك مطران حمص أثناسيوس. كما كان بيلاجيف نفسه في لجنتها المركزية بل ونائب رئيسها، وهو في آنٍ معاً القنصل الروسي في دمشق، مقر البطريركية، بل ومسقط رأس البطريرك.
البطريرك غريغوريوس حداد
البطريرك غريغوريوس حداد
مع انتخاب مطران طرابلس غريغوريوس بطريركاً (1906)، وهو نفسه عضو فخري في الجمعية الفلسطينية الأرثوذكسية لسنوات خلت، كان من الطبيعي أن تتعزّز أنشطة الجمعية في لبنان وسورية أكثر مما في الأراضي المقدسة. فبلغ عدد مدارس الجمعية 77 في سورية ولبنان، مقابل 25 فقط في فلسطين. وبإلإضافة إلى المدارس (مجموعها 102)، لتقديم التعليم مجاناً لجميع الطلاب والطالبات، كانت لدى الجمعية دارٌ للمعلمين في الناصرة وأخرى للمعلمات في بيت جالا، بل وعدة مستوصفات في القدس، وبيت جالا، وبيت لحم، والناصرة، وكذلك في دمشق وحمص، لتقديم الطبابة مجاناً لكل أبناء البلد بجميع مذاهبهم.
Metropolite Athanasiosبتصرف

 

  • Beta

Beta feature

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *