تعميد ابناء المثليين

تعميد أبناء المثليين

تعميد أبناء المثليين

 تعميد أبناء المثليين

الأب أنطوان ملكي

انتشرت ردود الفعل على خبر تعميد رئيس أساقفة أميركا لطفلين من أمٍّ بديلةٍ يدّعي أبوَّتهما رجلان يعلنان ارتباطهما بزواجٍ مِثلي، من هذه الردود ما هو جَدّي ومنها ما هو انفعالي، مع أو ضد ما حدث. إن مناقشةَ شرعيةِ ما حدثَ ليس هو موضوعَ هذا المقال، على الرغم من عدم احترام الشكل المطلوب للتعميد في الكنيسة الأرثوذكسية.
بغض النظر عن التأثيرات السياسية والاجتماعية التي لهذه المعمودية، والفضيحة التي أثارتها بين المؤمنين، فإن هدف هذا المقال هو التوقف عند ردود الفعل العواطفية التي يطرحها البعض، عن جهل أو عن سوء نية، كالتساؤل عما إذا كان يحق لأي كاهن أن يمنع المعمودية عن طفل، أو ماذا عن معمودية أطفال الزنى، وغيرها. بالإضافة إلى ذلك، لا بدّ من التوقف عند دعوات البعض للكنيسة لاتخاذ موقف “تقدمي” والبحث عن طريقة صحيحة لتعميد “الأطفال” الذين يُحشَرون في الزواج المثلي.
بداية، تنبغي الإشارة إلى أن تعميد الأطفال هو من المسلّمات في الكنيسة، وذلك منذ أيام الرسل. في أعمال الرسل تتكرر عبارة “اعتمد هو وأهل بيته” (أو “اعتمدت هي وأهل بيتها”). كما أن من الحجج التي طالما أورِدَت في الرد على رفض بعض البروتستانت تعميد الأطفال، قول إيرينيوس في ضد الهرطقات أن “المسيح قد أتى ليخلّص الجميع، الرضّع والأطفال والأولاد والشباب والشيوخ، الذين كلهم يولَدون به ثانيةً ويصبحون بالحقيقة أبناء الله”.
أول ردّ على الصادقين في عواطفيتهم، خاصةً الذين يدرِجون المعمودية بين حقوق الطفل، هو أن المعمودية كعملية تنقل الإنسان من خارج الكنيسة إلى داخلها، ليست عملية سحرية، ولا هي تدبير إداري محض. بل هي عملية لها شروطها المسبَقة حتى تحصل، وشروطها اللاحقة حتى تكتمل.
تستند معمودية الأطفال في الأصل إلى لاهوت الثالوث وتعليم الكنيسة عن العائلة. فمنذ التكوين، ترى الكنيسة أنه بالزواج يصير الرجل والمرأة جسداً واحداً. وكون العائلة أيقونة للثالوث، فإن الأبناء يصيرون من الجسد الواحد الذي للوالدَين. لهذا السبب، تأتي كل القوانين الكنسية التي تسمح بتعميد اللقيط عن زنى أو من الحروب أو من الاغتصاب، كتدبير مرتبط بالشخص الذي يطلب تعميد هذا الطفل والأمل المرافق بإمكانية نشوء هذا الطفل على الإيمان. يذكر السنكسار أن القديس ثيودوروس السيقي أسقف أناستاسيوبوليس هو مولود لامرأة اسمها مريم من زنى مع أحد رسل القيصر. لكن توبتها التي تبعت زناها وضعت ابنها على طريق القداسةِ التي بلَغَها بشهادة الكنيسة كلها.
لا تعرف الكنيسة معمودية أطفال من دون طَلَب الوالدَين أو مَن يقوم مقامهما. فقبول الأشخاص في الكنيسة هو أصلاً عمل الجماعة لا عمل أفراد. من هنا، لا يجوز إخضاع معمودية الأطفال الذين يُقَدَّمون إلى الكنيسة لعوامل عواطفية لا تقوم على الكتاب المقدس والتقليد، لئلا تكون مادة يستغلّها دعاة التفلّت وتشريع الشذوذ. كما لا يجوز التعاطي مع رفض هذه الحالات المستجدة كرفض للتقدم والحداثة، خاصةً في الكلام عن الإنجيل. حيث أن ناشطي الحركات الجنسانية والجندرية وداعميها، ومنهم أرثوذكسيون أصحاب اختصاص باللاهوت، كثيراً ما يتحدثون عن التقدمية في الإنجيل. الحقيقة هي أنه لا يمكن وصف الإنجيل بالقديم ولا بالتقدمي. إما أن نقبل الإنجيل أو نرفضه. وذلك لا يكون استناداً للتفسيرات حسب الطلب والرغبة. في الكنيسة الأرثوذكسية، فسّر آباء الكنيسة الإنجيل وتركوه لنا كإرث يُظهِر لنا مسيرتنا خلال حياتنا هنا على الأرض. سيبادر البعض بالقول بأن هذا الموقف يجمّد الإنجيل ويحرّم التفسير اليوم وغداً. هذا ليس صحيحاً ولا هو القصد، فالإنجيل هو مرجع المؤمن أمام ما يواجهه من أسئلة حياتية، فيفسّره ضمن منطق وخبرة وطريقة التقليد المقدس، مع التشديد على الخبرة، بروح صلاةٍ واتضاع، لا بطرائق ومنهجيات وافتراضات عقلية.
من هنا، فالأسئلة التي ينبغي معالجتها في قضية “أبناء” المثليين، ليس محورها الأطفال بل البالغون المحيطون بالأطفال. نشأت عملية الاستعانة بـ “الأم البديلة” كحاجة طبية، والكنيسة لم تقبلها كلياً. ألا تكون هذه العملية زنىً في حالة استفادة المثليين منها حيث لا سبب طبي يبررها؟ أليس امتهان بعض النساء مهنة “الأم البديلة”، وفق العرض والطلب، منافياً لموجب التوبة عن خطيئةِ مخالَفَةً الطبيعة؟ هل ارتباط شخصين من جنس واحد بعقد مدني يجعل هذا الارتباط زواجاً في الكنيسة، فيما هي تشترط على الرجل والمرأة المرتبطين بزواجٍ مدني أن يرتبطا بسر الزواج القدس لتقومَ بتعميد أولادهما؟ والأهم أن الإنجيل واضح بأن أي علاقة على خلاف الطبيعة مُدانة؟ كيف تكون معمودية الطفل فاعِلةً وهو موجود بين مجموعة من “مخالفي الناموس”، في حين أن العلوم النفسية والتربوية تحذّر من المشاكل الكبيرة التي تسببها بيئة كهذه للطفل؟ إذا كان “اقتناء” الأطفال من قِبَلِ المثليين أو أولئك الرافضين للزواج ليس مقبولاً كنسياً، أفلا يكون تعميد هؤلاء الأطفال تشريعاً لتلك السلوكيات الخاطئة؟) إن استخدام تعبير “الاقتناء” في هذه الحالة لَهو أكثر دقة من استعمال عبارة “التبني” التي باتت تُستَخدَم حتى لوصف اقتناء الحيوانات الأليفة.
هل لدى الكنيسة إجابات دقيقة على هذه الأسئلة؟ نعم لديها، إنه خُلُقها (ethos)†. لا يمكن للقانونيين والسكولاستيكيين والدهريين أن يستوعبوا هذا الخُلُق. من ناحية أخرى، فإن موقف المؤمن هو التمسك بما تسلمته الكنيسة من الرسل والآباء وتوارثته عبر الأجيال.
من دون أي حكم على الأشخاص، لا مكان لاستدرار العواطف في هذه المواضيع، فهناك مجتمعات تنفق المليارات على الأسلحة والدمار دون رحمة، لكنها تنبطح أمام ادّعاء المثليين والمنحرفين المظلومية، لتعود إلى بطشها بالذين يرفضون الانصياع لأهواء هؤلاء. بالمنطق البشري، هذا هو النفاق بعينه، وهذا ما تسمّيه الكنيسة في تعليمها بالـ”خديعة”. الخديعة عمل الشيطان، وهي تُجابَه بالتمييز، ويستند التمييز إلى عقلٍ مستنيرٍ بالتناغم مع قلبٍ ممتلئٍ من نور المسيح.
† لفهم أوسع لفكرة الخُلُق الأرثوذكسي، أنظر في مجلة التراث الأرثوذكسي:
الأب بيتر هيرز. الصفة المميزة للمسيحي. https://www.orthodoxlegacy.org/?p=3340
خريستوس كاراذيموس. السمات المميّزة للروح الأرثوذكسية. https://www.orthodoxlegacy.org/?p=2604
الميتروبوليت إيروثيوس فلاخوس. مدخل إلى الأخلاق الأرثوذكسية. https://www.orthodoxlegacy.org/?p=569
د. قسطنطين سكوتيريس. أخلاقيات علم الحياة الاجتماعية وأخلاق علم الحياة المسيحية. https://www.orthodoxlegacy.org/?p=474
قد تكون صورة ‏‏‏٤‏ أشخاص‏ و‏طفل‏‏

 

 

 

 

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *