قبلة المحبة بين القديسين بطرس وبولس مؤسسي الكرسي الانطاكي المقدس

جولة افق في الحوار الأرثوذكسي – الكاثوليكي

جولة افق في الحوار الأرثوذكسي – الكاثوليكي

قال مثلث الرحمات البطريرك أغناطيوس الرابع:” إن الكنيسة الأرثوذكسية تعي بكل تواضع” ” أن الكنيسة التي اسسها المسيح ماتزال قائمة بملئها الكامل في الكنيسة الأرثوذكسية، إلا أنها تحمل في جسدها جراحات الانشقاقات عبر العصور، وتتألم وتصلي وتعمل ليكون الجميع واحداً، إذ أن من صُلْبِ إرادتها أن تجمع أبناء الله المتفرقين الى واحد(يو 11 : 52) حتى تكون رعية واحدة لراعٍ واحدْ (يو 16 : 10) هو الراعي الصالح الرب يسوع له المجد.”

– لقد اعتمدت كنيستنا الأرثوذكسية المقدسة الحوار سبيلاً الى الوحدة المسيحية، وكان أولاً الحوار غير رسمي ثم صار رسمياً مع الكنائس الشرقية القديمة، وكان كرسينا الانطاكي المقدس هو أول من دعا الى هذا الحوار الرسمي معها في مشرقنا في دير سيدة البلمند البطريركي السنة 1972.

استمر الحوار حتى اسفر عن إعلان شامبيزي سنة 1990 الذي أكّدّ اتفاق العائلتين الارثوذكسية والارثوذكسية الشرقيةعلى “إيمان واحد بالرب يسوع الإله التام الذي

الآباء الرسوليون
الآباء الرسوليون

صار إنساناً في اتحاد أقنومي بلا اختلاط أو انقسام ولاتغيّر ولا إنفصال…”

وجاء هذا الإتفاق أساساً لمتابعة الحوار بغية الوصول الى إعادة الشركة التامة بين العائلتين.

ثم اتخذ المجمع الانطاكي المقدس ومجمع السريان الأرثوذكس سنة 1991 على أثر ذلك تدابير رعائية تهدف الى توثيق العلاقات بين ابناء الكنيستين ورعايتهما ولاهوتيهما، بعنوان :” إتفاق بطريركي ومجمعي”

– أما الكنيسة الكاثوليكية فقد سعت في الماضي الى تحقيق الوحدة المسيحية عن طريق انشاء كنائس شرقية متحدة بروما. إلا أن تنيجة ذلك لم تكن سوى تعميق الإنقسامات، وإضعاف المسيحية الأرثوذكسية تحديداً على انها خصم يجب القضاء عليه واستلاب رعاياه.

إن الإنشقاق الكبير والمؤلم الذي حصل سنة 1054 م بعد قرنين سابقين من التباعد بين روما وروما الجديدة، لم ينشىء في حينه كنيستين كاثوليكية وأرثوذكسية، لأن الكنيسة الأرثوذكسية لم تنشىء لها أسقفيات في الغرب، ولا أنشأت الكنيسة الغربية أساقفة لها في الشرق، إلى أن جاء الغزاة الافرنج الى ديارنا ( أنطاكية وسائر المشرق واورشليم) فأضّروا بنا كنيسة وشعباً، وقد  بطشوا ببطاركتنا واساقفتنا واستبدلوا بطاركة انطاكية واورشليم بلاتينيين، فاعتلى ستة لاتينيين غرباء السدة الانطاكية، مقابلاً لبطاركتنا في التيه الإجباري، فتجدد معهم / أي الفرنجة/ الانشقاق على ارضنا المشرقية في أنطاكية وأورشليم…

بعد طردهم، قامت الإرساليات الغربية /بتنظيم من مجمع ترانت الفاتيكاني/ تسعى إلى اقتناص أولاد البيعة الارثوذكسية في مشرقنا الأنطاكي لضمهم الى كنيسة روما، وكان أولاً كثلكة أرثوذكس شبه الجزيرة الأيبيرية ( اسبانيا – البرتغال) والسواحل الشرقية الإيطالية حيث الوجود الأرثوذكسي مقابلاً لأرخبيل اليونان.

ثم اعتبرو المشرق الأنطاكي والأراضي المقدسة “أرض تبشير” كاثوليكي، ونشطت 70 رهبنة كاثوليكية مدججة بالمال والعلوم والطب واللاهوت  وبدءاً من حلب… واساساً من “القسطنطينية عاصمة ملة روم” بتحدٍ سافر للبطريركية المسكونية مدعومة بسفراء وقناصل الدويلات الكاثوليكية صاحبة النفوذ الكاثوليكي كفلورنسا والبندقية  ومن ثم حلت محلها الدول حين نشوئها وتحديداً فرنسا والنمسا…

وأنشأت باطناً وقبل الاعلان الرسمي كنائس شرقية متحدة بروما، أو بالأحرى خاضعة لها، بطاركتها يثبتون بقرار من بابا رومة، وعرف هذا الأسلوب في الاتحاد ب”الإتحادية  UnIAtIsMe                                                                         وكان آخرهم الروم “الكاثوليك” السنة 1724 فعلياً و1835 رسمياً.

في العصر الحديث / القرن 20

تسارعت الأحداث في الكنيسة الكاثوليكية، بعد أن دعا البابا يوحنا الثالث والعشرون الى عقد ” المجمع الفاتيكاني الثاني”، وكان من تيجته ان الكنيسة الكاثوليكية اعتمدت الحوار المسكوني لبلوغ الوحدة المسيحية بعد ان كانت قبلاً قد شجبت الحركة المسكونية…اطلق البطريرك المسكوني اثينا غوراس والبابا بولس السادس 1964 في اورشليم حوار المحبة، وفي هذا اللقاء التاريخي  والحج الى الارض المقدسة لكليهما، تم رفع الحرمات المتبادلة منذ 1054م، وكان تبادل الزيارات والرسائل ، وقام البابا بولس السادس بزيارة كنيسة الحكمة الالهية في اسطنبول، وكانت متحفاً (هي الآن جامع مع اردوغان) بتقبيل أرضها، لابل تقبيل قدمي المطران ميليتون الذي كان مرافقا له في زيارته من قبل البطريركية المسكونية ورئيس بعثة الشرف…

– في سنة 1979 تشكلت باتفاق البابا يوحنا بولس الثاني والبطريرك المسكوني ديمتريوس الأول، لجنة دولية مختلطة للحوار اللاهوتي بين الكنيستين، وحددت هذه اللجنة في اول اجتماع لها مفهوما مشتركاً للوحدة التي تسعى اليها، واسلوب الحوار ومقتضياته، فقررت أن هدف هذا الحوار هو “إعادة الوحدة الكاملة بين

قبلة المحبة بين القديسين بطرس وبولس مؤسسي الكرسي الانطاكي المقدس
قبلة المحبة بين القديسين بطرس وبولس مؤسسي الكرسي الانطاكي المقدس

الكنيستين على اساس وحدة الايمان وفقاً للخبرة المشتركة وتقليد الكنيسة الاولى.”

هذه الوحدة تجد تعبيرها في سر الأفخارستيا، الذي هو تكريس للوحدة متى تحققت.

ورأت اللجنة كذلك أن من مقتضيات الحوار اللاهوتي استمرار حوار المحبة الذي يساعد على حل الصعوبات، وان من المفيد إعادة النظر ببعض الأمور الشائكة مثل الاتحادية والاقتناص وسواهما.

– توقف الحوار اللاهوتي وبكل اسف، أو عُلِقْ، سنة 1989 قبل ان يتطرق الى المسائل الرئيسة المُختلف عليها، وذلك بسبب تجدد الدعاية التبشيرية الكاثوليكية وعمليات الاقتناص لصالح “الروم الكاثوليك” في مشرقنا العربي وفي اوربة الشرقية مع اللاتين سوية وخاصة بعد سقوط الشيوعية في روسيا وبقية بلدان اوربة الشرقية التي تدين كلها بالأرثوذكسية واعتبروها مجدداً ارض تبشير متناسين تضحيات شعبنا الارثوذكس واستشهاد الآلاف في سبيل مسيحيتهم في حكم إلحادي ظالم…وبلغ التوتر حد العنف في بعض انحاء اوكرانيا وسلوفاكيا، فأصّر الجانب الأرثوذكسي على ان يركز الحوار أولاً على ايجاد موقف مشترك من مسألة الإتحاد والاقتناص.

في ميونيخ وفرايسنغ، رأت اللجنة المختلطة للحوار سنة 1990 ان المجهود الرامي الى تحقيق الوحدة عن طريق شق بعض الرعايا والمؤمنين الأرثوذكس عن كنيستهم، المعروف بالاتحادية، وهو مرفوض لأنه مغاير للتقليد المشترك لكنيستينا.

– في سنة 1993 اصدرت اللجنة الدولية المختلطة المجتمعة في دير سيدة البلمند البطريركي البيان المعروف ب“وثيقة البلمند” وهو يؤكد أن الاتحادية لم تؤد الى اعادة الوحدة بين مسيحي الشرق والغرب بل الى تفاقم الخلافات، وانها لم تعد مقبولة لا كنهج يجب اتباعه ولا كشكل للوحدة التي تنشدها كنائسنا اذ ” أن الارثوذكس والكاثوليك باتوا يعتبرون أنفسهم كنائس شقيقة، وان الوحدة بينهم ليست استيعابا أو ذوباناً بل لقاء في الحقيقة والمحبة”.

أشاد البابا يوحنا بولس الثاني ب “وثيقة البلمند” في البند 60 من رسالته” ليكونوا واحداً”، إذ جاء ” أن لجنة الحوار قد خطت خطوة هامة في مسألة الاسلوب الواجب اتباعه للوصول الى الشركة التامة بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الارثوذكسية، إذ أوجدت أساساً لاهوتياً لحل إيجابي للمسألة يستند الى عقيدة الكنائس الشقيقة.

وفُهمَ من قول البابا وقتها أنه موافق على ان الكنيستين شقيقتان بالمعنى اللاهوتي…

– أخذ / وبكل أسف/ ” إتفاق البلمند” بعد ذلك يتعثر ( ويتفق مع قول مثلث الرحمات البطريرك اغناطيوس الرابع في استقبال البابا يوحنا بولس الثاني بزيارته الى سورية ايار 2001)، فدائرة تعليم الايمان في الفاتيكان رفضت في بيانها الصادر في 30 حزيران 2000 ، أن تعتبر الكنيسة الكاثوليكية شقيقة لأية كنيسة مكانية أو أية مجموعة من الكنائس ” لأن ذلك مغاير لوحدانية كنيسة المسيح. وأنه يجب استبعاد استعمال عبارة “كنيستينا” إذا أُريد بها الكنيسة الكاثوليكية ومجموع الكنيسة الارثوذكسية، أو إحدى كنائسها، لأن هذه العبارة هي مصدر التباس وتشويش!!!”

واعتبرت هذه الدائرة الفاتيكانية أن عبارة”الكنائس الشقيقة” تطبق فقط على الكنائس المكانية في علاقاتها مابين بعضها البعض، وليس على الكنيسة الكاثوليكية في علاقاتها مع اية كنيسة أخرى. وبالتالي فإن البابا يوحنا بولس الثاني في كلمته في المريمية 5 ايار 2001 بدمشق تحاشى استعمال عبارة “كنيستينا” او “كنائس شقيقة” في إشارته الى الكنيستين الارثوذكسية والكاثوليكية، وحصر استعمالها ب ” الكنائس المكانية” فقط.وقد أدت هذه المواقف الى تعثر الحوار اللاهوتي حول” الاتحادية” في اجتماع ” اللجنة الدولية المختلطة للحوار” في بوسطن في تموز 2000 .

في كرسينا الانطاكي المقدس قام مثلث الرحمات البطريرك اغناطيوس الرابع بمبادرة تهدف الى تنقية الأجواء في المدى الأنطاكي، فزار ومعه المطران جورج خضر والمطران الياس عودة بطاركة الكنائس الكاثوليكية المجتمعين في بزمار في 5 ايلول 1995، ومن هناك دعا الى حل بعض المسائل التي تعكر جو العلاقات بين الكنيستين كالزيجات المختلطة، والمناولة في المدارس الكاثوليكية، وبرامج التعليم المسيحي…

وتبع ذلك الاجتماع الذي ضم بطاركة الكاثوليك والارثوذكس والسريان الارثوذكس والارمن الارثوذكس في تشرين اول 1996، وأقّرَّ المجتمعون إتفاقاً حول الأمور المذكورة، ونُشِرَ في حينه، ولكن اعتقد أنه لم يتم تنفيذه على أرض الواقع، لأن البطاركة المجتمعين تركوا لمجامعهم تنفيذ القرارات.!

إلا ان من المهم أن البيان المشترك رفض مشاركة الأرثوذكس والكاثوليك في الأسرار المقدسة معلناً:” أن مثل هذه المشاركة لاتقبلها الكنيستان ولاسيما وان الأفخارستيا هي كمال الشركة.”

– في تموز 1995 وقع معظم مطارنة الروم الكاثوليك : “الوثيقة الإيمانية” وقد جاء فيها:

” آ- اني أؤمن بكل ماتعلمه الارثوذكسية الشرقية.

  ب- اني على شركة مع اسقف رومة ضمن الحدود المعترف بها للأول من الأساقفة من قبل آباء الشرق القديسين خلال الألفية الأولى وقبل الانشقاق.”

وكان من المنتظر أن يلي تلك الوثيقة الإيمانية حوار بين كنيستي الروم الأرثوذكس والروم الكاثوليك، إلا أنه بدا وكأن الحوار لن يكون مجدياً نظراً لارتباط الموضوع بما ستبحثه اللجنة الدولية المختلطة للحوار الكاثوليكي – الارثوذكسي.

ونرى ان البابا يوحنا بولس الثاني في كلمته بدمشق، قال انه بحث مع جميع المعنيين بهذه الوحدة على أن يتابعوا البحص بشجاعةٍ وحذرْ. وعلى ان السعي الى الوحدة بين بطريركية الروم الأرثوذكس والروم الكاثوليك الأنطاكيتين يندرج في إطار الحوار الأوسع بين الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية.

– ثم دعا غبطة البطريرك يوحنا العاشر بطريرك الروم الأرثوذكس البطاركة جميعا من العائلات الكاثوليكية والسريانية والارمنية…الى المؤتمر الأنطاكي في البلمند في حزيران 2014 بعنوان ” وَحدتنا الأنطاكية”، “لغتنا أنطاكية لغتنا واحدة”

وجرى اللقاء المجمعي الانطاكي الارثوذكسي معهم برئاسته في جامعة البلمند، ثم أعقبه لقاء آخر عندهم عندما قام واعضاء المجمع الانطاكي المقدس برد الزيارة لهم واللقاء بهم ومعهم مجامعهم ومتابعة البحث…

– لم نعرف موقف المطارنة الكاثوليك موقعو الوثيقة الايمانية وماذا عنوا ببنديّها، وهل يعتبرون المجامع التي عُقدت في الغرب بعد الانشقاق مسكونيةتلزمهم تحدياتها العقائدية؟

ماهو موقفهم مما اقرته كنيسة روما الكاثوليكية من عقائد بعد الانشقاق؟ ثم هل يعتبرون أن أساقفة الشرق /قبل الانشقاق/ كانوا يؤمنون بما جاء في رسالة البابا يوحنا بولس الثاني في زيارته الى سورية 2001″ ليكونوا واحداً” من أن اسقف روما هو المبدأ والأساس للوحدة المنظورة، وأن ” شركة الكنائس المكانية مع كنيسة روما وشركة اساقفتها مع اسقفها هما شرط أساسي، حسب ارادته للشركة التامة المنظورة”.

من وقتها لم يسرب اي شيء…

ولكن نأسف بأن بعض كهنة الكاثوليك المدعين جهلهم باتفاق بطاركة” المدى الأنطاكي” سنة 1996 ولبيان ” دائرة تعليم الايمان في الفاتيكان”، يوهمون بعض ابناء كنيستنا الأرثوذكسية بأن الوحدة قد تمت بيننا!!! ويدعونهم الى تناول الأسرار الإلهية في كنائسهم…!

وقد شكى مثلث الرحمات البطريرك اغناطيوس الرابع في كلمته أمام البابا يوحنا بولس الثاني في دمشق:

” نحن أنفسنا هنا منزعجون من ممارسات عشوائية ل”الضيافة الأفخارستية” التي نشعر أنها ليست سوى تبشير مُقَّنَّعْ، يجب أن تبرز مبادرات شجاعة ونبوية لتطويق وضع يهدد بالتفاقم… إننا نتنمى ألا يعيق حجر العثرة هذا مواصلة الحوار بين كنائسنا…”

بعد تخلي البطريرك لحام عن منصبه البطريركي، وانتخاب يوسف العبسي بطريركا على الروم الكاثوليك، نلاحظ ان جبهة الإقتناص قد هدأت نسبياً، بالرغم من الواقع السياسي والأمني المرير في سورية بماعاشته ولاتزال… لنتفاجىء باعلان الروم الكاثوليك عن سنة اليوبيل للاتحاد برومة، بينما كانت كل ادبيات التنظير لديهم تقول بأننا واحد مع الارثوذكس، حتى ان البطريرك عبسي سجل بصوته الطلبات التي نتلوها في القداس الالهي ويستخدمونها هم في قاعات كنائسهم بالجنازات:

“…من اجل الحسني العبادة الأرثوذكسيين، الى الرب نطلب.”

لا أفهم هذه البروبوغاندا…

 

 

 

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *