شاهد عن حنا دياب

يسعدنا في آخر مقالنا عن حنا دياب ان نستشهد بحوارمع بول فحمة – تييري التي ترجمت نص حنا دياب، ووجدت في لغة حلب، وبشكل سردي، طفولته الماضية.

• كيف كان لقاؤك مع هذا المخطوط المدهش؟

– يندرج هذا العمل في إطار أبحاثي حول أدب الرحلات ضمن المخطوطات العربية للقرنين السابع عشر والثامن عشر، التي عثرت فيها على نص حنا دياب. سبق لي أن عملت على مخطوطة مشهورة للبطريرك مكاريوس في روسيا سنة 1653م. مكنتني بعض المخطوطات الشرقية من التعمق في هذا النوع من الأدب في إطار سلسلة ندوات المدرسة التطبيقية للدراسات العليا بفرنسا. في سنة 2009م، عرض عليَّ برنار هيبرغي هذا المخطوط الطويل، الذي كتب بلهجة مسقط رأسي وظل غير منشور. في البداية كنت أريد أن «ألقي نظرة» فقط. وبالفعل، ألقيت نظرة وعكفت أربع سنوات على ترجمة هذا المتن الرائع.

في وصفها لحنا دياب قالت بول فحمة – تييري عنه

hbook001“– إنه بالتأكيد «رجل عادي»، وخادم، وطباخ وعامل تنظيف، تعلم القراءة والكتابة بالفرنسية، لدى تجار حلب، لكنه اكتسب بعض المواهب. إنه أصغر أشقائه المسيحيين الذي بنى شبكات ارتقائه الاجتماعي. لم تحد خياراته الحياتية عن المعايير ولم تعقد عملية ارتقائه الاجتماعي. لكن، وبفضل جرعة من العصيان، بحث عن طريقه الخاص: غادر حلب سرًّا؛ لأن إخوته «لم يكونوا ليسمحوا له بالذهاب» كما يقول. وفي الصعيد، رد على رسول أبلغه برسالة تهديد تدعوه إلى العودة إلى حلب قائلًا: «أنا الآن رجل يحدد مساره بيده». عندما سأله رئيسه المستقبلي حول رحلته، رد بنبرة قوية، بأنه يريد «استكشاف العالم». صحيح أن الكتابة المتأخرة لهذه الرحلة، بعد خمسين سنة من وقوع الحدث، مدهشة للغاية، لكنني أتفق من جهتي مع مسار فكري دشنه أحد الجامعيين الألمان الشباب الذي يميز بين شخصين لدى حنا دياب: الراوي والمسافر. ترتبط قصة المسافر بالمغامرات والتقلبات، على حين أن كتابة الراوي هي انعكاس ذاتي: «وثيقة أنوية». بهذا المعنى يصبح المؤلف مدخلًا نحو الحداثة.

• ما الاكتشافات التي نتحصل عليها من خلال قراءة هذا النص؟ ما الذي يخبرنا به حول العالم والمجتمع وزمن كتابة النص؟ تقول

– يعد هذا النص فخر الوصف الكلاسيكي، حيث يركز على ما يفاجئ عادة المسافرين الشرقيين إلى الغرب: الآلات المنظفة لميناء مرسيليا، أو الساعة الفلكية بكاتدرائية سان جان في ليون على سبيل المثال لا الحصر. كما يروي حنا اكتشافه لاستخدام الأواني في الغرف، واعتياده على استعمال مراحيض مجهزة بالماء الجاري، وأعجب بتنظيم الإنارة بباريس، ويعلمنا التحضر. كما نشير أيضاً إلى ثابت آخر لهذه القصة، والمرتبط بلقاء حنا بالشرقيين في جميع أنحاء البحر الأبيض المتوسط.

• ما الذي نتعلمه حول ألف ليلة وليلة؟

2%d8%b4%d8%b1%d9%82%d9%8a-%d8%a7%d9%95%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%b1%d8%a8“– لقد أثر اكتشاف مخطوطة حنا دياب بشكل كبير في مجال دراسة ألف ليلة وليلة. سمحت هذه القصة واليوميات الباريسية لغالان بالتحقق من أصل هذه الحكايات، التي أعاد كتابتها بنفسه، وربط هويتها بـ«حنا الماروني» كما تظهر في يوميات غالان. ظل نص حنا هنا مجهولًا لوقت طويل. يتعلق الأمر إذًا بأصل شفهي للقصص المكتشفة كما وردت لدى حنا دياب، ويمكننا أن نتحدث عن «عنصر فرنسي- سوري» لحكايات ألف ليلة وليلة. هناك طريقة أخرى للربط بين حنا دياب والقصص، وتكمن في إتقانه فن الحكي، وبخاصة قدرته على تضمين السرد خصائص ألف ليلة وليلة.”

• ما التحديات التي واجهت عملك، وما أعظم سعادة لك؟

  “تكمن الصعوبات التي واجهتني في عملية الترجمة فيما يأتي: نص طويل، 174 ورقة، وربما يكون واحدًا من أطول النصوص ضمن هذا الجنس الأدبي، والحذف والإضافات الهامشية، التي تظل داعمة لفرضية كون المخطوطة موقعة بيد الكاتب. لكن السعادة الحقيقية تكمن في اكتشاف حلبي يؤكد على فرادته خلال القرن الثامن عشر ويشيدها بين اقتراض واختراع، وبين امتثال للقيم وعصيان لها، وبين خطاب متفق عليه، وخطاب أحكام شخصية… إنه مسيحي يقلد الغرب، هنا «الفرنجي» هو بول لوكاس، ويعتمد على طرائقه تارة ويخفيها تارة أخرى، لكن هذا التقليد يعطيه فرصة للابتكار، كما يشهد على ذلك بنفسه. إن هذا الاستكشاف لـ«الذات» وهذه الكتابة المتأخرة لحكاية رحلته يمكن أن يرسم لنا ما يسميه غوتيه بـ«البطل الذي يصنع مصيره بيديه».”

خاتمة

حكى عنه كثيرون ومنهم استقينا مقالتنا هنا  ولكن ظل حنا دياب أشبه بالطيف الغامض على رغم الأثر الذي تركه في أحد أعظم الكتب العالمية، وحيكت حوله حكايات متخيلة، لكن هذا الغموض ما لبث أن تبدد بعدما اكتُشفت أخيراً في مكتبة الفاتيكان مخطوطة رقمها «سباط 254» تحمل تاريخ الانتهاء من كتابتها وهو الثالث من آذار 1764 واسم كاتبها هو حنا دياب.

يعد حنا دياب راوياً صانعاً للتاريخ؛ إذ إنه لا يمثل فقط نظرة شرقية حول العالم المتوسطي وفرنسا خلال مدة حكم الملك لويس الرابع عشر فقط، إنما نجد أن هذا الرجل العادي يمثل حكواتيّاً منقطع النظير، إذ ساعد أنطوان غالان بشكل كبير في تحرير كتاب “ألف ليلة وليلة” خلال مطلع القرن الثامن عشر، لكنه ظل منسيّاً. يروي دياب أكثر من ست عشرة حكاية. اثنتان منها حظيتا بشهرة كبيرة وأصبحتا الأكثر مبيعًا في العالم، وهما حكاية علاء الدين وعلي بابا. تظل هذه الحكايات يتيمة نظراً لفقدان مصدرها العربي، الذي يعود لحنا دياب. كان هذا الشاب الحلبي غريب المصير، سعى في المقام الأول للهروب ورسم طريقه الخاص، وانخرط في أحد الأديرة. لتحقيق ذلك وضع نفسه في خدمة أحد التجار: لقد وقع طي النسيان على حين أن اسم أنطوان غالان – الذي نقل مذكراته وحرص على الخوض في كل ما يحتاج إليه- ظل براقاً.

 إن هذه الصفات الرائعة تعود إلى رجل بدأ رحلته في العشرين من عمره، لكنه لم يعكف على كتابتها إلا بعد أربع وخمسين سنة من عودته إلى بلاده. يشكل الكتاب أيضاً تأملاً حول الحياة، ويظهر حرية أكبر مقارنة بالعديد من كتاب الرحلة، ويتجنب الأماكن المشتركة، وإرباك المعرفة الواسعة التي تساعد في التفاخر. يجب أن تحظى قصته باهتمام القراء لأصالة أدلتها التاريخية، ونظرها الثاقب، ومرونة لغتها التي تبحر بين أشكالها الشفهية والكتابية.

روى وابدع عن المرأة الحلبية، وابتكر روايات مثل علي بابا، وعشرات اخرى اضيفت الى كتاب الف ليلة و ليلة !

هكذا، غدا حنا دياب الحلبي الماروني المجهول أحد مؤلفي قصص «ألف ليلة…» ولو تزويراً ولم يعرف عنه إلا القليل ومنه ما ورد في مذكرات غالان.

المصادر