حي القصاع

حي القصاع

حي القصاع

توطئة

مهما تحدثت عن هذا الحي لن أفيه حقه فهو مسقط رأس والدي ووالدتي كل اهلي ومسقط رأسي واولادي…

فيه عشت ألفة العائلة والجيران… هو ذلك الموطن الأول في حياتي، وللموطن الأول في حياة الانسان المقترن بالطفولة والصبوة، البصمة الأشد وضوحاً في كل مراحل حياته اللاحقة. لذا نراني وترى كل انسان يتغني بحارته الاولى حتى ولو انتقل منها إلى حارات جديدة أو حتى اوطان جديدة كما هو حاصل في آننا المعاصر…لذا اتغنى بتلذذ بالقصاع موطن الطفولة والشباب فكيف وقد اصبحت كهلاً، ولا ازال اعيش وعائلتي فيه… ولا اعتقد اني ساتركه حتى الانقضاء.

القصاع بالنسبة لي هي ليست فقط موطن الولادة… وحتى حالي الحاضرة، بل هي حارة الحب والمحبة والالفة، هي رفاق الطفولة في المدرسة والكشافة بمقرها القديم القديم والوسيط والاحدث وفوج الصليب المقدس الكشفي منذ 1994 والطلعات والجولات الكشفية بمايبهج القلب عندما استذكرها في الأعياد الوطنية والروحية والمخيمات والرحلات والمغامرات الكشفية، وفي كنيستي كنيسة الصليب المقدس ومدارس الأحد والترتيل والاخويات…

باب توما والجسر الى القصاع في الخمسينيات من القرن 20
باب توما والجسر الى القصاع في الخمسينيات من القرن 20

هذه كانت مرحلة الصبا… والشباب… وبقية المراحل التي عشتها فيه بسعادة وألم ورجاء حتى مرحلة الكهولة حالياً في انحدار المقلب الآخر من العمر للوصول الى ماينتظره ذئب تلك المرحلة في ختامها…

منذ 2011 ونحن نعيش الالم على كل الوطن وبالذات على القصاع التي كانت مطرح كل الم ودماء وقتل واختطاف وتعذيب واستشهاد وتفجير وفقدان احبة من كل الاعمار وضرب الكنائس والمستشفيات والبيوت، وهجرة احبتنا واولادنا الى التيه العالمي… لكن القصاع كما دمشق وكما أمنا سورية بقيت صامدة وانتصرت بعد كل هذه المعاناة.

لذلك اتحدث كما كل قصاعي اصيل، ووافد الى القصاع لكنه عاش مثلنا فانطبع ببصمة القصاع الجميلة والوادعة، حتى منهم الذين اجبرتهم ظروف سورية المظلومة منذ عام 1911 الى الهجرة الى حيث الأمان…فيتحدثون بكل الهيام عن القصاع كما عن دمشق وسورية الام الحنون.

حي آيا ماريا ( القيمرية) هنا عاش مسيحيو دمشق في هذه البيوت وعملوا في خاناتها وصلوا في المريمية التي تنسب اليها حارتهم ( آيا ماريا- المريمية قبل نكبتهم 1860
حي آيا ماريا ( القيمرية) هنا عاش مسيحيو
دمشق في هذه البيوت وعملوا في خاناتها وصلوا في المريمية التي تنسب اليها حارتهم ( آيا ماريا- المريمية قبل نكبتهم 1860

القصاع حي سكني

اليوم بكل اسف صار هذا الحي السكني الوادع والذين كان لأهله والوافدين لسكناه وصاروا من اهله، صار سوقاً صاخبة فرض كلكله على السكان الذين باتوا لايطيقون هذا الوضع الجديد وتحكم كل غريب عنه بالحي وسكانه وخصوصيتهم بكل اسف حتى بات سكانه الأصلاء اغراباً فيه…

لا يتعدى عمر حي القصاع السكني العائلي الهادىء 123 عاماً تقريباً

ويقع بين باب توما الى ساحة العباسيين (اليوم) شمالاً وبين حي العمارة وشارع بغداد (حالياً) غرباً وحي الزبلطاني (اليوم) شرقاً وهي بساتين قرية جوبر الواقعة شرق القصاع.

من بيوت القصاع التقليدية ابين باب توما وبرج الروس
من بيوت القصاع التقليدية ابين باب توما وبرج الروس

في اللغة والتاريخ

القصاع كلمة عربية مفردة، بصيغة المبالغة على وزن فَعّال مثل حداد ونجار وطيان ونحاس… الخ. والقصاع هو الذي يصنع القصاع (جمع قصعة) وهي الصحن العميق الواسع.

يقول الأب المؤرخ القدير معلمي في الطفولة والايمان وهاديَّ في حب التاريخ المرحوم أيوب سميا:” أنه سمع من مسنين مسلمين ومسيحيين، أن حي القصاع كان في القرنين 18 و19م يسمى بالقصاعين مثل الفرايين والقزازين”، كما أن المؤرخ د. صلاح الدين المنجد- (1) أدلى بشهادة على ورود القصاع في أوائل القرن 16م . كان حي القصاع أيام العثمانيين لايمتد إلى أكثر من برج الروس شمالاً والصوفانية شرقاً ومسجد الأقصاب غرباً، وكان قد تألف في الأصل من مصانع قِصاع ظهرت أساسات بعضها في محلة “برج الروس”  او برج الرؤوس عندما حفرت أساسات الأبنية الحديثة في المنطقة واولها بناية المغفور له سابا جرجي صعبية في الاربعينات من القرن الماضي وبقية اساسات الأبنية الحديثة (وقتها) من الخمسينات لوجود البحرة والجرن في باطن الارض، وكلاهما من لوازم صنع القِصاعْ.

كيف نشأ حي القصاع

منذ مابعد فتنة دمشق الطائفية عام 1860م واستشهاد العدد الكبير من المسيحيين في محلتهم وتهديم دورهم الجميلة، وهجرة نصف من بقي منهم واساساً الى بيروت ونزولهم في مخيمات مؤقتة في تلة الاشرفية وهناك عمروا بيوتهم ومؤسساتهم الكنسية والتعليمية ومنهم من هاجر الى مصر ومنها الى السودان ومنهم من هاجر الى المقلب الآخر في العالم في الأميركيتين…

ولأن المسيحيين الدمشقيين كما يقال عنهم: “أرواحهم معلقة بالشام” والى مرابعها يحنون، مرابع الطفولة والصبا والشباب والحارة ذات الباب وكنائسهم ومؤسساتهم والقيمرية (2)(آيا ماريا) فإن بعضهم جازفوا بالعودة اليها، لينضموا مع الربع المنكل به المتبقي على قيد الحياة من عائلاتهم واصحابهم (والكل أقارب)، وهم الذين بقوا بأعجوبة على قيد الحياة…عادوا بتشويق وفضل من الوالي العثماني المصلح الوزير فؤاد باشا الذي أرسلته الدولة العثمانية لإصلاح الأحوال والقبض على أساس الفتنة، وايقاع العقوبة بحقه… وتدابيره في التعويض على المنكوبين لترميم الدور المحترقة، عاد بعض اللاجئين من بيروت ليسهموا مع المقيمين في إعادة بعث الحياة في مدينتهم الشام متناسين الجراح الغائرة وكثافة الدماء الطاهرة والأعداد الكثيفة من أهاليهم الشهداء الذين قضوا بسبب من دينهم المسيحي وكان كل ذلك الغدر والذبح قد تم بتشجيع من الحكم العثماني للقضاء على “نظام الامتيازات”(3)

دمار الحي المسيحي بفتنة 1860 والصورة للكاتدرائية المريمية وماحولها ولاتزال مدمرة في 24 ايار 1862 اي بعد سنتين
دمار الحي المسيحي بفتنة 1860 والصورة للكاتدرائية المريمية وماحولها ولاتزال مدمرة في 24 ايار 1862 اي بعد سنتين

هذا النظام وامتيازاته بحق الدولة العثمانية الرجل المريض الذي كَبَّلّ الدول الاوربية الكبرى آنذاك الدولة العثمانية في حماية المسيحيين، يضاف اليه مؤمرات السلفيين المتعصبين بعد منح الحقوق والواجبات ذاتها للمسيحيين الذين كانوا مواطنين من الدرجة الثالثة بموجب الخط الهمايوني الصادر عام 1856، ولم يطيقوا ان يصيروا مثلهم كاملي الحقوق والواجبات وبحماية من الدول العظمى على حسب طوائفهم وفق نظام الامتيازات، كما كان العامل الاقتصادي الدور المهم الذي يتمثل بأن كل المهن والحرف كانت بيد المسيحيين لذلك كانوا كلهم على سوية مالية محترمة تقريباً… وفوق الكل ومؤمرات اليهود المحليين وما اقتنوه من متاع واموال المسيحيين بحكم تخصصهم بشراء ماتسمى “البالة” بعدما سرقها الارهابيون القتلة من عصابات الاكراد في ركن الدين بقيادة شمدين آغا والدروزفي جبل الدروز وحوران وجبل الشيخ وقضاء وادي العجم والغوطتين والقلمون…

الشهيد في الكهنة القديس يوسف الدمشقي
الشهيد في الكهنة القديس يوسف الدمشقي
الشهيد في الكهنة القديس يوسف الدمشقي استشهد في مقدمة الدمشقيين في مذبحة 1860 ونعيد لاستشهاده ورفقته الشهداء بالآلاف في 10 تموز كل عام وهو اليوم الاول للمجزرة

في عودة هؤلاء وبعد حوالي عشر سنوات ما لبثت أن استقرت الأحوال تدريجياً في الشام القديمة بعد أن اعاد المسيحيون بناء دورهم ومؤسساتهم وكنائسهم وجمعياتهم وخاناتهم الاقتصادية، لتأتي هجرة داخلية من مسيحيين وفدوا من مناطق ثانية فمن الجنوب من حوران وجبل الدروز وقضاء القنيطرة وهجرة من مايسمى اليوم جنوب لبنان اي حاصبيا وراشيا والبقاع وهي تتبع لولاية دمشق، واستقروا في محلة المسيحيين التي كانت تشتمل على مناطق باب الشرقي شرقاً والشاغور جنوباً ومئذنة الشحم والبزورية غرباً وباب السلامة والقيمرية (آيا ماريا او حارة مريم نسبة الى المريمية والفرايين شمالاً. وأقام اللاجئون الناجون من مذبحة

1860 من مدينة دوما ومحيطها زملكا وعربين وحرستا في غوطة دمشق الشرقية في محلة دعيت باسمهم

دمار الحي المسيحي في دمشق الشرقية 1860
دمار الحي المسيحي
في دمشق الشرقية 1860

“ساحة الدوامنة” على اسم مدينتهم الاصل وهي قريبة جداً من مدارس الآسية وكنيسة القديس يوحنا الدمشقي ودُعيت لذا ب”ساحة الدوامنة” وفريق من المهاجرين الناجين من حوران وراشيا وحاصبيا والبقاع قطنوا في محلة المسيحيين في الميدان التي كانت واحة أمان بفضل مشايخها وعقلائها واقاموا حارات خاصة بهم. ( انظر بحثنا في موقعنا هنا عن حي الميدان).

ضاقت هذه المحلة محلة المسيحيين في دمشق القديمة بسكانها سيما وان المناطق المختلطة كالبزورية والباب الصغير والفرايين وباب السلام انحسر الوجود المسيحي كله فيها خوفاً من نكبة ثانية فباعوا دورهم المحروقة الى المسلمين ( ولاتزال في الكثير من هذه الدور ايقونات ونقوض من الفريسك برموز مسيحية وخاصة منطقة الباب الصغير والبزورية) وتوجهوا الى القيمرية ومحيط المريمية… لذا كان لابد من الخروج منها الى ماوراء أسوار دمشق الى حيث توجد الغوطة الخضراء الجميلة. لكن هذه كانت غير آمنة: فقطاع الطرق (المشلحون) كانوا ينتشرون بكثافة وخاصة في منطقة باب توما. لذا كان الباب يغلق مع مغيب الشمس الى شروق شمس اليوم التالي، وكانت خلفه سويقة ( سوق صغيرة) لبيع الخضراوات يحمل إليها الفلاحون منتجات أراضيهم لبيعها للسكان فيها حيث يدخلون إليها فجراً مع فتح الباب.

من تفرعات ساحة الدوامنة في دمشق القديمة
من تفرعات ساحة الدوامنة في دمشق القديمة

أما في المنطقة الممتدة من مقام الشيخ أرسلان الى باب الشرقي حيث المقابر المسيحية واليهودية (كانت ولاتزال تدعى الطْبالة بتسكين ألط، وهي كلمة عبرية تعني المقبرة، وكانت فعلاً تضم مقابر المسيحيين واليهود على السواء) إضافة إلى مقبرة للمسلمين الشيعة في الشيخ ارسلان والأحياء الأخرى ( الجورة حيث وجودهم محدود قياساً بمواطنيهم المسيحيين واحياء باب السلام والعمارة الجوانية…)، فإن الأحياء بطبيعتهم لا يرغبون بمخالطة الأموات، فهم لذلك وبالرغم من مخاطر انعدام الأمن في منطقة باب توما المدعوة بساتين الزينبية نسبة الى نبع ماء الزينبية، لكن كانت سكنى هذه المنطقة لديهم أفضل من السكنى بين المقابر بأرضها المتسعة ، فبدأ النزوح السكاني الفقير يعبرتدريجيا الجسر الخشبي من باب توما فوق فروع بردى المتجهة الى الغوطة الشرقية مروراً بقرية الصفوانية المندثرة، وكانت مياه فروع بردى صافية وقوية تدير أحجار الطواحين المائية المقامة على مساره، وخاصة تلك التي كانت يساراً بموقع وسط بين ضريح خوله بنت الأزور ومسجد الثقفي.

إن ما ساعد هؤلاء المغامرين الفقراء الذين أقاموا في هذه المنطقة مدينة مريّفّة على الاستقرار أن أول المباني التي شيدت في “حي القصاع” كان “المستشفى الانكليزي” الذي شيد في عام /1896/ من قبل بعثة تبشيرية بروتستانتية دانماركية، والتي تخلت عنه فيما بعد إلى البعثة التبشيرية البروتستانتية الاسكتلندية،

المستشفى الانكليزي ( الزهراوي حالياً)
المستشفى الانكليزي ( الزهراوي حالياً)
واجهة المستشفى الانكليزي وهو اول بناء في حي القصاع عام 1896

ما أدى لتغير اسمه إلى “مشفى فكتوريا” نسبة لملكة بريطانيا وليصبح اسمه عند الجميع “المستشفى الانكليزي.(4) وسط طبيعة غناء وهي من الشروط الصحية والبيئية المناسبة لاقامة المستشفيات وذلك في منطقة الغساني وتبعتها بعد سنوات قليلة البعثة الفرنسية لراهبات القديس لويس التي أقامت مستشفاها (الخيري كما جاء في فرمان الترخيص من السلطان العثماني) في وسط بساتين القصاع على مقربة من مستشفى الملكة فكتوريا الانكليزي وذلك في عام 1904

وكانت الغاية من إقامة المستشفيين الخيرين في هذه المنطقة الجديدة في حمى التنافس التبشيري بين الارساليات التبشيرية من جهة البروتستانتية الانكليزية والايرلندية والاميركية والالمانية والسويدية ومن جهة أخرى الرهبنات الكاثوليكية الرجالية والنسائية:
1- تقديم الخدمات الصحية للسكان الفقراء من ارثوذكس وسواهم وهي طريقة تبشيرية لجذبهم.
2- سكنى البساتين وهي من شروط إقامة المستشفيات حيث البيئة الصحية المناسبة وجمال الموقع والهواء الطلق والطقس الصحي المناسب للاستشفاء

المستشفى الافرنسي بالقصاع
المستشفى الافرنسي بالقصاع
المستشفى الافرنسي حين احداثه عام 1904 وهو ثاني بناء في حي القصاع

وبدئ بالسكن على مسار الطريق من باب توما شمالاً باتجاه برج الروس مروراً بالمستشفى الفرنسي الى المستشفى الانكليزي. فيهذه الغوطة البديعة المسماة “بساتين الزينبية” تبعاً لإسم “عين الزينبية” وهي نبع ماء عذبة ونقية رائعة بطيبها.

النظام العمراني

“القصاع” يتميز أيضاً بتنظيم معماري فريد قادر على إشعارك بعبق وأصالة الماضي وحداثة الحاضر، ما يضفي على حياة ساكنيه طابعاً خاصاً ليس بالمقدور الوصول إليه في أي حي آخر.

منازل “القَصَاع” حديثة ليست قديمة، فهي بيوت عادية وصغيرة، ترافق بناؤها مع بداية الهجرة باتجاه الحي، فتم بناء المنازل في وقتها على الطراز الفرنسي، وهذه المنازل صغيرة مقارنة مع المنازل الدمشقية القديمة، وتتراوح بين ثلاث وأربع غرف بالإضافة إلى شرفة تسمى “البلكون” تشرف على الشارع، وقد اعتاد الأهالي منذ القدم وحتى اليوم على الجلوس فيها يومياً عند المساء والسهر حتى منتصف الليل.

حي القصاع والترامواي وكيف انتشر البناء الطابقي وفق مخطط ايكوشار
حي القصاع والترامواي وكيف انتشر البناء الطابقي وفق مخطط ايكوشار
انموذج البناء الطابقي في القصاع وفق ايكوشار ولاتزال بقية من هذه الابنية

في عام /1945/م دخل البناء الحديث محلة القصاع، حيث بدأ البناء الطابقي الحديث ينتشر في معظم أرجاء القصاع، وذلك ضمن تخطيط “أوكيشار” المعتمد في بناء الأبنية بدمشق… ولكن كانت اشهر بناية على الاطلاق هي بناية المغترب الدمشقي العائد من كولومبيا في اميركا والمعروفة باسمه بناية الصعبية وتعود الى العقد الثالث من القرن الماضي. والمحسن المذكور اكمل بناء كنيسة الصليب المقدس وكانت على الاساسات اكملها واكاها من ماله الخاص.

تميزت معظم أبنية ضاحية القصاع وتفرعاتها وخاصة الى الشرق من خط القصاع بأنها أبنية بسيطة فيها عدد من الغرف تسكن كل منها عدة عائلات فقيرة نازحة من وراء أسوار دمشق القديمة وهي من الخشب والبن مع واجهة حجرية منحوتة من الحجر المزاوي بطابقين مع شرفة على واجهة الحارة او تتخيتة وسطح لنشر الغسيل وتجد عليها جميعاً دالية عنب بلدي – زيني، وفي قلب البيت ساحة سماوية بسيطة فيها بئر ماء وطرنبة يدوية ومصنع مائي تحتها او بحيرة مائية بدون زخرفة بخلاف باحات وبحرات بيوتهم الشامية العريقة. اضافة الى ياسمينة وشجرة ليمون بلدي وشجرة كباد ونارنج… وقبو لحفظ المؤونة.

وكما اقام بعض القناصل بيوت متميزة لهم في ضاحية القصاع كما في البيت الكبير المربع الواقع في زاوية برج الروس ويعود الى عام 1913 كما تشير عليه اللافتة الحجرية المنحوتة فوق ساكف باب البيت.

ونشأت محلة جناين الورد وتفرعاتها بسواقيها الرقراقة خلف المستشفى الافرنسي وحتى منطقة جامع الفردوس حالياً حتى حدود شارع حلب اليوم وكان طريقاً ضيقاً هو طريق السفر بين البساتين الى داخل وساحل سورية وكانت هذه المحلة فعلاً حدائق جميلة ومن اهم زراعاتها كانت اشجار الوردة الشامية لذا تسمت “جناين الورد”وآخر ابنيتها جامع من الطين واللبن صغير ليصلي فيه القرويون هو جامع الفردوس.

نهر بردى في باب توما
نهر بردى في باب توما
نبقيلات القصاع

تقابل محلة جناين الورد في الطرف الشرقي من طريق القصاع محلة عين الشرش نسبة الى عين ماء تدعى عين الشرش كانت مياهها غاية في العذوبة باردة على الدوام، هذه المحلة وتفرعاتها بما فيها حارة الفاعور المنسوبة لاسم بانيها (وكان الفاعور تاجر بناء حمصي الأصل قام ببناء أبنية شعبية متلاصقة تتسع لسكن عدة عائلات فقيرة في البيت الواحد، مع بيوت اخرى لأصحابها ومنهم عائلتنا المؤلفة من جدي فارس وأولاده وقد تزوج الذكور وأقاموا فيه كغيرهم من أبناء دمشق المسيحيين وخاصة الفقراء منهم سكان هذه الضاحية لباب توما)

أما شارع حلب – وقد كان طريقاً ضيقاً يصل دمشق بداخل سورية – فقد شهد توسعاً في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن20 ، وأقيمت البنايات الحديثة على جانبيه وسكن فيه النازحون المسيحيون الجدد من محلة الميدان ( القره شي والموصلي وباب مصلى…)

 

وفي العقد الثالث من القرن 20 وتحديداً عام 1935

الترامواي

قامت “شركة الجر والتنوير البلجيكية” بمد خط الترامواي من ساحة المرجة الى القصاع، مع تفريعة صغيرة الى ساحة باب توما تصل الى اول الجسر ماقبل جامع الثقفي.

ومد الخط بالتالي ليشمل قرى وبلدات الغوطة الشمالية الشرقية ( جوبر، عربين وحتى دوما) لتخديمها (مع الإشارة الى أنها كانت من أجمل النزهات تلك النزهة في الترامواي بين أفياء الغوطة وارفة الظلال، وخاصة عند احتفال المسيحيين بيوم اثنين الراهب في أول الصوم الكبير المقدس او في رحلات الكشافة وكم لنا من ذكريات في بساتين دوما).)

القصاع والترامواي
القصاع والترامواي
ترامواي القصاع وشكل البناء التراثي

ومما ساعد أيضا على استقرار المنطقة وحتى الساحة [ التي دُعيت لاحقاً ساحة العباسيين]، وبناء البيوت على جانبي السكة، مما مكن بعض العائلات المسيحية الميسورة من إقامة فيلات وقصور ريفية في قلب هذه الطبيعة الجميلة [الملأى بأشجار الجوز والتوت والمشمش… وسائر الأشجار المثمرة والفواكه الشامية…] كبيت كحالة وفيلا أليس (النادي الغساني). وأقيمت لاحقاً في هذه المنطقة متنزهات وملاعب لبعض الأندية الرياضية المسيحية كالنادي الغساني، ونادي النهضة، ونادي الهومنمن ونادي الهومنتمن الأرمنيان…

كنائس القصاع

كان من الطبيعي ان يترافق هذا الوجود المتنامي في محلة القصاع بمتابعة رعوية من البطريركيات لايجاد كنائس للصلاة فيها لبعد كنائس محلتهم الاصل في باب توما و…

البطريركية الارثوذكسية

بدأت منذ 1905 زمن البطريرك ملاتيوس الدوماني الدمشقي ونشأت ثلاث كنائس مؤقتة على التتابع فتلغي الحديثة القديمة وذلك في حارات القصاع… كانت عبارة عن بيوت يتم استئجارها تحول الى كنائس صغيرة مؤقتة، وترافقت بثلاث مدارس تابعة لمدرسة جمعية القديس يوحنا الدمشقي الارثوذكسية التي كانت اساساً هي الساعية لايجاد الكنيسة بموجب التكليف لها من البطريرك الدوماني، وكانت هذه الجمعية ثقافية ارثوذكسية تضم نخبة من اهل العلم والفكر.

كنيسة الصليب المقدس في القصاع بدمشق
كنيسة الصليب المقدس في القصاع بدمشق
واجهة كنيسة الصليب المقدس التي بنيت عام 1932 للروم الارثوذكس

الكنائس الارثوذكسية المؤقتة قبل كنيسة الصليب المقدس كانت هي التالية
اول هذه الكنائس كانت في الحارة الضيقة المتفرعة عن جادة مارسيل كرامة…
والكنيسة الثانية كانت في منطقة القصاع على السكة في بيت عربي واسع كان في محل الشارع العريض المفتوح اليوم على ساحة جورج خوري قبل مستشفى الانكليزي (الزهراوي)
اما الكنيسة الثالثة فكانت هي القاعة الكبيرة في بناء جمعية القديس غريغوريوس الأرثوذكسية وهي اليوم مهجع الأيتام الذكور…وذلك منذ تم بناء الميتم وكسوته بدءاً من عام 1928 وحتى تدشين كنيسة الصليب بتجنيز المحسن الكبير سابا جرجي صعبية عام 1936 الذي أكمل بناء الكنيسة وكساها من ماله الخاص بعدما كانت قد بنيت اساساتها وتوقف العمل لنفاذ المال المدخر المكتتب به من الرعية الفقيرة ومن مخصصات المجلس الملي الارثوذكسي…

ثم كنيسة الصليب المقدس والموقع في بستان الصليب وعلى اساسات دير الصليب المقدس الرهباني من مطلع القرن الخامس وحتى 1401 عندما دمره الغازي المغولي تيمورلنك وذبح رهبانه…وقد آلت ارض البستان الى ملكية مزارعين من جوبر
ونشير الى ان ارض بستان الصليب كانت في القرن 19 قد آلت الى آل الاسطواني واشترتها الجمعيات الثلاث مثالثة وهي القديس يوحنا الدمشقي لبناء مدرستها، وجمعية القديس غريغوريوس الأرثوذكسية لبناء ميتمها وجمعية بناء الكنيسة اي جمعية الصليب المقدس، لذا لم يبق ثمة مال لاكمال بناء الكنيسة فلجأوا الى المغترب العائد من كولومبيا المحسن السيد سابا صعبية الطيب الذكر فوافق ولذا اقامت له البطريركية نصباً نصفياً برونزيا عن يمين باب الكنيسة تخليداً لفعله الحميد…

بناء جمعية القديس غريغوريوس الارثوذكسية لتربية الايتام ورعاية المسنين
بناء جمعية القديس غريغوريوس الارثوذكسية لتربية الايتام ورعاية المسنين
جمعية القديس غريغوريوس الارثوذكسية لتربية الايتام ورعاية المسنين البناء الحديث 2006 الذي افيم في حديقة البناء القديم وواجهته على امتداد شارع بغداد في المكان الذي كان يعرف بدخلتي الصليب الثانية والثالثة

وعلينا ان لاننسى ان معظم ابناء الرعية هم من الصناع والحرفيين البسطاء الذين كانوا يعملون بأيديهم وليسوا تجاراً وكان اولادهم يدرسون في مدرسة يوحنا الدمشقي الليلية ويعملون في النهار ليساعدوا ذويهم…هؤلاء قدموا تعب ايديهم من حفر الاساسات وصب البيتون وكل الاكساء تطوعاً ومنهم جدي وابنه الكبير نقولافقط اذ كان البقية كأبي طفلاً صغيراً…وهو من الواجب ذكرهم والترحم عليهم وعلى كل من قدم فلساً وجهداً وتقدمة.

ولما كان ليس بالإمكان التحدث عن كنيسة الصليب المقدس كمؤسسة دون التعرض الى الجمعيتين الارثوذكسيتين القديس يوحنا الدمشقي والقديس غريغوريوس للترابط بين مشاريعها الثلاثة (الكنيسة والمدرسة والميتم) ودور المجلس الملي بالنسبة إليها والى بقية الشأن الأرثوذكسي الدمشقي بشكل خاص فقد عدنا الى سجل محاضر جلساته بين 1905 بعهد البطريرك ملاتيوس الدوماني و1956 عهد البطريرك الكسندروس الطحان مروراً بعهد البطريرك غريغوريوس حداد(5)

وتصدت جمعية القديس يوحنا الدمشقي الأرثوذكسية ( وهي جمعية ثقافية ارثوذكسية) على الرغم من ضآلة مواردها لهذه المهمة، فأنشأت مدرسة ابتدائية صغيرة في إحدى الدور العربية في الحارة الضيقة ( المتفرعة عن جادة مارسيل كرامة) إضافة إلى كنيسة مؤقتة في نفس الدار. ونقلت مقرها إلى المدرسة وكانت الدراسة فيها

1- نهارية تعلم فيها معلمات

باب مدرسة القديس يوحنا الدمشقي الارثوذكسية
باب مدرسة القديس يوحنا الدمشقي الارثوذكسية
مدرسة القديس يوحنا الدمشقي الارثوذكسية بنيت عام 1930 في بستان الصليب

2- ليلية يعلم فيها معلمون إضافة الى مكتبة

وهذه المكتبة هي فرع من مكتبتها الرئيسة في مدرسة الآسية التي نقلت أواخر القرن20 الى المكتبة البطريركية. ونظراً للضيق المادي الذي وقعت به بادرت الجمعية إلى إغلاق مدرستها مما دفع بأولياء تلامذتها لإرسال عريضة إلى مجلس إدارتها راجين إعادة فتحها حتى يتمكن أولادهم من العودة للدراسة ليلاً. وكانت الدراسة فيها متطورة، وتدرس المناهج باللغتين العربية والفرنسية. وقد ناشد الأولياء إدارة الجمعية مساعدتهم بإعادة فتح المدرسة لبعد ” المدارس الطائفية الوطنية الكبرى” الآسية عن أولادهم الذين يؤمونها للدراسة فيها بعد عملهم اليومي. وقد قرر المجلس الملي في جلسته الثالثة بتاريخ 6 ك1 1905 وكانت برئاسة البطريرك الدوماني دعم المدرسة وقدم غبطته مساعدة فورية ليرتين عثمانيتين ذهبيتين، ثم في الجلسة اللاحقة بعد أسبوع وكانت الرابعة تاريخ 23 ك1 1905 قدم الخوري نقولا خشة رئيس جمعية القديس يوحنا الدمشقي الى رئيس الجلسة البطريرك الدوماني قائمة باحتياجات المدرسة ولائحة بأسماء الشخصيات الأرثوذكسية الدمشقية الذي يتوسم منها تقديم المساعدة المالية للمدرسة.

وكانت قد انتهت اخيراً بمجمع الصليب المقدس الذي اقيم في أرض بستان الصليب.(6) ففي عام 1928 نشأت جمعية القديس غريغوريوس الارثوذكسية لتربية الايتام ورعاية المسنين في عام 1930 نشأت مدرسة القديس يوحنا الدمشقي الابتدائية وفي عام 1932 كنيسة الصليب المقدس…

– الكاثوليكية لانعلم ان كان ثمة كنائس مؤقة ولكن اقيمت كنيسة القديس كيرلس حيث وضع حجر الاساس لها في عام 1930

مدارس القصاع

واجهة كنيسة القديس كيرلس الكاثوليكية بالقصاع
واجهة كنيسة القديس كيرلس الكاثوليكية بالقصاع

ومن أوائل المدارس التي عرفها حي “القصاع” كانت اضافة الى مدرسة “يوحنا الدمشقي الارثوذكسية” الابتدائية المختلطة المؤقتة في اماكنها الثلاثة، كانت مدرسة الجالية اليونانية التي بنتها الجمعية الخيرية لليونانيين اللاجئين من مذابح الاتراك منذ 1918 واستمرت حتى عام 1923 بسلخ كيليكيا السورية بتوافق افرنسي-بريطاني واعطائها للأتراك…وتعود مدرسة اليونان الى عام 1920 وكانت من المدارس الراقية… في مكانها اليوم نادي الثورة…

ومدرسة اللعازرية للبنات وهي تتبع للراهبات اللعازاريات في محلة برج الروس اولاتزال في موقعها تحت مسمى “بلابل المحبة”، ومدرسة راهبات المعونة الدائمة الخاصة الكاثوليكية” للبنات خلف كنيسة القديس كيرلس للروم الكاثوليك .

حديقة ومحلة الصوفانية

محلة الصوفانية
محلة الصوفانية
منطقة الصوفانية عند النهر في باب توما الصورة تعود الى مطلع القرن 20 وهكذا كانت القصاع بساتين غناء

ومن المناطق الجميلة في “القصاع كانت منطقة الصوفانية المقامة أبنيتها الفقيرة على أنقاض قرية الصفوانية في منطقة تعد حديقة طبيعية وهي حديقة الصوفانية، وكانت قد تشكلت عبر التاريخ من التقاء فرعي بردي في منطقة الزبلطاني اليوم حيث أطلت/ ولاتزال/ تلك الابنية على هذه الحديقة الطبيعية الجميلة المار منها فرعا نهر بردى إلى الشمال الشرقي من باب توما قرب منطقة برج الروس ويمر منها نهر بردى في طريقه إلى الغوطة الشرقية، وقد أقيم بالقرب منها مقاه ومنتزهات ازدهرت اواخر الاحتلال العثماني وزمن الاحتلال الفرنسي، مثَّل فيها طلبة مدرسة “مكتب عنبر” وكانت هي الثانوية (الرسمية الوحيدة في دمشق) بتلك الفترة مسرحية “طارق بن زياد” عام /1908/، كما غنت في الحديقة السيدة “أم كلثوم” وذلك ضمن حفل أقيم لطلاب مكتب عنبر.

متنزهات

ولأن القصاع منطقة خضراء من البساتين والجنائن كانت الكثير منها تسمى “الجنينة” كعادة السوريين في

اطلاق تسمية الجنينة على كل بقعة خضراء جميلة وهذه التسمية وجدتها دارجة الاستعمال ايضاً في لواء الاسكندرون وكيليكيا) نظراً لجمالها لذلك نشأت فيها الكثير من المتنزهات المغلقة كقصر البللور الشهير وكانت تغني فيه السيدة ام كلثوم وماري جبران و…وكارم محمود وعبد الوهاب، وتجري فيه مباريات المصارعة الحرة والملاكمة، وتمثل فيه المسرحيات التي يقدمها طلاب المدارس كان من ابرزهم/ مع عروض رياضية احترافية/ طلاب مدرسة الآسية الأرثوذكسية بقسميها الاعدادي والثانوي وفرقة كشافتها وفوج الكشاف الارثوذكسي جاورجيوس ومقره وسط القصاع، ومنها متنزهات ومقاه منها حديقة الصعبية الجميلة جداً، وهي حديقة مع مطعم جميل بأشجار باسقة ويجاورها ملعب نادي النهضة وهو القسم الرياضي من الفوج الكشفي الارثوذكسي الدمشقي جاورجيوس. تقابلها حديقة كانت في موقع محطة الجد للمحروقات حالياً…والعديد من المقاهي والمشارب.

وكان على مسار النهر في باب توما وفي فرع النهر المار بجوار سور باب توما القادم من منطقة الفرايين وباب السلام، العديد من المقاهي منها التي تقدم مشروبات روحية مع الموائد اللذيذة، ومنها لشرب القهوة والشاي.

قصر البلور
قصر البلور
متنزه قصر البلور على السكة في القصاع وهنا صار مركز عسكري افرنسي مؤقت عام 1925

الأندية الكشفية والرياضية في القصاع

إن حي “القصاع” كان يحتوي على العديد من ملاعب الأطفال وأندية رياضية عديدة، ومن هذه الأندية

” نادي شبيبة (القصاع) الصليب المقدس” تأسس عام 1930 ولكنه لم يدم طويلاً ويضم هذا النادي مانسميهم اليوم قبضايات الرعية الارثوذكسية، وقد اتخذ من مقر ميتم القديس غريغوريوس مقراً له في بعض الاحيان. وكان هذا النادي يتصدى لاقامة الاحتفالات في اثنين الراهب والباعوث…نادي النهضة بشقيه الكشفي: وهو فوج القديس جاورجيوس الارثوذكسي الدمشقي (تسمى الفوج الثاني بقانون حماية الحركة الكشفية السورية عام 1944) والرياضي المسمى نادي النهضة لألعاب الكرات والملاكمة والمصارعة بأنواعها والجمباز”.

كان النادي برئاسة الطيب الذكر القائد الكشفي المتميز المرحوم جورج درزي

نادي الغساني الرياضي لكرة القدم والكشفي ومقره الجميل والمتسع مع الملعب يصل الى حدود شارع حلب والمرتفع عن القصاع مجاور لفيلا اليس بمحلة الغساني اليوم وقد بنيت مكانه بناية سكنية وكان يرأسه المرحوم القائد الكشفي يوسف وهبة عضو المجلس الملي الارثوذكسي البطريركي. وكان لكل ناد ملاعبه التي تتناسب مع الأنشطة التي يقوم بها.

كشافة فوج الصليب المقدس
كشافة فوج الصليب المقدس

وكان للروم الكاثوليك فوج كشفي اسمه فوج العمل الكاثوليكي تأسس على ما اذكر عام 1937 بالقرب من برج الروس، وكان للأرمن ناديي الهومنتمن والهو منمن ترتبط بأحزابهم السياسية وصارت تحمل ترتيباً كشفياً هو الفوج الخامس والفوج الثامن يوجد لكل نادي فوج كشفي، كل هذه الاندية الرياضية والكشفية كانت تتنافس لما فيه اظهار ذاتها وحيها ومن تنتمي اليه بأبهى صورة… ثم استأجر السريان الارثوذكس مقرا لفرقتهم الكشفية وكانت تحت اسم الفرقة 21

احتفالات كنيسة الصليب بالشعانين مع الكشافة
احتفالات كنيسة الصليب بالشعانين مع الكشافة

إلا أن توسع الحي أدى إلى هدم هذه الملاعب والأندية، وإقامة أبنية سكنية عوضاً عنها فتدنت ديناميتها الى مايشبه الصفر.

كانت هذه الاندية الرياضية في طليعة الرياضة السورية (كما كانت في الحركة الكشفية) وقد سبقت كل مناطق دمشق وبعض المدن السورية وقبل ان يقام تنظيم يضم الاندية الرياضية من القوة وحسن التدريب مايجعلها تقيم دورات في العاب الكرات وبطولات على ملاعبها في القصاع على كؤوس بمشاركة اندية من المحافظات السورية ومن لبنان…كوعينا لنادينا نادي النهضة…وبكل اسف فان اقامة الاتحاد الرياضي العام وخطة دمج

الاندية ضرب خصوصية وفرادة هذه الاندية فانعكست سلباً على مسيرتها اضافة الى استملاك او بيع اصحاب الاراضي لها لاقامة بنايات سكنية فتوقفت الرياضة القصاعية سواء كانت بألعاب الكرات او القوى او القوة، وحتى الآن…

ولم يبق الا نادي الثورة اليوم المقام في موقع مدرسة اليونان اليوم والمختص بكرتي السلة والطائرة وهو خاضع للاتحاد الرياضي العام.

القصاع سوق صاخب

القصاع لم يعد حياً سكنياً لأهله بل صار سوقاً صاخبة
القصاع لم يعد حياً سكنياً لأهله بل صار سوقاً صاخبة

منذ اواخر السبعينيات من القرن 20 بدأت فورة البناء الحديث في القصاع وحاراتها فحلت الابنية الحديثة محل البيوت التقليدية وصارت تحت كل بناء عدد من الدكاكين، وشقت شوارع جديدة واهمها امتدار شارع الزينبية او امتداد شارع بغداد، ليصل الى منطقة الزبلطاني وهناك أقيم سوق هال جديد بديلاً عن سوق الهال القديم الكائن في آخر شارع الملك فيصل…

وكانت ثمة عدة دكاكين تحت الابنية العربية القديمة في شارع القصاع المعروف ب”السكة” اي التي تمر فيها حافلات الترامواي والسيارات القليلة وقتئذ، وكانت هذه الدكاكين في معظمها بإدارة باعة يهود من قاطني حارة اليهود في دمشق القديمة، وقد فتحوا محالهم في القصاع وامتهنوا بيع الاقمشة ولوازم الخياطين والزجاج والدجاج الحي والبيض اللحامين ومنهم اطباء كطوطح، وكان يقطن ولايزال قلة من المسلمين الذين عاشوا ولازالوا اخوة احباء للغالبية العظمى من السكان وخاصة عندما بدأت البنايات الحديثة منتصف الخمسينات، وكان يوجد باعة خضار ولحامين كانوا في معظمهم من المسلمين سكان الغوطة الشرقية مع بعض محلات الحمص ( المسبحة) والفول ك”الدرويش” مدخل حارة الصليب الاولى وباعة الفلافل والعلافين ومصابغ

الكوي، فيما كانت البقاليات وباعة المشروبات الروحية والمشارب، وكان مقر شركة بيتنجانة وكبريتة وبقلة للمشروبات الروحية بين باب توما وبرج الروس و(الافران بيد ابناء معلولا) وصالونات الحلاقة ( الرجالية والنسائية) وورش تفصيل الاحذية الرجالي والنسائي والخياطين والأطباء والصيدليات كلها بيد المسيحيين ابناء المحلة.

لما انتشرت الدكاكين مطلع الثمانينات أقبل اليهود والمسلمين من كل مناطق دمشق بكثافة على استئجار هذه المحال وبدأت معها تجارة الالبسة والأحذية الجاهزة وانتهت بالمطلق دكاكين الجوخ والاقمشة التي كانت بيد اليهود قبلاً وقد حولوها الى البسة جاهزة…

وخصصت محافظة دمشق مشكورة يوم الأحد عطلة اسبوعية لهذا السوق بغض النظر عن أديان تجاره، عدا اليهود الذين لفرط خصوصيتهم الدينية، تم استثناؤهم من العطلة الاسبوعية للسوق اي الاحد، حيث خصصوا بيوم السبت، وكل كل متجر يضع يافطة في واجهة محله تحدد العطلة الاسبوعية إما يوم الاحد وهي الغالبة، او يوم السبت لليهود حصراً.

ولما مضى حوالي العقد وأكثر قليلاً وفي منتصف التسعينيات من القرن 20 سمح لليهود السوريين بمغادرة سورية حيث كانت الدعاية الصهيونية والاميركية تصور اليهود في سورية انهم معتقلين ونشطت المساعي الدولية والاميركية ونجحوا بمساعي الوسيط الاوغندي عيدي امين من السماح لهم بمغادرة سورية لكن ليس لى الارض المحتلة بل الى اميركا وسمح لهم في هذه الحال بالعودة الطوعية الى سورية موطنهم الاصل،

الغساني
الغساني

عندها سلموا محلاتهم بأثمان فاحشة لتجار مسلمين، لأن المسيحيين عموماً ليسوا تجاراً بل حرفيين ولا اموال بين يديهم، لذا لم يكن بمقدورهم دفع بدلات الخلو الفاحشة التي فرضها اليهود ولأول مرة في سوق استجار العقارات…وبهذا يكون اليهود قد استفادوا بشكل لايوصف من فضل القيمة العقارية بين استئجارهم للمحال بمبالغ عادية، وتسليمهم لهذه المحال للمستأجرين الجدد بمبالغ خيالية وقتئذ، والشيء ذاته طبقوه على البيوت التي سكنها بعض أغنياءهم في محلة القصاع وقتئذ لما خرجوا من حيهم الى حيث الابنية الحديثة في القصاع لكن لم يكونوا مالكين بل مستأجرين، فاستأجروها من اصحابها تجار البناء الذين كانوا في معظمهم مسلمين من مناطق جوبر، وسلموها ببدل الفروغ بمبالغ خيالية…

مقاهي القصاع الحالية
مقاهي القصاع الحالية
من مقاهي القصاع الحالية

منذ ذاك الوقت وتبعاً لما فعله اليهود قبيل مغادرتهم دمشق، فُرض على عقارات القصاع من دكاكين وبيوت إيقاع ثقيل بذلك هوبدل الفروغ…وكان ذلك بفعل اليهود ونظرتهم التجارية، وبالتالي حولوا اموالهم الى دولارات وكان منهم الكثير من الصيارفة وتجار الذهب الخام بالكيلو غرام، وهاجروا خارج الوطن علماً ان فريقاً كريماً منهم رفض الخروج من سورية الى الولايات المتحدة وبقي، ولكن معظمهم بعد ذلك وبفعل القوة القاهرة الخارجية من المنظمات اليهودية تركوا سورية وبقي عدد بسيط من كبار السن يعيشون منفردين في بيوتهم التقليدية الواسعة بحارة اليهود يرعاهم ويعطف عليهم جيرانهم بكل شيء.

وبذلك تحولت حارة القصاع الى سوق صاخبة لمختلف البضائع وانتشرت المقاهي الحديثة فيها والمطاعم السريعة لتواكب حركة السوق، مما شكل ارهاصات كبيرة نتيجة تحول الحي السكني الهادىء الذي كان فقط لسكانه وحياتهم الاجتماعية الى سوق صاخبة اصبحوا يشعرون بغربتهم فيه، مما أثَّر على تلاحمهم العائلي ،فالكل تقريباً اقارب، وعلى تلاحمهم الاجتماعي والديني وبدأت تتغير كل المظاهر الاجتماعية المحببة في أعيادهم كالكرنفالات والجولات الكشفية والسيف والترس والمساخر… والتي حملها آباؤهم من موطنهم الاصل في دمشق القديمة الى القصاع الذي انشأوه حياً عائلاً دافئاً، فصاروا يشعرون بكل اسف كما قلنا انهم أغراب في حيهم سيما وان معظم الباعة لايتقيدون بعطلة الاحد ولا يتقيدون بسلوكيات لطالما تقيد بها اهل الحي.

الضريبة لم يدفعها الا سكان حي القصاع.

حواشي البحث

1- مجلة المجمع العلمي العربي ( الجزء 3 من سنة 1957)

2-القيمرية محلة اسمها في العهد الرومي وحتى قرون متأخرة من الوجود الاسلامي آيا ماريا اي القديسة مريم اليونانية لكونها تجاور كنيسة المريمية، ابنة الثلث الاول من لقرن المسيحي الاول، وكان كل المحيط يحمل اسم ايا ماريا وقد تحول الاسم الى القيمرية مع الكثير من التسميات الاصل الى محدثة… وليس دقيقاً نسبة الحي الى (الشيخ القيمري الذي اقام المدرسة القيمرية على اسمه) كما تشير يافطة الحي المعتمدة من محافظة دمشق حيث لاوجود له بين الاعلام المسلمين وسواهم، ولم يسمع به احد ولو فرض ان هذا صحيحا فهذا يعني ان اسم الحي فرض ذاته على الشيخ المكور كلقب وعكسه على مدرسته…

3-نظام الامتيازات فرضته الدول الاوربية الكبرى على “الرجل المريض” اي الدولة العثماني وهو حق حماية المسيحيين في الدولة الثمانية وهو على النحو التالي:

– فرنسا والنمسا لهما حق حماية الكاثوليك بكل طوائفهم…

– انكلترا لها حق حماية البروتستانت والدروز وضمنا اليهود…

ساحة برج الروس وفي الصدر بناية سابا صعبية وبجانبها على الزاوية بناء احد القناصل عام 1913
ساحة برج الروس وفي الصدر بناية سابا صعبية وبجانبها على الزاوية بناء احد القناصل عام 1913
ساحة برج الروس وفي صدر الصورة بناء يعود الى عام 1913 لأحد القناصل الايطاليين وبجانبه البناء الضخم وهو بناية المحسن سابا جرجي صعبية وتعود الى العقد الثالث من القرن 20

– روسيا لها حق حماية الارثوذكس من روم سوريين ويونان ابناء بطريركيات انطاكية والقسطنطينية واورشليم، يتبع بهم ابناء الكنائس الشرقية الارمن والاشوريين والسريان… والسبب في ذلك عدم قدرة الدولة على حماية رعاياها من المسيحيين والاقليات…وبموجب ذلك صار للقناصل دور مهم جداً في حياة الدولة العثمانية لجهة حماية مصالح ونفوس هذه الاقليات.

4- وقد عرضته ادارة المستشفى الانكليزي والبعثة الراعية التي قررت مغادرة دمشق وانهاء عملها على بطريرك انطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس مثلث الرحمات الكسندروس الثالث (طحان) لتشتريه البطريركية بمبلغ مليون ليرة سورية كون البطريركية كان لها مستشفى ارثوذكسي هو مستشفى القديس بندلايمون الارثوذكسي وهو اول مستشفى خاص في دمشق عموماً وارثوذكسياً خصوصاً وكانت المستشفى في مايسمى “الحظيرة” في جمعية القديس بندلايمون أحدث عام 1900 بعد سنة من احداث مستشفى الروم ببيروت واستمر حنى 1930 تقريباً وتوقف لكونه مستشفى خيري لايتقاضى رسوماً من اغلبية الرعية وهي فقيرة، وبالتالي عدم وجود قدرة مالية لدى البطريركية والجمعية التي تديره للتعويض، كون ارثوذكس الشام كلهم من الفعاليات الحرفية والعاملة بعكس ارثوذكس بيروت وكلهم من التجارالذين دعموا المستشفى وهو تابع لمطرانية الروم الارثوذكس ببيروت بكل شيء) وكان هذا المبلغ ذاك الوقت مبلغ فاحش جداً لاقدرة للبطريركية على تأمينه بعد ان كانت قد باعت كل اوقافها في دمشق والاديرة البطريركية المرهونة من قبل البطريرك غريغوريوس الرابع (حداد) لتفي الديون وفوائدها الفاحشة لاطعام الجياع في فترة سفر برلك 1914-1918 ونتائج الثورة السورية المدمرة على الوجود المسيحي الارثوذكسي في حوران وجبل الدروز وتهجيرهم من قبل الثوار الجهلاء لأنهم مسيحيين كما المحتل الفرنسي بكل اسف وكانوا على عاتق البطريركية خلال 1925-1927 من إطعام وترحيل واعادة الى بيوتهم ومنح شهرية والتعويض عليهم عن كوارثهم في بيوتهم واراضيهم وكنائسهم بدون تعويض من الفرنسيين او الدولة بعكس الطوائف الكاثوليكية التي قامت المفوضية الفرنسية العليا بالتعويض عليهم في كل فترة الانتداب…

اضافة الى النهج المعتاد عند البطريركية الارثوذكسية وسائر مطرانيتها التي لاتفرق بمساعداتها بين كل ابناء الوطن لذلك قدمت /وفوق احمالها من ديون وفوائد باهظة/ المساعدات المالية والاغاثية للمسلمين المدمرة بيوتهم بقصف دمشق من قبل الفرنسيين واحتراق أسواق برمتها كمحلة سيدي عامود وقصورها الجميلة جداً والتي اسميت “الحريقة” تبعاً لذلك.

بالنسبة لعرض ادارة المستشفى الانكليزي وبالرغم من تشجع البطريرك طحان لاعادة بعث المستشفى الارثوذكسي الدمشقي الخيري،الا انه اعتذر لعدم وجود اي مال لدى البطريركية وبالتالي عدم وجود مايكفي لمصروف البطريركية لانعدام موارد تأجير معظم أوقافها الباقية بعد بيع معظمها، هذه كانت بيوتاً بسيطة يسكنها فقراء الطائفة بالمجان او شبه المجان…

ووفق لأحكام القانون السوري فكان على البعثة الانكليزية ان تبيعه قبل مغادرتها او ان تهبه الى الحكومة السورية في عام /1958/ فسمي مستشفى الزهراوي نسبة للطبيب والجراح الأندلسي “أبو القاسم خلف الزهراوي” وقد تولته وزارة الصحة وحولته الى” مستشفى الزهراوي للتوليد وامراض النساء”.

5- انظرها في بحثنا عن كنيسة الصليب المقدس بموقعنا هنا…

6- بستان الصليب المقدس كان منذ القرن الرابع وحتى عام 1401 عليها دير الصليب المقدس الرهباني الرجالي وقد دمره تيمورلنك المغولي وذبح رهبانه، واندرس الدير لكن بقي كبستان يحمل اسمه الاصل بستان الصليب المقدس. اما ساحة برج الروس وفق التسمية الحالية، فقد اقام فيها تيمورلنك وكانت بيدراً كبيراً مجاوراً لدير الصليب اقام برجاً من رؤوس الدمشقيين انتقاماً منهم على مقاومتهم له فقتل كل الذكور وقطع رؤوسهم ومنه ايضاً رهبان دير الصليب…

ملاحظة هامة:

(نرجو من كل من يريد ان يستفيد من مفالنا هذا وكل مقالاتنا في موقعنا هنا ذكر المصدر  وهو حقنا المصون بقانون النشر وفق ابسط ادبيات النشر  ولنا ملء الأمل بذلك) وسنكون آسفين الى اللجوء الى الاصول القانونية للحفاظ على حقنا في الملكية الفكرية وعدم استلابها.

شكراً…

 

 

 

 

  • Beta

Beta feature

  • Beta

Beta feature

  • Beta

Beta feature

  • Beta

Beta feature

  • Beta

Beta feature

  • Beta

Beta feature

  • Beta

Beta feature

  • Beta

Beta feature

  • Beta

Beta feature

  • Beta

Beta feature

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *