دير القديس جاورجيوس الحميراء البطريركي

دير القديس جاورجيوس الحميراء البطريركي

دير القديس جاورجيوس الحميراء البطريركي

من أديار الكرسي الإنطاكي المقدس البطريركية مع دير سيدة صيدنايا البطريركي ودير القديسة تقلا البطريركي في معلولا (1)الواقعة في سورية، ونسبة “البطريركي” تأتي من تبعيته لغبطة البطريرك الإنطاكي.

مكان الدير

يقع هذا الدير الشهير في منطقة وادي النصارى/ قضاء تلكلخ بين حمص وطرابلس إلى الشمال الغربي من قلعة الحصن.

تاريخ الدير

يرجع عهد بنائه الأول إلى القرن السادس زمن الإمبراطور حسن العبادة يوستنيانوس الذي بنى دير سيدة صيدنايا البطريركي ودير القديس حنانيا الرسول ( كنيسة القديس حنانيا الرسول في محلة الميدان بدمشق، كما يذكر التاريخ الكنسي والمراجع العربية والأجنبية.

في التسمية

اسم الحميراء من المرجح أنه منسوب إلى موقع أثري اسمه الحميراء بالقرب من هذا الدير ويرجح أن يكون موقعاً لقرية قديمة تحمل هذا الإسم نسبة لإله المطر عند الشعوب القديمة.

يُرجع بعض علماء الآثار لفظة حميراء إلى الكلمة اليونانية (خوميروس) التي تعني “السيل”. والمنطقة معرّضة للأمطار الغزيرة والسيول في فصل الشتاء. كما يقال بأن الدير شُيّد على أنقاض هيكل وثني للإله هوميرا، وهذا الهيكل هو الذي أصبح أساساً للدير المعروف حالياً بالدير القديم وهو الطابق الأرضي الأول.

وهناك إحتمال بأن تكون تسمية الدير (الحميراء) معرّبة عن الكلمة اليونانية أُموييَّروس وتعني “الأخوية الروحية ذات الحياة المشتركة”.

هندسة الدير(2)

دير القديس جاورجيوس الحميراء البطريركي
واجهة الدير وباب الحرم الخارجي

يتميّز الدير بكبر حجمه الذي يجذب انتباه الناظر إليه، بخاصّة من الجهة الجنوبيّة. الأسلوب العمرانيّ غير متجانس بما أنّ الدير، منذ العصور المسيحيّة الأولى، ما انفكّ ينمو ويتبنّى أشكالاً عمرانيّة جديدة. وبخلاف أديرة لبنان، التي شهدت بشكل عامّ، فترات من الهجران والدمار، فإنّ الحياة الرهبانيّة في دير القدّيس جاورجيوس – الحميراء، نعمت باستمراريّة ناشطة على مدى قرون من الزمن.

دير القديس جاورجيوس الحميراء البطريركي
واجهة الكنيسة الرئيسة والباب المقنطر الثلاثي

 أسوار الدير تجعله أشبه بالقلعة. وهو يتألّف من أربعة طوابق ويحتوي على كنيستين وخمس وخمسين غرفة، تستخدم لأهداف متنوّعة: فمنها الصوامع ومنها غرف الاستقبال والأقبية، فالمخازن، والإسطبلات. الجزء الأقدم، وهو اليوم يشكّل الطابق السفليّ، كان في الأصل مغارة تحوط بها صوامع النسّاك. الواجهة الجنوبيّة، التي ما تزال بحالة جيّدة، تعود إلى العهد المسيحيّ القديم: فبابها وعتبتها، المبنيّة من الحجر البركانيّ الملبّس بأناقة، كانا يكوّنان المدخل الرئيس للدير، وهما شاهدان فريدان على أقدم حقبة في تاريخه. الباب منخفض جدًّا (93×64 سنتم) بحيث يتوجّب على المرء الانحناء ليمرّ عبره. ثمّة أبواب صغيرة مماثلة تعود إلى المرحلة الممتدّة بين القرنين الرابع والسادس، نجدها في أنحاء سورية كافّة وقد حفرت على بعضها رموز مسيحيّة. بجانب هذا المدخل توجد نافذة صغيرة، كان الرهبان يوزّعون عبرها، الطعام على المحتاجين ويبشرون بمبادئ الإيمان.

دير القديس جاورجيوس الحميراء البطريركي
الدير القديم تحت الارض

يؤدّي الباب الصغير إلى أربع غرف متلاصقة تعلو جميعَها قببٌ أسطوانيّة. الغرفة الأولى طويلة وضيّقة ويخترق جدارها الغربيّ باب. الثانية مظلمة وفي وسطها بئر، وجدارها الخلفيّ يتكوّن من الصخر الصلب. أمّا الغرفة الثالثة فتنيرها فتحة في السقف. وفي ما خلا الجدار الصخريّ فإنّ جدران هذه الغرفة مبنيّة بحجارة غير متناسقة وغير مصقولة. ومؤخّرًا بوشر بالتنقيب في هذه الغرف السفليّة بهدف إزالة الوحل الذي كان يغطّي أرضها، والذي بلغت سماكته الخمسين سنتمترًا. والواقع أنّ هذه الغرف المبنيّة جزئيًّا في الصخر، والتي تدور جميعها حول مَقدِسٍ مركزيّ، تدلّنا على الشكل الأوّل للرهبنة الذي انتشر في سورية، في العصور المسيحيّة الأولى. وفي مرحلة لاحقة رصفت الأرض بالبلاط ودخلت الإنارة الغرف، من أجل عرض الممتلكات والأدوات القيّمة المحفوظة في الدير.

دير القديس جاورجيوس الحميراء البطريركي
الدير القديم
دير القديس جاورجيوس الحميراء البطريركي
الدير القديم

تكاد الكنيسة التي شيّدت في عهد الفرنج تحتلّ الطابق الأرضيّ بكامله. وكان مدخلها الغربيّ الأصليّ بابًا خفيضًا مبنيًّا بالحجر البركانيّ وهو يشبه باب الطابق السفليّ، ما عدا الصليب المحفور فوقه. ومؤخّرًا كشفت الجدران وهي مبنيّة بحجارة غير مقصّبة. تتألّف هذه الكنيسة من صحن واحد تعلوه ثلاث قبب مضلّعة ترتكز على أفاريز مزدوجة اللون يتكوّن كلّ منها من تاج أبيض، يستند إلى عمودين أسودين قصيرين. وعلى هذه التيجان حُفرت أزهار الزنبق أو أقواس في داخلها صلبان وأوراق. والجدير بالذكر أنّ شكل التاج ومظهره وبخاصّة استخدام اللونين، هي ميزة خاصّة بالفنّ المملوكيّ.

يقسم إيقونسطاس أنيق الصحن عن الهيكل الذي ينتهي بحائط مستقيم وتعلوه قبّة أسطوانيّة عَرضيّة الامتداد. ومن الملاحظ في أسفل الإيقونسطاس الخشبيّ، وجود جدار خفيض مغطّى بالآجرّ الخزفيّ العثمانيّ العهد، الذي يدلّ تراصفه غير المتناسق على أنّه استخدم سابقًا في موضع آخر. ثمّة، في الجدار الشماليّ للهيكل، كوّة كبيرة مربّعة الشكل مغطّاة بشعريّة برّاقة وغير مألوفة، قوامها حجارة سوداء وبيضاء، وهذا نموذج موجود أيضًا في العمران المملوكيّ. وتشير هذه الشعريّة وأفاريز الهيكل إلى أنّ الكنيسة، وإن شُيّدت في الأصل في العهد الفرنجي، فقد رُمّمت في العهد المملوكيّ.

 ما يزال البلاط القديم في النصف الشرقيّ من الهيكل بحالة جيّدة. ونجد أمام الإيقونسطاس شكلاً زخرفيًّا، من الفسيفساء الملوّنة منسّقًا بطريقة هندسيّة. ومن النادر في هذه المنطقة وجود كنائس حافظت على بلاطها الأصليّ، ولاسيّما إذا كان من الفسيفساء.

دير القديس جاورجيوس الحميراء البطريركي
كنيسة الطابق الارضي
دير القديس جاورجيوس الحميراء البطريركي
كنيسة الطابق الارضي
دير القديس جاورجيوس الحميراء البطريركي
المائدة المقدسة في هيكل كنيسة الطابق الارضي

أبنية الدير الرئيسة نجدها على مستوى الطابق الأول. بعد أن تركن سيّارتك في ساحة كبيرة معبّدة، تدخل الدير عبر بوابة تعود إلى العصر الوسيط رمّمت حديثًا، وتتألّف من باب استُحدث في قنطرة مزيّنة بالنقوش. ثمّ يقودك ممرٌّ مقبّبٌ إلى الساحة الداخليّة، التي يحدّها عن اليمين، مكتب استعلامات ومحلّ بيع وغرف انتظار. إلى اليسار يمتدّ رواق ضخم مقنطر، خلفه مكتب الأسقف وقاعة المحكمة وغرفة استقبال واسعة. وهذا القسم يرقى إلى العهد العثمانيّ.

دير القديس جاورجيوس الحميراء البطريركي
الممر المقبب في فناء الدير الداخلي

لا يجمع بين الأبنية المحيطة بالساحة الداخليّة نمط عمرانيّ موحّد، ذلك بأنّها شيّدت في حقب زمنيّة متباعدة. في الواقع، لا يوجد في البطريركيّة الأنطاكيّة أيّ دير يمكن أن يقال عنه إنّه يملك نمطًا عمرانيًّا متناسقًا بالكامل، ذلك بأنّ الأبنية التي تضاف حديثًا، نادرًا ما يُخطّط لها أن تتلاءم والقديمة. على سبيل المثال، يتألّف الجناح الواقع شرق الساحة الداخليّة والذي شيّد في عهد الأرشمندريت جراسيموس (1870-1900)، من سلسلة من القناطر وطابق علويّ، ولكنّ الجهتين الجنوبيّة والغربيّة خاليتان من القناطر، والنوافذ الموجودة في الحائط الخارجيّ لغرفة الطعام، تطلّ على وادٍ أخضر. وفي الطابق العلويّ من الجهة الجنوبيّة غرف الزوار. أمّا صوامع الرهبان، فهي في الطابق العلويّ من الجهة الغربيّة.

دير القديس جاورجيوس الحميراء البطريركي
الجناح الشرقي فوق الممر المقبب في الدير من الفناء الداخلي
دير القديس جاورجيوس الحميراء البطريركي
طبقتا الجناح الجنوبي من الفناء الداخلي للدير
دير القديس جاورجيوس الحميراء البطريركي
الجناح الغربي من الفناء الداخلي

 ثمّة في الساحة الداخليّة أدراج تؤدّي إلى الكنيسة القديمة القائمة في الطابق السفليّ. يتألّف القسم، شمال الساحة الداخليّة، من رواق مقنطر يؤدّي إلى الكنيسة الجديدة التي بنيت بين العامين 1857 و1863، والتي تتكوّن واجهتها الخارجيّة البسيطة والمتواضعة من الحجر الكلسيّ المغريّ اللون، وتقتصر زخرفتها على بعض الكوّات المستديرة. تعلو الكنيسةَ قبّةٌ نصف دائريّة، وتغطّي السطحَ، باستثناء القبّة، حجارة قرميديّة حمراء تُضيف لمسةً من الابتهاج إلى بساطة البناء الخارجيّ. لكن ما إن تدخل الكنيسة، حتّى تُدهَش لحجمها وفخامتها إذ هي تشبه كنائس العصور الوسطى الفرنسيّة، من حيث هندستها الغوطيّة المحدثة التي كانت رائجة جدًّا في القرن التاسع عشر. يتبع مخطّط الكنيسة شكل الكاتدرائيّة مع قبّة نصف دائريّة. وثمّة صفّان من الأعمدة المفصّصة التي تنتهي بتيجان، تسند الأقواس المسنّنة، تقسم الكنيسة إلى ثلاثة أجنحة. كما ثمّة أعمدة ذات تيجان جُعلت في جدران الجناحين الجانبيّين كدعائم لها وهي تشبه، من حيث الشكل، أفاريز الكنيسة القديمة. أمّا ارتفاع الكنيسة فهو على مستويين: المستوى الأوّل يحتوي على قناطر مسنّنة وعريضة، والثاني على قناطر مستديرة الرأس مزوّدة بنوافذ تمتدّ بمحاذاة الجدران العلويّة ما يسمح بإنارة جيّدة للداخل. وقد كشفت الجدران فبرز الحجر المتناسق الجميل، وكانت  الرسوم تغطّي هذه الجدران إلا أنّها تضرّرت بسبب الرطوبة وامّحت. وفي الهيكل ثلاث موائد روسيّة الصنع.

دير القديس جاورجيوس الحميراء البطريركي
داخل كنيسة الدير الرئيسة
دير القديس جاورجيوس الحميراء البطريركي
الكنيسة الرئيسة للدير
دير القديس جاورجيوس الحميراء البطريركي
الطبقة الارضية للدير ويبدو تحت الدرج مدخل الدير القديم والزاوية اليمنى باب الكنيسة الارضية
دير القديس جاورجيوس الحميراء البطريركي
صورة من منتصف درج الطبقة الارضية الى كتلة الكنيسة الرئيسة
دير القديس جاورجيوس الحميراء البطريركي
الجناح الشرقي في الطبقة الارضية

 تفيد الرسائل الرسميّة المحفوظة من القرن التاسع عشر، أنّ ثمّة خانًا كان يقوم في الطابق الأرضيّ بجانب الكنيسة القديمة. وعندما ضاق بالأعداد الكبيرة من الزوّار والمسافرين الذين كانوا يأتون إلى الدير، جرى توسيعه وتجديده. وقد كتب رؤساء الدير تباعًا إلى المسؤولين العثمانيّين، في المنطقة، طالبين الإذن ببناء خان جديد، لكنّ الإذن أعطي فقط في العام 1876، حيث بدأت أعمال البناء. هكذا، أُضيف الخان الغربيّ إلى القسم الغربيّ من الدير. وبما أنّه كان يستقبل أعدادًا كبيرة من المسافرين، أُطلق عليه اسم “خان الموسم الحارّ”. ثمّ حوِّل لاحقًا  إلى طاحونة، وبعدها إلى معصرة زيتون ما يزال راقودها الحجريّ موجودًا. أمّا اليوم، فيُستخدم هذا الخان كقاعة كبرى لإقامة النشاطات الديريّة المتنوّعة، والخان القديم المخصّص لزوّار فصل الشتاء هُدم.

(انتهى الاقتباس من صفحة الدير الرسمية)

الدير القديم

بُني هذا الدير على الطريق الروماني العام المؤدي من السواحل البحرية إلى البلاد الداخلية كحمص وتدمر وعبر الصحراء. وقد كان في بادئ الأمر كهفاً تحيط به بعض القلالي(3) البسيطة للرهبان. وله واجهة جنوبية رومية فيها مدخله الرئيس. الباب والأعتاب منحوتة من الحجر الأسود، إرتفاعه 93سم وعرضه 64سم. وإلى جانبه نافذة حجرية كان اخوة الدير يناولون منها الخبز والطعام للمحتاجين وأبناء السبيل وكان أحد الرهبان المثقفين يطلّ من هذه النافذة ليعلّم الناس قواعد الدين والآداب.

الطابق الارضي

دير القديس جاورجيوس الحميراء البطريركي
دير القديس جاورجيوس الحميراء البطريركي


بني هذا الطابق زمن الفرنجة(4) في القرن الثاني عشر، بوابته نحو الغرب بإرتفاع الأولى وعرضها كذلك، وهي أيضاً من الحجر الأسود وموشاة برسم الصليب ويسمى هذا الباب باب الفرس لأن الفرس كانت تدخل منه على صغره. وفي هذا الطابق كنيسة تسمى القديمة بالنسبة إلى الجديدة في الطابق الثالث، يقوم سقفها على عقد معلق في الجدران وفيها أيقونسطاس خشبي غاية في الدقة والإتقان محفور حفراً فنياً رائعاً من صنع رهبان الدير ولا ندري كم استلزم من وقت لإنجازه والجميل فيه عدم غزو السوس له. وفيه مجموعة رائعة من الأيقونات من أول القرن الثامن عشر ورثت الفن الرومي وأعطته سمات محلية خاصة لذلك اصطلح على تسميتها (الأيقونة السورية).

وقد استهوى هذا الفن هواة الأيقونات فقامت عصابة منهم بسرقة أيقونة القديس جاورجيوس وبلغت إلى لندن حيث عُرض فيها مبلغ 25ألف جينه استرليني فاسترجعها الانتربول (البوليس الدولي) وأعيدت إلى الدير من عام 1979.

أما الطابق الثالث الحديث ففيه كنيسة فخمة من القرن التاسع عشر من فن البناء القوطي لها قبة عالية ترى من بعيد وفيها ايقونسطاس خشبي بديع النقش يُعد من أهم الأيقونسطاسات الخشبية في كنائس سورية ولبنان وقد دام صنعه مدة أربع وثلاثين سنة وأيقوناته من صنع مدرسة القدس في القرن التاسع عشر.

ويصعد من داخل الكنيسة إلى شعرية في الجانب الغربي من الكنيسة وفي زاويتها الجانبية قبة جرس الكنيسة أي أن قرع الجرس يتم من داخل الكنيسة.

ويوجد في خزانة الدير أواني كنسية من كؤوس وصواني وصلبان وغيرها فريدة في العالم المسيحي. كما توجد أيضاً مخطوطات ووثائق أخرى وكتب تواصي وامتيازات وبلا شك فإن أهمها هي العهدة “العهدة النبوية” مخطوطة أثرية موجهة من النبي “محمد” إلى النصارى في دير القديس “جاورجيوس” والمنطقة المحيطة به، تتكلم عن تعهد سلام وأمن بين المسلمين والمسيحيين كضمان من الرسول “محمد” وكل الصحابة الذين ختموها. وهي على رق غزال التي توصي بالمسيحيين وكنائسهم وأديارهم وبيعهم وعدم الإعتداء عليها, وقد تم التأكد من أصالتها بنتيجة الأبحاث الدقيقة التي أجريت عليها وهي مؤلفة من قسمين على ورق طويل، القسم الأول هو الأصل ومنسوخ بالخط الكوفي، والقسم الأدنى وهو بخط واضح وهو نسخة طبق الأصل عن العهدة. وفي الدير هدايا من ملوك الأرمن والكرج والروس.

ويعتبر دير القديس جاورجيوس من الآثار الهامة في سورية ويشكل مع قلعة الحصن (قلعة الفرسان كما يسميها الأجانب) مكاناً سياحياً هاماً فضلاً عن قيمته الدينية الخاصة إذ يؤمه الناس من جميع الأديان والطوائف والأجناس يحملون إليه النذور والهدايا ويكرّمون عجائب شفيعه القديس جاورجيوس العظيم في الشهداء.

في الدير حوالي ستين غرفة تغص بالزائرين في طابقه الثالث إضافة إلى وجود خانات ومستودعات كبيرة وقاعات للمحاضرات. والصوت يسمع فيها بوضوح بدون استعمال مكبرات صوت.

كما أن فيها قاعة المعصرة التي كانت فيما مضى تستعمل كمعصرة للزيتون في حرم الدير من الناحية الجنوبية، وتستخدم اليوم كقاعة طعام واجتماعات كبيرة. وفي داخل الدير فرن يمكن استخدامه مجدداً حيث أبقي عليه بالرغم من التحسينات العصرية.

مشهد بانورامي للدير مع سوق العرضي
مشهد بانورامي للدير مع سوق العرضي

 

وفي الجهة الشمالية خارج الدير سوق قديم يدعى “العرضي” بناه مثلث الرحمات البطريرك ملاتيوس الدوماني(1899- 1906) وهو مؤلف من خطين متوازيين من المتاجر كان ولا يزال يفتح موسمياً في كل عام في الإحتفالين الكبيرين: عيد القديس جاورجيوس شفيع الدير 6 أيار وعيد الصليب 14 أيلول حيث يحج الناس من مختلف أنحاء سورية ولبنان والأردن إليه. وفي ساحة الدير الخارجية الشرقية بناء يستعمل لإقامة المعسكرات الصيفية للطفولة والشباب أما بالنسبة للخانات الغربية فتعود إلى أيام حملة ابراهيم باشا المصري على بلاد الشام في الفترة ما بين 1831-1840 وكان الجيش المصري وقتها يتقدم بقيادة ابراهيم باشا بإتجاه الأناضول مطارداً فلول العثمانيين. فعسكّر في منطقة الفوّار الشهير ونظراً لجمال المنطقة الخلاّب فقد أحب التجول فيها مع ثلة من ضباطه ترويحاً للنفس فتوجّهوا إلى الدير على صهوات الجياد وكان الدير وقتئذ في دوره الثاني حيث لم يكن الطابق الثالث قد بنيّ بعد. فلاحظ الباشا راهباً رث الثياب وأمامه سلتين كبيرتين إحداهما فيها أرغفة خبز والثانية تين وكان يعطي منهما لصف طويل من الفقراء بينما كان راهب ثان يطل من نافذة عالية يلقن جماعة من الناس العلوم والآداب.

سأل ابراهيم باشا مرافقيه عن الدير وعن هذين الراهبين وفهِمَ بأن الدير على اسم “الخضر” القديس جاورجيوس -عند المسلمين- وأن فيه رهبنة تتولى إطعام الناس وتعليمهم وأن هذا الدير محط للقوافل المتّجهة من وإلى الساحل السوري. كما عرف مقدار التعدّيات الواقعة على الدير سواء من الآغوات أو الحكم العثماني وحتى الفقراء.

دخل ابراهيم باشا ومرافقوه الدير فاستقبلهم بالترحاب الشديد رئيس الدير والرهبان بالرغم من عدم معرفتهم أنه القائد ابراهيم باشا الذي كسر الجيوش العثمانية الجرارة وأُولمت لهم وليمة من موجودات الدير. فَسُرَّ القائد ابراهيم باشا من هذه الحفاوة ثم غادر وصحبه الدير بعد الطعام إلى المعسكر في الفوار.

ابراهيم باشا المصري بن محمد علي حاكم مصر
ابراهيم باشا المصري بن محمد علي حاكم مصر

 

وللحال أرسل رسولاً إلى رئيس الدير يطلبه إليه, فعندما بلّغَ الرسول المضمون لرئيس الدير، خاف الأخير وقد خشيَ من تقصير ما قد اقترفه بحق هؤلاء الضباط وان النتائج ستكون وخيمة على الدير: “ألا يكفي الدير ما يقاسيه من ظلم الآغوات والجوار؟” وكان على هذه الهواجس طيلة الطريق. وعندما وصل إلى السرادق وشاهد ابراهيم باشا جالساً في صدره، خاف أكثر لأن التقصير موجّه إليه حيث كان هو من زار الدير!!!. لكن ابراهيم باشا وقف وتقدّم إليه مصافحاً واصطحبه إلى صدر المكان وأجلسه عن يمينه، ثم شكره على الحفاوة التي قابله بها ومن معه (ولم يكن يعرفه ويعرفهم). فتنفس رئيس   الدير الصعداء، ثم استوضحه الباشا عن وضع الدير والمشاكل التي يتعرض لها من أهل المنطقة والآغوات، سمعها  الباشا باهتمام ووعد الرئيس بتقديم الحماية للدير من التعديات على اوقافه واملاكه ورهبانه، ووجه قواده لتحقيق ذلك. ثم قدّم للرئيس صرّة كبيرة من “المصرية(5)” لينفقها في إنشاء خانات للمسافرين والقوافل. وودعه مشيّعاً بالإحترام وأمر بإيصاله إلى الدير وكان أول ما فعله رئيس الدير تقديم الشكر لصاحب الدير وشفيعه القديس جاورجيوس على ذلك وأشاد فوراً هذه الخانات وكانت بداية لبناء المرحلة الثالثة من الدير.

مدرسة الدير الإكليريكية

منذ بدايات هذا الصرح الروحي الشامخ لعب دوراً رائداً كمدرسة إكليريكية وعلمانية في آن معاً وكان هو المدرسة لكل المنطقة حتى الأربعينات والخمسينات من هذا القرن. وتعاقب على إدارتها معلمون أكفّاء من كهنة وعلمانيين ومنهم من ترك بصمات واضحة أمثال الارشمندريت ايصائيا عبود والارشمندريت الكسندروس حجى. وكانت رهبنة الدير عامرة، وتتعلم في هذه المدرسة وتقوم بالتعليم أيضاً لأبناء القرى المجاورة، وكثيراً ما تخرّج من هذه المدرسة خيرة الكفاءات وكانت ومدرسة دير البلمند تقومان بهذه المهمة خير قيام. ومن خريجي مدرسة دير القديس جاورجيوس ابي الروحي الأب  للرهبنة والدراسةالخوري البحّاثة أيوب سميا عضو الجمعية الجغرافية السورية مؤرخ دمشق في العصر الحديث. وكان قد تواحد في هذا الدير  للرهبنة والدراسة في أواخر الحكم التركي حتى عام 1920 قبل أن ينتقل إلى دمشق بأمر مثلث الرحمات البطريرك غريغوريوس الرابع.

واقع الدير حالياً

منذ تربعه على السدة الإنطاكية اهتم البطريرك إغناطيوس الرابع بالأديار البطريركية وخصوصاً دير القديس جاورجيوس الحميراء نظراً لمكانته الكبرى قديماً وحاضراً على مستوى الكرسي الإنطاكي ولوجوده في وسط أرثوذكسي كامل وحتى يأخذ دوره في القيادة الروحية في هذا الوسط المتعطش للرعاية والإرشاد لذلك اتجهت الخطوات العملية في سبيلين اثنين:

1- تجديد بناء الدير وكشف أحجاره وترميم غرفه وإحداث إحداثات عمرانية فيه لمواكبة العملية الإرشادية في حقول الطفولة والشباب الأرثوذكسي كما جُعِلَ ملتقى مسكونياً وزوّد بما يلزم لتنفيذ ذلك على أكمل وجه.

2- إعادة إحياء الحياة الروحية في هذا الدير العريق عن طريق إحياء الرهبنة فيه وتهيئة الشباب المتخرجين من جامعة البلمند/ معهد القديس يوحنا الدمشقي الأرثوذكسي اللاهوتي للعيش في هذا الجو الروحي تمهيداً لصيرورتهم خدّاماً لمذبح الرب.

 وقد حققت هذه الخطوات نجاحاً ملموساً والمأمول انتشار النهضة الروحية في كل وادي النصارى.

احتفالات عيد الصليب في غروب 14 ايلول
احتفالات عيد الصليب في غروب 14 ايلول

 

وبجهود عظيمة من رهبنة القديس جاورجيوس الحميراء البطريركي  التي احدثها ورئسها  رئيس الدير الارشمندريت  يوحنا يازجي ثم عندما انتخبه المجمع المقدس اسقفا معاونا لمتروبوليت عكار باسم اسقف الحصن حيث بقي رئيساً للدير لعب دورا عظيما في انعاش الحياة الروحية في هذا الوادي الارثوذكسي  الذي كان مهملاً من الناحية الروحية واستقطبت الرهبنة اعدادا وفيرة من شباب الوادي اضافة الى مدرسة اعداد الكهنة ومدرسة الموسيقا الرومية والدورات المتتالية للمدرستين الرائدتين لطالبي الكهنوت  ولعشاق الموسيقى الرومية الأخاذة … هذه الانشطة الروحية اعادت للدير مكانته كمنارة روحية اضاءته مجددا بقوة وبشكل اعاد اليه القه الروحي الرهباني القديم.

لقاء روحي تنظيمي معتاد لكهنة ابرشية دمشق وريفها( ابرشية المقر البطريركي) في دير القديس جاورجيوس
لقاء روحي تنظيمي معتاد لكهنة ابرشية دمشق وريفها( ابرشية المقر البطريركي) في دير القديس جاورجيوس

كان الزائر يشعر برعشة روحية حقيقية بمجرد دخوله لبناء الدير فالمشاهدات والهمة الروحية وكثافة الشباب من الجنسين من كل ارجاء الكرسي كانت تعيد للزائر مجد المرحلة الاولى من عمر هذا الدير  العريق…

اليوم وبتوجيه من غبطة البطريرك يوحنا العاشر عاد الدير  الى تألقه الروحي  الذي كان عليه لما كان  برئاسته

غبطة البطريرك يوحنا العاشر بطريرك انطاكية وسائر المشرق
غبطة البطريرك يوحنا العاشر بطريرك انطاكية وسائر المشرق

في العقد الاخير من القرن العشرين ومنتصف العقد الاول من القرن الحالي قبل ان ينتخب متروبوليتا لأبرشية باريس واوربة الغربية وكانت اولى اعماله الادارية عندما اعتلى السدة الانطاكية في سياق اعادة وضع هذا الدير كمنارة روحية انطاكية وبوصفه ديرا بطريركيا كلف لرئاسته  ابن الرهبنة الانطاكية الحقيقية الارشمندريت ارسانيوس دحدل وهو من رهبان دير سيدة حماطورا و كان مثلث الرحمات البطريرك اغناطيوس الرابع  ان اعاده الى المقر البطريركي بدمشق وجعله في عداد اكليروس  ابرشية دمشق مجدداً قبل رهبنته ودراسته اللاهوتية العالية في اليونان واقامه ارشمندريتا  رئيسا لكهنة كنيسة الصليب المقدس بالقصاع، فببركة غبطة البطريرك يوحنا العاشر أعاد احياء الحياة الرهبانية في الدير، وفي اواخر

قداس الهي في الدير برئاسة غبطة البطريرك يوحنا لمخيم روحي شبابي في الدير
قداس الهي في الدير برئاسة غبطة البطريرك يوحنا لمخيم روحي شبابي في الدير

العقد الثاني من القرن 21 انتخب اسقفا معاونا بطريركا بدمشق اضافة الى استمراره  في رئاسة دير القديس جاورجيوس ، ويتابع كما فعل معلمه غبطة البطريرك يوحنا قبلاً في احياء اراضي الدير وعقاراته الزراعية وتنميتها لتدر ريعية اكثر وليحقق الدير موفورا واكتفاء ذاتيا، اضافة الى ان الدير  عاد مجددا ليأخذ دوره في المخيمات الروحية الانطاكية لكل الابرشيات السورية وخاصة ابرشية دمشق وريفها  ولكل الاعمار وللعائلات وفيه تجرى الخلوات الروحية للكهنة وللخوريات والدورات الموسيقية الرومية مجددا وادورات اللاهوتية والبرامج التعليمية اللاهوتية،كما تم بناء دارالنعمة وهو بناء  حضاري وانيق في ارض الدير لمواكبة هذه النهضة التي يعيشها الدير اليوم بتوجيه من غبطته، وخصص لاستقبال الضيوف وللدورات والخلوات الروحية اضافة الى بناء الدير الخارجي وغرفه الداخلية لمواكبة هذه الانشطة المتنامية بحضور مباشر من غبطته… البطريرك يوحنا الذي يتابع الاعداد والاشراف ويحضر بشكل دائم هذه الفعاليات ويشرف عليها بشكل مباشر، وبتعب موصوف من رهبنة الدير الحديثة ورئيسها رئيس الدير سيادة الاسقف ارسانيوس دحدل ما اعاد حقيقة للدير وللمنطقة كلها  الألق الروحي الارثوذكسي.

كنيسة الدير
كنيسة الدير

نبع الفوار

يقع هذا النبع على بعد نصف ساعة عن الدير غرباً سيراً على الأقدام في طريق جميل تظلله الأشجار المثمرة والحراجية. وكانت منطقة النبع ولاتزال إلى عهد قريب بِكراً أما اليوم ومع الإهتمام بالسياحة والاصطياف فقد أنشئت عدة مقاصف فيها واستفيد من مياه النبع في تحسين مناظرها وتزيينها.

أما النبع العجائبي فقد دعيّ بالفوار كون المياه تفور منه بدون موعد ثابت فلربما تمضي أشهر بدون أن يفور، وربما أيام، وقد يفور عدة مرات في اليوم الواحد. إنما هناك إشارات ثلاث يطلقها النبع مثل إنفجار خفيف، تصعد معها المياه تدريجياً ليتمكن المتبركون من الصعود على درجِه ثم تسيل في المسيل العريض الممتد شرقاً إلى ما بعد الدير حيث تسقي أرجاء الوادي الجميل.

لقاء الامانة العامة لحركة الشبيبة الارثوذكسية في الكرسي الانطاكي في دير الحميراء برعاية ورئاسة غبطة البطريرك يوحنا العاشر
لقاء الامانة العامة لحركة الشبيبة الارثوذكسية في الكرسي الانطاكي في دير الحميراء برعاية ورئاسة غبطة البطريرك يوحنا العاشر

 

ونظراً لمكانة هذا النبع وشهرته في المنطقة من خلال معجزات حصلت فيه قديماً يحفظها السكان بالتواتر، لذلك فإن حرم 

النبع ومنذ القديم قد جرى تهذيبه في قلب الصخر ونقش الصليب المكرّم في أعلى مغارته.

من

كنيسة الديرحواشي البحث

1-عام 2008  نشرنا هذه التدوينة اول مرة وادرجناها هنا في مدونتنا

2- هندسة الدير من صفحة الدير الرسمية عندما اعدنا كتابة التدوينة بعد العطل الطارىء على مدونتنا الاساس

3-– القلالي: مفردها قلاية وتعني صومعة الراهب ومنسكه.

4- نستبدل دوما تسمية الصليبيين بالفرنج او الفرنجة للدلالة على مصدر هذه الحملات ولأن الصليب رمز للمسيحية وليس للغزوات والصليب بهذه الحملات هو رمز حربي كانسر الروماني والنسر الرومي ذي الرأسين وتسمية الصليبيين تشكل جرحا لنا نحن المسيحيين اتباع الصليب

5- المصرية تسمية اطلقت على النقود منذ حملة المصرية على بلاد الشام بسبب التداول للعملة المصرية في سورية واستمرت التسمية الى وقتنا الحالي بتصرف “مصاري”

مصادر البحث:

دير القديس جاورجيوس البطريركي
دير القديس جاورجيوس البطريركي

– الارشمندريت الكسندروس حجي: دير القديس جاورجيوس الحميراء.

– نشرة مصوّرة عن دير القديس جاورجيوس الحميراء.

– الوثائق البطريركية (مجموعة دمشق، اللاذقية، بيروت).

– شهادات شفهية من السكان المحليين.

– صفحة الدير الرسمية الحالية

– الوثائق البطريركية / دمشق/ دير القديس جاورجيوس الحميراء البطريركي/ ابرشية عكار

صورة للدير تعود الى اواخر القرن 19
صورة للدير تعود الى اواخر القرن 19

 

 

 

  • Beta

Beta feature

  • Beta

Beta feature

  • Beta

Beta feature

  • Beta

Beta feature

  • Beta

Beta feature

  • Beta

Beta feature

  • Beta

Beta feature

  • Beta

Beta feature

  • Beta

Beta feature

  • Beta

Beta feature

  • Beta

Beta feature

  • Beta

Beta feature

  • Beta

Beta feature

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *