دير خالد او جامع شيخ ارسلان

دير خالد بن الوليد في دمشق

مخطط دمشق في القرن 15 رسم مستشرق فرنسي
مخطط دمشق في القرن 15 رسم مستشرق فرنسي

دير خالد بن الوليد في دمشق

توطئة

ورد في بعض مصادر حصار المسلمين لدمشق السنة 635 مسيحية ذكر لدير اسماه المؤرخون ب “دير خالد بن الوليد”…
هل تعلم ماهو هذا الدير واين…؟

الحقيقة اني عكفت على البحث ملياً في كل المراجع، وسير الفتح التي وثقت لحصار المسلمين وقتئذ لدمشق من كل جهاتها، وكيف عسكرت فصائل جيش المسلمين مع قادتها وفيهم عدد من الصحابة امام ابواب دمشق السبعة…فلم اعثر على ذكر لهذا الدير…

 

مخطط لدمشق بريشة مستشرق ورحالة اوربي تعود الى القرن 15

ونشير في هذا الصدد الى ان الأديرة الرهبانية التابعة للخلقيدونيين (الكنائس الأرثوذكسية) واللاخلقيدونية (اليعاقبة السريان) والنساطرة… كانت تنتشر في كل محيط دمشق من (الحدود الادارية لمحافظات القنيطرة ودرع والسويداء حالياً) كدير رؤية القديس بولس في كوكب الى كل غوطتها التي تحيط بها احاطة السوار بالمعصم ولا تزال بعض اسماء القرى تحمل اسم دير كدير العصافير ودير جرمانوس ( بلدة جرمانا ودير مقرن…) ودير الصليب المقدس ( كنيسة الصليب المقدس حالياً) ودير حنانيا الرسول ظاهر دمشق جنوباً ( كنيسة القديس حنانيا الرسول في محلة الميدان /حارة القورشي حاليا) … الى كهوف قاسيون كمغارة الاربعين وهم الرهبان الاربعين.. واديرة قاسيون ومنها دير النيربين ( قصرتشرين الرئاسي حالياً)…الى اديرة كانت تقع بين فروع نهر بردى السبعة ومنها دير الفراديس في منطقة باب الفراديس بالقرب من بيت القديس الدمشقي يوحنا… الخ

بعد كل البحث لم نعثر على دير باسم خالد بن الوليد…!!!

اذاً اين كان يقع هذا الدير الذي نُسب الى دير خالد بن الوليد ولماذا اسمي بهذه التسمية؟

لذا نجزم في قولنا التالي

الفناء الداخلي لمسجد او دير خالد...
الفناء الداخلي لمسجد او دير خالد…

من المؤكد ان كلمة الدير تنصرف كما اسلفنا وماهو معروف الى مكان يعيش فيه الرهبان والراهبات المتوحدون والمتوحدات..ولم الأمر الذي يستحيل انطباقه على اعظم قائد لجيوش المسلمين اسماه نبي المسلمين ” سيف الله المسلول” لا بل وتشير سيرة القائد المذكور  في الجهاد عن الاسلام لدرجة التهور كما ورد في الكثير من المراجع وحماسه في بسط الاسلام في بلاد الشام على حساب سكانها المسيحيين وسواهم …

نبذة تاريخية

عندما حاصرالمسلمون دمشق السنة 635م عسكر خالد بن الوليد أمام الباب الشرقي او باب الشرقية ( نسبة الى قرية اناطولي اليونانية الصرف الواقعة على ضفة بحيرة العتيبة مصب نهر بردى في عمق

باب شرقي اواخر القرن 19 من الخارج مع امتداد السور
باب شرقي اواخر القرن 19 من الخارج مع امتداد السور

الغوطة وقد بقيت عامرة بسكانها اليونانيين حتى القرن 11 وفقاً لمخطوط تاريخي باليونانية كتبه مؤرخ يوناني دمشقي وسلط عليه الضوء الأب المؤرخ البحاثة الخوري ايوب سميا مؤرخ دمشق وهو معلمي في حب التاريخ…ومشيت على خطواته…)، ونزل عمرو بن العاص على باب توما ( وهو منسوب الى قائد عسكري روماني عظيم (بطريق) كان يحميه مع جنوده… لذا نُسب اليه)
ونزل الصحابي شرحبيل بن حسنة على باب الفراديس ( موقعه بين الخضرة والتقاء فرعين من فروع بردى وكانت المنطقة حصينة عدا عن وجود مانع مائي هادر كان بفصل المهاجمين عن الباب، متشابكة الأشجار اشبه بالجنان لذا تسمى فراديس وهي كلمة يونانية تعني الجنان)
اما قائد الحملة فكان ابو عبيدة بن الجراح وليس كما هو معروف وقيل انه خالد بن الوليد، لأن الخليفة عمر بن الخطاب كان قبيل حصار دمشق، كان قد عزل خالداً وولى ابا عبيدة بدلاً عنه بكتاب ارسله اليه، لكن الأخير ولحكمة منه، وليحافظ على تماسك جيش المسلمين لم يقم بابلاغ خالداً بذلك، ولم يُقرئه كتاب الخليفة عمر، وابقاه امير الحملة وقائد الحصار…

وكان ابو عبيدة يحاصر باب الجابية في غرب دمشق (سمي بالجابية لأنه الطريق المؤدي الى بلدة الجابية في حوران، وهي العاصمة السياسية للغساسنة بينما كانت عاصمتهم الدينية هي بصرى)

 

ونزل كيسان مولى (خادم او عبد) معاوية على باب بولس الواقع في الشرق (وقد سمي على اسمه باب كيسان) اما معلمه معاوية فقد حاصر الباب الصغير (واسمي كذلك لأنه اصغر ابواب دمشق كلها).
تقول رواية حصار المسلمين لدمشق ” انهم لما فرغوا من قتال الروم في موقعة المرج أقاموا خمس عشرة ليلة، ثم رجعوا الى مدينة دمشق لأربع عشرة ليلة بقيت من المحرم سنة أربع عشرة، فأخذوا الغوطة وكنائسها عنوة وتحصن أهل المدينة ( دمشق) وأغلقوا ابوابها فنزل خالد بن الوليد على الباب الشرقي في زهاء خمسة آلاف ضمهم اليه ابو عبيدة.

بحيرة العتيبة شرق الغوطة
بحيرة العتيبة شرق الغوطة

ونزل هو في دير خالد ….

فأين هذا الدير؟؟؟؟
دير خالد هو دير مار سمعان الخاص باليعاقبة السريان، وفي ايامنا هو مانسميه بجامع الشيخ رسلان شرقي دمشق حيث المقبرة حالياً وهو لصيق بمقام الشيخ ارسلان وقد أقام فيه خالد قريباً من معسكر جيشه المحاصر للباب الشرقي، وبالتالي أقام مسجداً وصلى فيه اثناء حصار دمشق، والثابت انه اول مسجد اقيم في دمشق.
في هذا الدير السرياني حيث كان خالد مقيماً مع قيادة مجموعته، اتى اليه الراهب السرياني يونان او يوانس رئيس الطائفة اليعقوبية السريانية في دمشق (وهذا الدير يتبع له) عندما ايقن ان دمشق صارت بحكم الساقطة عسكرياً بيد المسلمين بعد جلاء والي دمشق البيزنطي على رأس حاميتها ،وللخلاص من الحكم الرومي وكنيسة الروم الخلقيدونية المخالفة لهم في العقيدة، اتى الىمعسكر خالد خلسة بعدما تسلل من نافذة بيته الكائن في كنيسة السريان (حالياً كنيسة مار سركيس للأرمن الأرثوذكس) بعدما وسع النافذة فأتى به الجنود المسلمون الى حيث يقيم خالد في دير القديس سمعان او شمعون كما قلنا، وعرض عليه مساعدته في فتح دمشق من خلال الباب الشرقي عند تبديل الحرس في منتصف الليل بادخال شرذمة من جنوده سراً من نافذة بيته (التي وسعها وخرج منها) مقابل وعد قاطع من خالد قائد الحملة بحماية عائلته ورعيته الصغيرة البالغ عددها فقط 70 نسمة وكنائسهم عند فتح دمشق من الفاتحين المسلمين فوعده خالد بذلك وهو ماتم فعلاً، واقتحمت قوات خالد الباب الشرقي، بعدما تم فتح الباب من قبل ثلة جنود خالد التي ادخلها يونان من نافذة بيته ومكنها من الوصول الى الباب الشرقي وفتحه…وهجم المسلمون مقاتلين مندفعين في الشارع المستقيم، وهم يكبرون والسيوف مشرعة تقطر منها الدماء باقتحامهم البيوت وقتل السكان الذين كانوا مذهولين من هذا الاقتحام المفاجىء، وكانت ليلة دموية على السكان في جانبي الشارع المستقيم من الباب

 

قوس النصر في الشارع المستقيم
قوس النصر في الشارع المستقيم

قوس النصر جانب بطريركية الروم الارثوذكس وتبدو المئذنة التي توثق لالتقاء طرفي جيش المسلمين

الشرقي الى جوار كنيسة مريم (المريمية) وبلغ عدد الشهداء من سكان دمشق المسيحيين اربعون الف مدني من الذكور والاناث ومن كل الأعمار حسبما يؤكد التاريخ الكنسي، فيما كان ابو عبيدة قد اتفق مع الوجيه الدمشقي سرجون النصراني جد القديس يوحنا الدمشقي، الذي تولى ادارة شؤون دمشق بعد خروج والي دمشق وحاميتها الرومية، فصار رئيس مايمكن ان نسميه اليوم (الادارة المدنية)،على تسليم ابا عبيدة دمشق صلحاً، مقابل دفع الجزية والمحافظةعلى الكنائس والسكان كافة والدخول بسلام ولم ترق نقطة دم واحدة، بعكس اتفاق الراهب السرياني كاهن الرعية السريانية بدمشق يونان مع خالد بن الوليد (الذي خص به طائفته سكاناً وكنائس فقط،) وقد اجراه سراً لم يُعلم به سرجون النصراني خيانة بأهل دمشق لنهم من كنيسة اخرى.

وقد التقى الجيشان امام كنيسة مريم (الكاتدرائية المريمية) لذا اقيم هذا المصلى

 

باب بولس (كيسان)
باب بولس (كيسان)

الصغير تخليداً للانتصار، والباقي منه حالياً مئذنته بجوار الدار البطريركية الأرثوذكسية…( حيث قامت محافظة دمشق عام 1943 بتوسيع الساحة وطريق مريم المار في اوقاف البطريركية الأرثوذكسية ومدرسة مار نقولا البطريركية الأرثوذكسية، وتم اخراج قوس النصر من بطن الأرض ووضعه في مكانه الحالي، ولتوسيع هذه الساحة والشارع المستقيم تم ازالة المصلى ولم تبق منه الا مئذنته، وقد تم تجديدها عام 1963 بواقعها الحالي) واعتبرت كنيسة مريم من املاك الدولة فأغلقت 65 سنة من لحظة اقتحام دمشق عام 635 الى السنة 705 (التي صادر فيها الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك كاتدرائية دمشق العظمى اي كاتدرائية النبي يوحنا المعمدان وحولها الى مسجد بني امية)

عندها وبناء على شكوى المسيحيين الدمشقيين بأنه لم يبق لهم من كنائس بعد تحويل الكنائس كلها في القسم الشرقي الى جوامع مع كنائس واديار الغوطة الشرقية وعددها 18 وكان قد وعدهم باعادتها كنائس عند تحويله كاتدرائية يوحنا المعمدان الى جامع لكن المسلمين رفضوا اعادتها بفتوى انه أُذِنَ بها لله، فلا تجوز اعادتها كنائس…!!! اعادها الى الارثوذكس بقوله:” اننا نعوض النصارى عن كنيسة يحي بكنيسة مريم.”

ضريح القديس يوحنا المعمدان في كاتدرائية دمشق الشهيدة (الجامع الاموي)
ضريح القديس يوحنا المعمدان في كاتدرائية دمشق  (الجامع الاموي)

ومكافأة من المسلمين لليعاقبة السريان الذين كانوا يكرهون الروم البيزنطيين وبالرغم من قلة عددهم مكنوهم من وضع اليد على كنيسة القديس يوحنا المعمدان تقديراً لفعل رئيسهم الراهب يونان بمساعدته لهم في فتح الباب الشرقي، وتقديراً لمساعدة الغساسنة السريان في معركة اليرموك حينما انقلبوا من جيش الروم الى جيش المسلمين، وكان ذلك سبباً حاسماً في انتصار خالد بن الوليد في معركة اليرموك…. حتى ان بطريرك السريان حبس في الكاتدرائية الشاعر الأخطل وكان سريانياً بحكم رئاسته على الطائفة وكنائسها ومنها كاتدرائية دمشق التي استولوا عليها.

وقلنا ان والي دمشق الرومي وحامية دمشق، كان قد خرج من دمشق قبيل الحصار، وعندما وصل طرفا الجيش المسلم الى خط المريمية القى المسلمون القبض على بطريقين روميين ( قائدين عسكريين ) واحضروهما الى خالد وابي عبيدة فأمر ابو عبيدة بفك اسرهما والعفو عنهما بموجب اتفاقه مع سرجون، فيما اراد خالد قتلهما، واحتدم النقاش على اساس ان قرار خالد يجب ان ينفذ لأنه قائد الحملة، وتدخل عدد من الصحابة المرافقين الذين كانوا يعرفون الواقع لفض الخلاف بين ابن الوليد وابن الجراح، عندها اخرج ابن الجراح امر الخليفة عمر بعزل خالد وتوليته هو قائداً عاماً لحملة الشام، وبمساعي الصحابة تم اخلاء البطريقين على ان يغادرا دمشق فوراً وان تم القبض عليهما مستقبلاً وفي اي مكان يتواجد به المسلمون عسكريا يحكم عليهما بالاعدام، وهو ماتم فعلاً بأمر خالد وفي حمص عندما قام بفتحها لاحقاً.

 

 

كاتدرائية دمشق ( كاتدرائية القديس يوحنا المعمدان الشهيدة- الجامع الاموي)
كاتدرائية دمشق ( كاتدرائية القديس يوحنا المعمدان – الجامع الاموي)

وقد ورد عن جامع الشيخ ارسلان في الموسوعة الدمشقية التالي

“الشيخ رسلان

مسجد وزاوية صوفية وتربة

الشيخ رسلان، مسجد وزاوية صوفية وتربة تقع خارج منطقة  باب توماا من الشرق، بجوار  نهر غقربا، لا يعرف تاريخ بناءها على وجه التحديد ويرجع إلى أنها بنيت في عصر نور الدين  زنكي منتصف  القرن السادس الهجري. وكان  الشيخ ارسلان الدمشقي  قد أتخذ زاوية ورباطاً عند الخيمة التي نصبها خالد بن الوليد   يوم دخوله دمشق، وقد ظلّ يقيم عندها حتى وفاته، فعرفت باسمه من يومها. وللشيخ  رسلان مكانة كبيرة في دمشق وقد أسس مسجده عند سور دمشق الشرقي، وفيه تشكلت خلايا مقاومة ضد الصليبيين.

الوصف المعماري

بُنيت مشيدة  الشيخ ارسلان على  الطراز المملوكي وكانت تتميز ببوابتين مرتفعتين معقودتين بالمقرنصات. كانت البوابة اليمنى مؤطرة  بمقرصنات مربعة مزخرفة، يمر من أسفلها شريط مزرر، وفوق هذه البوابة قبّة ملساء مدببة مطلية باللون الأخضر ترتاح فوق رقبة مضلعة بطبقة واحدة تشكلها ثمانية أضلاع مزينة بأربع نوافذ توأم ضمن قوس، وهي بهذا تشبه رقبة تربة الأمير بدر الدين حسن المجاورة له.

أما البوابة اليسرى فبنفس ارتفاع وشكل البوابة اليمنى، إلا أنها تتميز باحتوائها لحشوة مربعة هندسية الزخارف يمر من أسفلها نفس الشريط المزرر المار عبر البوابة اليمنى، وعلى طرفي هذه البوابة حشوتان مستديرتان مزررتان تليهما إلى اليمين حشوة مربعة زخرفية أخرى فقدت كثيراً من تفاصيلها، وترتفع فوق هذه البوابة مئذنة بسيطة.

داخل زاوية الشيخ رسلان

كما تضم المشيدة حرم المسجد الكبير وفيه محراب ومنبر وحجرة تضم ثلاثة أضرحة، الأوسط هو  ضريح الشيخ رسلان بن يعقوب بن عبد الله الجعبري الدمشقي النجار، أما الضريح الجنوبي فيضم أبو عامر المؤدب وهو معلّم الشيخ ارسلان. أما الضريح الثالث فهو لأبي المجد، خادم الشيخ رسلان وفيه أيضاً ضريح إبراهيم بن عبد العزيز السندي خادم الضريح. كما دفن فيها الشيخ أحمد الحارون استناداً إلى الكتابة التوثيقية فوق الباب الأيمن، وكان آخر من دفن فيها  الشيخ محمد صالح الفرفور.

تجديد الزاوية

جددت المشيدة في أواخر العصر المملوكي وأضيف إليها  بالحجر الأبلق، ثم في أواسط القرن الحادي عشر الهجري، وأخيراً سنة 1988، حيث أكملت جدرانها في أعلاها بالمداميك الحجرية ذات اللونين المتناوبين الأبيض والأسود، بحيث زاد ارتفاع واجهتها عن ارتفاع البوابتين بمدماك واحد.”

للمزيد…
انظر مقالنا عن الكاتدرائية المريمية وعن كاتدرائية دمشق في موقعنا هنا…

 

ضريح الشيخ ارسلان
ضريح الشيخ ارسلان

 

 

 

  • Beta

Beta feature


Posted

in

,

by

Tags:

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *