المسرحي سعد الله ونوس

سعد الله ونوس.. حياة المسرحى الكبير وموته

سعد الله ونوس.. حياة المسرحى الكبير وموته

رحل الأديب السورى الكبير  سعد الله ونوس، إذ غاب عن عالمنا في 15ايارعام 1997، وهو أحد أبرز الأصوات العربية في الكتابة المسرحية في القرن العشرين، أحد أصوات المقاومة والنضال بكتاباته وقلمه والمثقل بقضايانا وهمومنا العربية والإنسانية.

ولد “ونوس” في 27 آذار عام 1941 بقرية حصين البحر بالقرب من مدينة طرطوس، من أسرة فقيرة عاشت ضائقة مالية وصفها ونوس بأنها “سنوات بؤس وجوع وحرمان” ولما التحق بالمدرسة الابتدائية أظهر ضعفًا في مادة التعبير ما جعله يُكثِر من المطالعة عملًا بنصيحة مدرس اللغة العربية، وكان أول كتاب اقتناه هو “دمعة وابتسامة” لجبران خليل جبران وكان عمره اثنتي عشرة سنة، ثم قرأ طه حسين، ميخائيل نعيمة، نجيب محفوظ، إحسان عبد القدوس، وغيرهم، وهكذا بعد انتهاء العام الدراسي قضى شهور الصيف يقرأ كل ما يقع تحت يديه، حتى عشق القراءة، وازداد ولعه بها إلى درجة أنه كان يشتري كتبه بالدَّيْن.

وفي عام 1965 صدرت أول مجموعة له من المسرحيات القصيرة عن وزارة الثقافة تحت عنوان “حكايا جوقة التماثيل” وقد ضمت المجموعة ست مسرحيات منها “لعبة الدبابيس” و”جثة على الرصيف” و”الجراد” و”المقهى الزجاجية” و”الرسول المجهول في مأتم انتيجونا”، وفي عام 1966 حصل ونوس على إجازة دراسية من وزارة الثقافة وسافر إلى باريس ليطلع على الحياة الثقافية هناك ويدرس المسرح الأوروبي.
وقد كانت نكسة 5 حزيران 1967 بمثابة الطعنة المسددة لشخص سعد الله ونوس عن قصد، اصابته بحزن شديد خاصة وانه تلقى النبأ وهو بعيد عن وطنه وبين شوارع باريس فكتب مسرحيته الشهيرة “حفلة سمر من أجل خمسة حزيران” ثم مسرحية “عندما يلعب الرجال” وتم نشرهم في المعرفة.
المسرحي سعد الله ونوس
المسرحي سعد الله ونوس
وفي 1972 كتب مسرحية “سهرة مع أبي خليل القباني” وعام 1976 ترجم كتاب “حول التقاليد المسرحية” لجان فيلار وأعد “توراندوه” عن مسرحية لبريخت تحمل نفس العنوان وترجم وأعد “يوميات مجنون” لجوجول.. بعدها حصل على منصب مدير المسرح التجريبي في مسرح القباني حيث كان عليه أن يؤسس هذا المسرح ويضع برنامجه، وفى عام 1977م، ألف رائعته الملك هو الملك، التي أخرجها فيما بعد المخرج المصري مراد منير وعرضها في القاهرة ودمشق حيث حضر ونوس العرض في دمشق وهو يعاني من السرطان.
أستطاع ونوس أن يخلق مسرحًا وجوديًا فلسفيًا جديدًا ومختلف فكان مؤمنًا إيمانًا شديدًا بأهمية المسرح فى إحداث التغيرات السياسية والإجتماعية، كان يتأثر تأثرًا كبيرًا بالأحداث السياسية فى الوطن العربى حتى أنه أعتزل الكتابة فى فترة احتلال إسرائيل للبنان، وقد أصيب بسرطان البلعوم والذى صرح بأن يشك أن سبب المرض حزنه على الأحداث فى الوطن العربى وقال فى ذلك “أشك معها فى أنها كانت السبب المباشر لإصابته بمرض السرطان وليس مصادفة أن يبدأ الشعور بالإصابة بالورم أثناء الحرب والقصف الوحشى الأمريكى على العراق”.
لم يستسلم للمرض ولكنه ظل يحاربه لمدة خمس سنوات كتب خلالها العديد من المسرحيات ولعل أهم مسرحياته “الحياة أبدًا، فصد الدم ، جثة على الرصيف، مأساة بائع الدبس الفقير، مغامرة رأس المملوك جابر، الملك هو الملك، الاغتصاب، أحلام شقية، ملحمة السراب”.
تم تكريم المسرحي الراحل “سعد الله ونوس” في أكثر من مهرجان أهمها مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي ومهرجان قرطاج الدولي وتسلم جائزة سلطان العويس الثقافية عن المسرح في الدورة الأولى للجائزة.
وغيّب الموت “سعد الله ونوس” عن عالمنا  15 ايار 1997، مخلفًا إرثًا كبيرًا من المسرحيات والروايات والقصص القصيرة التي ترجم الكثير منها إلى عدة لغات حول العالم، وقدم العديد منها على خشبات مسارحنا بمختلف الدول العربية.
المسرحي سعد الله ونوس
المسرحي سعد الله ونوس

كتب عمرو مجدح في سناك سوري تحت عنوان:

“سعدالله ونوس: المسرح لاينجز ثورة.. تبدد الحلم في يقظة خشنة”في كتابة السردي الوحيد “عن الذاكرة والموت” يقول الكاتب المسرحي “سعدالله ونوس” : «بدت لي كلمة الشجاعة مضحكة، وظللت أكررها في سري، ما معنى الشجاعة؟ وماذا تفيد الشجاعة رجلاً تقرر رحيله ؟ ولماذا ينبغي أن أكون شجاعاً؟ لماذا لا يحق لي أن أنهار وأن أعول وأن أبكي، باغتتني رغبة حارة بالبكاء، وبالفعل ذرفت دمعتين يتيمتين، لم أجد بعدهما ما أذرفه، أليس العجز عن البكاء هو جزء من هذا الخواء الذي كان يهيء موتي ويعلن عنه؟».
هكذا وصف “ونوس” حالته بعد كشف تحليل الخزعة الكبدية والتي أظهرت وجود خلايا سرطانية وهو نفس النوع الذي قاومه من سنتين، نشر الكتاب قبيل وفاته بعام ويروي صاحب العبارة الشهيرة “إننا محكومون بالأمل” ( التي أطلقها في اليوم العالمي للمسرح عام 1996) في عدة نصوص حكايته مع مرض السرطان قائلاً :« في المستشفى وفي الغرفة 208 أدركت وأنا أتلاشى، إني سأواجه المصير الذي كنت أخافة دائماً، سأفقد حصانتي الشخصية، وحياتي، وما هو حميمي فيّ، وسأتحول قبل الموت، جيفة عارية بين أيدي ونظرات غرباء لا أعرفهم، بعد وصولي إلى المستشفى شعرت بالحاجة إلى التبرز، وكان مخجلاً ومريعاً أن أتبرز في الفراش مستعملاً الزحافة، ولكن يبدو أن التدهور السريع في حالتي الصحية خفف من نزقي، ومشاعر الخجل والاشمئزاز التي تسربلني».