سيرة الملكة القدِّيسة أولغا المعادلة الرُّسل
كانت القدِّيسة أولغا التقيَّة زوجة إيغور أمير كييف . تولت أولغا بعد موت زوجها قيادة الإمارة إلى أن بلغ ابنها سفيتوسلاف سنَّ النضج . شرعت الأميرة أولغا بتحسين أمور الدولة بإحكامٍ . إذ كانت تدور في جميع بقاع البلد تاركةً فيها آثارَ عنايتها الحكيمة حيث تضع نظاماً وعدلاً في الحكم . وقد حصلت بذلك على محبَّةِ الشعب وتمجَّدت كونها حاكمة حكيمةٌ .
كان الروس في القرن العاشر للميلاد ما يزالون وثنيين . ولكن منذ منتصف القرن الحادي عشر بدأت المسيحيَّة تتوغل في وسطهم . كما بُنيت كنائس في بعض المناطق وكان المسيحيون يُقيمون خدمهم الإلهيَّة بحريَّةٍ فيها . كان هناك كنيسةٌ منها في مدينة كييف أيضاً . كانت الأميرة أولغا تراقب المسيحيين وقد نجحت في أن تتعرَّف على إيمانهم وأن تعمل مقارنة بينه وبين الديانة السلافيَّة الوثنيَّة . تيَّقنت أولغا بعقلها الفطن بأنَّ الوثنيَّة لم تتمكَّن على تربيَّة أناسٍ من أمثال المسيحيين . لقد كشف لها الحوار مع المعلِّمين المسيحيين الطهارة والعلو السماوي للتعليم المسيحي . كما أُسِرَ قلبُها من الحقيقة الإنجيليَّة . ولكنَّ أولغا لم تكن لها الجرأة بأن تقبل المعموديَّة في كييف لأنَّها خشيت من اضطرابات الشيوخ والشعب الّذين بصفتهم وثنيين لم يكونوا متسامحين مع الإيمان المسيحي . ومن جهةٍ أخرى كانت أولغا ترغب في أن تستمع إلى إرشادٍ في الإيمان المسيحي أكثر دقَّةً وتفصيلاً وذلك في عاصمة المسيحيَّة ذاتها تحسُّباً من أن ترتكب خطأ ما.
كان لدى الأميرة أولغا رغبةٌ في أن ترى كلِّ شيءٍ أسمى في الإيمان الأسمى لكي تقبله باقتناع القلب والذهن التام . ولذلك اتجَّهت أولغا من أجل هذه الغاية سنة 955م إلى القسطنطينيَّة. ولقد استُقبلت هناك من قبل الإمبراطور قسطنطين بإكرامٍ كبيرٍ . وأرشدها البطريرك بوليافكتس في الإيمان المسيحي وجعلها مستحقَّةً لقبول المعموديَّة المقدَّسة والّتي قبلت فيها اسم هيلانة.
كما قال لها البطريرك بوليافكتس:” مباركةٌ أنت من بين شعبك إذ قد أحببت النور ورفضت الظلام . لذلك سيباركك جميع بني الروس !”
عادت أولغا التقيَّة إلى كييف مقتنعة بشكلٍ راسخ وقويم بتفوق الإيمان المسيحي على الديانة الوثنيَّة . لم تكن أولغا قادرةً بعد على ألا ترغب في تحوِّل الآخرين من بني شعبها الّذين كانوا ما يزالون قابعين في الظلمة الوثنيَّة إلى نور الإعلان المسيحي . كانت أولغا قبل كلِّ شيءٍ بصفتها أمَّاً محبَّة تُحدِّث ابنها عن هذا الإيمان فقد قالت لهُ:” يا بنيَّ إنّي قد عرفت الإله الحقيقي وإنِّي الآن أفرح . ستتعرَّف عليه أنت أيضاً وستفرح كذلك . إنَّ الإيمان المسيحي هو نورٌ وفرحٌ للنفسِ البشريَّة . إنَّ الإيمان المسيحي يشهد لنفسه على أنَّه ذو مصدرٍ سماوي وكرامتها الإلهيَّة بوساطة تأثيره على النفس البشريَّة والمعطي الحياة لها . اقبل هذا الإيمان ولم تندم على ذلك فحسب بل وستعدُّ نفسك أسعد رجلٍ في الوجود كما أنّي أنا أعدُّ نفسي أسعدَ امرأَةٍ في الوجود!” ولكنَّ سفيتوسلاف كان يحبَّ المجد كثيراً وكان يفكِّر في المعارك فقط لا غير ولذلك أجاب أمَّهُ:” كيف يمكنني أنا دون سواي أن أقبل ناموساً آخر ؟ سوف يضحك عليَّ جميع أصدقائي!” ولكنَّه بالرغم من كونه لا يرغب في السماع عن الإيمان المقدَّس لم يعيق سفيتوسلاف الآخرين من قبولها . كان كثيرون من الشعب الّذي يستمعون إلى بشارة الأميرة المقنعة يقبلون المعموديَّة المقدَّسة . تخبرنا الشهادات التاريخيَّة الروسيَّة القديمة بأنَّ القدِّيسة أولغا قد نشرت الإيمان المقدَّس بعيداً خارج نطاق مدينة كييف . لقد ماتت القدِّيسة الملكة أولغا في الحادي عشر من تموز سنة 955م.
يقول المؤرخ نسطور البار منهياً روايته عن القدِّيسة أولغا حيث كتب
“لقد كانت أولغا سابقةً للمسيحيَّة في بلادنا إنها مثل نجمة الصبح الّتي تسبق الشمس ومثل الفجر الّذي يسبق الضوء المكتمل ومثل القمر الّذي يضيء في الليل . إنَّها ما زالت حتَّى بعد موت تتضرَّع إلى الله من أجل روسيا وأمَّا رفاتها الطاهرة فلا تتوقف عن صنع العجائب .”
وحسب رأي بعض المؤرِّخين كانت القدِّيسة أولغا – هيلانة أميرةً بلغاريَّة ذهبت بالتالي إلى روسيا وكانت قد قبلت المسيحيَّة قبل ذلك .
سير القدِّيسين إصدار السينودُس ( المجمع المقدَّس ) البلغاري صوفيا سنة 1991.
تُرجم من موقع الأرثوذكسيَّة البلغاري .
فيكتور دره 9 / 7 / 2011
Beta feature
اترك تعليقاً