مبشرا السلاف القديسان كيرلس وميثوديوس

صفحة مضيئة من تاريخ الكنيسة الارثوذكسية / تنصير السلاف

صفحة مضيئة من تاريخ الكنيسة الارثوذكسية / تنصير السلاف

في السنة 863 مسيحية اتجه قديسان ارثوذكسيان روميان من سالونيك، هما الشقيقان كيرلس ومثوديوس نحو شمال الأمبراطورية الرومانية الشرقية ( القسطنطينية-الرومية)، ليقوما بعمل تبشيري خارج حدود الامبراطورية سجله تاريخ الكنيسة عموما وتاريخ الارثوذكسية نصراً عالمياً باسمهما وسجله التاريخ العالمي في قصة الحضارة لهما…، وادت جهودهما في النهاية الى تنصير بلغاريا، وبلاد الصرب وروسيا ورومانيا،حيث أصبحت هذه الشعوب من الشعوب الأرثوذكسية التي لعبت دوراً رئيساً في الكنيسة الارثوذكسية الجامعة خاصة في المرحلة  التي تلت استشهاد القسطنطينية عام 1453 على يد أقوى سلاطين بني عثمان (محمد الثاني الذي لُقِّب بالفاتح لأنه فتح القسطنطينية)، بعد ان ظلت هذه المدينة (رومة الثانية) حامية للايمان المسيحي الأرثوذكسي وناشرة لعبقه، وحافظة للعقيدة والتقليد والتراث الرومي المستقيم الرأي، وعاصمة للمجد الارثوذكسي  الرومي الزاهي مدة نيف وعشرة قرون زاهية مشرقة.

رسولا السلاف كيرلس ومتوديوس
رسولا السلاف كيرلس ومتوديوس

كيف تم هذا العمل المجيد؟

شهد منتصف القرن التاسع بالنسبة للقسطنطينية فترة من النشاط التبشيري الحاد، بعد الانتصار الأرثوذكسي المبين على محاربي الأيقونات، فوجهت قوتها نحو الشعوب السلافية لدعوتها الى الايمان القويم “الأرثوذكسية”.

كانت هذه الشعوب تقيم بمحاذاة الحدود الشمالية، والشمالية الغربية للامبراطورية الرومية. وهي شعوب المورافيين والبلغار والصرب والروس. وكان البطريرك المسكوني العظيم فوتيوس متربعاً وقتها على سدة القسطنطينية، وهو الذي أعدَّ العدةَ على نطاق واسع لهذا النشاط التبشيري، ومن اجل ذلك، وقع اختياره على شقيقين يومانيين من سالونيك، كانا من خيرة تلاميذه، هما قسطنطين (826-869) و ميثوديوس (815 -885 )، وكان قسطنطين قد اتخذ تسمية كيرلس عندما اصبح راهباً. وكان قد عُرِفَ في مطلع حياته، وبالرغم من صغر سنه ب”قسطنطين الفيلسوف”. وكان من اكثر تلاميذ البطريرك فوتيوس كفاءة، فقد اتقن العديد من اللغات الأجنبية ومن بينها العبرية والعربية وحتى اللغة السامرية المحكية (لغة أهل السامرة في نابلس بفلسطين). وكان وشقيقه مثوديوس  يتكلمان اللغة السلافية بطلاقة، وقد تعلماها في طفوليتهما من السلافيين الذين كانوا يعملون في ضواحي تسالونيكية.

شعار الكنيسة الارثوذكسية
شعار الكنيسة الارثوذكسية

بدء التبشير

بدأت أول رحلة تبشيرية لهما عام 860 م بزيارة قصيرة الى بلاد الخزر في شمال القفقاس، لكن رحلتهما هذه لم تؤدِ الى نتيجة مقبولة، اذ ان الخزر اعتنقوا اليهودية بعد ذلك بفترة قصيرة.

وفي عام 863م أي بعد ثلاث سنوات بدأ نشاطهما الفعلي في تنام مستمر، حين قصدا مورافيا (تشيكيا وسلوفاكيا اليوم) تلبية لنداء اميرها روستسلاف الذي طلب من البطريرك القسطنطيني فوتيوس مبشرين من ذوي الكفاءة لالقاء العظات واقامة الخدم الروحية بلغة بلاده. لذا كان لابد من ايجاد ترجمة سلافية للكتاب المقدس والكتب الطقسية.

شرعا قبل سفرهما الى مورافيا باعداد العدة للترجمة المنشودة، ووضعا لهذه الغاية أبجدية خاصة، وانجزا الترجمة باللغة السلافية التي عرفاها في طفوليتهما، اي اللهجة المقدونية الخاصة بسلافيي منطقة سالونيك. وهكذا أصبحت هذه اللغة المحكية اللغة السلافونية الكنسية المعتمدة حتى اليوم في الكنائس الروسية، وبعض الكنائس الأرثوذكسية الأخرى.

ومن هنا تتبدى زنظهر فرادة الكنيسة الأرثوذكسية التي اتبعت منذ البداية إقامة الخدم الروحية بلغة الشعب.

في عملهما التبشيري في مورافيا، وكما في بلغاريا، اصطدم الشقيقان والمبشرون اليونان في بلغاريا، بالمبشرين الجرمان التابعين لكنيسة رومة اللاتينية. وكان الشقيقان كما سلف القول يبشران بلغة السلافيين، وعلّما دستور الايمان في صيغته الأصلية بينما اعتمد المبشرون الجرمان في تبشيرهم اللغة اللاتينيةإضافة الى استخدامهم دستور الايمان بزيادة ( والابن) التي كانت قد أضحت فيما بعد سبباً رئيساً في الانشقاق الكبير عام 1054م، وتسمى  “الفيليوكفي” ” وبالروح القدس، الرب المحي المنبثق من الآب ( والابن) مايخالف دستور الايمان النيقاوي- القسطنطيني، ويدل على تفرد روما الفاتيكانية في ابتداع لاهوت افضى الى الهرطقة…

لقدّيس فوتيوس المعترف بطريرك القسطنطيني
لقدّيس فوتيوس المعترف بطريرك القسطنطيني

وبالرغم من الصراع المحتدم بين البطريرك المسكوني فوتيوس والبابا نيقولاوس الأول، الا ان الخلاف لم يصل وقتذاكالى حد القطيعة الكاملة، او الانشقاق الكامل، لأن فوتيوس ونيقولاوس كانا على درجة عظيمة من القداسة والورع والخوف على الكنيسة ووحدتها الجامعة.

لذلك بادر كيرلس باللجوء الى نيقولاوس، ووضع بعثته في مورافيا تحت تصرفه ليضمن عدم تدخل المبشرين الجرمان في عمله التبشيري، ووُفقَ في ذلك.

في عام 868م قصد الشقيقان كيرلس وميثوديوس رومة بعهد البابا ادريانوس الثاني الذي لم يكن متعاطفاً مع الجرمان وتبشيرهم، لذلك أبدى مساندة كاملةللبعثة اليونانية، وكّرّسَاستعمال اللغة السلافية لغة ليتورجية في مورافيا. وكذلك وافق على ترجماتها، واودع نسخة من الكتب الطقسية السلافية على مذابح الكنائس الرئيسة في المنطقة “مورافيا”.

وبعد سنة واحدة في عام 869م توفي كيرلس في رومة، وعاد شقيقه ميثوديوس وحده الى مورافيا، وبكل اسف لم يكترث الجرمان أبداًلقرارات البابا، وأعاقوا بكل قواهم، نشاطات ميثوديوس التبشيرية  لدرجة أنهم سجنوه مدة تزيد على السنة، وبوفاته عام 885م بكل اسف، طردوا تلاميذه، وباعوا بعضهم رقيقاً، وظلت آثار البعثة السلافية مستمرة نحو قرنين في مورافيا، لتُمحى بعدها، وترجح كفة الثقافة واللغة اللاتينية، وزيادة الابن في الانبثاق في دستور الايمان. ولم يتم تحقيق أمل كيرلس وميثوديوس في انشاء كنيسة وطنية سلافية في مورافيا.

الكنيسة البلغارية
الكنيسة البلغارية

تبشير البلغار

في ذلك الوقت الموافق لتبشير مورافيا، كان المبشرون الروم في صراع قوي مع المبشرين الجرمان على ارض بلغاريا، ولكن سلبية الأمر ان لغتي التبشير المعتمدتين من  الارثوذكس الروم اليونان  ومن  الكاثوليك الجرمان الباباويين،اي اللغتين اليونانية واللاتينية كانت غريبتين على الشعب البلغاري.

لم تكن لدى المبشرين اليونانيين الرؤية الدقيقة التي كانت للأخوين كيرلس ومثوديوس، باعتماد اللغة المحلية، علما ان بوريس خان البلغار اتجه الى القسطنطينية ووضع شعبه بتصرف سلطة القسطنطينية الروحية مختاراً.

وحينما طُرِدَ تلاميذ ميثوديوس من مورافيا الى بلغاريا ونقلوا اليها المبادىء التبشيرية التي استخدموها من قبل، فأدخلوا اللغة السلافية عوض اليونانية، وقدموا للبلغار الثقافية الرومية القسطنطينية  الارثوذكسية بلغتهم، فاستطاع هؤلاء استيعابها بسهولة، وتوسعت الكنيسة البلغارية بسرعة، بحيث أُنشئتْ بطريركية بلغارية مستقلة سنة 924م وحصلت على اعتراف القسطنطينية عام 945م، وهكذا تحقق حلم خان البلغار وزعيمهم بوريس في إقامة كنيسة بلغارية ارثوذكسية مستقلة بعد وفاته بنصف قرن، وكانت بلغاريا أول البلدان السلافية التي فيه نشأت كنيسة وطنية.

الكنيسة الصربية
الكنيسة الصربية

تبشير الصرب

قصد تلاميذ آخرون لميثوديوس الى بلاد الصرب، حيث كان الأمير موتيمير قد اعتنق المسيحية في نهاية القرن التاسع. وبعد فترة من التردد، حذتْ بلاد الصرب حذو بلغاريا في اختيار سلطة القسطنطينية، وأُدخلتْ الكتب الطقسية السلافونية الى هناك أيضاً ومعها نمت الثقافة السلافية الرومية الارثوذكسية، وقد حظيت كنيسة الصرب باستقلال جزئي في عهد القديس سابا (قديس صربي) (1176 – 1235) الذي رُسِمَ رئيساً لأساقفتها في نيقية سنة 1219 وتحولت الى بطريركية مستقلة عام 1346 وحصلت هلى اعتراف القسطنطينية عام 1375.

تبشير روسيا(1)

أما تنصير الروس فلا شك انه ارتبط أيضاً بصورة غير مباشرة بنشاط كيرلس وميثوديوس. لذلك يحق لهما ان يحملا لقب “رسوليّ السلافيين.”

الكنيسة الرومانية
الكنيسة الرومانية

تبشير رومانيا

رومانيا من بلاد البلقان، إلا أن شعبها ينتمي لأصول لاتينية، وقد اعتنق المسيحية قيل القرن التاسع، وأخذ الكثير من الكنائس السلافية المجاورة لرومانيا، بدون الرجوع عن ثقافته اللاتينية والاصلية، والدليل على ذلك وجود مفردات  رومانية كنسية ممتزجة بالسلافونية مع هيمنة لاتينية واضحة. ومما يلاحظ في تبشير اليلاف من قبل القسطنطينيةمايلي:ان اليونانيين أتوا بالعقيدة والحضارة بلغة وعقلية جعلتهما سهلتي المنال من السلافيين الذبن تبنوهما كليا وبذلك تكمن الاهمية البالغة لترجمات الشقيقين القديسين كيرلس ومتوديوس. وعلى الرغم من الثقافة الرومية والعقيدة الارثوذكسية انتصرتا في البداية على الطبقات الحاكمة وأثرياء القوم إلا انهما سرعان ما اصبحتا بصورة تدريجية جزءاً لايتجزأ من الحياة اليومية  لجميع افراد الشعوب السلافية، وزاد من توطيد الغلاقات بين الكنيسة والشعب إنشاء كنائس وطنية مستقلة.

إن أهم ميزة عند السلاف أنهم مزجوا بين الكنيسة الأرثوذكسية وقوميتهم السلافية، وأصبحت جذورهم مرتبطة ارتباطاً لاتنفصم عراه بالارثوذكسية، فهي ديانة شعبية بكل معنى الكلمة. إن هذه الميزة ليست حصراً بالسلاف بل يتمتع بها أبناء الكنيسة الارثوذكسية في اي مكان، وخصوصاً في شرقنا وبالتحديد ابناء أنطاكية.(2)

العلاقات مع الكرسي الانطاكي المقدس

الكنيسة الأرثوذكسية عائلة من الكنائس التي تحكم نفسها وتستعد وحدتها لا من منظمة مركزية، ولا من سلطة حَبرٍ له على المجموع صلاحية مطلقة بل من صلة مزدوجة من الوحدة في العقيدة والمشاركة في الأسرار. وكل كنيسة مع كونها مستقلة متفقة  تمام الاتفاق مع سائر الكنائس الأخرى حول كافة مسائل العقيدة وتوجد فيما بينها مشاركة تامة في الاسرار وليس في الكنيسة الأرثوذكسية مركزية مماثلة لمركزية الكنيسة الكاثوليكية. وإن كان البطريرك المسكوني يحتل مرتبة شرف بين الكنائس الأرثوذكسية دون أن يمنحه ذلك حق التدخل في شؤونها الداخلية.

من هذا الواقع المتجذر فإن العلاقات ببين أفراد هذه العائلة تأخذ طابعاً أخوياً سلامياً يبدأ برسائل سلامية يرسلها بطريرك أو رئيس كنيسة أرثوذكسية إلى أشقائه بطاركة ورؤساء الكنائس الأرثوذكسية الأخرى معلناًعن صيرورته بنعمة الله بطريركاً ويلي ذلك رفع اسمه في الذبتيخا (الكأس المشتركة) في الكنيسة الارثوذكسية الجامعة.

وقد كان لأنطاكية دورٌ مرموق ومركز محترم لدى زعماء الشعوب السلافية وكنائسها، لأن أنطاكية كرسي رسولي أسسه القديسان الرسولان بطرس وبولس، وهذا مصدر فخر، كما انها تلت أورشليم أم الكنائس في قدمية التأسيس، وتفاخر بأن مسيحييها تسموا بهذه التسمية الشريفة أولاً، وقبل اي مكان  او كرسي رسولي آخر في العالم.

وكثيراً ما لعب البطاركة الأنطاكيون أدواراً مهمة في حياة السلافيين وكنائسهم الأرثوذكسية بطلب من هذه الشعوب.(3) فالبطريرك الانطاكي يواكيم الخامس، لعب الدور الاساس في اعتراف البطريرك المسكوني  ببطريركية ارثوذكسية في موسكو وكل الروسيا في التمهيد معه وفي المجمع الأرثوذكسيالذي عقد عام 1590 في القسطنطينة.

وكان قبلاً قد زار روثينية عام 1587م ونظر في شؤون كنيستها، وأسس فيها رهبانية أرثوذكسية، ونهى الكهنة عن الزواج ثانية بعد ترملهم بوفاة زوجاتهم، وزار مولدافيا في نفس العام، وأهدى أسقفها جاورجيوس أيقونة لاتزال محفوظة في دير سوكيفيثية.

كذلك البطريرك كيرلس ابن الدباس، قام بزيارة الى بلاد الفلاخ والبغدان (رومانية) حوالي 1624م، ومعه رسائل توصية من البطريرك كيرلس الاسكندري الى أكابر تلك البلاد  فأكرموه.

البطريرك مكاريوس ابن الزعيم
البطريرك مكاريوس ابن الزعيم

اما البطريرك مكاريوس بن الزعيم (4)، فهو غني عن التعريف،  ويعكف كبار الباحثين في الشرق والغرب على دراسة سيرته، فقد قام برحلتين شهيرتين الى بلاد البلقان وروسية، كانت الأولى من عام 1652- 1659 لطلب المساعدات  المالية لوفاء ديون الكرسي الأنطاكي وتعزيز التعليم الارثوذكسي وتحصين الرعايا الارثوذكسية في الكرسي الانطاكي المقد للوقوف في وجه الاستلاب البابوي  بالمعونات والتعليم والايفادات الى اوربة، إذ أن أمراء رومانيا  الحسني العبادة، كانوا قد اوفوا ديون الكراسي الارثوذكسية الأخرى ( القسطنطينية، الاسكندرية، واورشليم)، بسبب حكم استبدادي عثماني مشحون بالتعصب والمظالم والاضطهادات وشتى انواع المضايقات للمسيحيين المصنفين مواطنين من الدرجة الثالثة او الرابعة… لاحقوق لهم فهم مستعبدون… مما ادى الى فقر هذه الكراسي ورعاياها…

وقد سبقت رحلة البطريرك ابن الزعيم هذه، دعوة له من باسيلي بك أمير البغدان لزيارة بلاده، حيث حل ضيفاً مكرماً على بلاده مدة قاربت السنتين، ثم تابع الى روسيا، وحقق الغاية من سفرته، وعاد ومعه ما اوفى به قسماً عظيماً  من الديون وفوائدها الفاحشة، وأعاد المدرسة البطريركية الدمشقية ( الآسية) الى عزها ومجدها.

اما السفرة الثانية فكانت من عام 1666-1669 وبدعوة من القيصر الروسي الكسيس لتنطيم العلاقة بين القيصر الروسي وحكمه من جهة والبطريرك الروسي ومجمعه من جهة ثانية، حيث عقد مجمع ارثوذكسي عالٍ بحضور بطاركة الكراسي الرسولية الارثوذكسية الاربعة، وتم بموجبه ترتيب وقوننة العلاقات بين الدولة والكنيسة في روسيا. وعاد عن طريق جيورجيا  ورتب الكثير من الامور المنفلتة على صعيد بعض افراد الاكليروس الجيورجي وعاقب بعضهم بالتجريد، وفي تبليسي عاصمة جيورجيا اصيب بضربة اليمة جدا هي وفاة ولده الارشيدياكون بولس رفيقه ومساعده وكاتب رحلاته وفوق الكل ابنه، فبكاه هناك ودفنه في تبليسي وعاد الى الشام وحيدا مكسور الخاطر.

اما اول مطبعة عربية دخلت المشرق العربي، فكانت بفضل البطريرك اثناسيوس الرابع ( الدباس)، ويسجلها له التاريخ كمأثرة لمنفعة ابناء المشرق ولتعليمهم وقراءة الطقوس الارثوذكسية بالحرف العربي المطبوع، والمطبعة كانت هدية من الامير قسطنطين الحسني العبادة، امير الفلاخ والبغدان (رومانية) السنة 1700 وكان البطريرك اثناسيوس زقتها متنازلا عن البطريركية لحفيد البطريرك مكاريوس بن الزعيم كيرلس بن الارشيدياكون بولس بن الزعيم، مقابل رعايته لأبرشية حلب، على ان يتولى من يبقى حيا منهما البطريركية حتى وفاته.

الأمير يوحنا قسطنطين برانكوفيانو (ذ688-1714) حاكم بساربيا ويوضا في البلاد الرومانية
الأمير يوحنا قسطنطين برانكوفيانو (ذ688-1714) حاكم بساربيا ويوضا في البلاد الرومانية

البطريرك اثناسيوس زار الفلاخ والبغدان وحل بضيافة اميرها المذكور الذي امر بصنع حروف عربية  وتعلم عليها البطريرك وعاد بها الى حلب هدية اهداه اياها الامير الذي هاله عدم وجود كتب ارثوذكسية طقسية في الكرسي الانطاكي مطبوعة لذا اهداه مطبعة بوخارست لمنفعة الانطاكيين، و في حلب طبع فيها العديد من الكتب، وعند وفاة البطريرك كيرلس ابن الزعيم عام 1720 انتقل ابن الدباس بموجب الاتفاق بطريركا الى دمشق ونقل المطبعة الى دير البلمند وتولى الشماس الحلبي عبد الله زاخر الذي كان شماسه بحلب ومساعده في الطباعة، وبعد وفاة البطريرك كيرلس 1724، واغتصاب السدة البطريركية من السيد كيرلس طاناس الذي كان قد جهر بالكثلكة، وانحاز له الشماس عبد الله زاخر، فاختلس مطبعة البلمند، ونقلها الى دير الخنشارة الكاثوليكي مع من أمه من الرهبان الموالين لرومة، والذين شكلوا وقتئذ “الرهبنة الحلبية” التي كانت  تترهب وتدرس الاكليريكية في البلمند، ومنهم المحكي عنه الشماس الحلبي عبد الله زاخر(5)، واُدعي وقتها ولازلنا…! انها مطبعة عبد الله زاخر…!

وفي عام 1872 عندما قرر مجمع القسطنطينية الذي ضم القسطنطيني والاسكندري والأنطاكي ، ورئيس أساقفة قبرص قطع الشركة مع الكنيسة البلغارية واعتبار أكسرخوس البلغار أنثيموس وأتباعه من الأساقفة والكهنة من المشاقين(6) بتهمة التعصب للجنس البلغاري، والابتعاد عن اليونان، والانفصال عن سلطة القسطنطينية.

ووقتها اجتمع المطارنة الوطنيون من رعاة الكرسي الأنطاكي المقدس في بيروت برئاسة مطران اللاذقية ملاتيوس الدوماني ( البطريرك 1899-1906)، وأقاموا الحجة على بطريركهم ايروثيوس اليوناني الذي وقع وثيقة شجب البلغار لمحاولتهم التحرر، وان يكون اكسرخوس كنيستهم بلغاري، مؤيدين الحراك البلغاري، ورافضين موقفه الذي لايعبر عن موقفهم بصفتهم مطارنة الكرسي، ولا بتوافق مع الرعية الانطاكية المتضامنة مع تطلعات البلغار، كما تضامنوا مع البطريرك الأورشليمي كيرلس (يوناني) لوقوفه دوما مع مطلب ابناء الكرسي الاورشليمب ببطريرك وطني(7) الذي عزلته أخوية القبر المقدس اليونانية الاورشليمية عن كرسي البطريركية. وتصادموا مع البطريرك ايروثيوس، وامرهم بالطاعة والرجوع الى ابرشياتهم…

وجدير ذكره أن بعض أمراء السلاف والصرب والفلاخ والبغدان قد اوقفوا وقفيات عقارية وكنائس واديرة في اراضيهم باسم الكرسي الانطاكي بغية منفعته بايرادات تفيد الكرسي الانطاكي، وقد صادرتها الحكومات الشيوعية في الحقبة الشيوعية، ولم تفلح جهود اعادتها من بطاركة الكرسي الانطاكي الا في روسيا بهمة ومتابعة البطريرك الكسندروس طحان الذي استطاع اعادة الامطوش الانطاكي في موسكو لصالح الكرسي الانطاكي المقدس.

الكنائس السلافية في القرن 20

سيطر الشيوعيون على الحكم في روسيا ودول الكتلة السلافية والصربية ورومانيا، وكانت سيايتهم التضييق على الكنيسة بكل شيء، وسواء في الاتحاد السوفييتي أو رومانيا، وبلغاريا، ويوغوسلافيا وتشيكوسلوفاكيا…اي في دول المعسكر الاشتراكي (سابقا) حاول الحكم في هذه البلاد اعتماد  مبدأ للتعايش مع الكنائس الأرثوذكسية، لأنها وطنية شعبية متجذرة يرتبط تاريخها بتاريخ الارض التي نشأت فيها ونمت عليها. لذلك لم يجر إقفال الكنائس بالجملة، لأن الحكم أدرك بأن ذلك سيزيد المءمنين قوة وعددا فهي ميزة السلاف والصرب … الذين جعلوا من ايمانهم المسيحي الارثوذكسي كياناً واحداً.

ففي روسيا مثلاً كانت نسبة 10% من مجموع السكان في العهد الشيوعي يرتادون الكنائس في الآحاد  والمواسم الدينية للصلاة، ويماثلهم في ذلك البلغار والصرب والرومان الذين كان وضع كنيستهم أفضل حالاً، فهي تمتعت بقدر من الاستقلال الذاتي والرهبنات قائمة في صفوف الشباب والشابات، وفي كل سنة كانت تشاد كنائس جديدة، وفي كل هذه الدول كان المؤمنون يتدافعون سرا لمعمودية أطفالهم.

الارثوذكسية في اوربه
الارثوذكسية في اوربه

وبعد انهيار المعسكر الاشتركي بعد تحطيم جدار برلين وعملية البيروتستورايكا في الاتحاد السوفيتي وحل الاتحاد السوفياتي واستقلال الدول التي كانت تنضوي في الكيان السوفييتي، عادت الكنائس الأرثوذكسية الى صدارة المجتمعات والصف الوطني في هذه الدول، كونها وطنية شعبية وتجاوب الحُكم الجديد معها، فأُعيدت تسمية الأسطول الروسي باسم القديسأندراوس، ورفع عليها مجدداً العلم الذي يحمل صليب القديس اندراوس (X)، واُعيدت الأوقاف  والأديرة والكنائس المصادرة. ولعبت الكنيسة دوراً رتيساً وقيادياً في محاولة إجراء المصالحة بين الحكم والمعارضة أواخراً عام 1993.

اما في بلغاريا فقد عيَّدَ الجيش البلغاري بعيد شفيعه القديس نيقولاوس كما كان سابقاً قبل الحكم الشيوعي.

وفي رومانيا أقيمت القداديس في الكنائس بمناسبة عيد الاستقلال، وحضر السفراء الرومان القداديس في الكنائس الأرثوذكسية كما حصل (مؤخراً ) (حين نشر المقال حزيران 1994) في دمشق.

ومع ذلك وبكل اسف تدفقت الرهبنات الكاثوليكية الغربية، والارساليات الانجيلية الى هذه البلاد التي اعتبرتها “أرض تبشير” مستغلة الواقع الاقتصادي المؤلم الذي تمر به هذه البلاد وشعوبها نتيجة انتقالها من اقتصاد موجه الى اقتصاد حر، وتمت استمالة البعض، فأشيدت الكنائس ورُسم لها أساقفة حتى ولو لم يكن لها رعايا (إلا أن الطموح لديها يتعدى الواقع الحالي). وزيد على ذلك بنزع الكنائس الارثوذكسية من ايدي أصحابها بالجملة كما في براغ وبقية تشيكوسلوفاكيا وبولونيا واوكرايينا ومولدافيا،في هذه الدول التي عادت كاثوليكية وانتقاما من الكنيسة الارثوذكسية الروسية المرتبطة بها هذه الكنائس الارثوذكسية، لا بل أرغمت رعايا أرثوذكسية برمتها على الكثلكة بالتهديد والمضايقات والمصادرات…، ما استدعى إقامة مؤتمر ارثوذكسي عالمي دعت اليه بطريركية روسيا  وعُقد في القسطنطينية عام 1992 برئاسة البطريرك المسكوني وحضور بطاركة ورؤساء الكنائس الارثوذكسية، حيث نصَّتْ مقرراته على ضوابط للحد من هذا الاقتناص، الذي يتكرر على الدوام، والذي هو أشد إيلاماً من كل الضغوط، لأته صادر عن أشقاء بالمسيح. وبالرغم من كل الخسائر والتضحيات، كانت هذه الشعوب تتمتع بإيمان أرثوذكسي منقطع النظير، عبر تاريخها المعمد بالدم، وخصوصا في الملمات وآخرها في العصر الحاضر من قتل بواسطة الالحاد المنظم، وستبقى الكنيسة الارثوذكسية (الشعوب) فوق الجراح، وسيبقى إيمانها الأرثوذكسي مشعاً كماحفظه التاريخ عنها دوماً.

بقي أن نشير إلى أعداد المؤمنين الأرثوذكس في أوربه الشرقية، وفق التوزيع التالي ( وان كانت تقريبية)(8)

1- مجموعة الدول المستقلة: ( روسيا _ اوكرايينا _ روسيا البيضاء ): 150 مليون ارثوذكسي تقريباً.

2- رومانيا : 20 مليون أرثوذكسي تقريباً.

3- مجموعة يوغوسلافيا الجديدة (صربيا _ الجبل الاسود_صرب البوسنة وكرواتيا): 15 مليون ارثوذكسي تقريباً.

4- بلغاريا: 10 ملايين ارثوذكسي تقريباً.

5- جيورجيا: 2مليون ارثوذكسي تقريباً.

6- بولونيا: 750 الف ارثوذكسي تقريباً.

7- البانيا: نصف مليون ارثوذكسي تقريباً.

8- التشيك والسلوفاك: 200 الف ارثوذكسي تقريباً.

9- مقدونيا: نيف ومليون ارثوذكسي تقريباً. ( وكانت من يوغو سلافيا الاشتراكية سابقاً.

10-فنلندا: ربع مليون أرثوذكسي تقريباً.

11- اليونان 10 ملايين ارثوذكسي تقريباً.

12- قبرص الجزء الجنوبي: حوالي 600 الف ارثوذكسي تقرياً، بعد احتلال تركيا للقسم الشمالي وما مارسته من تطهير عرقي كعادتها بحق اليونانيين الساكنين فيه وقد افرغ منهم تماما في جمهورية شمال قبرص التركية.

وهناك دول بحر البلطيق التي كانت في قوام الاتحاد السوفياتي كاستونيا وايسلندا …لم نتمكن من معرفة احصائية ارثوذكسية فيها وهي الان رئاسات اساقفة كنائس ارثوذكسية مرتبطة بشكل او بآخر بالمجمع الروسي المقدس في موسكو…

قائمة دول أوربه الأرثوذكسية ( ويكيبيديا)

وقد اضفناها من موقع ويكيبيديا للإستئناس بها في تدوينتنا بتاريخه ادناه…

القائمة تستعرض الدول ذات الغالبية الأرثوذكسية في أوروبا، أُخذت القائمة من دراسة قام بها معهد بيو في 2010.

مرتبة دولة عدد الأرثوذكس نسبة الأرثوذكس
1  روسيا 101,450,000 71.0%
2  أوكرانيا 34,850,000 76.7%
3  رومانيا 18,750,000 87.3%
4  اليونان 10,030,000 88.3%
5  صربيا 6,630,000 86.3%
6  بلغاريا 6,220,000 83.0%
7  روسيا البيضاء 5,900,000 61.5%
8  جورجيا 3,820,000 87.8%
9  مولدوفا 3,410,000 97.9%
10  أرمينيا 2,680,000 86.6%
11  جمهورية مقدونيا 1,330,000 64.8%
12  قبرص 790,000 71.8%
13  الجبل الأسود 470,000 75.1%

أقليات أرثوذكسية

القائمة تستعرض الدول الأروربية التي تضم على أكبر عشرة أقليات أرثوذكسية، أُخذت القائمة من دراسة قام بها معهد بيو في 2010:

مرتبة دولة عدد الأرثوذكس نسبة الأرثوذكس
*  كازاخستان 3,430,000 21.4%
1  البوسنة والهرسك 1,440,000 38.2%
2  ألمانيا 1,140,000 1.4%
2  المملكة المتحدة 560,000 0.9%
4  لاتفيا 370,000 16.5%
5  فرنسا 370,000 0.6%
*  أذربيجان 260,000 2.8%
6  إستونيا 250,000 18.9%
7  ألبانيا 240,000 7.5%
8  كرواتيا 200,000 4.4%
9  النمسا 190,000 2.3%
*  تركيا 180,000 0.3%
10  ليتوانيا 170,000 5.1%

حواشي البحث

1-“صفحة مضيئة في تاريخ الكنيسة في روسيا” انظره هنا في موقعنا باب الكنيسة الارثوذكسية والتاريخ الكنسي

2- يعبر عنها على الدوام بطاركة الكرسي الانطاكي ومنهم غبطة البطريرك اغناطيوس الرابع في عظاته. (حيننشر المقال في النشرة البطريركية في العدد 6 / حزيران 1994، ونضيف(تاريخ اعادة كتابته كتدوينة بتاريخه هنا في موقعنا) غبطة ابينا البطريرك يوحنا العاشر والبطاركة السابقين الدوماني وطحان وابو رجيلي،ومعوض…

3- تدوينتنا صفحة مضيئة في تاريخ الكنيسة في روسيا (الحاشية 1)

4- سيرته هنا باب اعلام ارثوذكسيون

5- رستم. أسد / “كنيسة مدينة الله انطاكية العظمى” + جريدة المنار البيروتية

6- المشاق (جمعها مشاقون)تسمية كانت عصرئذ متداولة وهي اقرب لكلمة منشق أو هرطوقي. وكان المنشقون عن كرسي انطاكية والموالون لرومة يرشقون بها الروم الارثوذكس الاصلاء بتهمة انشقاقهم عن الوحدة مع رومة وتحت رئاسة بابا رومه بعد الانشقاق الكبير 1054.

7- لاتزال هذه القضية مطرح الصراع بين رعية كرسي اورشليم من فلسطينيين واردنيين بالرغم من الخضات المتتالية والحراك والمؤتمرات الارثوذكسية الشعبية في القرنين 20 و21، وتعسف رهبنة القبر المقدس اليونانية، حتى الآن بمنع وصول ابناء الاكليروس الوطني للسة البطريركية وللاسقفية. وكان منها ان اتهمت هذه الرهبنة البطريرك كيرلس بالجنون وعزلته من منصبه البطريركي، والسبب تأييده للعنصر الوطني الاورشليمي، ورفضه تأييد مجمع القسطنطينية في شجب البلغار واعلانه الصوت بحق البلغار في رئاسة كنسية وطنية.

8- نذكر بأن مقالنا هذا كنا نشرناه في دورية النشرة البطريركية في حزيران 1994 يعني قبل 31سنة من الآن، ونشرناه حرفياً  2014 في موقعنا السايق الذي خرج من الخدمة بكل اسف عام 2023 لاسباب فنية لايد لنا فيها وفقدنا كل موجوداته ما اضطرنا لاعادة كتابتها مجدداً في موقعنا الجديد الحالي، وهنا هذه الاحصائيات باتت الآن غير قيقة ونقصد بها الآن التذكير بها كما كانت في تاريخ النشر، ونشير الى القارئ ان يرجع الى مدوناتنا عن دول اوربه الشرقية والوجود المسيحي عامة والارثوذكسي خاصة هنا في موقعنا.

  • Beta

Beta feature