قصة ترتيلة الميلاد و القدّيس رومانوس المرنّم

قصة ترتيلة الميلاد و القدّيس رومانوس المرنّم الحمصي

قصة ترتيلة الميلاد و القدّيس رومانوس المرنّم الحمصي

مقدمة

الخِدمُ الكنسيّة الرائعة  التي نسمعها في كنيستنا الارثوذكسية اليوم قديمة جداً. نسمع اليوم الكلمات والصلوات والتراتيل عينها التي كانت تُتلى منذ 1000 سنة أو حتى 1500 سنة، ولو بلغّة مختلفة. هذه الخدم لم يؤلفها شخص واحد في وقت ما. بل أصبحت ما هي عليه بالتدرج، فلقد أُضيفت المناسبات وتفاصيل الخدم واحدة تلو الأخرى. كتب العديد من الرجال والنساء القدّيسين الترانيم والصلوات فلاقت إعجاب المؤمنين لدرجة أنها أصبحت جزءاً من الخدم. لم تثبت الخدم الكنسيّة في شكلها الحالي إلا بعد مئات السنين من النمو.

السيرة الذاتية

القديس رومانوس المرنم
القديس رومانوس المرنم

القديس رومانوس المرنّم

ولد رومانوس في  حمص سورية في القرن الخامس للميلاد. لم يكن والداه من الأغنياء ولا من المعروفين، لكنهما كانا مسيحيَين تقيَّين ومحبَّين. نما رومانوس على محبة الله. فلما كَبُرَ صار يخدم في الهيكل ومن ثم عُيّن مرتلاً وقارئاً في الكنيسة بعد انتقاله الى بيروت وصار شماس كنيستها، ثم انتقل إلى مدينة القسطنطينية في أيام الإمبراطور اناستاسيوس الأول والبطريرك اوفيميوس (٤٩٠- ٤٩٦م).
أراد رومانوس أن يخدم الله بأفضل ما عنده؛ فكان يُصلّي كثيراً؛ وكان أول من يحضر إلى الكنيسة وآخر من يغادرها. يضيء القناديل بكل وقار أمام إيقونات القدّيسين الذين كان يحبّهم كثيراً. كذلك كان يحب جوقة الكنيسة كثيراً ويفرح دائماً عندما يطلبون منه أن يرتّل.
في تلك الأيام كانت خدمة السَحَر التي تقام في أيام الأعياد تختلف عن خدمة السحر في أيامنا. فخلال الخدمة كانت ترتَّل المزامير وآيات من العهد القديم ومن ثم يتقدم أحد المرتلين إلى وسط الكنيسة ويُنشد ترتيلة تُعرف بالـ”كونتاكيون” وهي تُفسِّر معنى الحدث المحتفى به في العيد. في أغلب الأحيان كان المرتلّون يرتجلون، أي يُفكرون بالكلمات وهم يتلون الترتيلة دون سابق تحضير، وكان المؤمنون يرتلّون آخر المقطع جواباً للترتيلة. بالطبع، كان الناس يقدّرون المرتلين البارعين لأنه عليهم أن يعرفوا الموسيقى جيداً بالإضافة إلى كونهم متعلمين وموهوبين ليتمكّنوا من نظم ترانيم جميلة بسرعة. كان هذا منصباً شريفاً وكل من يشغله كان يتلقى أجراً مرتفعاً.
أُعجب بطريرك القسطنطينية بالمرتل الجديد والشاب رومانوس. وإذ رأى سيرة حياته الفاضلة وتفانيه في خدمة الكنيسة، نصبَّه وفي وقت قصير قارئاً ومرتلاً بأجرة في أعظم كنيسة في القسطنطينية – آجيا صوفيا أي الحكمة الإلهية. زملاؤه المرتّلون، لم يرق لهم الأمر. كانوا فخورين بأصواتهم وبقدرتهم على نظم الترانيم واستاؤوا لمجيء مرتل جديد لا خبرة له يتلقى الأجر نفسه.
اقترب عيد الميلاد وفتحت آجيا صوفيا أبوابها لاستقبال جموع المؤمنين. في ليلة الميلاد، بشكل خاص، كان يُحتفل بخدمة الغروب، لأن الأمبراطور وحاشيته كانوا يحضرون الخدمة. وكان البطريرك هو الذي يخدم الصلاة. عندما حان الوقت للمرتل أن يتقدم لينشد ترنيمة الميلاد خاصته، دفع فجأة المرتلون الغيّورون برومانوس إلى وسط الكاتدرائية قائلين له بسخرية: “أنت تتلقى الراتب عينه الذي نتلقاه نحن، هيا رتّل ترتيلة لائقة”!لم يستطع أن يجد ولا فكرة واحدة، ولا صوت خرج من شفتيه.
شعر رومانوس بالشلل. الكل كانوا يحدّقون فيه وينتظرون. جَفّ حلقه. ولم يستطع أن يجد ولا فكرة واحدة، ولا صوت خرج من شفتيه. في الصمت، انتظر الناس مبتسمين ومتمتمين. أخيراً، اغرورقت عينا رومانوس بالدموع، وهرب محاولاً الإختباء وراء جوقة المرتلين.
عندما انتهت الخدمة، بقي رومانوس لوقت طويل وحيداً في ظلمة الكاتدرائية الفارغة. كان عبير البخور يملأ الجو وأضواء القناديل ما زالت تتلألأ أمام الإيقونات. انجذبت عينا رومانوس إلى إيقونة والدة الإله. فأخذ يصلي:”أيتها الأم الحنون، ساعديني. لا أجد الكلمات المناسبة وشفتاي صامتتان. كيف يمكنني أن أمجِّد إبنك المولود جديداً؟”
عاد رومانوس إلى بيته في وقت متأخرٍ من الليل، وقد عزّته صلاته الطويلة في الكنيسة وخلد إلى سريره. أثناء رقاده، رأى رؤيا: والدة الإله تدخل إلى غرفته. كانت تحمل في يدها دَرْجاً صغيراً من الورق، وقالت له بلطف وهي تقترب منه: “افتح فمك”. فتح رومانوس فمه فوضعت الدَرْجَ فيه وأمرته أن يبتلعه. أطاع رومانوس واستفاق على الأثر. كانت غرفته فارغة، لكن قلبه كان ينبض بفرح عظيم وحماسة، أما عقله فكانت تزدحم فيه كلمات جميلة ومقدّسة.
هذا كان في صباح عيد الميلاد، فأسرع رومانوس إلى كنيسة الحكمة الإلهية ليحضر السحر. وفي الوقت الذي يجب أن يتقدم فيه أحد المرتلين ويرتجل ترتيلة، تقدّم رومانوس إلى الأمام دون تردّد. لم يكن خائفاً، اليوم، ولم يتردد في التفكير: فمن شفتيه انفجرت ترتيلة جميلة، وكلمات لم يُسمع بها من قبل ترتبت بالشكل التالي:
اليوم العذرء تلد الفائق الجوهر
والأرض تقرّب المغارة لمن هو غيرُ مقترب إليه
الملائكة مع الرعاة يمجدون

والمجوس مع الكوكب في الطريق يسيرون

قصة ترتيلة الميلاد و القدّيس رومانوس المرنّم
قصة ترتيلة الميلاد و القدّيس رومانوس المرنّم
لأنه ولد من أجلنا صبيٌ جديدٌ : الإله الذي قبل الدهور.
لم يكن أحد قد سمع هذه الترتيلة من قبل، ولكنها كانت جميلة لدرجة أن الجوقة والمؤمنين بأجمعهم ردّدوا الجملة الأخيرة : ” لأنه ولد من أجلنا صبيٌ جديدٌ : الإله الذي قبل الدهور”
وما أن انتهت الخدمة حتى أسرع البطريرك نحو رومانوس وسأله من علّمه هذه الترتيلة الجميلة. فسرد له رومانوس، بكل تواضع، الرؤية العجائبية التي عاينها والهدّية التي تلقاها.
تُعيّد الكنيسة للقدّيس رومانوس في الأول من تشرين الأول.
لتكن صلواته مع جميعنا – آمين .+++

 

 

  • Beta

Beta feature

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *