قصة شجرة الصليب المقدس في التقليد الأرثوذكسي.

قصة شجرة الصليب المقدس في التقليد الأرثوذكسي.

قصة شجرة الصليب المقدس في التقليد الأرثوذكسي.

نستقي معلوماتنا عن شجرة الصليب المقدس من التقليد الشفهي في الكنيسة الأرثوذكسية، الذي جاءت على ذكره مخطوطة سريانية قديمة، وتُردّد الصلوات الليتورجية والفنّ الايقونوغرافي صدى هذا التقليد.
تبتدىء قصة شجرة الصليب المقدس من عهد إبراهيم أبو الآباء، الذي تجلّى له الرب عند بلّوط مَمْرا، في هيئة ثلاثة ملائكة، واستضافهم عنده، وبشّروه بأنّ زوجته ساره العاقر ستلد له ابناً (تكوين 18).
يخبرنا التقليد أنّ هؤلاء الملائكة الثلاثة قبل أن يغادروا إبراهيم، تركوا عنده عَصَواتهم الثلاثة التي كانوا يحملونها بأيديهم، فأخذتها ساره، وطرحتها في النار، لكنها لم تشتعل، فأعادت رميها في النار عدّة مرات، لكنها في كل مرّة كانت تُخرج دخاناً ذو رائحة طيّبة…فأخذها إبراهيم واحتفظ بها كذخائر مقدسة.
بعدما أمطر الله كبريتاً وناراً من السماء على مدينتيّ سدوم وعموره، عقاباً لسكانها على فجورهم (تكوين 24:19) إلتجىء لوط مع ابنتيه إلى كهفٍ في جبل، وهناك سقته إبنَتاهُ خمراً فَسَكِر، وضاجعتاه لتُقيما لهما نسلاً من أبيهما (تكوين 19: 38-30). وبعدما أفاق لوط من تأثير الخمر، أدرك فعتله الشنيعة، فجاء إلى عمّه إبراهيم نادماً وأخبره بما حدث، وسأله عمّا يجب عليه فعله لكي يكفّر عن خطيئته ويغفر له الرب.
أعطاه إبراهيم العِصِيّ الثلاثة التي تركها له الملائكة الثلاثة، وأمره أن يزرعها في مكانٍ ما في ضواحي أورشليم، وطلب منه أن يُحضِر ماءً من نهر الأردن ويسيقها، وإذا إخضَرَّت العِصيّ وأورَقت، ستكون علامة على أن الرب قبل توبته وغفر له خطيئته. وقال له إبراهيم: ستُحضِر الماء من نهر الأردن، ولكن إذا قابلت أحداً في طريق عودتك، وطلب منك أن تسقيه ماءً فستعطيه، وتسكب الباقي على الأرض، وتعود إلى نهر الأردن لتملىء جرّتك من جديد. ستسقي العصيّ الثلاثة، فقط عندما لا تجد أحداً يطلب منك ماءً في الطريق.

أخذ لوط العِصيّ الثلاثة وزرعها في المكان الذي يوجد به اليوم “دير المْصَلَّبة” في أورشليم، ثم مضى إلى نهر الأردن وملأ جرّته بالماء، وفي كل مرّة يكون عائداً، كان الشيطان يظهر له بهيئةٍ مختلفة ويطلب منه أن يسقيه ماءً. مرّة يتراءى له بهيئة عابر سبيل عطشان، ومرّة بهيئة إمرأة مريضة، وأخرى بهيئة رجل عجوز…الخ وكان لوط حسب كلام إبراهيم، مضطرّاً أن يسقيهم، ثم يسكب الماء المتبقّي على الأرض، ويعود لملىء الجرّة مُجدّداً. لقد كان سعي الشيطان ألاّ يَصِل لوط بالماء إلى العصيّ الثلاثة، لكي يبقى في خطيئته بغير مغفرة.

قصة شجرة الصليب المقدس في التقليد الأرثوذكسي.
قصة شجرة الصليب المقدس في التقليد الأرثوذكسي.
وفي نهاية الأمر، وبعد حين من الزمن، لم يجد لوط أحداً في الطريق، وتمكّن من سقاية العيدان الثلاثة، وهنا حصلت المعجزة! لقد اتّحَدَت العصيّ الثلاثة في جِذعٍ واحد، وأخرجت أوراقاً واغصاناً، ونمت وكبُرت وتفرّع من الأرومة الواحدة ثلاث شجرات “أرْز وسَرو وصنوبر”. فانذهل لوط من رؤيتها إذ لم يسبق له أن شاهد أمراً كهذا، لكنه أيقن عندئذ أنّ الرب قبل توبته.
مرّت على هذه الحادثة نحو ألف سنة، وأراد سليمان الملك أن يبني هيكلاً للرب في أورشليم، وقد أرسل إلى حيرام ملك صور يطلب منه أن يمدّه بأخشاب الأرز والسَرو من لبنان، ليُنجز بناء الهيكل (3 ملوك 5: 10-).
وأرسل سليمان أيضاً عمّاله إلى ضواحي أورشليم ليجمعوا الأخشاب الثمينة والمواد اللازمة لإتمام العمل. فجاؤوا إلى هذه الشجرة الغريبة وقطعوا منها خشبة، وحملوها ليستخدموها في البناء، ولكنها لم تكن مناسبة لأي مكانٍ حاولوا وضعها فيه! فمرّة تأتي طويلة أكثر من اللازم، ومرّة أقصر من اللازم! فألقى بها البناؤون جانباً واعتبروها “خشبة ملعونة”.
ومرّت نحو ألف سنة أخرى، وجاء يوم الجمعة العظيمة الذي حُكِمَ فيه على الرب يسوع المسيح بالموت مصلوباً، وإمعاناً من اليهود في تحقير المسيح جاؤوا بخشب من هذه الشجرة نفسها، المعتبرة ملعونة، وصنعوا منها صليباً وسمّروه عليها في الجُلجُلة. وهكذا فإنّ الشجرة التي حَمَلت لعنة خطيئة لوط في القديم، وأظهرت له غفران الرب ورحمته، هي نفسها التي حمل عليها المسيح خطيئة العالم كلّه. والشجرة التي أخذت لعنة خطايانا، هي ذاتها التي مُنِحنا بها الفداء والتبرير.
“اَلْمَسِيحُ افْتَدَانَا مِنْ لَعْنَةِ النَّامُوسِ، إِذْ صَارَ لَعْنَةً لأَجْلِنَا، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ عُلِّقَ عَلَى خَشَبَةٍ. لتكونَ على الأُممِ بَركةُ إبراهيم في المسيحِ يسوع لننالَ بالإيمانِ موعد الروح».” (غلاطية 3: 14-13).
يتنبّأ أشعياx عن جمال ومجد كنيسة العهد الجديد، مُستَعيداً بهاء هيكل سليمان، الذي أُستُخدِمت في بنائه أجود أنواع الخشب “مَجدُ لبنان يأتي إليكِ السَرْو والصَنوبَر والأَرْزُ جميعاً لزينة مَقدِسي، وأمجّدُ موطىء قدميّ” (اشعيا 13:60) وهي إشارةٌ رمزية إلى المسيح “الهيكل الحقيقي” {يوحنا 21:2} الذي تمجَّد بالصليب.

 

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *