قمة مار تقلا في سهل صيدنايا

قمة مار تقلا في سهل صيدنايا

قمة مار تقلا في سهل صيدنايا

وقف ارثوذكسي بطريركي ضائع

الادق ان نقول عن هذا الموقع المقدس الذي كانت القديسة تقلا قد استراحت فيه في طريقها الى معلولا منسكها النهائي الذي عاشت فيه ثم انتقلت الى الاحضان الالهية فيه ودفنت وهو مقامها في ديرها الشهير في معلولا، الأدق ان نقول عنه انه في جبل منين وليس في صيدنايا وفقاً للوثيقة التاريخية بيد الاب المؤرخ ايوب سميا التالية ادناه وتحقيقنا لها ووفقا للتحقيق الذي نشرته سانا عام 2020 ادناه.

ذات يوم بعيد قرأت مصادفة في مرجع لم اعد اتذكره بكل اسف، اشارة الى القديسة تقلا وهي انها في طريقها هاربة الى منسكها في جبال معلولا مرت بمكان  في السهل الممتد بين عين منين وصيدنايا ( حالياً) وكان عبارة عن مرتفع صخري وجلست فوق المرتفع لتستريح وتتوارى عن متابعة مطارديها وصارت قمة هذا المرتفع تدعى باسم مار تقلا.

بحثت كثيرا دون جدوى وسألت مسنين من ابناء صيدنايا فأشاروا الى القمة العليا اليوم والتي تقع في وسط سجن صيدنايا سيء الصيت وعليها نقطة مراقبة حصينة ومحاطة بالأسلاك الشائكة… وفي كل مرة كنت امر بجانبها ارنو بنظري اليها واحاول ان افترض في مخيلتي سيرة هذه القمة…

قمة مارتقلا في سهل صيدنايا
قمة مارتقلا في سهل صيدنايا

مؤخرا عثرت على قصاصة ورقية تحوي جزءا مبتورا من تدوينة شخصية لمعلمي وشقيق جدي لأبي بالدم العلامة  المؤرخ الاب ايوب نجم سميا

شاءت الظروف ان اتولى مكتبة ووثائق البطريركية الانطاكية الارثوذكسية بدمشق منذ 1987 وحتى هذه اللحظة وكانت منها مكتبة جدي او شقيق جدي بالدم الاب ايوب نجم سميا (1) وقد آلت لمكتبة البطريركية من حين وفاته.

وفي كل هذه المدة ومع تكشيفي الوثائق البطريركية، كنت احياناً اعكف على الغوص بكتبه ومخطوطاته ووثائقه ورسائله الرعوية التي ادخلتها في عداد مكتبة البطريركية مع بقية الوثائق، و أُعيد قراءة مقالاته المنشورة في مجلتي النعمة البطريركية والايمان وفي سجلات الضابط الخاصة به منتصف الستينات حتى منتصف السبعينات من القرن الماضي.

بالأمس القريب عكفت على مطالعة قصاصات عليها تدوينات بخط يده المباركة عبارة عن ملاحظات وحواشي متفرقة ومتبعثرة قد تفيد وقد لاتفيد، وعثرت فيها على النص التالي ادناه، وهو ناقص القسم الاول حيث تبدأ بالنص ادناه وعلى صفحتين متقابلتين من مطوية ابعادها (21/13سم) بينما الصفحتان الاخريتان دون عليهما مواضيع اخرى.

و للأمانة ولذكرى معلمي الاب ايوب العطرة وكما قلت عم العائلة الزيتونية الدمشقية وكبيرها شقيق جدي فارس بالدم على قبر المسيح له المجد ادرجه بالحرف الا ما اقتضته الضرورة فأحققه مابين قوسين(…..) ، والنص يسلط الضوء على قمة مارتقلا موضوع تدوينتي هنا وكم كان فرحي عظيما بها، واستنتجت ان المرحوم الاب ايوب تم ابلاغه بهذا المكان من صديق من اهل منين  وقام الاب ايوب بزيارة المكان برفقة مستضيفه وجال فيه وخصوصا القمة الصخرية ويبدوا انها  عبارة عن كهف طبيعي عبارة عن قاعة صخرية تحت القمة كُرس على اسم مارتقلا وهذا مايمكن ان يكون القسم الاول المفقود من وثيقته وهي الاستعداد للزيارة والزيارة.

العلامة المؤرخ الاب ايوب نجم سميا
العلامة المؤرخ الاب ايوب نجم سميا

الوثيقة المخطوطةبيد الاب ايوب بقلم  رصاص وبخط صغير كعادته، واستطيع ان اقدر  (بخبرتي بكتاباته) انه كتبها في العقد الرابع من القرن20:

“… واصلها مدينة قديمة واسعة يقول  الأهلون ان كل الأرض المفتلحة (االمفلوحة _ من الفلاحة) بسفوح تلك الصخرة والى اقصى ذلك الجبل، والى الأمام  البعيد اين حفروا يجدون آثار واساسات ابنية ضخمة كالتي على ظهر الجبل، ويقولون أن اجدادهم كانوا يجدون فيها خبايا (كنوز واثار ومخبؤات).

هذه المدينة القديمة في التل المنبسط الذي امام البلدة شمال غربي وكله مفتلح فيجدون آثار ابنية واساسات ولكن بحجر ليس ضخم بل مثل حجر ايامنا واضخم منه، ويجدون بعض الأشياء، ومن 6 سنوات وجدوا تحت الارض خابية فخار قديمة فأخرجوها واذا هي كبيرة جداً حتى انه نزل فيها رجل بمجرفة وقفة لكي يعزلها  فكان يعبئ بالقفة وينشلون القفة بالحبل ويقف فيها فتظل اعلى منه بنصف قامة وفخارها سميك باعوها لأحد تجار الزيت بالشام بليرتين ذهباً، وعلى رأس الجبل الذي فوق الماء ذي المغاور آثار بناء قديم ضخم الحجارة مثل تلك وعلى رأس الجبل  الصخري المقابل الضيعة  الى الغرب تماماً  آثار بناء قديم صنو الاول ويقول الأهلون  ان هذين كانا ديرين ولا عجب فانهما بنيا في صدر المسيحية. ومار تقلا  ويسميها الأهلون مار تقلا أو المنتقلة، ويعتقدون انها تشفي من العصبي فيأتي من به عصبي ويقعد في وسطها بضع ساعات فيشفى واصل هذا الاعتقاد  ان هواء تلك التلة الصخرية احسن جداً من هؤاء  ضيعة منين الحالية فيمكن ان بعض ذوي الامراض كانوا يقعدون فيها مدة فيشفون.

وبينما كنا جالسين نأكل قدمت ابنتان فتاتان من منين فحيتانا  ثم دخلتا الى مار تقلا  وجلستا على الارض فسألت صاحبي ودليلي المنيني فقال لي ان بهما عصبي  وهنا تستشفيان  بقوة مار تقلا.

وفي اثناء تجوالي بين تلك الخرائب صدفت شاباً يدور وحده فيها  فاجتمعنا واذا به شاب متعلم مقصد وجوده هناك كمقصد وجودي  اسمه امين محمد الدهان  من دمشق، باب السلام. وبعد ان تعبنا جلسنا وتغذينا (تغدينا) معا ثم قمنا وسرنا الى ان عطشنا فأعثرنا  الله على ماء في حفر صخري مجموع من المطر ولكنه رائقٌ صافٍ تماماً، فشربنا، والماء طيب. ثم بعد فراغنا وصلتْ من الشام عائدة الى صيدنايا السيارة التي اقلتنا  صباحاً، فلم يعد لنا وقت ان نعود الى حضرة المدير لبشكره، فركبنا السيارة وعدنا الى صيدنايا،وكان ذلك قبيل المغرب.

البطريرك جراسيموس
البطريرك جراسيموس

وفي منين جامع قديم، ويقول التقليد الشعبي عند جوار منين ان اهل منين اصلهم يهود ثم اسلموا من شدة الضغط عليهم، ولاتزال عندهم بعض العادات اليهودية البيتية والاجتماعية، وهذا ليس بمستبعد  كما حصل لأهل عين التينة الذين كانوا مسيحيين. وأما مار تقلا  ذلك المركز الطبيعي الجميل والأثر التاريخي الثمين فقد حاول البابويون  في اواخر القرن التاسع عشر ان يحتالوا على امتلاكه اذ صار ينتابه بعض رهبانهم ولما كان لايوجد خصم للبابويين كفءٌ غير اليونان فقد علم بطريرك دمشق الارثوذكسي اليوناني جراسيموس (1885-1891 حيث استقال وعاد الى رهبنته الاصل جمعية القبر المقدس اليونانية الاورشليمية واستوى بطريركاً على الكرسي الاورشليمي) بذلك فجاء الى صيدنايا واخذ الكهنة الذين لايزال منهم حياً الخوري نقولا كزما، ويروي المسألة وذهبوا ومعهم اناس أيضاً الى منين مصحوبين بلوازم الصلاة واقاموا الصلاة في تلك القاعة الصخرية، وكان قد حضر معهم اناس من نفس منين، وبعد الصلاة عمل البطريرك محضراً مؤلفاً من الهيئة المسيحية المذكورة ومن كثيرين من ذوات شعب منين المسلمين دونوه وحضوه على ان المقام المذكور المسمى باسم مار تقلا هو خاص اوقاف دير سيدة صيدنايا. وبعد ذلك صلوا فيه مرتين ثم انقطعوا  وذلك كله من كسل كهنة صيدنايا.

وفي سنة 1931 جاء منين المسيو بونسو الفرنساوي المفوض الأعلى لفرنسا على سورية ( ولبنان وكيليكيا) وزار هذا المكان ودوّن عنه شيئاً في مفكرته ومضى ومن ادرانا انه دون ان هذا المكان  هو خاص بأملاك الدولة وليس عليه يد أحد.”

انتهى التسطير الحرفي لوثيقة الاب ايوب سميا.

قمة مار تقلا في سهل صيدنايا
قمة مار تقلا في سهل صيدنايا

 ووفقا لتحقيق نشرته سانا (1): بين مجموعة من الكتل الجبلية تقع بلدة عين منين في جبال القلمون التي أخذت اسمها من نبع ماء كان يروي الوادي المؤدي إلى برزة والغوطة الشمالية متوسطا جبل مار تقلا الواقع شمالي البلدة الذي تنتشر على قمته وسفوحه منشآت معمارية منحوتة.

وأثبتت المسوح الأثرية وجود عدد من المعالم في الجبل منها موقع سكني خلال العصور الروماني والرومي والإسلامي.

وأظهرت التحريات الاثرية بحسب مدير عام الآثار والمتاحف الدكتور محمود حمود أن أقدم سكن في البلدة يعود إلى العصر الحجري الحديث (الألف السابع والسادس قبل الميلاد) وهذا ما تدل عليه الأدوات الصوانية المكتشفة في عدد من الكهوف كما سكنت البلدة خلال العصر الحديدي القرنين السابع وحتى الرابع قبل الميلاد.

قمة مار تقلا في سهل صيدنايا
قمة مار تقلا في سهل صيدنايا

وكان الموقع خلال هذه المرحلة بحسب الدكتور حمود قرية صغيرة فيها عدد محدود من البيوت السكنية وعلى الرغم من غياب معالم معمارية واضحة إلا أن الكسر الفخارية وبعض اللقى الأثرية المكتشفة مثل الدمى الطينية والأباريق والصحاف والكؤوس والمسارج تؤكد استخدام الموقع كسكن خلال هذه المدة.

ويؤكد مدير الآثار أن البلدة ازدهرت بشكل كبير خلال العصرين الروماني والرومي حيث تركز السكن في جبل مارتقلا الذي ارتبط اسمه بالقديسة تقلا التي مكثت فيه يومين قبل أن تتابع طريقها إلى معلولا.

وبين حمود أن الجبل يحوي كثيرا من المنشآت المبنية والمنحوتة في الصخر التي تضم علاوة عن البيوت السكنية مجمعاً دينياً يتألف من معابد تحولت إلى دير وكنائس خلال العصر الرومي كما تنتشر على سفوحه الشرقية والجنوبية بقايا الأبنية والمدافن الأثرية.

وحول المكتشفات التي عثرت عليها البعثات الأثرية يذكر الباحث حمود أنه تم اكتشاف لقى مهمة عائدة إلى العصر الرومي منها قاعدة شمعدان من المعدن تحمل زخرفة على شكل مخلب أسد وتمثال معدني صغير لطائر النسر يبسط جناحيه إضافة إلى نقود برونزية تحمل صور أباطرة روميين.

كما عثر في البلدة على مدافن وتوابيت حجرية إضافة إلى لقى متنوعة أهمها تمثال برونزي يمثل الإله إيل جالسا على عرشه يشابه تماثيل اوغاريت ورأس تمثال (بورتريه) من الحجر الكلسي القاسي يعود إلى القرن الثاني الميلادي وهو يمثل الآلهة أفروديت ومنحوتة حجرية كبيرة عليها رسم لأدوات قطع الحجارة إضافة إلى دمى ومسابح ونقود واواني فخارية وحلي مصنوعة من مواد معدنية وعظمية وغيرها.

وتعكس المنشآت الرومانية  (ومن بعدها الرومية ومنها قمة مار تقلا) المكتشفة في عين منين ازدهار البلدة خلال تلك الحقبة كما يلفت الدكتور حمود ومنها أربعة معابد دون أن تعرف حتى الآن أسماء الآلهة التي كرست لها. ولكننا نضيف الى شهادة الدكتور العلامة محمود حمود ان اثرنا هنا لايحتاج الى اثبات فواقعه الاجتماعي وخاصة عند سكان المنطقة وجميعهم من الاخوة المسلمين وسعيهم للمبيت فيه كما يفعل اصحاب الامراض في اديارنا كمقام الشاغورة المقدس في دير سيدة صيدنايا وفي مقام القديسة تقلا حيث مدفنها طلبا من صاحب المكان الشفاء، هذا من جانب، ومن جانب آخر شكل الكهف والمنحوت طبيعيا والمرمم بيد الباني والباب والساكف …ولاشك ان يد العبث والتخريب لعبت به افسادا في زمن صيرورته محرسا وقمة مراقبة تابعة للسجن المخيف!!!

ويعتبر حمود أن الاكتشافات الاثرية تؤكد أهمية البلدة في العصور القديمة ومستوى التطور الذي بلغته ولا سيما في العصرين الروماني والرومي علما أن الكشف عن كل آثار البلدة يحتاج إلى عقود طويلة من الزمن وإمكانات كبيرة.

في الختام

في سورية تحت كل حجر اثر ديني او علمي او جيولوجي او…فسورية هي متحف مصغر للانسانية، لذا وفي هذا المكان الذي بكل اسف شاء من شاء ان يكون بمعزل عن الكرامة الانسانية وحقوق الانسان وحرية الانسان!!!، فحرمنا منه فلا نستطيع زيارته والتبرك منه بسبب واقعيته كمحتجز  وسجن مخيف لحرية الانسان، والاصعب عند اي مؤمن انه احد اعظم الكنوز الروحية المسيحية فهو كهف القديسة تقلا والذي يعود الى زمن حياتها منتصف القرن المسيحي الاول والمفروض ان يكون  بناؤه  الرومي وفق واجهته ومنمنماته وساكف بابه، واعتياد الناس على زيارته طلبا للمعجزات وهو وقف من اوقاف دير سيدة صيدنايا البطريركي  كما تشير سردية المؤرخ المعلم الاب ابوب سميا الباحث ومؤرخ دمشق وفق المجمع العلمي الادبي السوري،

والدير بحد ذاته  يعد امتداداً طبيعيا لدير القديسة تقلا في معلولا هو وقف بطريركي انطاكي ارثوذكسي يتبع للبطريرك بدمشق وكما اسلفنا يعد امتداداً طبيعياً لدير هذه القديسة المعادلة للرسل في معلولا ويتزامن معه فالصاحب واحد والباني واحد وقد بناه احد الاباطرة الروميين القسطنطينيين وفي المرحلة الرومية كمعظم اوابدنا المسيحية المقدسة والاثرية الممتدة من براءة ميلان بيد الامبراطور قسطنطين مطلع القرن الرابع المسيحي الى حين دخول الاسلام الى دمشق العام 635م ولكن الامبراطورية الرومية امتدت خارج سورية والأناضول الى حين استشهاد القسطنطينية عام 1453م …

هي صرخة لعلها تصل الى السمع ويعود وقفا ارثوذكسيا انطاكيا…بشفاعة معادلة الرسل وتلميذة هامتهم القديس بولس مؤسس الكرسي الانطاكي…

وبلا شك ليس بمستغرب عند القائم من القبر بالقيامة له المجد بشفاعة قديسيه قيامة حق كنيسته وعودة اوابدها المقدسة اليها ومنها هذا الاثر المقدس.

قمة مارتقلا في سهل صيدنايا
قمة مارتقلا في سهل صيدنايا

الحواشي

1- انظر سيرته هنا بتدوينتنا في موقعنا باب اعلام ارثوذكسيون العلامة الخوري المؤرخ ايوب نجم سميا

الذي تعب كثيرا محاولا ارسالي الى مدرسة البلمند الاكليريكية وكنت طفلا دون السن المسموح بها وكان عمري قد قارب عشر سنوات وكان قد تلقى وعدا من مدير المدرسة الرهبانية البلمندية بقبولي في هذه السن استثناء، وبعد ان تم تحضير اغراضي الشخصية فوجىء  بعدم قبولي لصغر سني،وحزن وامتد ذلك الحزن اليَّ والى اهلي لحرماني من نعمة الكهنوت بعد التخرج علما ان والدتي رحمها الله كانت تمانع ولكن من يستطيع ان يمانه رغبة الخوري كبير العائلة!!!. من هذا الهرم تعلمت حب المكتبات والكتب والوثائق والبحث منذ طفوليتي (حيث كنت ازوره ببيته  مع ابي وجدي باستمرار الى مرحلة جنديتي ووظيفتي وكان يسمح لي بالبحث في مكتبته ومخطوطات يده) .اقتديت به في حب التاريخ والتدوين والتأريخ  وبالرغم من دراستي الجامعية بكلية الحقوق، وتخصصي الاساس بالحقوق الدولية العامة الا ان ميلي كان نحو هذا العلم الذي هو اصل كل العلوم فلكل شيء ولكل علم انساني وطبيعي. تاريخ…

لذا نلت الدكتوراه في التاريخ اضافة الى الحقوق الدولية العامة.

2- سانا 2020-06-18

قمة مار تقلا في سهل صيدنايا
قمة مار تقلا في سهل صيدنايا

 

  • Beta

Beta feature

  • Beta

Beta feature

  • Beta

Beta feature