كاتب التاريخ المبدع الدكتور عبد الكريم رافع

كاتب التاريخ المبدع الدكتور عبد الكريم رافق

كاتب التاريخ المبدع الدكتور عبد الكريم رافق

مقدمة

عبدالكريم رافق، أحد خريجي الجامعة السورية وأحد أساتذتها، مؤرخ معروف ومعترف بمنهجه في البحث والتقصي الدقيق. لذلك لما نوى ان يضع تاريخاً للجامعة السورية قبل أن يصبح اسمها جامعة دمشق احتراماً لأختها الأولى جامعة حلب، وعناية بجامعتي البعث حمص وتشرين اللاذقية غطس في البحث عن المصادر والمراجع من كتب وضعت بالعربية أو نقلت اليها ونبش المجلات والصحف والنشرات الرسمية وعرّج على صحف خاصة ففلاَّها. ثم انكب على الأرشيفات الأجنبية وعبدالكريم رافق أصبح مع الزمن يأكل ويشرب ويتنفس رائحة الأرشيفات ولغتها ويحفر فيها من أسسها فكانت له جولة في دفق منها كتباً ومذكرات ورسائل ثم ارشيف نانت جامعة فرنسية ومدونات أيام الانتداب الفرنسي وأرشيف باريس والأرشيف البريطاني، ولم تسلم الكتب والمقالات الأجنبية من شره.

تجربتي الشخصية معه

في عام 1990 دعاني مثلث الرحمات البطريرك المعلم اغناطيوس الرابع لاجتماع في مكتبه ضمني الى كبار جهابذة التأريخ  والاعلام الارثوذكس من ابناء كرسينا الانطاكي للبحث في الاحتفالات المنوي اقامتها على صعيد البطريركية في دمشق بمناسبة مرور قرن ونصف على عطاء لاينقطع من معين المدارس الأرثوذكسية البطريركية وهي الآسية الدمشقية.

كان من هؤلاء الكبار الذين تشرفت بالجلوس معهم الأستاذ الدكتور عبد الكريم رافق استاذ التاريخ لا  وهو المؤرخ… والاستاذ الكبير  ومعلم الكل فن التأريخ والأستاذ في جامعة دمشق المرحوم ناظم كلاس رئيس تحرير مجلة “دراسات تاريخية” وغيرهما من كبار المؤرخين الجامعيين السوريين الارثوذكسيين… و نائب الصاحب لمدارس الآسية ومديرها، واساتذة من المدرسة…

دعاني غبطته لكوني امين الوثائق البطريركية في الدار البطريركية بدمشق، وغبطته من اطلق علي هذا اللقب، وكما وصفني الجميع بأني القابض على تاريخ الكرسي الانطاكي …

في ذاك الاجتماع عشت مع هؤلاء الكبار اعلاه واحسست برفعة حضورهم واحترامهم لجميع الحاضرين وبالذات لي، احسست بالفعل بتقديرهما والباقين لأهمية خدمتي العلمية والتاريخية والارثوذكسية الدمشقية خاصة والانطاكية عامة  في تكشيفي للوثائق البطريركية وبتدويني لسيرة الخوري الشهيد يوسف مهنا الحداد ( الشهيد في الكهنة القديس يوسف الدمشقي) 1987 و1988 الذي يعد المؤسس الثاني والحقيقي للمدارس الآسية…

وتصديت مرافقاً ببركة غبطته لوضع تاريخ الآسية  ووضعت الكتاب  المنشود وهو بعنوان:”الآسية  مسيرة قرن ونصف 1840-1990″ خلال السنة التحضيرية ( وقد اقيمت الاحتفالات في ايلول 1991) واعانني الاستاذ كلاس والدكتور رافق في منهجية الكتاب  وتقديم المشورة من واقعهما التعليمين، وخاصة في بعض معلومات اغنت الكتاب وزادت من اهميته كسفر يؤرخ للتعليم في دمشق وسورية في القرون الماضية… وقد حاز رضى واطراء الاستاذين الجامعيين الكبيرين وغيرهما من العاملين في حقل التربية والتعليم … اضافة الى وزارة التربية ومديرية التوثيق التربوي فيها…

بعدها تتابعت لقاءاتي بالدكتور رافق الذي كان يزورني في مكتبتي، وخاصة لما انتدبت بمهمة بطريركية في جمعية القديس غريغوريوس الارثوذكسية لتربية الايتام ورعاية المسنين بدمشق/ القصاع، وتقديراً لجهدي واهتماماً  منه بأبحاثي في تأريخ الاعلام والتاريخ الانطاكي الارثوذكسيين في النشرة البطريركية ونشرة العربية…وسواهما من الدوريات الأرثوذكسية وفي موقعي هنا ، اهداني وعلى التتابع نسخاً من كتبه القيمة جداً وبسخاً من دراسات جامعية ومقالات اعدها لمجلة دراسات تاريخية لسان حال جامعة دمشق وسواها، واجاز لي بكل اريحية وتثمين الاقتباس منها، وكان سعيدا جداً لحصولي على الدكتوراة في القانون الدولي العام وفق اختصاصي الجامعي، والدكتوراه في التاريخ العام كإهتمام  شخصي ،وفي تاريخ الكرسي الانطاكي والكنيسة الارثوذكسية، ودمشق المسيحية… ووصفني بالباحث والموثق الكبير.

الموقف ذاته كان مع الكبير الاستاذ كلاس الذي لم انقطع عن زيارته في مكتبه والذي كان قد اشاد بكتابيَّ” الاسية…” و “زيارة البطريرك اغناطيوس الرابع الى انطاكية وكيليكيا والاسكندرون عام 1992” ووقتها طلب مني كتابة مقال كبير عن الوجود المسيحي في الجزيرة العربية قبل واثناء نشوء الاسلام ليدرجه في مجلة “دراسات تاريخية” وعرفني على زملاء كبار له في تدريس التاريخ كالسيدة الدكتورة خيرية قاسمية وقد وصفني بالباحث والكاتب في التاريخ واذكر قوله لي في مكتبه بحضور الدكتورين رافق و خيرية:” انا احي الاستاذ جوزيف الذي وهو مختص في القانون وليس في التاريخ كتب في التاريخ ولم يقم الكثير الكثير من خريجي قسم التاريخ تلاميذنا بما قام به…”وتشارك والدكتور رافق الذي ترافقنا مراراً الى مكتب الاستاذ ناظم في مشروع دار النشر التي كان ينوي احداثها مع زملائه ومنهم د.عبد الكريم

زارني آخر مرة الدكتور رافق مودعا الى اميركا حيث كان يُدّرس في جامعاتها واخبرني عن نيته باهداء مكتبته الضخمة الى مكتبة جامعة البلمند وانه سيبحث الامر مع غبطته حين وداعه…

انقطعت اخباره عني ولم يكن لدي تواصلاً معه منذ تاريخه… لجهالة عنوانه الثابت حيث كان استاذاً زائراً للتاريخ في عدد من الجامعات في الولايات المتحدة الأميركية…

وبعد مرور حوالي اقل من عقدين افاجأ وعلى وسائل التواصل معي على صفحتي تزودني الصديقة العزيزة الاستاذة الدكتورة بشرى خير بك الاستاذة في  قسم التاريخ بجامعة دمشق، والزميلة في بعض المؤتمرات التاريخية داخلياً وخارجياً، تزودني مشكورة ومن تلقاء ذاتها وزيادة فضلها، بدراسة قام بها احد طلابها الاستاذ محمد مطيع جيرودية عن الدكتور رافق، وكان سروري بها عظيما  كمن عثر على كنز مخبوء كنت ابحث عنه فقدمت شكري للدكتورة الصديقة السيدة  بشرى  على هديتها  الثمينة هذه مع ما اتيح لها من صور للدكتور رافق…

وظفتهم كمادة اولى في تدوينتي عن المذكور كعلم سوري وانطاكي ارثوذكسي كنهجي الدائم في الاضاءة على هؤلاء الاعلام.

فالشكر كل الشكر لها وللطالب جيرودية الذي اعد السيرة (وان كانت مختصرة)، وقد اخذت وعداً ثمينا منها بتزويدي  بمَ تلقاه او يُعَدْ من قبل احد طلابها الجامعيين عن العلم الكبير الاستاذ ناظم كلاس الذي بكل اسف /كما عن الدكتور رافق/  لم اجد له ذكراً وبعد بحث مضن بين الكتب وفهارس المؤلفين والاعلام المطبوعة وفي الجامعة السورية والمكتبات والموسوعات الكتابية عن الاعلام  وعبر النت…  لأدرجه كما افعل الان بخصوص د. رافق في موقعي وفاء مني لذكراهما وفضلهما وعلمهما…

الدكتور رافق في مكتبه بجامعة دمشق
الدكتور رافق في مكتبه بجامعة دمشق

عَلَمٌ وأَثَر ”
د. عبد الكريم رافق.

أولاً _ نشأته وحياته

ولد في مدينة إدلب في ٢١ / ٥/ ١٩٣١م في اسرة ارثوذكسية متدينة جداً، وتمتهن العلم واكتسبت شهرتها من العلم، سيما وكانت والدته تدير مؤسسة انجيلية مشيخية في إدلب،فنهل العلم في المدرسة باشراف والدته وتابع في خدمة الكنيسة الارثوذكسية ( ابرشية حلب والاسكندرون وكانت ادلب تتبع لها) ثم التحق بالمدرسة الثانوية البريطانية في إدلب وكانت من افضل المدارس الثانوي في القضاء ، حيث  أكمل فيها دراسته الثانوية، ثم انتقل الى حلب وأمضى أول عامين من تدريبه الجامعي في الكلية الأمريكية في حلب ، وهي أيضاً مؤسسة مشيخية (١٩٤٧ – ١٩٥١) .

ثم التحق بالجامعة السورية في دمشق، فتميز في دراسته الجامعية،  وقد سعت الحكومة السورية عام الاستقلال في عام ١٩٤٦م إلى توسيع مجموعتها من معلمي المدارس الثانوية بكافة الاختصاصات من خلال تغطية الرسوم الدراسية ونفقات المعيشة للطلاب المختارين المتميزين. كان علمنا د. رافق من الطلاب الذين تم اختيارهم على هذا النحو ، والتحق بقسم التاريخ بكلية الآداب ، وحصل على إجازة بامتياز عام ١٩٥٥م .

كاتب التاريخ المبدع الدكتور عبد الكريم رافع
كاتب التاريخ المبدع الدكتور عبد الكريم رافع

واستمر لمدة عام آخر في المعهد العالي للمعلمين، و حصل على الدبلوم عام ١٩٥٦م، ثم تم تعيينه مدرساً في قسم التاريخ في جامعته ، ولقد قام بالتدريس لمدة عامين ، ثم حصل على منحة للدراسات العليا في الخارج.

ايفاده

بمنحة دراسية اوفدته وزارة التعليم العالي  الى جامعة لندن حيث  تابع دراسته فيها/ كلية الدراسات الشرقية والأفريقية، ثم حاز على درجة الدكتوراه من جامعة ساوس SOAS في لندن في عام 1963 م عن أطروحة كانت بعنوان “ولاية دمشق من1723 إلى  1783م ” .

رحلته التعليمية الجامعية

قام فورا بالتدريس حال عودته 1963في جامعة دمشق وكان رمزاً وضاءً من رموز التدريس في كلية الآداب / قسم التاريخ بجامعة دمشق محبوباً بشكل لايوصف من الطلاب.

وفي ذات الوقت عمل أستاذاً محاضراً  زائراً في الجامعة الأردنية  بعمان 1971-1996 م ، وفي الجامعة اللبنانية ببيروت  1972_ 1974م ، وتابع أستاذاً في التاريخ الحديث والمعاصر في جامعة دمشق منذ عام ١٩٧٤م حتى تقاعده العام 2000.

وعمل أيضآ أستاذاً زائراً في جامعة بنسلفانيا 1977-1979م ، وفي جامعة شيكاغو 1981-1983م ، وفي جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس ربيع1984م .

وشغل منذ عام1990م درجة الأستاذية في ويليام وآني بيكرز في دراسات الشرق الأوسط العربية في قسم التاريخ في كلية ويليام وماري ، ويليامزبرغ ، فيرجينيا (الولايات المتحدة).

ثانياً _ مكانته العملية وإنتاجه التاريخي

من كتب الدكتور عبد الكريم رافق
من كتب الدكتور عبد الكريم رافق

كان رائداً في استخدام سجلات المحاكم الشرعية الإسلامية بدمشق كمصادر للتاريخ الاجتماعي والتاريخ الحضري بشكل خاص ، ولقد امتاز اسلوبه التاريخي بالدقة والوضوح والاعتماد على العديد من المصادر الأجنبية والسجلات والخرائط هذا بالاضافة إلى اهتمامه بالكتب الأدبية والفكرية والسياسية، ولقد كان عضو في جمعية البحوث والدراسات ، وعضو في اتحاد الكتاب العرب.

وأيضا عضو شرف في مركز البحوث الشرقية (طويو بونكو) في اليابان ، عضو شرف في الجمعية السورية للدراسات في أمريكا ، عضو هيئة التحرير في مجلة “كرونوس” التي تصدرها جامعة البلمند في طرابلس ، عضو هيئة التحرير في حوليات الجمعية اليابانية لدراسات الشرف الأوسط ، أحد أعلام الثقافة الذين كرمتهم الحركة الثقافية في انطلياس، لبنان، عام 2002.

أما أثاره

من كتب الدكتور عبد الكريم رافق
من كتب الدكتور عبد الكريم رافق

١_ بلاد الشام ومصر من الفتح العثماني إلى حملة نابليون بونابرت . دمشق ، ١٩٦٧م .
٢_ ولاية دمشق من عام ١٧٢٣_ ١٧٨٣ . وهو في الأصل أطروحة دكتوراه , ١٩٦٦م .
٣_ ثورات العساكر في القاهرة ومغزاها .
٤_ الحياة الاجتماعية في ولاية حلب في النصف الثاني من القرن ١٧ .
٥_ بحوث في التاريخ الاقتصادي والاجتماعي لبلاد الشام.
٦_المشرق العربي في العهد العثماني . منشورات جامعة دمشق، ١٩٩١_ ١٩٩٢م .
٧ _ فلسطين في العهد العثماني، جزئين .
٨_ العرب والعثمانيون ( ١٥١٦_ ١٩١٦م) ، دمشق ، ١٩٧٤.
٩_ تاريخ سورية ولبنان وفلسطين، فليب حتي ، ( تحقيق) جورج حداد ، عبد الكريم رافق.
١٠_ تاريخ الجامعة السورية البداية والنموذج( ١٩٠١_١٩٤٦م) ، دمشق ، ٢٠٠٤ م .

هذا بالإضافة إلى عدد كبير من البحوث والمقالات والمحاضرات الصوتية المسجلة التي لا يسعنا ذكرها هنا .

من كتب الدكتور عبد الكريم رافق
من كتب الدكتور عبد الكريم رافق

نضيف هنا على  السيرة اعلاه عن الدكتور عبد الكريم رافق فقط بكتابه عن الجامعة السورية

عبدالكريم رافق، هو  أحد خريجي الجامعة السورية المتميزين  وأحد أساتذتها الرفيعين وهو من اوائل الاساتذة…

د. رافق مؤرخ معروف ومعترف بمنهجه فهو رائد  في البحث والتقصي الدقيق. لذلك لما نوى ان يضع تاريخاً للجامعة السورية قبل أن يصبح اسمها جامعة دمشق احتراماً لأختها الأولى جامعة حلب، وعناية بجامعتي البعث حمص، وتشرين اللاذقية، غاص محيط البحث عن المصادر والمراجع من كتب وضعت بالعربية، أو نقلت اليها، ونبش المجلات والصحف والنشرات الرسمية، وعرّج على صحف خاصة ففلاَّها. ثم انكب على الأرشيفات الأجنبية، ود.عبدالكريم رافق أصبح مع الزمن يأكل ويشرب ويتنفس رائحة الأرشيفات ولغتها ويحفر فيها من أسسها لذلك قدر عملي في نبش الحقيقة التاريخية الكنسية والوطنية من خلال الوثائق والمخطوطات التاريخية البطريركية والارشيفات وكم كنا نتناقش في هذا الكنز ومعلومات مشتركة بيننا…

من خلال عشقه للوثائق والمخطوطات التاريخية وسجلات المحاكم الشرعية وهي سجلات وثقت ليس فقط للقرارات والاحكام القضائية بل للشخصيات ومنها المسيحية كون المحاكم الشرعية صاحبة الاشراف على السكان والعلاقات الاجتماعية والبيوعات العقارية

لذلك كانت له جولة في وضع الكتب من هذه الوثائق (الكتب ومذكرات ورسائل ) ثم ارشيف نانت جامعة فرنسية ومدونات أيام الانتداب الفرنسي وأرشيف باريس والأرشيف البريطاني، ولم تسلم الكتب والمقالات الأجنبية من اقبال نفسه عليها.

الاستاذ الدكتور عبد الكريم رافق
الاستاذ الدكتور عبد الكريم رافق

جمع هذه مادة الى مادة وخبراً الى خبر وخبرة الى خبرة وذكرى الى ذكرى وهو الذي ارتبط بالجامعة السورية بدمشق من 1951 حين دخلها طالباً  الى السنة 2000 حين  تقاعده منها أستاذاً.

تميز د. عبدالكريم رافق بمهارته في استخلاص ما يريد من مصادره، والخبرة في العجن وتقطيع العجين ارغفة خبزها  بمهارة وعناية، فتخرج من بين يديه  أرغفة تشبع الجائعين للمعرفة بصفتها دراسة رائعة مادة وأسلوباً ووفاء كوضعه تاريخ الجامعة السورية.

تأريخه للجامعة السورية

كانت نواة الجامعة السورية الأصلية مكتب طبي عثماني أنشئ سنة 1903، إذ ان الكوليرا التي كانت قد اجتاحت سورية سنتي 1902 و1903 عجلت في الأمر، افتتح المكتب الشعبي العثماني في اليوم الأول من شهر أيلول 1903، إذ ان هذا التاريخ كان يحتفل به سنوياً لمناسبة ذكرى تولي عبدالحميد الثاني عرش السلطنة العثمانية سنة 1876 . وقد احتفل بذات التاريخ بإعلان إنشاء سكة حديد الحجاز في 1 من الشهر نفسه 1900 وسار أول قطار من دمشق الى المدينة المنورة في اليوم الأول من سنة 1908.

ولعل ما حمل أهل الحكم العثماني في سورية على فتح هذا المكتب هو ان الجند العثماني في دمشق وأرباضها زاد عدداً، فكان الأمر يقتضي وجود مركز طبي يعني بهؤلاء أصلاً وببقية سكان المنطقة ثانياً.

“وصلت دمشق في الأول من شهر تموز  1903 أوامر سلطانية بوجوب تدشين المكتب الشعبي في يوم عيد الجلوس السلطاني… فعمدت الحكومة الى استئجار بيت لبدء التدريس…”ص 13 – 14.

ولما طُردَ العثمانيون وتحررت البلاد السورية أقفل المكتب الطبي والصيدلي العثماني المذكور، لكن أعيد فتحه باسم كلية الطب والصيدلة في 23 كانون الثاني  1919 أثناء فترة الحكم العــربي بقــيادة الأمير فيصل تابعاً للمجمع العلمي العربي الذي كان برئاسة ابو خلدون ساطع الحصري (وزير الثقافة).

وعلى غرار المعهد الطبي العربي، فقد أعيد افتتاح مدرسة الحقوق في دمشق. إذ ان الحكومة العثمانية كانت قد افتتحت مدرسة للحقوق في تشرين الأول أكتوبر 1913 في بيروت، لكنها أغلقت بسبب الحرب العالمية الأولى. هذه أعيد فتحها باسم معهد الحقوق العربي في 1919 بدمشق عند قيام الحكومة العربية المذكورة وفق اوامر الامير فيصل، فافتتح المعهد في 25 أيلول من تلك السنة.

تخرجت الدفعة الأولى من الجامعة السورية معهد الطب العربي سنة 1920 .

وقد نقل د. عبدالكريم رافق بكتابه صورة شهادة الدكتور حسني سبح. تتوج الشهادة”المملكة السورية”ثم الجامعة السورية/ المعهد الطبي، ثم الاسم وشهادة بالطب. كان رئيس الجامعة السورية وهو عميد المعهد الطبي يومها الدكتور رضا سعيد، الذي يعود اليه الفضل الكبير في تطوير الجامعة.

في أيام الانتداب الفرنسي دارت قضية المعهد الطبي ومعهد الحقوق دورات متعددة بين الالغاء والابقاء وترئيس إفرنسي للمؤسسة والحفاظ بالمنصب لعربي سوري. وطال الأمر أخذاً ورداً الى ان انتهى بتأسيس الجامعة السورية وهو الاسم الذي يعود الى أيام المملكة السورية في 15 حزيران 1920، وظلت للجامعة صفتها العربية في ما يتعلق بالإدارة والمسيرة.

وتتالت معاهد وكليات: طب الأسنان وسواها، ولعل من أكبر الخدمات التي قامت بها الجامعة السورية أنها درّست الطب والحقوق… الخ باللغة العربية، فيما ظلت الجامعة المصرية تلجأ الى اللغتين الانكليزية أصلاً، والفرنسية تبعاً، لمدة طويلة.

يورد د. عبدالكريم رافق احصاءات لطلاب الجامعة بين الحين والآخر.  من عهد الانتداب، فقد بلغ عدد المتخرجين في كلية الطب والحقوق عن عهدي الحكومة العربية والسنوات الخمس الأولى ما يأتي

كلية الطب: الطب البشري والقبالة والصيدلة وطب الأسنان على التوالي: 612، 43، 203، 163، ومعهد الحقوق 478 . فيكون المجموع 1499 ص 99.

خصص د. عبدالكريم رافق الصفحات 107 – 170، والتي تشمل السنوات الممتدة من 1926 – 1933 لمعالجة التطور والتحديث في الجامعة السورية. وفيه، فضلاً عن اعادة تنظيم الجامعة، يذكرنا المؤلف بأن سنة 1926شاهدت اشتداد الثورة السورية وعنفها ووضع البلاد تحت حكم فرنسي مباشر. والتنظيم لم يعد ان يجعل لليد القوية القبض على التنظيم والعمل. فضم المجمع العلمي العربي والمتحف الى الجامعة كان، في رأيي، تضييقاً لا تنظيماً. وأشد بلاء من ذلك إلحاق الجامعة ادارياً بمديرية المصالح المدنية. وبعد انتهاء الثورة وعودة الحكم الوطني الى نصف ما كان عليه من قبل ف”أنشئت المدرسة العليا للآداب”سنة 1929.

يتردد في الكتاب، بين صفحة وأخرى، ذكر”استقلالية الجامعة”، ومع احترامي لما يقال حول هذا الموضوع فإن استقلالية الجامعة أي جامعة، في العالم العربي هي أمر أجوف، لا معنى له. ففي حياتي الطويلة عايشت قيام جامعات مختلفة في العالم العربي، وأحدثها، بعد جامعة دمشق، جامعة القاهرة 1925 وجامعة الاسكندرية في مصر، وجامعات في السودان والشمال الأفريقي ودول الخليج. كل جامعة تابعة ادارياً لوزارة المعارف التي تسمى في أكثر الدول العربية اليوم وزارة التربية أو وزارة التعليم العالي.

والتبعية الإدارية هي الوضع الحقيقي وليس استقلال الجامعة. فالجامعة، بالنسبة للدولة، دائرة من دوائرها مثل البريد والبرق أو المواصلات أو…

مرت بسورية أزمات سياسية متنوعة تقلبت فيها الأمور على جوانب مختلفة بين سنتي 1933 و1939 ولم تسلم الجامعة منها. ولعل أهم قضية واجهها خريجوها هي الاعتراف بشهاداتها. وقد تناول  د.عبدالكريم رافق هذا الأمر، مبيناً الصعوبات التي اعترضت الأمر والجهود التي بذلت للحصول على نتيجة طيبة، إذ تم اعتراف شبه كلي بذلك بتحديد دقيق على عادته ص 199 – 211.

خصص المؤلف الفصل السادس وهو الأخير ص 243 – 316 لتطور الجامعة بين سنتي 1939 و1946، بين الحرب العالمية الثانية والاستقلال.  وأود أن أتوقف عند أمرين هما في رأيي أساسيان بالنسبة الى الحياة الجامعية. الأول النشاط الاجتماعي والثقافي ونشاط طلاب الجامعة السورية في السياسة. في الناحية الواحدة أسهم الطلاب في الاحتجاجات وهي متأخرة على وعد بلفور سنة 1944 ص 279 – 280 وأنشئت”الرابطة العربية”1944 التي كانت تسعى الى الوحدة العربية وبعث الشعور القومي. أما في الناحية السياسية، فلم يخرج عمل طلاب الجامعة السورية عن عمل بقية الجمعيات والأندية – استقلال سورية والقضية الفلسطينية. إلا أنه كانت ثمة قضيتان تشغلان الرأي العام السوري والأردني والعراقي. ففي سنة 1946 دعا الملك عبدالله الأول ملك الأردن الى توحيد سورية الكبرى الأردن وفلسطين وسورية لكن تحت سلطته ( التاج الهاشمي). والأمر الآخر هو وحدة الهلال الخصيب سورية والعراق تحت التاج الهاشمي العراقي. وكان في الجو مشروع ثالث يدعو الى التقارب بين سورية والمملكة العربية السعودية ص 294. والموقف السوري الرسمي كان ان الاتحاد بين دولتين”ذات سيادة”ممكن لكن على أساس النظام الجمهوري. هذا في ما يتعلق بالمشروع الأردني، أما بالنسبة للعراق فقد صفق له الجميع وانتهى الأمر بالتصفيق، لأن السلطة السورية وضعت حداً حــتى للتصــفيق.

في سنة 1936 تقاعد الدكتور رضا سعيد، الذي كان له أكبر الأثر في وضع الجامعة السورية على رجليها. وتناوب على رئاستها نفر من أهل الفضل وأهل السياسة. وأخيراً وبعد صولات وجولات لا علاقة لها بالمقدرة أو العلم أو الإدارة، بل هي مناكفات سياسية، عين الدكتور حسني سبح رئيساً للجامعة ثم سُرّح 1946 وأعيد تعيينه في 1947.

ويختتم عبدالكريم رافق كتابه بالعبارة التالية:”وعادت بذلك الى الجامعة استقلاليتها والى الدكتور حسني سبح الاعتراف بسلامة موقفه في المحافظة على كرامة الجامعة وأساتذتها واستقلالها”ص 312. ولا يبرر الدكتور عبدالكريم رافق توقفه عند سنة 1946.

الاستقلال كلمة نسبية الى أي جامعة حكومية في العالم العرب، أما موقف الدكتور حسني سبح في الأمور الأخرى فقد عرفت أنا عنها الكثير عن كثب، بعد أن أصبحت أستاذاً في قسم التاريخ في الجامعة الأميركية في بيروت، اعتباراً من 1949. على قول علمنا د. عبد الكريم رافق

في النتيجة

يعد علمناد. عبد الكريم من اهم اساتذة التاريخ وكتاب التاريخ وتدوين احداثه بمنهجية دقيقة وبنزاهة المؤرخ الدقيق، اتصف بحب العطاء بلا حدود لكل من يطلب منه عونا من طلبته ومن الباحثين لذا ذاع صيته في جامعات سورية واولها دمشق والاردن ولبنان ( الجامعة اللبنانية وجامعة البلمند) والجامعات الاميركية الكبرى، كان متواضعا بشكل قل نظيره ووفيا لذلك احبه الكل حتى خصومه في سلك التدريس الجامعي الذين لم يصلوا الى قامته ومع ذلك بقي محباً له….

د. عبد الكريم رافق تشرفت بمعرفتكم وبما قدمتم لي…

من المصادر

دراسة اعداد الطالب في قسم التاريخ محمد مطيع جيروديه باشراف د.  بشرى خير بك

مع مراجع اخرى

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  • Beta

Beta feature

  • Beta

Beta feature

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *