كنيسة الصليب المقدس بدمشق من الكنائس الكلاسيكية الرومية

 كنيسة الصليب المقدس في القصاع بدمشق

 كنيسة الصليب المقدس في القصاع بدمشق

مقدمة

تعد كنيسة الصليب المقدس الكنيسة الثانية في دمشق بعد الكاتدرائية المريمية، وتقع في الحي المسيحي المحدث منذ أواخر القرن 19 خارج أسوار دمشق القديمة.

كنيسة الصليب المقدس في القصاع حتى مطلع السبعينات ثم اضيف اليها برجا الجرس والساعة
كنيسة الصليب المقدس في القصاع حتى مطلع السبعينات ثم اضيف اليها برجا الجرس والساعة

تكمن أهمية هذه الكنيسة لكونها مقراً لخمس رعايا أرثوذكسية، يُقدم الخدمات الروحية بكثافة لهذا التجمع المسيحي الأرثوذكسي الكبير. كما تفد إليها الرعايا التي ليس لديها كنائس من مناطق أخرى في أبرشية دمشق وخاصة في موسم الصوم الكبير المقدس والأعياد الكبيرة، إضافة إلى أنها مركز رئيس من مراكز تجمع الشباب الأرثوذكسي. على هذا الأساس نكتفي هنا باستعراض موقعها وتاريخها والمؤسسات التابعة لها.

 في موقع الكنيسة: حي القصاع

حارة كنيسة الصليب
حارة كنيسة الصليب
في اللغة والتاريخ

القصاع كلمة عربية مفردة، بصيغة المبالغة على وزن فَعّال مثل حداد ونجار وطيان ونحاس… الخ. والقصاع هو الذي يصنع القصاع ( جمع قصعة) وهي الصحن العميق الواسع.ويقول الأب المؤرخ أيوب سميا أنه سمع من مسنين مسلمين ومسيحيين، أن حي القصاع كان في القرنين 18 و19م يسمى بالقصاعين مثل الفرايين والقزازين، كما أن المؤرخ د. صلاح الدين المنجد- في مجلة المجمع العلمي العربي ( الجزء 3 من سنة 1957)- أدلى بشهادة على ورود القصاع في أوائل القرن 16م . كان حي القصاع أيام العثمانيين لايمتد إلى أكثر من برج الروس شمالاً والصوفانية شرقاً ومسجد الأقصاب غرباً، وكان قد تألف في الأصل من مصانع قِصاع ظهرت أساسات بعضها في محلة برج الروس(1) عندما حفرت أساسات الأبنية الحديثة في المنطقة بدءاً من الخمسينات لوجود البحرة والجرن وكلاهما من لوازم صنع القصاع.

  كيف نشأ حي القصاع

منذ مابعد فتنة دمشق الطائفية عام 1860م واستشهاد العدد الكبير من المسيحيين في محلتهم وتهديم دورهم الجميلة، عاد بعض من هاجر منهم بفضل الوالي المصلح فؤاد باشا الذي أرسلته الدولة العثمانية لإصلاح الأحوال وبُدئ بترميم الدور المحترقة. وما لبثت أن استقرت الأحوال تدريجياً بهجرة داخلية من مسيحيين وفدوا من مناطق ثانية، واستقروا في محلة المسيحيين التي كانت تشتمل على مناطق باب الشرقي شرقاً والشاغور جنوباً ومئذنة الشحم والبزورية غرباً وباب السلامة والقيمرية والفرايين شمالاً. وقد ضاقت هذه المحلة بسكانها فكان لابد من الخروج منها الى ماوراء أسوار دمشق الى حيث توجد الغوطة الخضراء الجميلة. لكن هذه كانت غير آمنة: فقطاع الطرق (المشلحون) كانوا ينتشرون بكثافة وخاصة في منطقة باب توما. لذا كان الباب يغلق مع مغيب الشمس الى شروق شمس اليوم التالي، وكانت خلفه سويقة      ( سوق صغيرة) لبيع الخضراوات يحمل إليها الفلاحون منتجات أراضيهم لبيعها للسكان فيها حيث يدخلون إليها فجرا مع فتح الباب.

باب توما منه انطلق المسيحيون الى بساتين القصاع واستعمروها اواخر القرن 19
باب توما منه انطلق المسيحيون الى بساتين القصاع واستعمروها اواخر القرن 19

أما في المنطقة الممتدة من مقام الشيخ ارسلان الى باب الشرقي حيث المقابر(كانت ولاتزال تدعى الطبالة بتسكين ألط، وهي كلمة عبرية تعني المقبرة، وكانت فعلاً تضم مقابر المسيحيين واليهود على السواء)  إضافة إلى مقبرة للمسلمين الشيعة في الشيخ أرسلان(2) والأحياء الأخرى، فإن الناس كانوا لا يرغبون بمخالطة الأموات،  فهم لذلك وبالرغم من مخاطر انعدام الأمن في منطقة باب توما، كانت سكنى هذه المنطقة لديهم أفضل من السكنى في المقابر، فبدأ النزوح السكاني الفقير يعبر الجسر(3) الخشبي من باب توما، وكان هذا الجسر فوق فرعي النهر الذي كانت مياهه صافية وقوية تدير أحجار الطواحين المائية المقامة على مساره وخاصة تلك التي كانت يساراً بموقع وسيط بين ضريح خوله بنت الأزور ومسجد الثقفي. إن ما ساعد هؤلاء المغامرين الفقراء الذين أقاموا في المنطقة مدينة مريّفّة على الاستقرار أن بعثة طبية انكليزية تابعة لحملات التبشير البروتستانتية أقامت مستشفاها أواخر القرن 19 في منطقة الغساني ( الزهراوي للتوليد حالياً)(4)وتبعتها بعد سنوات قليلة البعثة الفرنسية لراهبات القديس لويس التي أقامت مستشفاها هي الأخرى على مقربة منه وذلك في عام 1904( بعد أن حصلت على ترخيص بفرمان سلطاني عثماني). وكانت الغاية من إقامة المستشفيين في هذه المنطقة الجديدة:

محلة الصوفانية
محلة الصوفانية

1- تقديم الخدمات الصحية للسكان الفقراء وهي طريقة تبشيرية لجذبهم.

 2- سكنى البساتين وهي من شروط إقامة المستشفيات حيث الهواء الطلق والطقس الصحي المناسب للاستشفاء.

وبدئ بالسكن على مسار الطريق من باب توما شمالاً باتجاه برج الروس  مرورا بالمستشفى الفرنسي الى المستشفى الانكليزي.

المستشفى الانكليزي ( الزهراوي حالياً)
المستشفى الانكليزي ( الزهراوي حالياً)

كما نشأت أحياء فقيرة كالصوفانية حيث أطلت أبنيتها على حديقة طبيعية جميلة  يمر منها فرعا نهر بردى، ومحلة جناين الورد وتفرعاتها بسواقيها الرقراقة، ومحلة عين الشرش نسبة الى عين ماء تدعى عين الشرش كانت مياهها غاية في العذوبة باردة على الدوام، هذه المحلة وتفرعاتها بما فيها حارة الفاعور المنسوبة لاسم بانيها( وكان الفاعور تاجر بناء حمصي الأصل قام ببناء أبنية شعبية متلاصقة تتسع لسكن عدة عائلات فقيرة في البيت الواحد، ومنهم عائلتنا المؤلفة من جدي فارس وأولاده وقد تزوج الذكور وأقاموا فيه كغيرهم من أبناء دمشق المسيحيين وخاصة الفقراء منهم سكان هذه الضاحية لباب توما.)

المستشفى الافرنسي بالقصاع
المستشفى الافرنسي بالقصاع

وفي العقد الثالث من القرن 20 وتحديداً عام 1935 .قامت شركة الجر والتنوير(5) بمد خط الترامواي من ساحة المرجة الى القصاع، مع تفريعة صغيرة الى ساحة باب توما. ومد الخط بالتالي ليشمل قرى وبلدات الغوطة الشمالية الشرقية ( جوبر،  عربين وحتى دوما) لتخديمها (مع الإشارة الى أنها كانت من أجمل النزهات تلك النزهة في الترامواي بين أفياء الغوطة وارفة الظلال، وخاصة عند احتفال المسيحيين بيوم اثنين الراهب في أول الصوم الكبير المقدس(6)). ومما ساعد أيضا على استقرار المنطقة وحتى الساحة[ التي دُعيت لاحقاً ساحة العباسيين]، وبناء البيوت على جانبي السكة ، مما مكن بعض العائلات المسيحية الميسورة من إقامة فيلات وقصور ريفية في قلب هذه الطبيعة الجميلة[ الملأى بأشجار الجوز والتوت والمشمش… وسائر الأشجار المثمرة والفواكه الشامية…] كبيت كحالة وفيلا أليس (النادي الغساني). وأقيمت لاحقاً في هذه المنطقة متنزهات وملاعب لبعض الأندية الرياضية المسيحية كالنادي الغساني، ونادي النهضة، ونادي الهومنمن ونادي الهومنتمن الأرمنيان.

أما شارع حلب – وقد كان طريقاً ضيقاً يصل دمشق بداخل سورية – فقد شهد توسعاً في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن20 ، وأقيمت البنايات الحديثة على جانبيه وسكن فيه النازحون المسيحيون الجدد من محلة الميدان    ( القره شي والموصلي وباب مصلى…).

من بيوت القصاع التقليدية
من بيوت القصاع التقليدية

وكان من الطبيعي أن يترافق هذا النزوح المطرد بمتابعة رعوية كنسية وتعليمية: فبادرت الطوائف إلى إنشاء كنائس صغيرة ومدارس. كذلك بادرت الجمعية الخيرية للجالية  اليونانية إلى إقامة مدرستها في القصاع ( مدرسة الرجاء) عام1920، بعدما أخذت ترخيصاً من سلطات الانتداب الفرنسي في بيروت(7) كذلك أقيمت مدارس للرهبنات الكاثوليكية كاللعازرية الابتدائية والمعونة الدائمة إضافة الى مدرسة الغسانية الرسمية الابتدائية الشهيرة باسم مديرها المربي المرحوم جورج غشاش.

ترامواي القصاع
ترامواي القصاع

ولما كان ليس بالإمكان التحدث عن كنيسة الصليب كمؤسسة دون التعرض الى جمعيتي القديس يوحنا الدمشقي والقديس غريغوريوس للترابط بين مشاريعها الثلاثة الكنيسة والمدرسة والميتم  ودور المجلس الملي بالنسبة إليها والى بقية الشأن الأرثوذكسي الدمشقي بشكل خاص فقد عدنا الى سجل محاضر جلساته بين 1905 بعهد البطريرك ملاتيوس الدوماني و1956 عهد البطريرك الكسندروس طحان مروراً بعهد البطريرك غريغوريوس حداد

وتصدت جمعية القديس يوحنا الدمشقي الأرثوذكسية (8)على الرغم من ضآلة مواردها لهذه المهمة، فأنشأت مدرسة

باب مدرسة القديس يوحنا الدمشقي الارثوذكسية
باب مدرسة القديس يوحنا الدمشقي الارثوذكسية

ابتدائية صغيرة في إحدى الدور العربية في الحارة الضيقة ( المتفرعة عن جادة مارسيل كرامة) إضافة إلى كنيسة مؤقتة في نفس الدار. ونقلت مقرها إلى المدرسة وكانت الدراسة فيها: 1- نهارية تعلم فيها معلمات.  2- ليلية يعلم فيها معلمون إضافة الى مكتبة، وهي فرع من مكتبتها الرئيسة في مدرسة الآسية التي نقلت أواخر القرن20 الى المكتبة البطريركية.  ونظراً للضيق المادي الذي وقعت به بادرت الجمعية إلى إغلاق مدرستها مما دفع بأولياء تلامذتها لإرسال عريضة إلى مجلس إدارتها راجين إعادة فتحها حتى يتمكن أولادهم من العودة للدراسة ليلاً. وكانت الدراسة فيها متطورة، وتدرس المناهج باللغتين العربية والفرنسية. وقد ناشد الأولياء إدارة الجمعية مساعدتهم بإعادة فتح المدرسة لبعد ” المدارس الطائفية الوطنية الكبرى” الآسية عن أولادهم الذين يؤمونها للدراسة فيها بعد عملهم اليومي. وقد قرر المجلس الملي في جلسته الثالثة بتاريخ 6 ك1 1905 وكانت برئاسة البطريرك الدوماني دعم المدرسة وقدم غبطته مساعدة فورية ليرتين عثمانيتين ذهبيتين، ثم في الجلسة اللاحقة بعد أسبوع وكانت الرابعة تاريخ 23 ك1 1905 قدم الخوري نقولا خشة رئيس جمعية القديس يوحنا الدمشقي الى رئيس الجلسة البطريرك الدوماني قائمة باحتياجات المدرسة ولائحة بأسماء الشخصيات الأرثوذكسية الدمشقية الذي يتوسم منها تقديم المساعدة المالية للمدرسة.

بناء جمعية القديس غريغوريوس الارثوذكسية لتربية الايتام ورعاية المسنين
بناء جمعية القديس غريغوريوس الارثوذكسية لتربية الايتام ورعاية المسنين

أما بخصوص ارض لبناء الكنيسة فقد بحث المجلس الملي بجلسته ال14 بتاريخ 10 آب 1908 برئاسة الوكيل البطريركي المطران زخريا في شراء الجنينة المحددة الأوصاف في القصاع ومساحتها 150 قصبة والمملوكة من ورثة المرحوم ميخائيل بهيت والمستأجرة من قبل متري كرشة، وقد رؤي انه من المناسب وللمنفعة العامة شراء هذه الأرض، ولأجل تدارك ثمنها تقرر تكليف جمعية القديس يوحنا الدمشقي وجمعية عضد اليتامى ليشتركا بدفع الثمن ويكون الحق لكل جمعية بالتخصص بحصة من الأرض بنسبة مساهمتها المالية، فان لم ترض إحداها اوكلتاهما فيعود الحق بالشراء الى بعض السادة المحددين.  ثم عاد المجلس ونظر في الجلسة 17 تاريخ 22 آب 1908 وبحث في شراء االجنينة وقرر تخصيص 40 قصبة منها لمشروع الكنيسة و40 قصبة أخرى منها 25 لجمعية الدمشقي لأجل مشروع بناء مدرستها و15 قصبة لجمعية عضد اليتامى لمشروع ميتمها في القصاع.ولكن لم يتم شراء هذه الأرض لأسباب مجهولة .

البطريرك ملاتيوس
البطريرك ملاتيوس

ومع تمادي الزمان قامت جمعية البنات اليتامى الأرثوذكسية بشراء قطعة من جنينة بستان الصليب فاتفقت جمعية القديس يوحنا الدمشقي مع وكيل جمعية البنات السيد امين ملوك لشراء هذه الأرض بمبلغ 180 ليرة عثمانية ذهب ودفعت عربوناً ليد السيد ملوك 17 ليرة أفرنسية و3 ليرات عثمانية ورعى المجلس الملي الاتفاق بجلسته رقم 215 تاريخ 24 أيار 1919 على مباشرة أعمال الفراغ نظامياً وتقع النفقات على عاتق جمعية الدمشقي.

تابعت جمعية القديس الدمشقي حراكها فطلبت من المجلس الملي خطياً إشراك وكالة كنيسة القصاع بشراء باقي قطعة أرض بستان الصليب ليتم بناء الكنيسة  والمدرسة، وقد قرر المجلس بجلسته بتاريخ 14 شباط 1920  وجوب اشتراك وكالة الكنيسة الحالية بالمشترى المنوه به بقيمة 300 ليرة عثمانية يصير دفعها من صندوق الكنيسة على شرط إن القطعة التي سيصير مشتراها تسجل في الطابو باسم الكنيسة إحياء لذكراها. وتم إبلاغ وكالة الكنيسة بقرار المجلس الملي بالجلسة المؤرخة في13 آذار 1920 ليقوموا بدفع 200 ليرة عثمانية من صندوق الكنيسة الى جمعية يوحنا الدمشقي لشراء القطعة المتبقية لمدة ستة أشهر لحينما يصير استيفاء الذمة المتبقية لأحدهم.

جمعية القديس غريغوريوس الارثوذكسية لتربية الايتام ورعاية المسنين

أما جمعية القديس غريغوريوس فيعود تأسيسها الى مطلع 1912 حيث اتفق  السادة جبران بدرة وأمين زيات وانطون صيدناوي وعبد الله نشواتي وخليل حموي وبطرس يني والياس مرقدة وجرجي مباردي وجرجي مسلم وميخائيل مقبعة وجرجي الخوري اليان وقيصر زريق على تأليف جمعية تعنى بتوفير مرتلين للكاتدرائية وتأهيل محبي الترتيل على الموسيقى الكنسية وتدريس هذا الفن في المدرسة واسم الجمعية باسم جمعية حب التسبيح الكنائسي ورفعوا مشروعهم مرافقاً بمشروع قانون الجمعية ونظر المجلس بجلسته 53 تاريخ 6 نيسان 1912 وكُلف عضوا المجلس القانونيان اسكندر ترزي واسعد أبو شعر لدراسة القانون. وقد قدم المذكوران مشروع القانون منقحا وعدلت التسمية فأصبحت( جمعية التسبيح والإرشاد وأن تأسيسها في 30 ك2 1912) ورئيسها الأعلى هو البطريرك، ثم عدل الاسم مجدداً في الجلسة 57 ليصبح (جمعية حب التسبيح والتعليم) وأضيفت العبارة التالية على هدف الجمعية وهي :” ومتى اجتمع مال كافي بصندوق الجمعية تباشر بفتح مدرسة للأيتام الصبيان أولاد الفقراء”وفي جلسة استثنائية للجمعية تم تعديل اسم الجمعية فأصبح “جمعية القديس غريغوريوس الأرثوذكسية للتسبيح وتعليم الأيتام في دمشق تأسست في 30 ك2 1912″ وقد اختارت اسم شفيع غبطته القديس غريغوريوس تيمنا” . وفي 16 ك1 1912 وضعت الجمعية شارتها الحالية (الصليب المقدس) وفي جلسة المجلس الملي بتاريخ 15 تموز 1922 تمت دراسة طلب الجمعية بفتح مدرسة صناعية وكلفها المجلس لتقديم بيان حقيقي عن خطتها وما لديها من أموال.

البطريرك الكسندروس الثالث بنيت كنيسة الصليب بعهده وتوجيهه
البطريرك الكسندروس الثالث بنيت كنيسة الصليب بعهده وتوجيهه

درس المجلس الملي  تقريراً أعده أحد أعضائه وهو السيد بطرس قندلفت في 11 آب ش 1927 باقتراح إلغاء دور جمعية الدمشقي في إدارة كنيسة القصاع، وتسليمها إلى لجنة الكنيسة الحالية التي أسندت إليها مهمة بناء كنيسة واسعة تتسع للرعية المتزايدة، وبدأ البحث عن موقع للكنيسة، ورفع أبناء الرعية في القصاع عريضة ثانية إلى المجلس الملي يلتمسون فيها مصادقته على مشروع قانون جمعية الصليب المقدس التي كان من أهم واجباتها كما ورد فيه: إصلاح وضع الكنيسة في القصاع وبناء كنيسة لائقة وإيجاد كاهن ساكن في المحلة المذكورة إضافة إلى تأمين السكن والراتب اللائق به.

رفع الإرشمندريت أثناسيوس كليلة رئيس جمعية القديس غريغوريوس الأرثوذكسية لتربية الأيتام كتاباً برقم 282 تاريخ 4 تشرين الثاني 1927إلى المجلس الملي يرجو فيه الموافقة على البدء ببناء مقر للأيتام في بستان الصليب بالتفاوض مع شريكتها جمعية القديس يوحنا الدمشقي الأرثوذكسية  لأن ميتمها الحالي الذي سبق وأقامته في زقاق الآسية في أحد دور الوقف- العائد لدير سيدة صيدنايا البطريركي- غير صحي ولا يناسب غاية الجمعية – لاسيما وقد ساءت صحة بعض الأطفال اليتامى- ويرجو تأليف لجنة مختلطة من الجمعيتين لوضع مخطط البناء، علماً بان حصة جمعيته تبلغ 75 قصبة مساحة. وكانت قد اشترت قبلاً 55 قصبة من ثلاث قطع في بستان الصليب ب75 ليرة عثمانية ذهبية من السيد مصطفى الأسطواني. ونسق المجلس الملي بين جمعيتي الدمشقي وغريغوريوس، حيث وافقت الأولى على العرض واشترطت على الثانية أن تبادر إلى شراء الحصة المتبقية من ورثة القوتلي ثم تتم بعد ذلك إقامة المشاريع الثلاثة وهي الكنيسة والمدرسة والميتم، لاسيما وان المحسنين الراغبين ببناء غرف في الميتم بدؤوا يتضجرون من مرور الزمن بغير طائل. لذلك استعجل الإرشمندريت كليلة المجلس الملي برسالته الثانية رقم 290 تاريخ 16 كانون الأول 1927، ثم بثالثة رقمها 303 تاريخ29 كانون الأول 1927. اعتبر فيها أن سكوت المجلس الملي عن الرد موافقة ( السكوت في معرض الحاجة بيان)، لكنه استمهل مجدداً عشرة أيام من تاريخه للاعتراض. وكان فريق من أبناء الرعية قد أسسوا كما أسلفنا جمعية الصليب المقدس. وقد صادق المجلس الملي بجلسته 59 بتاريخ 8 أيار 1929 على تأسيسها وقانونها وسمح المجلس بتأليف لجنة من رئيسي جمعيتي القديس يوحنا والقديس غريغوريوس تحت رئاسة السيد أمين ملوك لجمع الأموال لصالح المشاريع الثلاثة ( الكنيسة والميتم والمدرسة) على أن يتم تأمين أولاد الميتم في الطابق الأول، والمقصود به الطابق الأرضي من الميتم. وبناء طابق أول في المدرسة، ثم يتم تحويل كل مايرد لصالح بناء الكنيسة. وقد قرر المجلس أيضاً بجلسته رقم45 تاريخ 6 تشرين الأول 1928 تحويل وقفية المرحوم قسطون مقعطلاني (بناء على طلب ورثته) والبالغة 150 ليرة عثمانية ذهباً لبناء غرفة في مدرسة جمعية القديس يوحنا الدمشقي بدلاً من برج الساعة في الكاتدرائية المريمية بعدما تأخر تنفيذ بناء البرج ووضع الساعة.

داخل كنيسة الصليب المقدس بالقصاع
داخل كنيسة الصليب المقدس بالقصاع

لكن جمعية الدمشقي التي لم تعترف وقتئذ على جمعية الصليب المقدس المحدثة تابعت البحث عن موقع للكنيسة وللمدرسة. وسعت أولاً إلى استئجار بيت الكزبري ( أحد كبار المالكين لبساتين المنطقة ) لمدرستها إلا أن أجرته كانت مرتفعة (80 ليرة ذهبية عثمانية )، ففضلت شراء أرض خربة واحتاجت إلى المال، فاستدانت من أحد أبناء الرعية مبلغ 300 ليرة عثمانية ذهبا وسجلت الأرض باسمه واتفق معها على نقلها الى اسم الجمعية بعد الوفاء أي بعد مرور ثلاث سنوات. لكن الجمعية تأخرت عن الوفاء ثماني سنوات. وحصل خلاف شديد هدد المذكور بموجبه ببيع الأرض، وكان قد استوفى مبلغ 50 ليرة عثمانية. وقد اشتكى الى المجلس الملي الذي نظر في القضية بجلسته 61 المنعقدة بتاريخ 21 آب ش 1929. وحلت القضية، بأن تدفع جمعية الصليب مبلغ مائة ليرة عثمانية ذهباً الى جمعية الدمشقي برسم القرض لمدة سنة من تاريخه، فإن تأخرت جمعية الدمشقي عن الدفع يحق له أن يبيع البيت ويعيد مبلغ المائة ليرة الى جمعية الصليب وهي بدورها يتوجب عليها دفع مبلغ 25 عثمانية بدلاً عن إيجار البيت عن سنة تبدأ من 1 آب وحتى آخر تموز 1930 حساباً غربياً. أما ضريبة ( ويركو ) البيت فتدفعها جمعية الدمشقي. وهكذا تمت تسمية الموضوع.

حفر الأساسات:

ايقونسطاس كنيسة الصليب
ايقونسطاس كنيسة الصليب

اتفق رئيسا جمعيتي القديس يوحنا الدمشقي والقديس غريغوريوس على تخطيط الأرض والشروع في بناء الميتم بتاريخ 30 حزيران 1928  وفقاً لقرار المجلس الملي بتاريخ 15 حزيران 1928، وبموجب المخططات الهندسية الموضوعة من المهندس المسيو داراندا والقاضي بان يكون موقع الكنيسة في صدر الدف الثاني(يبدو أن الدف الأول هو في القسم الأول من حارة الصليب) والمدرسة الى اليمين والميتم الى اليسار. واتفق على انه في حال العثور على آثار في المنطقة وفي أي من الأقسام الثلاثة تقسم مثالثة بين المؤسسات الثلاث.

ولزمت الأحجار للسيدين أبو فارس ومحمود العلاوي والحفريات لأساسات الميتم  للحاج أحمد التونسي.

بوشر بحفر أساسات الميتم صباح الاثنين 25 /6/ 1928 طبقاً للمخطط الهندسي. وتم وضع حجر الأساس لبناء الميتم بيد رئيس مجلس الوزراء الشيخ تاج الدين الحسني بحضور أركان الحكومة الوطنية وسلطات الانتداب والمجلس الملي وجمع غفير من أبناء الكنيسة تقدمهم المطران زخريا الوكيل البطريركي ممثلاً للبطريرك غريغوريوس والمطران ملاتيوس قطيني الذي تبرع ببناء غرفة في الميتم، ورئيس الجمعية الإرشمندريت أثناسيوس كليلة وذلك في الساعة الخامسة من بعد ظهر الاثنين  6تموز 1928.

وكان موقع الكنيسة المؤقتة في الحارة الضيقة وقد نقلت الى حارة دف التوت وهي حارة سد تقع مقابل مدرسة اليونان تقريباً  حيث انتقلت الرعية للصلاة فيها الى حين بناء الطبقة الأرضية من ميتم القديس غريغوريوس وقد خصصت القاعة الكبيرة فيه كنيسة وحتى عام   1936  والذي أصبح بعدئذ مهجعاً للأيتام ولا يزال حتى الآن.

أرض بستان الصليب

احتفال كنيسة الصليب بأحد الشعانين
احتفال كنيسة الصليب بأحد الشعانين

   من أراضي الغوطة الشمالية ويبعد ميلاً واحداً شمال باب توما ويعتبر من أديرة الغوطة التي بدئ بإقامتها بعد استقرار المسيحية في مطلع القرن 4 بموجب براءة ميلان الصادرة عن الإمبراطور قسطنطين الكبير عام 314 م

. وعند دخول المسلمين الى دمشق كان في الغوطة 18 ديراً وكنيسة منها دير العصافير ولكن أشهرها كان دير مران عند سفح قاسيون في موقع يطل على خانق الربوة وقد تميز بحجارته الكلسية البيضاء  ويقع في مكانه حالياً قصر الشعب، وليس بعيداً عنه كان دير النيربين الشهير إضافة الى دير رؤية القديس بولس في كوكب وبعض المؤرخين المسلمين يسمونه دير بطرس أو فطرس، بالإضافة الى دير حنانيا الرسول ظاهر دمشق جنوبا في محلة الميدان  والذي يعود الى عهد الإمبراطور يوستنيانوس الذي أمر ببنائه ثم تحول مع تمادي الأيام الى الكنيسة الحالية. ودير مار شمعون اليعقوبي السرياني شرق دمشق الذي تحول الى جامع ومقبرة الشيخ أرسلان عند  دخول المسلمين بالإضافة الى دير آخر لم استطع معرفة اسمه محل جامع باب توما  مع دير الفراديس الواقع خلف باب الفراديس على ضفة بردى في محلة باب السلام حاليا. كما يوجد داخل دمشق القديمة أديرة منها دير مريم للراهبات في درب مريم مكان بيت جمعية القديس بندلايمون حالياً وكان ملحقاً به بيت اليتيمات اللواتي يعتنقن الرهبنة لاحقا وبالعودة الى دير الصليب فكان يقع في فسحة خضراء محصوراً من جانبيه بساقيتي ماء وقد تسمى منذ وجوده بهذا الاسم ويعيد له بعيد رفع الصليب وكانت تمارس فيه الحياة الرهبانية نسكا وزراعة وصناعات بسيطة  ويبدو انه لم يدخل في عداد الأديرة والكنائس التي بسط السلمون يدهم عليها منذ الفتح وحولوها الى مساجد والتي ادخلها الوليد في صفقة المبادلة مع كاتدرائية دمشق ولكن هذه المبادلة لم تتم ولم تعاد هذه الكنائس والأديرة 18 لأنه كان مبغوضاً على المسلمين” إعادة الكنائس التي أُذن فيها لله”.  وبدون شك لو دخل دير الصليب بهذه الصفقة لكان الآن مسجداً، والأدق أن هذا الدير اندثر إما زمن الفاطميين أوالمماليك وكان هذان العهدان من اشد العهود ظلما بحق المسيحيين مثلما فعل بيبرس بدماره مدينة أنطاكية 1268 ثم دمر قارة وببرود وقرى القلمون مع كنائسها و وقتله وسبيه لمسيحييها وذلك  عند عودته من دمار أنطاكية لأنهم على دين الغزاة الفرنج.     أما الفرضية الثانية فهي أن تيمورلنك الذي فتك بالدمشقيين لمقاومتهم إياه وأقام برجاً من رؤوسهم في البيدر المسمى اليوم برج الروس دمر أيضا هذا الدير وقتل رهبانه وقد تأكدنا من هذه الفرضية من خلال حواشٍ وردت في بعض المخطوطات النادرة. ولكن بقي هذا الموقع يحظى بقدسية عند المسيحيين الدمشقيين وبقي اسمه بستان الصليب وسجل في السجل الخاقاني الذي يعود الى الفتح العثماني في القرن 16.  كما لم يسمى باسم وقف السلطان سليم أي أملاك السلطان سليم. وإلا لأصبح من أملاك الدولة، وحملت المنطقة أيضا تسمية المأمونية ولم نعرف سنداً لهذه التسمية، والأرجح أنها سميت باسم مالكها أو أنها كانت من أملاك الدولة في العصر العباسي على اسم الخليفة المأمون، ولكن ذلك يبقى مجرد تخمين، إنما بقيت تسمية بستان الصليب في ذاكرة الناس حتى غلبت على المأمونية. وما رغبة المجلس الملي بشراء الأرض وتسجيلها في الطابو باسم الكنيسة إلا إحياء لذكراها الروحية عندما كانت ديرا.

وبادرت الجمعيات الأرثوذكسية الثلاث يوحنا الدمشقي، غريغوريوس لتربية الأيتام بالإضافة إلى وكالة الكنيسة إلى شراء معظم هذه الأرض من مالكيها ( ورثة السيد عبد العزيز قوتلي ) حيث بقي لهم قيراط إلا ثلث من أصل 24 قيراط.

وجدير ذكره أن المرحوم المحسن عطا الله قطيني الدمشقي المتوفي في بيروت عام 1922 قد أوصى بوضع ممتلكاته في بنك تعطى فائدتها بمعرفة شقيقه ملاتيوس قطيني مطران ديار بكر، وبعد وفاته تُبنى بأصل المال مع ثمن بيته الكائن في القصاع، كنيسة في القصاع على اسمه على أن توضع رفاته فيها، وقد طلب 28 شخصاً مثّلوا الرعية في القصاع في عريضتهم المؤرخة بتاريخ 22أيار 1923 من المجلس الملي التدخل مع المطران ملاتيوس للإسراع في تنفيذ الوصية.

وكما أسلفنا بدأ البناء في هذه المشاريع: فبوشر أولا ًبالميتم، ثم في المدرسة، وقام المهندس روفائيل اسكندر كزما الدمشقي وهو أحد أعلام هندسة الكنائس في الشرق العربي بوضع المخططات الهندسية لبناء كنيسة الصليب المقدس عام 1930 وهي هندسة  رومية ، ولكن لما لم يكن ثمة مال لبناء الكنيسة زار وفد من الرعية المحسن المرحوم سابا بن جرجي صعبية (1880 – 1935 )وعرضوا عليه واقعة الحال ( وكان قد عاد من كولومبيا أميركا ميسور الأحوال وبدأ ببناء البناية باسمه الموجودة حاليا في برج الروس) فوافق على بناء الكنيسة وفق الكتاب الذي أرسله الى المجلس الملي بتاريخ 22 أيلول 1930 وهذا نصه حرفياً:

المحسن الكبير سابا جرجي صعبية
المحسن الكبير سابا جرجي صعبية

     ” غب الإكرام، لما كانت طائفتنا الأرثوذكسية المحبوبة بحاجة إلى إنشاء كنيسة لمحلة القصاع في بستان الصليب فتمجيداً لاسمه القدوس إنني أتعهد وأنا بالحالة المطلوبة شرعاً بأنني أدفع من مالي الخاص مبلغ ألف وخمسماية ليرة عثمانية ذهب فقط لاغير لأجل بناء هذه الكنيسة على شرط أن أدفع المبلغ المذكور بعد أن يبنى الأساس من قبل الطائفة. وبعد انتهاء البناء يحرر اسمي عليها فقط دون سواي فأرجو أن تعتبروا كتابي هذا بمثابة تعهد علي لإنفاذ ما ذكر والمولى يوفقنا جميعاً لما فيه مرضاته ودمتم.”                                                                                      سابا صعبيه

       وقد وافق المجلس الملي بجوابه التالي(حرفياً): “تقرر قبول مبلغ الألف وخمسماية ليرة عثمانية ذهبا التي تبرع بها لبناء كنيسة القصاع بموجب الشروط الواردة في التحرير المذكور مع تقديم الشكر وتبليغه ذلك.”

كنيسة الصليب المقدس في القصاع حتى مطلع السبعينات ثم اضيف اليها برجا الجرس والساعة
كنيسة الصليب المقدس في القصاع حتى مطلع السبعينات ثم اضيف اليها برجا الجرس والساعة

” نقولا الريس، جورج لاذقاني، نقولا شاهين، اسكندر رومية، أمين بطرس قندلفت، الياس عويشق، الإرشمندريت أثناسيوس كليلة”.

وتابعت الرعية بناء الكنيسة بكل همة، فبُنيت الأساسات من تبرعات المحسنين، ومن أموال كل الرعية التي اكتتبت بمبالغ بسيطة، وكثيرون من أفرادها ساهموا بجهودهم وبعملهم اليدوي. ثم أكملت وفق تعهد المحسن سابا صعبيه.(10)

وأذكر أنه منذ حوالي 19 سنة، وفي قداس الهي أقيم كالعادة في كنيسة الصليب المقدس لراحة نفس المحسن سابا من قبل البطريركية في ذكرى عيد شفيعه القديس سابا وكان برئاسة مطران بغداد والكويت المتروبوليت قسطنطين وقد قال في عظته مايلي:” إن سابا صعبيه هذا المحسن الكبير الذي لم يكن غنيا ًكالكثيرين جاد بالكثير من ماله لإشادة هذا المعبد الذي ترتفع فيه الصلوات لمجد الله. لم يكن غنياً كغيره لكن كان ميسوراً ولكنه كان أولاً وأخيراً مؤمناً، لذلك أكمل هذه الكنيسة”.

انتهى بناء هذه الكنيسة عام 1932 وتعد من حيث المساحة الكنيسة الثانية في دمشق بعد الكاتدرائية المريمية حيث تبلغ مساحتها قرابة  900 م2 مع هيكلها بدون المساحة الخارجية، وتتسع لقرابة 1000 مصلٍ، فوق بابها الغربي رخامة على عرض الباب نقش عليها تاريخ بنائها بالعربية واليونانية من خط الخطاط الشهير المحامي نجيب هواويني الدمشقي ( خطاط الملك فاروق). وقد بنيت على شكل الصليب حيث لها باب رئيس من جهة الغرب إضافة إلى باب يميني(جنوبي) وآخر يساري(شمالي)، وقدمت المرحومة أسماء عربيلي زوجة المرحوم سابا الباب الحديدي الأسود الجميل والفخم وقتئذ. وقد قررت الرعية تكريم هذا المحسن الكريم بعد انتقاله مبكرا الى الأخدار السماوية 1935  بأن وضعت تمثالاً نصفيا له عن يمين باب الكنيسة الرئيس. وكانت صلاة الجنازة لهذا الراحل الكريم التي تمت في هذه الكنيسة هي أول صلاة أقيمت فيها ورئسها مطوب الذكر البطريرك المعمار والعلامة الكسندروس الثالث الدمشقي وكانت عرساً حقيقياً. وكانت أكف المحسنين بالرغم من فقر معظمهم قد جادت لإظهار جمال هذه الكنيسة. وكان مقرراً بناء البرجين لكن المشروع لم يتم وقت بناء الكنيسة، حتى قام المحسن الكبير المرحوم بندلايمون كوتسوذنتوس( الشهير بالرومي وصاحب فرن الرومي المشهور) ببناء قبة الجرس عام 1960 وهذا ليس غريباً عنه كمحسن فريد(11). ثم قام السيد المحسن ميشال نقولا سبط الدمشقي ببناء برج الساعة عام 1962  ووضع الساعة الالكترونية النادرة وقتئذ عام 1969.

وكان الخوريان نقولا وجرجس صليبا كاهنا عرنة قد بنيا وعلى نفقتهما أيضاً الأيقونسطاس الرخامي الفخم عام 1936. يحتوي الأيقونسطاس على ثلاثة أبواب ملوكية لها أربعة أبواب فرعية وثماني أيقونات كبيرة على الواقف للرب يسوع ووالدة الإله والمعمدان  وقسطنطين وهيلانة والجناح الأيمن من الهيكل على اسم القديس أنطونيوس الكبير وأيقونته في باب الهيكل أما الجناح الأيسر فهو على اسم القديس ديمتريوس وكذلك أيقونته على باب الهيكل المتاخم. مع أيقونات صغيرة مماثلة للتقبيل والتبرك. كما يضم الأيقونسطاس صفاً ثانياً من الأيقونات وعددها 34 أيقونة تمثل أحداثاً إنجيلية، وصفاً علوياً ثالثاً مكوناً من أيقونة السيد في المنتصف وست أيقونات لستة رسل من اليمين ومثلها في اليسار، ويعلو المنتصف صلبوت كبير. وهناك اثنان أحدهما على اليمين والثاني على اليسار.وضمت الكنيسة في تاريخها الكثير من الأيقونات من النوع التقليدي الشائع في أواخر القرن19 والقرن20 وقد تجملت بها الكثير من الكنائس الجديدة وكنائس الأديار في أبرشية دمشق وانتشرت أيقونسطاسات رخامية فخمة على محيط الكنيسة الداخلي وعلى أعمدتها الضخمة وقد أسهم مصور الأيقونات المرحوم الفنان ميلاد الشايب في رسم معظمها.

وكبقية الكنائس الرومية التقليدية تقدم محسنون كثر( بتدبير من وكالة الكنيسة حينما بنيت) بكراسٍ جداريه خشبية مع مقاعد خشبية بالإضافة الى ملحقات خشبية وأثاث خشبي محفور قدمته أسرتنا أسرة زيتون الدمشقية (12) من حفر أفرادها وكانت مؤلفة من المرحومين جدي فارس ووالدي جورج وعمي نقولا وشقيقي الشهيد المجند مروان، وقد تمثلت بالأبواب الملوكية الثلاثة وهي غاية في الروعة لجهة دقة الصنع، وأيقونسطاسات للمذبحين داخل الهيكل مع طاولات للخدمات الكنسية كافة، وحاملات أيقونات، وقرايات الأناجيل،  ولوحة للصلاة الربانية فوق الباب اليمين من الداخل، وبرواز خشبي محفور بداخله ابيطافيون فوق الباب الرئيس داخل الكنيسة، وبرواز ثان يضم أيقونات الإنجيليين الأربعة قدمها احد المحسنين وهي من رسم الفنان الياس زيات، وهذه علقت فوق الباب اليسار من الداخل. معظم هذه القطع الفنية الخشبية المحفورة والمنقوشة قدمتها الأسرة وبالذات والدي الفنان جورج لراحة نفسي والديه وصحة آل زيتون ثم لراحة نفس شقيقي الشهيد مروان بعد استشهاده تخليداً لذكراه. إضافة الى قيام الأسرة في الأربعينات من القرن 20 بحفر كرسي البطريرك وكرسي المطران (على اليمين واليسار).وقدمت عائلة المصابني في التسعينات من القرن الماضي لراحة نفس ولدهم أجهزة التكييف والتبريد، ثم جددت عائلة حنا التبريد والتكييف بأجهزة حديثة، وامتلأت الكنيسة منذ إشادتها بعشرات الثريات الفخمة قدمها المحسنون مع تجهيزات نحاسية تقليدية كحاملات الشموع الفخمة والكثير من إيقونات الكنيسة وتجهيزاتها نقلت الى كنائس جديدة في دمشق وريفها.  وكانت وكالة الكنيسة قد بنت البناء الملاصق للكنيسة من جهة اليمين وخصصته سكناً للكاهن ثم جهزت أخوية السيدات في تجهيز المكتب واتخذت مدارس الأحد الأرثوذكسية مقرها غرباً تحت الهيكل، بينما أحدثت فرقة مراسم الصليب الكشفية مقرها في جزء من العرصة الجنوبية بمساهمة من الكشافين القدامى ومحسنين، وبجوارها مقر لأسرة المعوقين( إيمان ونور) وكانت البطريركية قد أحثت في أواخر العقد الثامن من القرن الماضي مسرح فخم وقاعة كبرى للمناسبات تحت الكنيسة وتعد صرحاً حضارياً و مركزاً ثقافياً.

اليوم بعد ان قام الاسقف اسحق بركات (رئيس الكنيسة ) متروبوليت ابرشية المانيا  واوربية الشمالية باصلاحات جميلة في الكنيسة وتذهيب الاعمدة والايقونسطاس وتصوير جدار وحنية الهيكل باحسان المحسنين يُتابع تصوير سقف الكنيسة ببركة غبطة ابينا البطريرك يوحنا العاشر وباحسان المحسنين الغيورين…عوض الله كل من يحسن من محبي جمال بيوت الرب ماديا وتعباً اضعافاً مضاعفة وبالصحة والحماية…

عيد الكنيسة :

تعيد الكنيسة لعيد الصليب المقدس بمناسبتين:

غبطة البطريرك يوحنا العاشر في احتفال الكنيسة بأحد السجود للصليب
غبطة البطريرك يوحنا العاشر في احتفال الكنيسة بأحد السجود للصليب

1- عيد رفع الصليب الكريم المحيي: في 14 ايلول حيث تشهد الكنيسة منذ غروب العيد احتفالاً مركزياً برئاسة غبطة البطريرك ومنذ إحداث الكنيسة في 1932، يتلوها إشعال الشعلة وسط احتفال بالألعاب النارية وفرقة المراسم وموسيقاها، وتستمر الاحتفالات لمدة أسبوع تشارك فيها كل مؤسسات الكنيسة بمعدل يومي.

2- أحد السجود للصليب الكريم:  وهو الأحد الثالث من الصوم وأيضاً تحت رئاسة البطريرك الذي يرأس أيضا الخدمة الإلهية في المديح الثانية في الصوم الكبير واثنين الختن في الأسبوع العظيم المقدس وكان يرأس ثلاثاء الباعوث الى وقت قريب.

في بعض خدامها السابقين:

قداس الهي احتفالي اقامه غبطة البطريرك يوحنا مع بطريرك صربيا في كنيسة الصليب
قداس الهي احتفالي اقامه غبطة البطريرك يوحنا مع بطريرك صربيا في كنيسة الصليب

منذ وجودها وحتى الآن يندر أن يكون اكليريكي خدم في أبرشية دمشق دون أن يخدم فيها لكونها الكنيسة القاعدية الثانية ويستوي في ذلك مرور كهنة زائرين على دمشق ولكن الرعية تدين للكاهن العظيم الأب البحاثة والمؤرخ الرصين مؤرخ دمشق المسيحية أيوب نجم سميا( من قب الياس وقد خدمها منذ 1930 وحتى وفاته في شباط 1968 (13)) في تنظيمها وإحداث مؤسساتها وفي الرعاية الشاملة.

ومر عليها كهنة أكفاء بالرغم من قصر مدة خدمتهم فيها منهم الأب يواكيم مبارك الفلسطيني من حيفا اللاجئ عام1948 والخوري الشهيد حبيب خشة(14)  والخوري الشهيد سليمان سويدان والارشمندريت قسطنطين يني والمطارنة (لاحقاً) جورج أبو زخم، ديمتري حصني، وجوزيف الزحلاوي، استفانوس حداد، والياس كفوري،  دامسكينوس منصور الذي كانت له بصمات تزينيه وتحديثية في داخل الكنيسة وتجهيزاتها، كما فعل الشيء عينه والارشمندريت اسحق بركات رئيس دير البلمند (متروبوليت المانيا واوربة الشمالية حاليا) والكثير من الكهنة الذين خدموا ولم تسعفنا الذاكرة على ذكرهم، والذين خدموا مؤخراً وجميعهم أسهموا في الرعاية الحقة.

في مؤسساتها:

1 – جمعية القديس غريغوريوس الأرثوذكسية لتربية الأيتام ورعاية المسنين بدار الأيتام ودار المسنين القديمة والحديثة.

2 – مدرسة القديس يوحنا الدمشقي الأرثوذكسية.

3 – مدارس الأحد الأرثوذكسية.

4 – أخويات للسيدات عددها ثلاث. أقدمها أخوية السيدات الأرثوذكسية التي يعود تأسيسها الى عام 1905 بتشجيع من البطريرك ملاتيوس الدوماني بهدف الصلاة ومساعدة الفقراء. وجددها حين إحداث الكنيسة الأب أيوب سميا.

5 – فوج الصليب المقدس الكشفي وهو الوريث الحقيقي لفوج القديس جاورجيوس الكشفي الأرثوذكسي المسمى الفوج الثاني  وقد أسستُه عام 1994 بمساعدة البعض من زملائي وتلاميذي في الفوج الثاني.

6 – قاعات الصليب المقدس  (مسرح وقاعة مناسبات).

د. جوزيف زيتون امين الوثائق البطريركية في بطريركية انطاكية وسائر المشرق للروم الارثوذكس

حواشي البحث :

1 – ساحة برج الروس حالياً كانت في غزوة تيمورلنك المغولي بيدر كبير وقد أمر بإقامة برج من رؤوس القتلى الدمشقيين فيه انتقاماً من سكان دمشق لمقاومتهم له وبعدما اقتحم أسوارها استباح المدينة ثلاثة أيام للغزاة وأمر بقتل كل ذكورها.

2 –  دير مار شمعون اليعقوبي الذي حول الى جامع حين فتح دمشق 635 لوقوعه في القسم الشرقي من دمشق أي في القسم الذي فتح حرباً.

3 – بقي هذا الجسر خشبياً حتى دخول الانكليز دمشق عُقب انتهاء الحرب العالمية الثانية 1945 عندها قامت ورشاتهم بصبه بالاسمنت وقد عمل فيه أبناء القصاع بأجر ومنهم عمي نقولا رحمه الله وقد أخرجت هذه القوات الفرنسيين من دمشق.

4 – في الخمسينات من القرن 20 أراد وكلاء المستشفى الانكليزي بيعه فعرضوا على البطريرك الكسندروس طحان شراءه بمبلغ مليون ليرة سورية وبالرغم من حماس غبطته والمجلس الملي والرعية لشرائه إلا أن العائق كان مادياً لم يتمكن الجميع من تخطيه فاشترته الدولة ثم حولته مستشفى للتوليد وأمراض النساء باسم مستشفى الزهراوي.

5 – شركة الجر والتنوير:أحدثت عام 1905 وكانت شركة بلجيكية قامت بمد الكهرباء الى دمشق ومد خطوط الترامواي وخلد هذا الحدث بإقامة النصب المشهور في المرجة.

6 – كانت العادة عند الدمشقيين الخروج الى الغوطة يوم اثنين الراهب أي أول يوم في الصوم الكبير( وكان يوم عطلة) للترويح عن النفس وكان الطعام يومذاك ( وحتى الآن) مجدرة ببرغل. مع احتفال وغناء وطرب احتفاءً بقدوم الصوم.

7 – عام 1920، وبكل أسف هي اليوم مغلقة وقد باعتها الجمعية الخيرية اليونانية الدمشقية.

8 – جمعية القديس يوحنا الدمشقي الأرثوذكسية هي جمعية ثقافية كان لها مكتبة كبيرة في مدرسة الآسية وهي موجودة اليوم في المكتبة البطريركية. ولاتزال هذه الجمعية قائمة.

9 – تفرد الأب المؤرخ أيوب سميا بتسليط الضوء على هذا الدير الواقع وقتئذ في غوطة دمشق وجدير ذكره انه لم يحول الى جامع كغيره وإلا لبقي حتى الآن جامعاً، وحتى ولو اندثر لايمكن إقامة كنيسة في موقعه، وبالتالي من البديهي أن تتغير تسمية موقعه “بستان الصليب الى تسمية أخرى.

10 – يحكى أن المحسن سابا أسرع في الموافقة على إكمال الكنيسة من ماله بعدما سمع بالمصادفة حديثاً سرياً بين القائمين على بناء كنيسة القديس كيرلس للروم الكاثوليك (بنيت 1930) حين بنائها وكانوا يجلسون في غرفة ناطور البناء وكانت على الهيكل وكان الوقت ليلاً وكان يستظل من المطر الشديد في تلك الليلة:” بأنهم ومن خلال كنيستهم هذه حين ينهون بناءها لن يبقون على أي أرثوذكسي في القصاع …”شهادة شفهية من كثر، أبرزهم السيد عيسى صالومي.

11 – انظر سيرة هذا البار في موقعنا هنا,

12 – انظر ذلك في مقالنا هنا: قديسون وشهداء وأعلام أنطاكيون.

13 – انظر سيرته في موقعنا هنا.

14 – أنظره في موقعنا هنا.

 

 

مصادر البحث:

= الوثائق البطريركية

=مخطوطات الأب أيوب وسجل الضابط الخاص به.

= سجل المجلس الملي1905 -1956

= شهادات شفهية من معمرين.

 

 

 

 

 

 

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *