مصادر القرآن بالدليل و البرهان – الجزء الأول – ١١٨ ج١

مصادر القرآن بالدليل و البرهان – الجزء الأول – ١١٨ ج١

مصادر القرآن بالدليل و البرهان - الجزء الأول - ١١٨ ج١

مصادر القرآن بالدليل و البرهان – الجزء الأول – ١١٨ ج١

مصادر القرآن بالدليل و البرهان – الجزء الأول – ١١٨ ج١

* د. سام مايكلز Dr. Sam Michaels
** مشاركة: تامر الربيعي
رأي شخصي
نشرته صفحة تاريخ الاسطورة والاديان وقد قرأناه بتمعن واعملنا فيه الفكر واحببنا ان ننشره هنا في موقعنا من باب التنويع بنقل الرأي الآخر مع الاحترام الشديد للبحث العلمي الرصين والمسند /رغم مخالفته لايماننا وعقيدتنا المسيحية الني تعرض اليها بشكل او بآخر/، وابقيناه بالحرف دون اية اضافات او تنقيح لغوي او…حواشي حفظاً للمصداقية واحتراماً للمصدر،  رغم امكانياتنا الرد فقط في مايتعلق بإيماننا المسيحي، ولكننا آثرنا عدم المداخلة…

مقدّمة المقال المنشور

هذا الموضوع هو من أخطر المواضيع التي أخذت منا جهداً ووقتاً كثيراً، وهو يتعلق بمصادر القرآن، من أين كتب؟ و من أين استمد شعائره؟ هل يعلمون المسلمون الآن أن الإسلام ما هو إلا استمرار لعبادة الأوثان؟!! إن مناقشاتنا هذه ما هي إلا من باب البحث العلمي النّزيه، بفكر مُستنير، ومنطق سليم.
لقد صدق د. طه حسين في كتابه [الشعر الجاهلي ص 11 و 12] حينما قال: “القاعدة الأساسية لمنهج البحث العلمي هي أن يتجرّد الباحث من كل شيء كان يَعْلَمَه من قبل، وأن يستقبل موضوع بحثه خالي الذهن مما قيل فيه خُلُوّاً تاماً” و الناس جميعاً يعلمون أن هذا المنهج الذي سخط عليه أنصار القديم في الدين و الفلسفة يوم ظهر، قد كان من أخصب المناهج و أقومها و أحسنها أثراً و أنه الطابع الذي يمتاز به العصر الحديث، فيجب ألا نتقيّد بشيء ولا نذعن لشيء إلا مناهج البحث العلمي الصحيح. ونحن في العالم العربي والإسلامي نفتقد لهذا المنهج، والموضوع كله تحيّزات. ولا نريد أن يصدم أحد بسبب أسئلتنا عن المصادر التي استقى منها الراهب بحيرى أو بحيرا (بولس السميساطي؟) و القس ورقة بن نوفل (لوقيان الأنطاكي؟) و النبي المحمد (إيليا / عليا) قرآنهم. فإننا نتساءل بمحبة خالصة، ونزاهة صادقة، علّنا نصل معاً إلى الحقيقة المنشودة.
بالطبع الأمر مطروح للمناقشة، ويستطيع فقهاء المسلمين أن يوضّحوا وجهات نظرهم في هذه المناقشات بكل حرية، والإتيان بالأدلة الموثقة شرط الإلتزام بالمنطق السليم و الحوار الهادف البناء.

ماذا نقصد بالمصادر التي استقى منها الرهبان السريان النصرانيون قرآنهم؟

ألا يؤمن جميع المسلمين أن للقرآن مصدر واحد وهو الوحي؟

الجواب هنا هو طبعاً هذا ما يؤمنون به، لذلك لنا بعض الأسئلة من آيات قرآنية كثيرة لا يمكن تجاهلها، نحتاج إلى إيضاح منها: يرد في سورة الفرقان 4-6: “وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفكٌ قد افتراه، وأعانه عليه قومٌ آخرون، فقد جاؤوا ظُلماً وزُوراً. وقالوا أساطير الأولين اكتتبها، فهي تُمْلَى عليه بكرةً وأصيلاً، قل أنزله الذي يعلم السّر في السموات والأرض إنه كان غفوراً رحيما.”
و في سورة النحل 103: و لقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلِّمه بشر، لسان الذي يلحدون إليه أعجمي، وهذا لسانٌ عربي مُبين.
من هذه الآيات يتضح لنا أمران:
الأمر الأول: أن النبي و معلميه قد أكدوا أن القرآن هو وحي من عند الله، في (سورة الفرقان 6: قد أنزله الذي يعلم السّر).
الأمر الثاني: الذي يتضح لنا أيضاً من هذه الآيات هو أن المُعاصرين للنبي المحمد كان لهم رأيٌ آخر توجزه هذه الآيات فيما يلي:
1- أن ما أتى به النبي هو “كذب” (سورة الفرقان 4): و قال الذين كفروا إن هذا إلا إفكٌ
2- أن النبي (قد افتراه) مُدّعياً أن هذا وحي (سورة الفرقان 4): إن هذا إلا إفكٌ قد افتراه.
3- قد أعانه على ذلك آخرون (سورة الفرقان 4): و أعانه عليه قوم آخرون.
4- أن هؤلاء قد أملوه عليه (سورة الفرقان 5): فهي تُملَى عليه.
5- أن هناك بشراً علّموه هذا الكلام (سورة النحل 103): إنما يعلِّمه بشر.
6- و أن ما أتى به هو عبارة عن قصص كانت موجودة في كتب الأقدمين (سورة الفرقان 5): وقالوا أساطير الأولين اكتتبها.
آراء فقهاء المفسرين: تفسير الإمام النّسفي (ج 3 ص 233 و 234) قوله: إن هذا إلا إفك، قد افتراه: أي كذب اختلقه من عند نفسه. قوله: وأعانه عليه قوم آخرون: أي اليهود وعدّاس غلام عتبه، ويسّار، وأبو فكيهة الرومي، قوله: و قالوا أساطير الأولين اكتتبها: أي أحاديث المُتقدمين كتبها لنفسه (تفسير الإمام النيسابوري (غرائب القرآن ج 7 ص 99)) تعليقاً على: إنما يعلِّمه بشر (سورة النحل 103). تساءل النيسابوري قائلاً: من هو ذلك البشر؟ و أجاب قائلاً: قيل كان غُلاماً لـ(حويطب بن عبد العزّى) و إسمه (عائش)، وكان صاحبَ كتب من التوراة. وقيل هو (جَبْر غُلام رومي) كان ل(عامر بن الحضرمي النصراني) و قيل عبدان هما: (جبر، و يسّار) كانا يصنعان السّيوف بمكة، و يقرآن التوراة والإنجيل، و كان رسول الله إذا مرّ وقف عليهما يسمع ما يقرآن. وقيل هو (سلمان الفارسي) كان غُلاماً لـ(لفاكه بن المُغيرة)، وإسمه (جبر)، و كان نصرانياً، وقيل قين (يعني حدّاد) بمكة إسمه (بلعام). والشيخ خليل عبد الكريم في كتابه [فترة التكوين في حياة الصادق الأمين ص 335] يذكر مجموعة أخرى من الأسماء التي كان لها تأثير كبير على ثقافة النبي المحمد الدينية، مما أفضى إلى تأليف و كتابة القرآن، و تضم هذه القائمة أربعة من القُسوس والرّهبان النّصارى، وهم الآتية أسماؤهم: ١. القس ورقة بن نوفل و ٢. الرّاهب بحيرى و ٣. الرّاهب سرجيوس و ٤. الرّاهب عدّاس
هذه بعض آراء المفسرين و العلماء و علينا ألا نتجاهل ذلك، بل عملاً بمنطق القرن الحادي و العشرين العلمي لنبحث في هذه الأمور لنرى إن كانت صدقاً أم كذباً، أو نرميها وراء ظهورنا بلا فحص و تلك جريمة بحق العقل البشري و التاريخ فنحن نملك العقل لنفحص أسس معرفتنا لنعرف إن كنا نسير في الطريق السليم أم لا. هذه الآراء كلها اتّهامات، و لا تقطع بنتيجة محددة، لكنها مُقدمات ضرورية لا بد أن توضع في الإعتبار، و نحن نفكر بعقولنا الحرة، فليس هناك دخان بلا نار. فإن كان هذا الكم من الكلام و تسمية أشخاص معينين كانوا معروفين في ذلك الحين، إذاً فالموضوع يستحق الدراسة بجدية و التساؤل الخطير للغاية هنا هو:
ما هو الرأي الصحيح؟
هل كان القرآن وحياً من عند الله كما قال رواة السيرة النبوية؟ أم كان فعلاً من إملاء هؤلاء الرُّهبان الأربعة عليه كما قال المُعاصرون لمحمد؟ نحن نعتقد أن الفيصل في الحكم في هذا الأمر هو ما قاله النبي نفسه في (سورة النساء 82): لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه إختلافاً كثيراً. إذاً فمن منطلق هذه الآية الخطيرة نرى أنه إن كان القرآن فعلاً من عند الله فإننا لن نجد بين آياته أي اختلاف،  ولكن إن وجد فيه إختلافات، فيصدق فيه نصُّ هذه الآية بأنه ليس من عند الله، أي أنه كُتِبَ بإملاء من هؤلاء البشر على محمد كما أخبرنا مُعاصروا النبي فتعالوا معاً نرى ما هي الحقيقة، فالعقل الإنساني لا يمكنه القبول بأن القرآن “مُنَزَّل من الله” بواسطة “الوحي جبريل “على (مُحَمَّد) لما تضجّ آياته بالكثير من الأخطاء الفلكية و التاريخية و العلمية واللغوية إلى جانب التناقضات بين الكثير من السور و الآيات، ولنفحص التّناقضات القرآنية أو ما يسميها المفسرون “الناسخ و المنسوخ”: بالرجوع إلى كتب الفقهاء المُتخصّصين في علوم الناسخ والمنسوخ أمثال: الشيخ أبو جعفر النّحاس في كتابه [الناسخ و المنسوخ في القرآن الكريم]، و الشيخ هبة الله بن سلامة البغدادي في كتابه [الناسخ و المنسوخ في القرآن الكريم] أيضاً، و المُظفّر بن الحسن بن خزيمة في كتابه [الموجز في الناسخ و المنسوخ]، و [تفسير الجلالين مع أسباب النزول] إعداد و تنسيق الشيخ محمد أمين الضناوي، و كثيرين غيرَهم، يتضح لنا أن في القرآن آيات كثيرة متناقضة، تمثل 62% منه (أي ثلثيه تقريباً)، والتي لم يستطع أي عالم أو فقيه من القدامى أو المحدثين أن يجد لها حلاً منطقياً!!.
ولا ننسى أن هناك سور قام الراوي القرآني “باستعارتها” من شُعراء الجاهلية سنأتي على ذكرها لاحقاً، و آيات أخرى “تطوع” الصّحابة و على رأسهم عمر بن الخطاب بإملائها على النبي (بحسب الرواية الإسلامية) دون التنويه إليها في حواشي السور كما تقتضي الشروط الأدبية. لنفترض أن تعطُّش (محمد) للظّفر بلقب النبوة -إن كان ذلك الشخص موجود تاريخياً بالفعل- فجّر في داخله موهبة أدبية تمخّضت عن تأليف القرآن الذي لم يكن بالشعر ولا بالنثر، ولكنه خليط من هذا وذاك، ودعونا عما يعتري القرآن من مشاكل ذكرناها سابقاً أو سنقوم بذكرها لاحقاً، فإنه من المُحال أن يكون ذلك ال(محمد) عالماً بجميع علوم الفيزياء والكيمياء والتاريخ والطب و الفلك، ومن المُحال أيضاً أن ينشأ القرآن من فراغ دون الإتكاء على مُساهمات الآخرين بشكل مباشر، وغير مباشر!.
وفي تصورنا لو أن أغلب المسلمين، وهذا بعيد المنال، قطعوا هذه “الشرايين السماوية” التي تغذي القرآن بقدسيته، وتعاملوا معه في سياقه الأدبي البحت، لتحرر العالم الإسلامي و إلى الأبد من قيود التخلف والرجعية. ألا تجدون معنا أن كل صور الإرهاب الدموي، ومعاداة التقدم والحداثة والعنف ضد المرأة، والآخر المُختلف عنهم تستلهم عناصرها من آيات قرآنية بحتة أو من إساءة تفاسيرها؟!! لنبدأ رحلة البحث هذه عن مصادر القرآن فعلى ما فيها من أشواك تدمي قلوب المسلمين فإن فيها من الحقائق ما يكفي لإضاءة الزوايا المُعتِمة في عقولنا!!

1. أولاً – المصدر الأول – الأساطير السّومريّة و البابليّة:

تعتبر “أساطير الأولين” هذه أحد أهم المصادر الأساسية التي بنى عليها الراوي القرآني حبكته، و قد استعرضنا معكم في بعض الحلقات السابقة أغلب هذه الأساطير التي بنت عليها الديانة اليهودية و المسيحية قصصها بالتفصيل كأسطورة طوفان نوح (أت-نو-بشتيم / أت-نوح-بشتيم) و قصة خلق السماوات والأرض وقصة آدم و حواء وطردهما من الجنة وأسطورة ابتلاع الحوت لإله الماء البابلي يانيس (النبي يونس) وقصص الأنبياء كالنبي يوسف وزكريا وإبراهيم ولوط وموسى وأيوب وصالح وغيرهم، سنكتفي هنا بعرض عدة أمثلة فقط:
– أصل قصة آدم و حواء هي أسطورة لعن آدابا Adapa للريح و طرده من جنّة دِلمون (و هي ترد أيضاً في التراث المسيحي): (آدابا) هو إسم أول إنسان خلقه الإله (أنكي)، وأنكي هو الإسم السومري له و إسمه البابلي (آيا) و هو إله وليس ملاك، أي أنه هو نفس الإله بإسمين مختلفين، وهو خالق الكون طبقاً لقصة خلق الإنسان السومرية، الإنسان الذى عصى الإله ففقد الحياه الأبدية. وقد تمت إعادة كتابة هذه الأسطورة مرة أخرى في العصر البابلي لكن بشخضية الإله (آيا)، وآيا تعني (الحياة)، والرواية البابلية تضع (آيا) كخالق ل(آدابا) الذي أصبح إسمه آدم في الرواية التوراتية والمسيحية والإسلامية، كأول إنسان و جعله صيّاد. لمّا ارتكب خطيئته و هي لعنه للريح التي هاجمته في قاربه باستخدام تعويذة إلهية (يسوع المسيح يستخدم قوة الكلمة بنفس الطريقة بلعن الريح في بحيرة طبريا في الأسطورة المسيحية فيما بعد)، طلبه الإله الأكبر (آنو) رب مملكة السماء للعروج إليه في السماء لمُحاكمته على خطيئته، فنصحه الإله (آيا) بتلبية الدعوة في ثياب الحداد، والإعتراف بخطئه ليعفو عنه الإله آنو، لكنه حذّره من تناول أي طعام يقدمه إليه فقد يكون فيه موته (شجرة التفاح أو التفاحة التي قدمتها له حواء في القصة التوراتية). و بالفعل قَبِلَ رب الأرباب الإله آنو كبير الآلهة (آنو هو إسمه البابلي أما الإسم السومري له فهو آن) اعتذاره وغَفَرَ له خطأه، وقدّم له الطعام الذي كان سيمنحه الحياة الأبدية التي تعني دخوله إلى بُستان أو جنّة (دِلمون) المقدسة حيث كان سيعيش في شباب دائم مُتجدّد في أرض مليئة بينابيع المياه العذبة و أشجار الفاكهة المُثمرة، لكن آدابا رفض العمل بالنصيحة التي أوصاه بها الإله (أنكي / آيا) فطرده الإله آنو إلى الأرض ليعيش هو و ذريته فيها حياة فانية!
يقول د. خزعل الماجدي المتخصص في علم الأديان و التاريخ و المثولوجيا: “مرّت على أساطير بلاد ما بين النهرين السومرية ثلاثة مراحل جوهرية جعلت منها أساطير عالمية زمنياً و مكانياً:
1. المرحلة الأولى هي مرحلة النشوء على يد السومريين في بلاد الرافدين وعاصمتها (أور) و (الوركاء) حيث خطت أشهر أساطير العالم عن الخلق، والتكوين كخلق السّموات السّبع والأرض وخلق البشر وجنة عدن وحدوث الطوفان وغيرها…
2. المرحلة الثانية هي تبنّي اليهود لهذه الأساطير، وتدوينها في سفر التكوين، أحد أسفار كتاب التوراة اليهودي و تبنّي اليهود لها يؤشرعلى أن أصلهم ربما كان سومري؟!
3. المرحلة الثالثة ظهور الدين المسيحي، وهو دين يهودي المنشأ والمؤسس حيث رافق الإنتشار الواسع للدين المسيحي انتشاراً لهذه الأساطير في حضارات العالم القديم، هذا الإنتشار أدى إلى تبنّي بعض الأمم الوثنية لتلك المُعتقدات كالعرب مثلاً حيث أدى هذا إلى ظهور الإسلام الدين اليهو-مسيحي (النصراني) لاحقاً، والذي يُعتَبر ظهوره مرحلة تعزيزية أدّى إلى انتشار أوسع وأضخم لهذه الأساطير، حتى أصبحت أساطير عالمية بحق عبر الأزمنة والأمكنة، وما زال المليارات من البشر يؤمنون بها إلى اليوم كمُسلّمات و حقائق مُطلقة، ويتوقع أن يستمر هذا لسنين طويلة قادمة …”
و لهذا الباحث كتاب رائع يقع بثلاثة أجزاء بعنوان [إنتحال سومر] و أيضاً له كتاب آخر صدر حديثاً بعنوان [أنبياء سومريون، كيف تحوّل عشرة ملوك سومريين إلى أنبياء توراتيين] يكشف سرقة اليهود لأساطير السومريين والآشوريين والبابليين وقيامهم بزجّها فيما يسمى بكتاب العهد القديم! ما بين دفتي كتاب التوراة اليوم ما هو إلا سطو على تراث سومر و آشور و بابل، فمن بلاد ما بين النهرين انطلق الإنسان بمنارة الحضارة إلى العالم! [المصدر: كتاب متون سومر، للدكتور خزعل الماجدي]
– قصة طيور الأبابيل في القرآن: جاء ذكر كلمة طيور الأبابيل في سورة الفيل 5-1: {* أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَ أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ *} تفاسير كتب التراث الإسلامية: قال الواحدي: نزلت في قصة أصحاب الفيل و كان قصدهم تخريب الكعبة، وما فعل الله تعالى بهم من إهلاكهم وصرفهم عن البيت، وهي معروفة [أسباب النزول للواحدي ص 306]. و قد اختلف في معنى كلمة أبابيل، فقال إبن عباس و الضّحاك: أبابيل معناها يتبع بعضها بعضاً. وقال الحسن البصري و قتادة: الأبابيل تعني الكثيرة. وقال مُجاهد: كلمة أبابيل تعني شتى متتابعة مجتمعة. وقال إبن زيد: الأبابيل تعني المختلفة، تأتي من ها هنا، ومن ها هنا، أتتهم من كل مكان [تفسير إبن كثير 8/487]. وقال الحافظ إبن حجر: وَعِنْد الطَّبَرِيّ بِسَنَدٍ صَحِيح عَنْ عِكْرِمَة أَنَّهَا كَانَتْ طَيْرًا خُضْرًا خَرَجَتْ مِنْ الْبَحْر، لَهَا رُؤوس كَرُؤوسِ السِّبَاع. وَلِابْنِ أَبِي حَاتِم مِنْ طَرِيق عُبَيْد بْن عُمَيْر بِسَنَدٍ قَوِيّ: بَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَنْشَأَهَا مِنْ الْبَحْر كَأَمْثَالِ الْخَطَاطِيف فَذَكَرَ نَحْو مَا تَقَدَّمَ. [فتح الباري 12/207]. واختار الإمام الطبري أن معنى كلمة أبابيل يشمل ذلك كله حيث قال: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ طَيْرًا مُتَفَرِّقَةً، يَتَّبِعُ بَعْضُهَا بَعْضًا مِنْ نَوَاحٍ شَتَّى [فسير الطبري” 24/627].
لكن الحقيقة هي أن أصل قصة الطيور الأبابيل أتت من الحضارة الآشوريّة!! فقد أتت كلمة (أبابيل) من إسم مدينة (Ababile) بالسريانية تُنطَق: (أبابيلو / أباب-إيلو / أبب-إيلو)، و قد بنيت هذه المدينة حوالي 6,000 ق.م. على يد الملك (أبابيل بن زاب بن صفن) أحد أحفاد الملك (لكش بن شنعار) وكان من أهم ملوكها (سوانا) و(تندير) و(نتكاسي). و قد دُمِّرَت هذه المدينة خلال إجتياح الملك الفارسي الإخميني سيروس Cyrus / كوروش / قورش لبلاد آشور وبابل عام 530 ق.م. و قد اشتهرت قبل تدميرها بكثرة المياه فيها حيث بُنِيَت على ضِفاف نهر الخوصر، واشتهرت أيضاً بكثرة الطيور المتنوعة الأصناف حتى سُمِّيَت تلك الطيور ب”طيور أبابيل” نسبةً لهذه المدينة، و بقيت تلك الطيور تُعرَف بهذا الإسم في الحضارات العراقية القديمة، و ما حولها لفترة طويلة بعد تدمير تلك المدينة. في الحروب الآشورية كان الآشوريون يعتقدون أنّ أسراب من الطيور المُقاتلة كانت تشارك في المعارك، وتساهم في رمي وإلقاء الحجارة على رؤوس الأعداء، و قد انتشرت هذه الخرافة في الحضارات الأخرى، وتم استعمالها لدب الرّعب في قلوب الأعداء كنوع من الحرب النّفسية (ومنها أتى مفهوم الجنود السماوية المجنحة التي تقاتل مع رب الجنود الإله يهوه، والملائكة التي كانت تقاتل مع جنود المسلمين في غزواتهم) وقد وصلت هذه الخرافة بالطبع إلى راوة القرآن الرهبان السريان في بلاد الشام، وإلى الجزيرة العربية (الجزيرة السورية) حيث نظم شعراء الإسلام أبياتاً من الشعر، كانت تدل على تصديقهم لها، فنجد الشاعر رؤبة بن العجاج (شاعر مُخضرَم من الفترة الأموية العباسية) مثلاً يقول في إحدى قصائده:
و مسّهم ما مس أصحاب الفيل .. ترميهم بحجارةٍ من سجِّيل
و لعبت بهم طير أبابيل .. فصُيِّروا مثل عَصفٍ مأكول
إحدى الصور المُرفَقة تري إحدى اللوحات الجدارية الآشورية، و فيها نقش لطيور الأبابيل وهي تقوم برمي الحجارة فوق رؤوس الأعداء.
المصادر
١- ألواح نينوى (أباب-إيلو) تعود إلى حوالي 2,000 ق.م.
٢- ألواح مدينة كالح (النمرود) / شمال العِرَٱق تعود إلى 728 ق.م.
٣- ديوان الشاعر رُؤبة بن العجاج، تقديم وليم بن الورد البروسي
– قصة (نبي) التوراة القرآني الخرافي (نوح) مسروقة من أسطورة الطوفان السومرية البابلية و نجاة (أوتنابشتيم): تمّ اكتشاف لوح أكَدي عمره 3,700 سنة يخبرنا عن الطوفان المُدَمّر للبشرية و نجاة أوتنابشتيم و من كان معه على السفينة (ملحمة كلكامش Gilgamesh، اللوح 11): تنطوي أسطورة الطوفان البابلية على اللوح الحادي عشر 11 من ملحمة كلكامش، هذه الأيقونة الأدبية و التحفة الفنية هي عبارة عن مجموعة من النصوص السومرية، التي تتحدث عن (كلكلمش أو جلجامش بالجيم المصرية) الملك الأسطوري لمملكة (أوروك) ورحلته في البحث عن سر الخلود. وهي تُعد أطول المؤلفات باللغة الأكدية (العقدية / العربية القديمة)، لغة بلاد بابل وآشور، واللوح الحادي عشر من الملحمة يشكل نواة سفر الطوفان. يُستهل اللوح بوصف اللقاء الذي يجمع بين كلكامش وأوتنابشتيم، الإنسان الذي كان المُخلّص من الطوفان، فيسأله جلجامش عن سر الخلود، و كيف ناله:
“أنظر إليك يا أوتنابشتيم
أنا مثلك وأنت مثلي
قُل لي كيف نُلت الخلود؟
لقد صورتك كبطل، كإله على أهبة القتال”
فيقص أوتنابشتيم عليه روايته، فيبرز الإله (أيا) من خلال كوخٍ من القصب يحذره من خطة الآلهة بإحلال طوفان عظيم:
“إصغِ يا كوخ القصب، و تفكر يا جدار
إهجر ممتلكاتك وانجُ بنفسك
إترك متاعك وأنقذ حياتك
إعمل على حمل بذرة كل ذي حياة”
تصوّر بعد ذلك الآلية التي بدأ بها الإله (أدد / حدد) إله الشمس والعواصف والمطر والخصب هذه الأعاصير و العواصف العاتية، حتى أنّ الآلهة ذعروا من هول الطوفان، وهربوا صاعدين إلى السماء. وقد دام الفيضان ستة 6 أيام، وراح ضحيته جميع أفراد الجنس البشري، عدا (أوتنابشتيم) ومن كان معه على السفينة. تحط السفينة بعد ذلك على جبل (نصير)، من هناك يرسل أوتنابشتيم حمامة للبحث عن يابسة، لكنها لا تلبث أن تعود إليه، يعيد الكرة مع طائر سنونو هذه المرة و لكن السنونو يعود أيضاً دون أن يجد يابسة. وفي المرة الثالثة يطلق طائر غراب الذي يطير في السماء دون أن يعود، فيستدل (اوتنابشتيم) بذلك أنه وجد يابسة وأن المياه قد انحسرت. ثم يكافئه الإله (إنليل) إله الهواء والعواصف البابلي بالخلود هو وزوجته:
“ما كنت يا أوتنابشتيم إلا بشراً فانياً
و لكنك وزوجك منذ الآن ستغدوان مثلنا خالدين”
– قصة يأجوج ومأجوج (بالعبرية: גּוֹג וּמָגוֹג ، گوگ و ماگوگ) وهما إسمين يظهران في الكتب الدينية اليهودية و‌المسيحية و‌الإسلامية، بالإضافة إلى أعمال أدبية لاحقة، كما في سفر التكوين، أو في أمور متعلقة بالأخرويات كما في سفر حزقيال، و‌رؤيا يوحنا و‌في القرآن.
كما تتصف هاتان التسميتان بالغموض فتارةً تأتي على هيئة أسماء لأشخاص أو شعوب، وتارةً أخرى كتسمية لمنطقة جغرافية. وقد ورد ذكر”يأجوج ومأجوج” في القرآن في (سورة الكهف، الآيات 93-99): {* حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْماً لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا * قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَ بَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا * آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا * فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَ مَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا* قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَ كَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا* وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا*}
هذه الآيات تبين لنا كيف كان يأجوج ومأجوج في قديم الزمان أهل فساد وشر وقوة وبأس لا يصدّهم شيء عن ظلم من حولهم لقوتهم وجبروتهم، حتى قدم الملك الصالح ذو القرنين، فاشتكى له أهل تلك البلاد ما يلقون من شرهم، وطلبوا منه أن يبني بينهم وبين “يأجوج ومأجوج” سدّاً يحميهم منهم، فأجابهم إلى طلبهم، وأقام ردماً منيعاً من قطع الحديد بين جبلين عظيمين، وأذاب النُّحاس عليه، حتى أصبح أشدّ تماسكاً، فحصرهم بذلك الرّدم تحت الارض و اندفع شرهم عن البلاد والعباد. ويرد في كتب الأحاديث النبوية أن خروجهم يكون في آخر الزمان قرب قيام الساعة. كما ورد ذكر ” يأجوج و مأجوج ” أيضاً في موضع آخر من القرآن يبين كثرتهم و سرعة خروجهم وذلك في (سورة الأنبياء، الآية 96): {* حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ *} لكن هذه القصة أصلها نقش على مسلّة الملك الأكدي نارام سِن حفيد الملك ساركون أو صارغون/ صارجون Sargon الأول الأكدي، ونارام سِن هو ملك أكَد الذي حكم بين عامي 2,254 و2,218 ق.م. و كان معنى إسمه (المحبوب من الإله سِن) أو (محبوب سين إله القمر) أي (“حبيب الله” بلغتنا الحالية)، ومسلّة الملك نارام سِن التي تُخلِّد إنتصاراته على المتمردين هي عمل نحتي نافر بارتفاع مترين (عمرها أكثر من 4,250 سنة و هي محفوظة اليوم بمتحف اللوفر في باريس)، تصور نارام سين برداء قصير و صدر عاري، مُعتمراً تاج الألوهية ذو القرنين (التي تدل بشكل واضح على إله القمر فهو محبوب سِن أو سين / حبيب الله)، وهو يهاجم مجموعات الـ لولوبي Lulubi، و يحمل بيُسراه قوساً و عصا، و يحمل بيمينه سهم. و قد كانت هذه المسلة منصوبة أساساً في (سيبار) كما يبين النص المحفور عليها، إلا أنه تم العثور عليها في إحدى حملات التنقيب عام 1,889 م في (سوسة) في جنوب العراق، ويرد في النص المعزو للملك العيلامي (شوتروك ناهونته الثاني) والذي حكم من عام 1,185 إلى 1,155 ق.م. حملته على البابليين والتي قام بها عام 1,158 ق.م. و يصف تدميره لسيبار ونقله لمسلة الملك نارم سن ليقدمها للإله (ينشو شيناك) كما أن النص الأصلي الأكادي مشوه ومتضرر وأغلب الظن بفعل العيلاميين عندما انتزعوه ونقلوه بعد تدميرهم لسيبار.

لكن ما هي حقيقة خرافة يأجــــــوج و مأجــــــوج؟

جميع العراقيين يسمعون ب(ينابيع القير) ومداخنها والتي تقع غرب (هيت) وهي مدينة عراقيّة كانت تلقب ب”وردة الرمال” تقع في غرب العراق، و تبعد 180 كم عن بغداد. تحيطُ بها إثنتا عشرة 12 عيناً تسمّى العيون الطبيعية والقيريّة والمعدنية والكبريتيّة. ويقصدها الناس منذ القديم للإستشفاء من الأمراض الجلديّة،  ويستخرجون منها القار منذُ آلاف السنين الذي يستخدمونه في بناء المعابد والقصور والبيوت والسدود والسفن و الأواني المنزلية، وفي تبليط الطرقات. وتشتهر هيت ببساتينها وجنائنها المتكئة على الضفّة اليمنى للفرات و قلعتها ونواعيرها الأثريّة، ويلتقي عندها السدّ القادم من عانة مع السدّ القادم من بحيرة الحبانية، وهما سدّان من العهد السومري الأخير قبل عهد الملك صارغون أو سركون الأول. نجد في النقوش الآشوريّة المذكورة في الرقيم الطيني الموجود في مكتبة أشور بانيبال في نينوى، أن الملك الآشوري (توكولتي نينورتا) الذي حكم من 899 ل 884 ق. م. أنه قد أمضى الليل في هيت الواقعة بجوار سد الحجارة الذي يفصل آلهة ينابيع القارعن المدينة وأنّ الجنود سمعوا أصوات الآلهة تنبعث من حجر (الأشميتا). لكن في الحقيقة و كما بتنا نعلم اليوم لم تكن تلك الأصوات إلا أصوات الغاز المضغوط المنبعثة من المكان، وتتميز العين الكبريتية بحرارتها المُرتفعة جداً، وهي تغلي دائماً بكمية هائلة من القار الذي يتطاير عالياً ثم ينفجر، و ما أن يرمي المرء عود الثقاب المشتعل فيها، حتى يرى شلالاً من النار لا يلبث وأن يخمد لتبقى محتويات هذه العين تغلي و تفور بعنف، و تتميز أرضها بالصخور الكلسيّة والجصّية وحجارة الصوّان التي تحتوي على نسبة من الفولاذ والتي كان يصنع الناس منها المعاول والفؤوس والمناجل والسكاكين.
في رحلة الملك نارام سن حفيد الملك سرغون أو سركون الأول الأكادي لإخضاع الممالك المتمردة والتي جرت في القرن 24 قبل الميلاد وصل نارام غرب الفرات إلى مدينة هيت المعروفة بخيراتها الزراعية و أنعامها وجناتها، فشكى له أهل هيت مشكلة الفوهتين الكبيرتين اللتين ينبع منهما القير، وكانت إحداهما ذات مياه باردة بينما كانت الثانية مياهها ساخنة ومياه كلا النبعتين مالحة ومرة وتنبعث منهما أصوات الغاز المضغوط الخارج من تحت الارض، والذي يشبه صوت أقوام كثيرون يدبون تحت الأرض (جن وشياطين بتخيلات و تصورات الأقدمين)، وكان قدماء سكان هيت قد قاموا بمحاولة بناء سد يفصل المياه التي تفيض من الفتحتين على أراضيهم الخصبة وتفسدها و تجعلها عقيمة بور غير صالحة للزراعة لاحتوائها على نسب عالية من المعادن والقار والكبريت والكلس ولكنهم فشلوا فقام نارام سن بحسن تدبيره ببناء ردم من حجارة الجص الأحمر الذي تشتهر بها مدينة هيت (وردة الرمال)، ثم أفرغ عليه القار (القطران) بانياً بذلك ذلك السدّ ومن ثم أمر بإضرام الناروإفراغ القطران فيه، وهو القار النقي الذي ما يزال أهل هيت يستخدمونه في صناعة الأطباق وأواني شرب الماء من خوص أشجار النخيل التي يطلونها بالقار بعد تسخينه ليغدو أملساً مانعاً لأيّ تسرّب. فلم يكن يأجوج وماجوج إذاً سوى أصوات الغاز المضغوط الذي يشبه أصوات أقوام كثيرة يدبون دبيبهم تحت الأرض!! والزائر لمدينة هيت اليوم يلاحظ أن منطقة الينابع هي بالفعل منطقة بور عقيمة لا تنبت زرعاً كما سيجد الكثير من حجارة الجص المُنتشرة في المكان. وقد تلقّب الملك نارام سِن بالألقاب التالية:
1- ملك جهات العالم الأربع
2- إله أكاد
3- بعل عشتار
4- حبيب الرب أو حبيب الله
و قد كتب إسمه مع العلامة الدالة على الألوهية، حيث أنه في عصر سلالة أور الثالثة مُثل نرام سن كأحد الآلهة، كما كان عليه جده (شارو كينو أي سرجون بالجيم المصرية / صارغون / سركون)، فعلى مسلة نرام سن يظهر هذا الملك بتاج الآلهة (الهلال القمري رمز سن / إله القمر / إيل / الله) ذو القرنين. ومن هنا فإن “ذو القرنين” لقب النبي موسى التوراتي “ذو القرنين” و لقب الإسكندر المقدوني “ذو القرنين” مقتبسين في الحقيقة من شخصية هذا الملك الأكدي نرام سِن و ليس كما التبس هذا الأمر و لا يزال يلتبس و يختلط على الكثيرين من الباحثيين التاريخيين و الناس العاديين!!

2. ثانياً – المصدر الثاني – ما أخذ عن اليهودية (الإسرائيليات):

ليس الموضوع هنا مجرد إبداء آراء، وإنما هي طرح تساؤلات، فإننا نقرأ و نطلع باستمرار وإننا لنتساءل لعل الفقهاء يشاركوننا بإجاباتهم المنطقية السليمة. تقول مراجع دراسة مقارنة الأديان أن محمد اعتمد على مصادر متعددة في كتابة قرآنه منها مصادر يهودية إسرائيلية، والواقع أن التراث الإسلامي يعرف موضوع الإسرائيليات في الأحاديث النبوية إذ يقول الشيخ إبن تيمية في كتابه [جامع الرسائل ص 64] عن الأحاديث المدسوسة: “هي كلام باطل لا تقوم بها حجة، بل إما أحاديث موضوعة، أو إسرائيليات غير مشروعة”. لكن نفس الشيء قيل عن القرآن و ليس الأحاديث النبوية فقط: فقد جاء في (سورة الفرقان: 4-6): و قال الذين كفروا إن هذا إلا إفك قد افتراه، و أعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلماً و زوراً. و قالوا أساطير الأولين اكتتبها، فهي تُمْلَى عليه بكرة و أصيلا! و يعترف الرهبان النصرانيون و المحمديون الأوائل أنهم أخذوا من العهد القديم قصصه بقولهم في (سورة الأعلى 87: 18- 19): إن هذا لفي الصحف الأولى، صحف إبراهيم و موسى، و في (سورة النجم 53: 36-37): أم لم يُنَبَّأْ بما في صحف موسى و إبراهيم، و في (سورة الشعراء 26: 196): و إنه في زُبُر الأولين. و قد وضح المفسرون (الصُّحُف الأولى) بأنها “سائر الكتب المنزلة قبل القرآن”. فماذا أخذ المحمديون الأوائل من كتب العهد القديم (التوراة)؟
في الواقع أخذوا الكثير! تُقسَم المصادر الإسرائيلية التي تسرّبت و بغزارة إلى القرآن إلى جزأين: ١. أسفار العهد القديم (عددها 39 سفراً بما فيها أسفار التوراة الخمسة الأولى)، و ٢. الأساطير الشعبية أو القصص الخيالية اليهودية:
١. دعونا نورد لكم فيما يلي بعض الأمثلة على ما أخذه القرآن من أسفار العهد القديم:

* من سفر التكوين:

ـ قصة الخليقة (1: 25): في البدء خلق الله السموات و الأرض، نجدها في (سورة الأنعام 6: 73): و هو الذي خلق السماواتِ و الأرضَ.
ـ قصة آدم و حواء (1: 26ـ34): خلق الله الإنسان على صورته و باركه، نجدها في (سورة البقرة: 30ـ39): إني جاعلٌ في الأرضِ خليفة.
ـ قصة قايين (قابيل) و قتله لهابيل (4: 1ـ16): و حدث أن قايين قام على هابيل أخيه و قتله، نجدها في (سورة المائدة 5: 30): فطوّعت له نفسه قتل أخيه فقتله.
ـ قصة نوح و الطوفان (إختلاف القرآن في هلاك واحد من أبنائه) (إصحاحات 6 ـ 10)، نجدها في القرآن في سور عديدة منها (سورة نوح) و (سورة يونس) و (سورة هود) و (سورة إبراهيم)
ـ قصة إبراهيم (مع إختلافات في بعض الأمور في حياته) (في سفر التكوين إصحاحات 12ـ 25)، نجدها في القرآن في سور كثيرة منها: (سورة البقرة) و (سورة الأعلى) و (سورة إبراهيم)
ـ قصة لوط (14)، نجدها في القرآن في (سورة هود) و (سورة الصّافات)
ـ قصة يعقوب إسرائيل، و بني إسرائيل (29ـ 38)، نجدها في القرآن في (سورة البقرة) و (سورة الصّف)
ـ قصة يوسف (39ـ50)، نجدها في القرآن في (سورة غافر)

* من سفر الخروج:

ـ قصة موسى و فرعون، نجدها في (سورة البقرة)
ـ قصة عامود السّحاب (الغمام) نجدها في (سورة البقرة 57)
ـ قصة المن و السلوى، نجدها في (سورة البقرة 57)
ـ قصة الصخرة (الحجر)، نجدها في (سورة البقرة 60)
ـ قصة العجل الذهبي، نجدها في (سورة البقرة 54)
ـ قصة تجلّي الله للنبي موسى في شجرة، نجدها في (سورة القصص) و (سورة طه) و (سورة النمل)

* من سفر اللاويين:

ـ شريعة العين بالعين و السن بالسن (14: 14)، نجدها في (سورة المائدة 45)
* من سفر العدد:
ـ قصة البقرة الحمراء (19)، تحولت إلى بقرة صفراء و نجدها في (سورة البقرة 67 ـ71)

* من سفر التثنية:

ـ أخذ موسى كتب التوراة (34)، نجدها في (سورة البقرة 53)
* من سفر صموئيل:
ـ شاؤول و داوود و جليات (سفر صموئيل)، ترد في (سورة البقرة)
* من سفر الملوك و الأيام:
ـ قصة سليمان النبي (سفر الملوك)، ترد في (سورة الأنبياء) و (سورة النمل) و (سورة سبأ)
ـ إيليا و أليشع (سفر الملوك)، ترد في (سورة الأنعام) و (سورة الصّافات)

* من سفر أيوب:

ـ قصة أيوب (سفر أيوب)، ترد في (سورة الأنبياء)

* من سفر يونان (يونس):

ـ (سفر يونان)، ترد في (سورة يونس)

٢. ماذا عن الأساطير الشعبية اليهودية (قصص الفلكلور اليهودي) التي أخذ منها؟

قصص الفلكلور اليهودي هي كتب القصص الخيالية اليهودية المأخوذة عن التلمود اليهودي البابلي، فقد كان اليهود يؤلفون قصصاً خيالية يتسلون بسردها و حكايتها في الليالي الطويلة. و الواضح أن المحمديون الأوائل أخذوا من هذه القصص ظناً منهم أنها كانت من التوراة. و الواقع أنه قد ورد في تسع 9 سور من القرآن آياتٌ توضح أن المعاصرين للمحمد تيقنوا من أن ما كان يقوله هو فعلاً مأخوذ من قصص الأساطير القديمة تلك، و قد عبّروا عن هذا للنبي نفسه، يتضح ذلك مما يلي: (سورة الأنعام 6: 25): يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين. و هكذا جاءت أيضاً في (سورة الأنفال)، و(سورة النحل) و(سورة المؤمنون) و (سورة الفرقان) و (سورة النمل) و (سورة الأحقاف) و (سورة القلم) و (سورة المطففين). إذاً هذه القصص أو الأساطير الشعبية و الخيالات اليهودية وجدت هي الأخرى مكاناً لها في القرآن، و هذا ما حدا برجالات قريش -بحسب الرواية الإسلامية-إلى وصف ما كان يرويه (النبي) من قصص على أنها “أساطير الأولين” وذلك في أكثر من موضع في القرآن.
ترى هل كان “كُفّار قريش” من الوعي لدرجة وضع هذه الحكايات في إطارها الأسطوري في الوقت الذي تعامل معها “النبي” كما لو كانت حقيقة فعلية؟!
كتب الأساطير الشعبية وعلى ما يبدو تعرف ب(كتابات ما بين العهدين)، وهي مرويات موازية للمرويات الكتابية (أسفار العهد القديم) كانت رائجة في مناطق تواجد اليهود الكثيف. ومن أمثلة الإختلافات ما بينهما أن الأسفار التوراتية تسقط من المشهد، فمثلاً: ذكر إبليس في قصة إغواء حواء لآدم بالأكل من الشّجرة المُحَرّمة، بينما تلقي كتابات ما بين العهدين باللائمة على إبليس. و في مثال ثاني، نجد أن الأسفار التوراتية تغيب هاجر كلياً عند وصف رحلة إبراهيم و سارة إلى مصر، في الوقت الذي تُقحِم كتابات ما بين العهدين شخصية هاجر كهدية من فرعون، و ربما هذا هو الخيط الذي تأسّست بموجبه صلة القرابة “المُفتَرضة” بين العرب و اليهود
للنّظر إلى ما خلّفته تلك الأساطير الشعبية من بصمات واضحة على القرآن -في معرض تأكيدنا على الإقتباسات القرآنية من الأساطير الشعبية اليهودية – نورد لكم ما ذكره تحديداً أحد علماء المُسلمين وهو الشيخ عبد الله يوسف علي الذي ترجم القرآن للغة الإنجليزية، فقد قال في (تفسيره للقرآن ص 1,382، و ص 1,638)، بأن القرآن أخذ عن تلك الكتب التي أطلق عليها إسم [كتب الفلكلور السّامي أو فلكلور الشعوب السّامية] حيث يقول: يوجد كتاب باللغة اليونانية قام الأستاذ (G. H. BOX) بترجمته إلى اللغة الإنجليزية و قد نشر في لندن سنة 1,927 م، و يضيف الشيخ عبد الله قائلاً: يبدو أن هذا الكتاب مأخوذ من أصل عبري. و أشار أيضاً إلى مصدر آخر و هو كتاب [المِدْراش أو المِدراس اليهودي] و الشيخ عبد الله كتب تفسيره باللغة الإنجليزية حيث أنه مُسلم هندي الأصل و قد ذكر كتاب [المِدراس اليهودي] باللغة الإنجليزية هكذا: The Jewish Midrash (ص1,638)، و إليكم هنا بعض ما أخذه القرآن من كتب الأساطير الشعبية اليهودية:
– أسطورة تعلُّم قايين (قابيل) من طائر الغُراب كيفية دفن أخيه الواردة في (سورة المائدة: آيات 30-35): منقولة عن كتاب [فرقي ربي أليعزر: فصل 21]
– أسطورة إلقاء إبراهيم في النّار بأمر من النّمرود دون أن يحترق الواردة في (سورة الأنبياء: آية 69): منقولة عن كتاب [مِدراس رباه Midrash Rabby الذي أشار إليه الشيخ عبد الله يوسف عليّ، فصل 14]
– أسطورة إجتماع سليمان بمجلسه المؤلّف من الجّن و العفاريت للتدبُّر في مسألة إحضار عرش الملكة بلقيس قبل وصولها الواردة في (سورة النمل: آيات 38-42): منقولة عن كتاب [التّرجوم الثاني لسفر أستير The Second Targum of Easter و المعروف بإسم (Targum Sheni)]
– أسطورة شرب الملاكين هاروت و ماروت الخمر و مُمارستهما للزّنا و تعليمهما النّاس السّحر الواردة في (سورة البقرة: آية 102): منقولة عن كتاب [مِدراس أو مِدراش يلكوت Midrash Yalkot الفصل 44]
– أسطورة رفع الجبل فوق رؤوس اليهود الواردة في (سورة الأعراف: آية 143): منقولة عن كتاب [عبوداه زاراه: الفصل الثاني 45]
– أسطورة مسخ اليهود إلى قردة و خنازير: نقل القرآن هذه الأسطورة عن تقليد يهودي قديم بشهادة الشيخ عبد الله يوسف علي، في (تفسيره للقرآن ص 34)
– أسطورة السّماوات السّبع الواردة في (سورة الإسراء: آية 45): منقولة عن الكتاب اليهودي الشعبي المُسَمّى [حكيكاه: باب 9، الفصل 2]
– أسطورة أن أبواب جهنم سبعة، نقلها مؤلفوا القرآن عن الكتاب اليهودي الشعبي المُسَمّى [كتاب زوهر، فصل 2]
– أسطورة أن عرش الله على الماء، نقلها الراوي القرآني عن الكتاب اليهودي الشعبي المُسَمّى [تفسير راشي المأخوذ من سفر تكوين 1: 2]
– أسطورة أن الطوفان كان من الماء المغلي، نقله القرآن عن الكتاب اليهودي الشعبي المُسَمّى [روش هشاناه فصل 16: 2]
– أسطورة اللوح المحفوظ الواردة في (سورة البروج: آيات 21-22): منقولة عن الكتاب اليهودي الشعبي المُسَمّى (فرقي أبوت: باب 5، فصل 6]
و هنا قد يسأل سائل: كيف عرف المحمديون الأوائل بكل هذه القصص؟ و الجواب هو أن الكثير من اليهود و النصارى كانوا يعيشون في بلاد فارس و العراق و الشام و فلسطين و مصر و شبه الجزيرة العربية و اليمن! و ربما نجد الإجابة على هذا السؤال عند الشيخ خليل عبد الكريم في كتابه [فترة التكوين في حياة الصادق الأمين ص 95] إذ يقول: “أتاحت السيدة خديجة للنبي المحمد التَّماس مع إبن عمِّها القس ورقة بن نوفل وغيره مثل الرّاهب عدّاس وبحيرى الرّاهب وقضاء الليالي الطوال مع القس ورقة بن نوفل في المُدارسة والمُذاكرة و المُحاورة، وهي التي هيأت له الإختلاط بأصحاب كافة الملل والنّحل والعقائد والأديان الذين اكتظّت بهم مكة”، و يتابع (ص121): “في المساء، في ليل مكة الطويل الشتاء كان يقضيه مع الطاهرة بمفردها أحياناً وبحضور القس أحياناً أخرى حيث كانت تتم في تلك القعدات مُذاكرة التوراة التي نقلها القس ورقة من اللسان العبراني إلى اللسان العربي وما يعقبها من شروح وإيضاحات وحوارات في تلك الجلسات التي كانت تستمر حتى بزوغ الفجر أحياناً”

3. ثالثاً – المصدر الثالث – ما أخذه القرآن عن المسيحية:

كذلك قدّمت المُعتقدات والأفكار والآثار المسيحية خدمات لمؤلّفي القرآن كما فعلت المرويّات اليهودية المكتوبة و الشفهية، وبالمثل، تُقسَم المصادر المسيحية إلى جزأين: ١. الأناجيل الرّسمية الأربعة (متى و مرقص و لوقا و يوحنا)، و ٢. الأناجيل غير القانونية (الأبوكريفا) أو ما تُسمّى بكتب الهرطقة والأساطير الشعبية:

١. لنبدأ بالمصدر الأول، أي الأناجيل الأربعة:

– قصة بشارة الملاك لزكريا (بشارة لوقا 1: 13): فقال له الملاك: لا تخف يا زكريا .. و امرأتك أليصابات ستلِد لك إبناً و تسميه يوحنا .. ليس نبي أعظم من يوحنا، مع ملاحظة تغيير إسم يوحنا إلى يحيى، ترد في (سورة مريم 19: 7) نقرأ: يا زكريا إنا نُبَشِّرُكَ بغُلامٍ إسمه يحيى لم نجعل له قبلُ سَمِيَّا
– العذراء مريم و بشارة الملاك (لوقا 28:1): فدخل إليها الملاك و قال سلامٌ لكي أيتها المُنعم عليها. لا تخافي. ها أنت ستحبلين وتلدين إبناً وتسمينه يسوع. هذا يكون عظيماً وإبن العلي يُدعَى. فقالت مريم للملاك: كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلاً؟. فأجاب الملاك وقال لها: الرّوح القدس يحلّ عليك، و قوة العلي تظللك، فلذلك القدوس المولود منك يُدعَى إبن الله. ترد في (سورة آل عمران 3، آية 45): “إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يُبشِّرُكِ بكلمةٍ منه إسمه المسيح عيسى بن مريم وجيهاً في الدنيا والآخرة و من المُقَرّبين. ويُكَلِّم النّاس في المهد وكهلاً ومن الصّالحين”. قالت “ربي أنى يكون لي ولد و لم يمسسني بشر …”
– تعاليم المسيح (لوقا 25:18): دخول جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غني إلى ملكوت الله، ترد في (سورة الأعراف 7: 40) نقرأ: إن الذين كذبوا بآياتنا و استكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يَلِجَ الجَمَلُ في سَمِّ الخِيَاطِ.
نصيب الأبرار الصالحين في السماء في (لوقا 9:2): ما لم تراه عين و لم تسمع به أذن و لم يخطر على بال إنسان ما أعده الله للذين يحبونه، ترد في (مشكاة المصابيح: ص487): ورد في الأحاديث النبوية عن أبي هريرة أن محمد قال أن الله قال: “أعددت لعبادي الصّالحين ما لا عين رأت و لا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر” (مع ملاحظة أن هذه في كتب السيرة النبوية و ليست آية قرآنية)
مُعجزات يسوع المسيح في الخلق، وتفتيح عيون العميان وشفاء البُرْصَ وإقامة الموتى (متى 4: 33 ـ 24): و كان يسوع يطوف كل الجّليل يُعَلِّم في مجامعهم ويُكَرِّز ببشارة الملكوت ويُشفِي كل مرض وكل ضعف في الشعب. فذاع خبره في جميع سوريا فأحضروا إليه جميع السُّقماء والمُصابين بأمراض وأوجاع مُختلفة و المجانين والمصروعين والمفلوجين فشفاهم وأقام كثيرين من الأموات، ترد في (سورة آل عمران 3: 49): إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله، و أبرئ الأَكْمَهَ (الذي ولد أعمى) والأبرَص و أُحيي الموتى بإذن الله، وأنبئكم بما تأكلون وما تدّخرون في بيوتكم.
وفي رفض اليهود له (متّى 26:4): و تشاوروا لكي يمسكوا يسوع بمُكرٍ ويقتلوه. (سورة آل عمران 3، آية 54): و مكروا ومكر الله و الله خير الماكرين.
– وصف رفع يسوع إلى السّماء (مرقص 16:6): يسوع النّاصري المصلوب قد قام ليس هو ههنا، ترد في (سورة النساء، آية 158): بل رفعه الله إليه و كان الله عزيزاً حكيماً.
٢. أيضاً كان لكتب الهرطقة (الأناجيل غير القانونية) و هي ما تُسمّى بكتب الفلكلور الشعبي المسيحي، تأثير موازي على مؤلّفي القرآن ومن أمثلة ذلك من هي مريم؟
– جاء في (سورة مريم 19، آيات 28-29): يا أخت هارون ما كان أبوك امرؤ سوء وما كانت أمك بغياً. و جاء كذلك في (سورة التّحريم 66، آية 12): ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا، و في (سورة الفُرقان 25، آية 37) نقرأ: و لقد آتينا موسى الكتب وجعلنا معه أخاه هرون وزيراً. الواضح هنا أنّ مؤلفي القرآن وقعوا في إلتباس تاريخي فادِح يكشف بشرية القرآن، فمريم بنت يواقيم أم يسوع المسيح ليست هي مريم أخت هارون، و موسى بنت عمران. فالأخيرة يفترض أنها عاشت في زمن موسى و الذي يرجع إلى حوالي 700 ل 600 سنة قبل الميلاد أي أن بين المريميتين حوالي ستة إلى سبعة قرون!! والخطأ الذي وقع فيه مؤلفوا القرآن أنهم نسبوا مريم أم المسيح إلى عمران الذي هو أبو مريم أخت موسى وهارون، بينما إسم أبو مريم أم المسيح هو (يواقيم أو يواكيم) و ليس (عمرام أو عمران)!
– قصة إحضار ملاك طعاماً لها الواردة في (سورة آل عمران 3: 37): و كفلها زكريا، كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً قال: يا مريم أنى لك هذا؟ قالت: هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب. هذه القصة موجودة في الكتاب الشعبي المُسَمّى [حكاية مولد مريم و طفولية المُخَلِّص الفصل 20]
– قصة كلام المسيح في المهد: جاء في (سورة مريم 19، آيات 30-33): قال إني عبد الله أتاني الكتاب و جعلني نبياً، وجعلني مُباركاً أينما كنت وأوصاني بالصّلاة والزّكاة ما دمت حياً. قصة كلام الصّبي في المهد أيضاً مأخوذة من كتاب [حكاية مولد مريم و طفولية المُخَلِّص: الفصل 20] والمُثير أن تلك القصة تعود جذورها إلى أسطورة هندية عن مولد بوذا قبل ميلاد يسوع المسيح ب557 سنة، وهي موجودة في كتاب إسمه [ندانه كتها جاتكم: فصل1، ص50]
– قصة خلق المسيح للطيور: جاء في (سورة آل عمران، 41-43): إنّي أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله. هذه الأعجوبة مُستقاة من الكتاب الشعبي [طفولة المسيح: فصل 36]
– قصة إنزال مائدة من السماء الواردة في (سورة المائدة 5: 112ـ 115): إذ قال الحواريون: يا عيسى بن مريم هل يستطيع ربك أن يُنزِلَ علينا مائدة من السماء؟ قال: اتقوا الله إن كنتم مؤمنين. قالوا: نريد أن نأكل منها و تطمئن قلوبنا. قال عيسى إبن مريم: اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيداً. قال الله: إني منزلها عليكم! الواقع أن الكتاب المقدس لم يذكر ذلك أبداً، وإنما أخذت هذه القصة من الكتب الشعبية أيضاً
– قصة أهل الكهف الواردة في (سورة الكهف) والتي ذكرناها بالتفصيل في إحدى الحلقات السابقة مؤخراً: سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم و يقولون خمسة سادسهم كلبهم رجماً بالغيب و يقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم. و لا تستفت فيهم منهم أحدا … هذه القصة وردت في كتاب سير القديسين والشهداء المعروف لدى المسيحيين بإسم [السنكسار، تحت يوم 20 من شهر مسرى] وهذا نص القصة: في مثل هذا اليوم من سنة 252 م استشهد الفتيان السبعة القديسين الذين من أفسوس وهم: مكسيموس ومالخوس ومرتينيانوس و ديوناسيوس ويوحنا و سرابيون وقسطنطين. و لما أثار الملك عبادة الأوثان، وُشِيَ بهم لديه. فالتجأوا إلى كهف خوفاً من أن يضعفوا فينكروا السيد المسيح. فعلم الملك بذلك، و أمر بسد باب الكهف عليهم. و كان واحد من الجنود مؤمناً بالسيد المسيح، فنقش سيرتهم على لوح من نحاس، وتركه داخل الكهف. وهكذا أسلم القديسون أرواحهم الطاهرة. وأراد الله أن يكرّمهم كعبيده الأمناء، فأعلن عن مكانهم إلى أسقف تلك المدينة. فذهب الأسقف و فتح باب الكهف فوجد أجسادهم سليمة. وعرف من اللوح النّحاسي أنه مضى عليهم نحو مئتي 200 سنة. كما عُرِفُوا من قِطع النّقود التي وجدوها معهم أنهم كانوا في أيام الإمبراطور داكيوس أو دقيوس. هذه القصة مذكورة قبل ظهور الإسلام بحوالي مئة 100 سنة في كتاب للقس يعقوب السّروجي (450 م ل 521 م) من مدينة أفسُس اليونانية (تقع في تركيا اليوم) …
الآن كيف وصلت هذه القصص إلى بلاد فارس والعراق والشام وفلسطين ومصر وشبه الجزيرة العربية و اليمن، وكيف عرفها المحمديون الأوائل؟! المعروف أن المسيحيين كانوا منتشرين في جميع هذه البلاد. ذكرت السيرة النبوية لإبن هشام: (مجلد 1، ص44-217) إعتناق الكثيرين للنصرانية والمسيحية في شبه الجزيرة العربية و اليمن (وقد خلط الرّواة الفُرس النصرانيين بالمسيحيين و جمعوهما تحت مسمى واحد هو النّصارى)، كاعتناق (تبّان) ملك اليمن للنّصرانية و دعوته قومه لاعتناقها في نجران في شمال اليمن وجنوب الحجاز، وأيضاً ذكرت أن (فيميون) و (صالح) قاما بنشر النّصرانية في نجران، وأيضاً ذكرت (إبن الثامر) و دعوته إلى النّصرانية في نجران، و تنصُّر ورقة إبن نوفل في مكة، و تنصُّر إبن الحويرث وكثيرون آخرون. و ذكرت قبائل اليهود العرب في شبه الجزيرة العربية (مجلد 1، ص462 ـ 464) وهم: بنو النّضير و بنوثعلبة و بنو قينقاع وبنو قريظة وبنو زريق وبنو حارثة و بنو عمر وبنو النّجار، و قد حمل هؤلاء وأولائك تلك القصص الشعبية معهم عندما هربوا من فلسطين باتجاه بلاد الشام والعراق وفارس شرقاً وإلى الحجاز واليمن جنوباً و إلى مصر و شمال أفريقيا و إسبانيا غرباً (يهود السفرديم) بعيداً من بطش الرّومان أبان قمعهم للثورات اليهودية المُتكررة (ثلاث ثورات كُبرى) على الحُكم الرّوماني لفلسطين في القرنين الأول و الثاني للميلاد.
يتضح لنا مما سبق أنّ كانت للكتب اليهودية و المسيحية إسهامات جمّة في تشكيل الذاكرة التاريخية للقرآن بما وفّرته من ذخيرة قصصية استفاد منها الرّهبان النّصرانيون مؤلّفوا القرآن و المحمديين الأوائل في مشروعهم الدّعوي الجديد. الغريب أن النبي (بحسب الرواية الإسلامية) في مرحلة مُتأخرة من حياته هاجم الكتب المقدسة لتلك الديانتين مُتهماً الأحبار “بتحريف الآيات” عن مواضعها. إذا كان (النبي) مُحقاً في اتهاماته تلك، فهذا يستدعي التّساؤل عن مصداقية الآيات القرآنية الكثيرة التي نُسِخَت من أسفار العهد القديم والجديد، فإذا كانت تلك الكتب “محَرّفة” فالمنطق يقول أن التّحريف قد تسرّب بدوره إلى الآيات القرآنية! هذه الإتهامات التي نقلها لنا الرواة الفُرس في العهد العباسي نجد جذورها في رسالة الإمبراطور ليو الثالث إلى الخليفة عمر بن عبد العزيز يشكوه فيها تلاعُب أبو تراب والحجّاج بسور وآيات القرآن وتحريفها. لكن ما الذي دفع المحمديون الأوائل للإنقلاب على الديانتين الشقيقتين (اليهودية و المسيحية)؟!
المهتمون بدراسة الأديان يمكنهم ملاحظة ظاهرة بارزة تتمثل في أن الدين الصاعد والخارج لتوه من رحم الدين القديم عادة ما يلجأ إلى الإطاحة بما قبله، وهي ظاهرة يمكن الوقوف عليها حتى من دراسة الأساطير القديمة وتفكيك رموزها. أما التّفسير الآخر لسلوك القرآن المُتَبَدِّل من إحتضان محتويات الكتب المقدسة إلى رميها بالتّحريف والتّضليل فربما يفسر في إطار صراع (النبي المحمد) بعد انتقاله إلى المدينة مع الجاليات اليهودية، وهو ما استدعى حتى ضرب اليهود في أصل ديانتهم وهذا ما نرجّحه إذ أنه تملقهم كثيراً في البدء متأملاً منهم قبول دعوته والإعتراف بنبوّته، لكنه انقلب و حقد عليهم بعدما رفضوا دعوته ورفضوا الإيمان به وبنبوته.

4. رابعاً – المصدر الرابع – ما أُخذ عن الحنيفية:

من هم الحنفاء؟ يقول المؤرخون المسلمون أن الحنيفية هم اليهود من ملة إبراهيم عليه السلام (و اتبعوا ملة إبراهيم حنيفاً) و لكننا نريد أن نوضح ما أَخذه القرآن من مبادئها لكن بدايةً لا بد أن نذكر هنا أن القس ورقة بن نوفل قبل أن يصبح قساً نصرانياً على مكة كان (حنيفياً) و كان معه مجموعة من الرجال من بينهم رجلٌ كان يدعى (زيد بن عمرو بن نفيل) و كان هذا الرجل قد اعتزل فوق جبل حرّاء على الطريقة الزرادشتية أو كما ورد عن النبي زرادشت، وكان (النبي المحمد) يقضي شهراً معه كل عام متحنفاً مما أثّر في أفكارهِ وتوجهاته على مدى 20 سنة (و طبعاً الحنيفية المعنية هنا لا تعني المذهب الحنفي الذي أتى بعد ظهور الإسلام كمذهب مثل مذاهب الجعفري والحنبلي و المالكي و الشافعي). وتتلخص مبادئ و تعاليم الحنيفية في قصيدة زيد بن عمرو بن نفيل [سيرة إبن هشام ج 1 ص 219] هذه التي يقوله فيها:
أربَّاً واحداً أم ألفُ ربٍ .. أدينٌ إذا تُقُسِّمَتِ الأمورُ
عزلتُ اللات والعزى جميعاً .. كذلك يفعلُ الجَلِدُ الصبورُ
فلا العزى أُدينُ و لا ابنتيها .. و لا صنميْ بني عمرٍ أزورُ
و لا هُبَلا أدينُ و كان رباً .. لنا في الدّهرِ إذ حِلمي يسيرُ
و لكنْ أعبدُ الرحمنَ ربي .. ليغفر ذنبيَ الربُّ الغفورُ
فتقوى اللهِ ربِّكمُ احفظوها .. متى ما تحفظوها لا تبوروا
ترى الأبرارَ دارُهم جِنان .. و للكفار حاميةً سعيرُ
و خزْيٌ في الحياة و إن يموتوا .. يلاقوا ما تضيقُ بهِ الصدورُ
من هذه القصيدة نرى عقيدة الحنيفية و هي نفس ما قاله (النبي المحمد) في القرآن: رفض عبادة الأوثان ـ الوعيد بالعذاب في سعير جهنم ـ الإقرار بوحدانية الله ـ أسماء الله: الرحمن، الرب، الغفور ـ الوعد بالجنة ـ المناداة بدين إبراهيم اليهودي الحنيفي

5. خامساً – المصدر الخامس – ما أُخذ عن المندائيين والمانويين والزرادشتيين:

من هم المندائيون (أو الصابئة المندائيين)؟ لقد ذكرهم القرآن في أكثر من سورة: (البقرة و الحج)، و في (سورة المائدة 5: 69): {* إن الذين آمنوا و الذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر و عمل صالحاً فلا خوف عليهم *} يقول أبو الفداء في كتابه [التواريخ القديمة من المُختَصر في أخبار البشر]: “إن ملة الصابئين، أخذوا دينهم عن شيث وإدريس، ولهم كتاب يعزونه إلى شيث يذكر فيه محاسن الأخلاق، مثل الصدق والشجاعة والتعصب للغريب، وما أشبه ذلك ويذكر الرذائل ويأمر باجتنابها” .. وللمندائيين و المانويين عبادات ذكرها أيضاً محمود شكري الألوسي البغدادي في كتابه [بلوغ الإرب في أحوال العرب] و منها:
1ـ خمسٌ صلوات توافق صلوات المسلمين من حيث الوقت وقيل سبع
2ـ و لهم الصلاة على الميت بلا ركوع ولا سجود
3ـ و يصومون ثلاثين يوماً، وإن نقص الشهر الهلالي صاموا تسعة وعشرين يوماً (تظل على أن أصلها عبادات قمرية)
4ـ و كانوا يراعون في صومهم الفطر والهلال ويصومون من ربع الليل الأخير إلى غروب قرص الشمس
5ـ و لهم أعياد عند نزول الكواكب الخمسة المُتحيّرة بيوت أشرافها والكواكب الخمسة المُتحيّرة هي كوكب زُحَل والمُشتري والمرّيخ والزّهرة وعُطارد
6ـ و يعظّمون الكعبة
يتضح لنا من هذا أن الإسلام قد أخذ عن المندائيين و المانويين و الزرادشتيين: 1- الصيام 2ـ الصلوات الخمس 3ـ الهلال 4ـ تعظيم الكعبة – يتبع في الجزء الثاني
للمزيد من الإطلاع للمهتمين:
1. Talmud, Midrash, Encyclopedia Judaica, Islam review, Light of love [Myth in the Qur’an]
المصدر تاريخ الاسطورة والاديان

 

 

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *