تأسيس حركة الشبيبة الارثوذكسية

نفحة الروح : جذور النهضة الروحية في الكنيسة الأنطاكية

نفحة الروح : جذور النهضة الروحية في الكنيسة الأنطاكية

في الذكرى 54 لمكتب التعليم الديني بحمص

و 83 لحركة الشبيبة الأرثوذكسية في الكرسي الأنطاكي

تأسس في 29 كانون الأول 1940 نادي الشباب الثقافي-الرياضي في اللاذقية على يد تلميذ كلية الحقوق مارسيل مرقص (الأب الياس لاحقاً) وجبرائيل سعادة، بهدف خلق إصلاح روحي وأخلاقي بين ناشئة اللاذقية. وبتاريخ (15 تموز 1941) بعث مرقص من اللاذقية الى سعادة في صلنفة برسالة جاء فيها: “… حركة التقويم الأرثوذكسي التي يجب أن نؤسسها، حركة أخلاقية، حركة فكرية من هذه الأفكار التي تقود العالم. سوف أحدثك مطوّلاً عن هذا الموضوع في فرصة أخرى”. وبعد ثلاثة أيام من ذلك التاريخ (18 تموز 1941) في رسالته إلى ألبير لحام في ضهور الشوير كتب من الحدث جورج خضر (وهما من تلاميذ صف الفلسفة بمعهد الفرير في بيروت، اللذين لم يكونا على معرفة آنذاك بمرسيل مرقص ولا جبرائيل سعادة)، نقرأ فيها: “… ولكن كيف نستطيع أن نعيد الى الأرثوذكسية نفحة الروح ان لم يكن بتأسيس حركة أرثوذكسية. ان هذا يتطلب عملاً جماعياً وليس عملاً منفرداً. يجب أن نبعث الشعور الروحي بين أبناء ديننا ولهذه الغاية لا ينفع سوى تيار حيوي فعّال. تنتظرنا أعمال كبيرة والمستقبل لنا لأن يسوع معنا”.
البطريرك الحركي الياس الرابع ومعه مطران حمص الكسي عبد الكريم
البطريرك الحركي الياس الرابع ومعه مطران حمص الكسي عبد الكريم
وهكذا في شهر تموز ذاته من ذاك الصيف، مع فاصل ثلاثة أيام، ومن مكانين مختلفين في الكرسي الأنطاكي على بعد مئتين وخمسين كيلومتراً أحدهما عن الآخر، تكلّم شابان مثقفان على تأسيس “حركة” أرثوذكسية نهضوية في الكنيسة. وما ان انتهى الصيف وأقبل الخريف (تشرين الثاني 1941) حتى ضمت الحياة الجامعية في أروقة معهد الحقوق بالعاصمة اللبنانية سعادة مع خضر ولحام، وتمّ التعارف. وخلال اجتماع، عقد في 6 شباط 1942 وضم ما يقارب العشرة طلاّب، تقرر تأليف لجنة تتولى تـهيئة قانون الحركة وقد اختير لهذه المهمة كل من خضر وسعادة وجبرائيل دبس. ولقد اجتمع الثلاثة مراراً عديدة خلال الشهر في الغرفة التي كان يقطنها جورج خضر في حي الجميزة لوضع قانون. وأثناء أحد تلك الاجتماعات اختار جورج خضر لهذه المنظمة اسم “حركة الشبيبة الأرثوذكسية”. وكان القانون الذي يعملون على صوغه ينص على أن أعضاء الحركة في المدينة يؤلفون “مركزاً”، يديره رئيس مركز، ويقسم المركز الى فرق وفروع، كما وتدير الحركة بمجموعها أمانةٌ عامة مؤلفة من خمسة أعضاء، بينهم أمين عام.
وتقرر تعيين الساعة الثالثة من بعد ظهر يوم (16 آذار 1942) موعداً للاجتماع القادم في منـزل جبرائيل دبس لإقراره، وهو الاجتماع التاريخي الذي يعتبر التاريخ الرسمي لتأسيس حركة الشبيبة الأرثوذكسية. (كان حاضراً الاجتماع المذكور الطلاب الستة عشر الآتية أسماؤهم: جورج خضر، متري قصعة، جبرائيل دبس، ألبير و إدوار لحام، ميشال خوري، جبرائيل سعادة، لطف الله ملكي، نقولا وأندره عبدوش، إيلي برباري، جود خوري، إيلي صليبي، عوني تامر، فردينان داغر، و جوان عوض).
وكان على الأمين العام بعد انتخابه أن يعيّن مساعديه. وهكذا بعد أن انتخب جورج خضر لقيادة الحركة في هذا الاجتماع التأسيسي، عمد إلى تأليف الأمانة العامة معه، والتي ضمت: ألبير لحام، مسؤولاً عن مركز بيروت، وإيلي صليبي، مسؤولاً عن المالية، وجبرائيل سعادة، مسؤولاً عن المراكز، وميشال خوري، مسؤولاً عن الدعاية. وقد بدأت هذه الأمانة الأولى لحركة الشبيبة الأرثوذكسية، في أول اجتماعاتـها، بدراسة موضوع الاعتراف بـها من قبل السلطة الروحية. ولما كانت الحركة محصورة آنذاك في مدينة بيروت، فقد تقرر تقديم القوانين لسيادة مطران الأبرشية للتصديق عليها، على أن تقدم فيما بعد إلى غيره من الأساقفة عند امتدادها إلى أبرشيات أخرى. وهكذا، خلال شهر آذار 1942، توجه جورج خضر وأعضاء الأمانة العامة لزيارة المطران إيليا صليبي، حيث قد أبدى سيادته ارتياحاً كبيراً لتأسيس الحركة وأهدافها، بل وعدهم أيضاً بمعاضدة قوية وتشجيع دائم. وفي ذلك الاجتماع أثير أيضاً موضوع المرشد العام الإكليريكي، فانتدب سيادته الشماس روفائيل شامية.
مطران حمص الكسي عبد الكريم
مطران حمص الكسي عبد الكريم
وهكذا على أثر بعض الأحاديث مع مرسيل مرقص في اللاذقية، وقف خلالها على كل ما جرى في بيروت، تقرر تأليف مركز للحركة. وقد عقد لهذه الغاية، في 11 نيسان 1942، الاجتماع الذي ضم مرقص وسعادة، وجبرائيل عطالله، وجوزيف عفيف وجورج صالح. وجرى انتخاب مرسيل مرقص لرئاسة مركز اللاذقية، حيث بعد الحصول على موافقة سيادة المطران تريفن غريب الذي وعد بكل تشجيع ومعونة، عكف مرسيل مرقص (المحامي والقائمقام ثم الأب الياس منذ ترهبه في دير الحرف عام 1958) على تنظيم المركز، ولمّا كان عدد الأعضاء في تزايد مستمر، انقسموا الى تسع فرق، منها أربع فرق للشابات، بفضل نشاط المحامي اسبيرو جبور (الشماس لاحقاً).
وكان من الطرق التي أمنت الاتصال بين أعضاء الحركة الذين تفرقوا لمناسبة الصيف، نشرة تطبع على الآلة الكاتبة وتوزع على مختلف المراكز والفروع. وقد كتب أول أعداد تلك النشرة في طرابلس، والثاني في اللاذقية، والثالث في ضهور الشوير، والرابع في طرابلس، والخامس في صلنفة. وكانت تلك “النشرة” تُوَزَّع على نطاق ضيّق ومحدود بادئ الأمر، لكنها سرعان ما تطورت إلى مجلة الحركة الحالية، ابتداء من العدد السادس في 27 تشرين الأول 1942، الذي صدر مطبوعاً على الآلة الناسخة Roneo باسم “النور”، عملاً باقتراح قدّمه سعادة.
وبما أن الأعضاء بمعظمهم كانوا منتسبين الى معاهد فرنسية، فقد حرر ذلك العدد بكامله باللغة الفرنسية، وقد تألف من سبع صفحات وطبع منه مئتي نسخة. وتصدّر الصفحة الأولى من هذا العدد مقطع من رسالة وجهها غبطة البطريرك ألكسندروس الثالث طحان الى جورج خضر، يتضمن ما يلي: “نحن نعتبر ان هذه الحركة ليست فقط حسنة ومفيدة، بل وضرورة حيوية، ونشعر أن من واجبنا تبنّي هذه الفكرة من كل قلبنا وقيادة الحركة… ان الشبيبة الارثوذكسية أهل لبعث الايمان وتحقيق مجد الكنيسة”. وفي يوم الأحد (15 تشرين الثاني 1942) عقد اجتماع عام في مدرسة الثلاثة الأقمار، التي كانت بإدارة الشماس أغناطيوس هزيم (البطريرك لاحقاً)، ضم 89 من أعضاء مركز بيروت، لإجراء انتخابات أمانة السر العامة الجديدة، فاز بها مجدداً جورج خضر.
بعد ظهر يوم السبت (21 تشرين الثاني 1942)، بلغ الى دار البطريركية بدمشق وفد حركي يرأسه الأمين العام، لمقابلة غبطة البطريرك ألكسندروس، وهو من أخصّ تلامذة مطران حمص المتروبوليت أثناسيوس، فاستقبلهم في مكتبه، وصرح لهم أنه طالع باهتمام زائد جميع أعداد المجلة. وقد جدّد وعده بمساعدة الحركة وحمايتها كما أكد إيمانه بقضيتها. أما بخصوص موضوع اعتراف الكرسي الانطاكي رسمياً بالحركة، فصرّح غبطته: “ان الحركة لم تؤسس بعد إلا في بيروت واللاذقية، ولذلك يكفي الآن ان يعترف بـها مطران كل من هاتين الأبرشيتين. وعندما تمتد الى مدن أخرى من سورية ولبنان، كونوا واثقين من أن المجمع المقدّس سوف يعترف بـها رسمياً. هيا اعملوا ولا تدعوا شيئاً يقف في سبيل عملكم. لا شك أنكم ستُضطهدون. ان الانحطاط قد جعل منّا جميعاً كسالى ومبالغين في محافظتنا، فلا تـهتمّوا بوضعنا، اعملوا واجبكم وستحققون حتماً النهضة التي ترجون”. وفي اليوم التالي (الأحد)، بعد القداس الالهي في الكاتدرائية المريمية، بارك غبطة البطريرك إنشاء مركز حركي في مدينة دمشق وأن يتولّى تأسيسه الأرشمندريت الياس معوّض (لاحقاً مطران حلب فالبطريرك).
البعض من مكتب التعليم الديني بحمص مع البطريرك الياس ومطران حمص الكسي
البعض من مكتب التعليم الديني بحمص مع البطريرك الياس ومطران حمص الكسي
ومن تلك الدوحة الروحية التي نمت وأثمرت، أفرع إميل ابن الخوري إيليا عبد الكريم (مطران حمص لاحقاً)، الذي نشط منذ طفولته في الحركة بمركز بيروت وكان من أوائل أعضائها، إن لم يكن الأول على الإطلاق، يُقدم على دخول الرهبنة عام 1953، إبّان زيارة له إلى حمص للتبرك من زنار السيدة العذراء المكتشف فيها حديثاً، في عهد مطرانها المتروبوليت ألكسندروس جحا التلميذ الخاصّ للبطريرك طحان الذي كان من الداعمين للحركة فرفد نورهها بعدة مقالات تاريخية وروحية، وقد قال يوماً عند إنشاء مدارس الأحد في أربعينات القرن العشرين: “أشك أن تكون الحركة مؤسسة من أشخاص. بل الروح القدس هو المؤسس”.
من هنا نجد أن أول وأهم عمل روحي قام به المتروبوليت أليكسي، كمطران لحمص منذ تشرين الثاني 1969، كان تأسيسه لمكتب التعليم الديني في 16 آذار 1971، معتمداً على الكفاءات المحلية، ومن أبرزهم الأستاذ رئيف فركوح، وفي الإرشاد على الشماس الياس عبدوكا، ثم على الشماس اسبيرو جبور، الذي انتقل عام 1980 للإقامة في حمص. وما انتهى عقد الثمانينات حتى تمّ افتتاح فروع له في كافة أنحاء الأبرشية بالمدينة والريف على السواء بفضل الجهود المبذولة من الرعيل الأول، ومنهم رئيس المركز لسنوات مخصبة عديدة الأخ بيير الجمل (الأب بطرس لاحقاً). @highlight
الشماس بولس
صفحةMetropolite Athanasios  (Alexei of Homs)