أسطورة النسر السوري
أسطورة النسر السوري
أسطورة النسر السوري
مقدمة
يحتل النسر السوري موقعاً مميزاً في ذاكرة الوطن، ويعد أسطورة سورية بامتياز، انتشرت في أنحاء المعمورة، وتناقلتها الحضارات المتعاقبة، لتصبح جزءاً من التراث الهام لمعظم شعوب العالم، كما يقع النسر السوري على قمة هرم التسلسل البيئي، مما يظهر أهميته البيئية في التوازن الحيوي، واستقرار المنظومة المعقدة من السلاسل والشبكات الغذائية التي يربطها ، وكان النسر السوري الذي حلق في سماء سورية، ولا يزال واحداً من مصادر الإلهام البشري، الذي تطور مع الوقت ليعد جزءاً من التراث الإنساني للعالم أجمع، ويدخل في كافة معتقداته وأفكاره الفنية والأدبية.
عندما فكر رائد الفن التشكيلي في سورية الاستاذ ناظم الجعفري بتصميم شعار يرمز إلى سورية، وقع اختياره على طائر النسر، كانت تلك فكرته ولم يقترحها عليه أحد، لماذا؟ لأن النسر: “طير قوي، وهو من الجوارح، إنه رمز الشموخ والكبرياء” كما قال.
واضح أنه لم يكن يعلم أن النسر كان شعاراً سورياً قبل أكثر من عشرة آلاف عام سبقت الميلاد، لا لشيء إلا لأن الفترة التي رُسم فيها شعاره كان بداية لعصر الاكتشافات الأثرية في سورية قبل نصف قرن تقريباً.
الخبير في عصور ما قبل التاريخ، المدير العام للآثار والمتاحف السورية الدكتور بسام جاموس، قال في لقاءأجراه معه الصحفي السيد جورج كدر في 2010 إن: “الوضع الطبيعي في سورية ساهم على بداية الاستقرار القروي منذ حلول العصر الدافئ (الهولوسن) في الألف الثاني عشر قبل الميلاد، وخلال الألف التاسع قبل الميلاد حدثت تحولات في منطقة بلاد الشام عرف خلالها الإنسان بدايات التدجين والزراعة التي أدت إلى ظهور بدايات التنظيمات الاقتصادية والاجتماعية، ثم تتوّجت تلك التحولات بظهور الثورة الزراعية الأولى التي انطلقت من موقع المريبط على الفرات خلال الألف الثامن قبل الميلاد، ليبدأ الإنسان تنظيم قراه، وهذا ما يظهر جليًا في المنشآت المعمارية المنظمة التي أظهرت آلية انتقال الانسان من مرحلة الصيد إلى مرحلة الهندسة والعمارة”.
الثورة الزراعية التي أطلقها السوريون لم تكن الوحيدة لأنها ترافقت بثورة لا تقل عنها أهمية، إنها ثورة الرموز فقد أظهرت “اللوحات” الحجرية التي تم العثور عليها في مناطق الاستقرار الأولى في الفرات السوري: المريبط، الجرف الأحمر، الشيخ حسن، جعدة المغارة، حالولا، بقرص، أبو هريرة.. إلخ، وبعض القرى في الساحل السوري: أوغاريت، وقرى غوطة دمشق: تل الرماد، تل غريفة، تل أسود، وأخيرًا في جبل البلعاس، صوراً لطيور في مقدمتها النسور والبوم والعصافير الصغيرة، إضافة إلى نقوش حيوانية وهندسية.
يرى الدكتور جاموس الخبير في عصور ما قبل التاريخ أنّ تجسيد طائر النسر بشكل خاص في معظم اللوحات الحجرية التي تم العثور عليها على الأرض السورية يؤكد على “القوة والهيبة”، وانطلاقًا من ذلك فقد تم تمثيل هذا الطائر على الصعيد الاجتماعي والطقسي الشعائري، إضافة إلى كونه يمثل رمزاً للمجتمعات القروية لما تخيلوه من ضخامة في الحجم وكبر الجناحين وضخامة الصدر وقوة القدمين، لذلك اتخذ نقاشاً أساسياً لفناني المجتمعات في هذه القرى، وأكبر دليل على ذلك استمرار تمثيل هذا النسر في شعارات الدول وفي مقدمتها سورية، حتى يومنا هذا.
اللافت، والكلام لجاموس، أنّ: “بعض النقوش جسدت مع طائر النسر حيوانات أليفة لكنها كانت تمثل تحت جناحيه، لكن الاكتشاف الأخير في جبل البلعاس فتح أفاقًا مختلفة لأن تجسيد طائر النسر كان أمام إحدى المغاور، وهو ما يشير إلى أن الإنسان القديم نظر إلى النسر على أنه أقوى مخلوق في تلك العصور، لكن بفترات عصور البرونز والقرون الأولى قبل الميلاد، تم تجسيد حيوانات ضخمة كالأسود والفيلة أمام القصور والمعابد”.
النسر والإنسان
خلال بحثي عن الدول التي اتخذت من النسر شعارًا لها لفتني( والكلام للصحفي جورج كدر) لقاء صحفي أجرته جريدة “إيلاف” الإلكترونية في 2006 مع البروفسور العراقي ريان عبد الله الذي صمّم لألمانيا شعاراً جديداً كان النسر بطله، وقد طبق هذا الشعار في أنحاء البلاد نهاية 1997 أثناء حكومة المستشار الأسبق هلموت كول.
يقول ريان بعد دراسات وأبحاث أجراها على طائر النسر، منها ما قرأه ومنها ما توصل إليه عن طريق المراقبة اليومية: “معروف أن النسر والأسد هما أكثر رمزين متداولين في شعارات الدول، لأن كل الدول تحب أن تصف نفسها بالقوة والهيبة وتختار ما بين ملك الغابة أو ملك الطيور”، ويضيف كل الدول الأوربية في فترة معينة كان شعارها النسر مثل ألمانيا وبولندا والنمسا وألبانيا ماعدا فرنسا اختارت الديك شعارا لها، ورغم ذلك هم سعداء بهذا الشعار.
كما أن بين النسر والإنسان نقاط التقاء هامة فمخالب النسر، /كما يرى البروفيسور ريان/، مهمة جداً لأنها تمثل له ما يمثله “الإبهام” عند الإنسان كأداة حساسة جداً لمسك كل شيء، وكذلك النسر بدون مخلبيه لا يستطيع التوازن أو الوقوف على أي شجرة، وهذه هي نقطة التشابه بينه وبين الإنسان، إضافة إلى “التركيز” على الحركة.
من وجهة نظر مصمّم الشعار فإن نظرة النسر لها خاصة، لأن نظرة النسر إلى اليمن أو اليسار تمثل توجه الدولة، فنظر النسر إلى اليمن يعني أن الدولة “يمينية”، والنظرة إلى اليسار تعني “دولة يسارية”، وعادة، كما يقول البروفيسور ريان “لا تنظر النسور أمامها، ودائمًا تتوزع نظراتها يمينًا ويسارًا، على ضوء ذلك اختارت الكثير من الدول النسر ذا الرأسين مثل النمسا وألبانيا، ففي شعاراتها نسور ذات رأسين تنظر يميناً ويساراً حتى لا تحصل لها أية مشاكل مع شعاراتها وتوجهاتها”.
بعد استعراض آراء الخبراء في الرموز سأسرد في المقال القادم تفاصيل رحلتي إلى جبال البلعاس ( الصحفي جورج كدر)، الموطن الذي اكتشف فيه أول استخدام لشعار النسر رموز القوة، واستخلص أسطورة النسر السوري العظيم كما لمستها في رهبة المكان.
يتابع الخبير العراقي في تصميم الشعارات قائلًا: “النسر سيد السماء، وحين يكون في الجو كل الطيور تفسح له المجال، وله شخصيته وهيمنته”، وللنسر أيضًا “ميزات كثيرة أهمها أنه لا يهجم على الحيوانات إلا أذا كان جائعاً، ولا يأكل الميتة أو الفريسة، بل اللحم الطازج، إضافة إلى ذلك عنده قوة نظر عالية ويختار فريسته على أبعاد عالية جداً وعنده دقة في الصيد مائة بالمئة”.
يشير الدكتور جاموس إلى أن المختصين في علوم اللغويات يؤكدون أن هذه النقوش كانت تشكل إشارات رمزية تصويرية قد تسبق الهيروغليفية المصرية بخمسة آلاف عام خلت، وأنها كانت لغة التعارف الأولى، حيث اكتشف فيها أيضاً نقوشاً تقرأ في العين كإشارات المرور حالياً.
رمز المجتمعات القروية الأولى
يقول الدكتور جاموس: “شهد موقع الجرف الأحمر (في الفرات) اكتشاف أول وثيقة تؤكد أن شعار النسر السوري فارد الجناحين انطلق من هذه الأرض، ثم أكدت المعطيات الأخرى التي عثر عليها الباحثون في موقعي جبل البلعاس في حماة، وموقع العبر على الفرات، أن طائر النسر كان يعيش في هذه المنطقة، وهو شعار الحضارة السورية منذ عشرة آلاف عام خلت، واستمر نقش هذا الشعار في فترات عصور البرونز في الألف الثالث قبل الميلاد حتى 1200 قبل الميلاد، ثم بفترات عصور الحديد (القرن التاسع قبل الميلاد) حتى فترة العصور الكلاسيكية (القرن الخامس قبل الميلاد).
عبر هذه السطور سنصيغ من الرموز المكتشفة في مهد الحضارة الإنسانية سورية أسطورة طائر النسر السوري، ذلك الطائر الذي وضع للفكر الإنساني أجنحة، وجعله يحلق في السماء ثم يعبر على جناحيه المنشورين الحدود العليا الزرقاء التي تفصل عالم البشر عن عالم الآلهة”.
نسر البلعاس
قرب مغارة تقبع في أحضان جبال البلعاس، التي تقع إلى الشرق من مدينة سلمية بمسافة 55 كم، اكتشفت البعثة الأثرية السورية الفرنسية رأس نسر نحته إنسان الكهوف الصياد على صخرة أمام مدخل مغارته. طول هذه المنحوتة يبلغ 25 سم وعرضها 15 سم، وقد حيّر شكله العلماء قبل عشرة آلاف عام.
اللافت في مكتشفات جبل البلعاس أن المغارة المكتشفة، التي يعود الاستيطان البشري فيها إلى 12 ألف سنة ق. م، تبعد كيلومترات قليلة عن أقدم قرية بشرية اكتشفتها البعثة السورية الفرنسية، ليتبين بشكل قاطع أن الإنسان استوطن الجبال كما استوطن ضفاف الأنهار.
يتابع الصحفي جورج كدر:” في رحلتي مع الأستاذ ثائر يرتة، رئيس البعثة الأثرية السورية للتنقيب في جبل البلعاس، كان المشهد من أمام المغارة التي كانت مسكونة من العصر النطوفيّ مهيباً وساحراً، فهذه هي المغارة التي اكتشف رأس النسر أمامها منحوتاً في الصخر وكأنه حرز وحامٍ لسكانها.
تقع في منطقة خصبة وغنية بأشجار البطم وخيرات الطبيعة، وكان الموقع الذي استخدمه ساكنها قبل عشرة آلاف عاماً موقعاً استراتيجياً، يمكّن صاحبه من مسح المنطقة بصرياً لاصطياد فرائسه، تماماً كما يفعل النسر حين يحلق في السماء.
أمام المغارة كانت هناك مصطبة مهّدها ذلك الإنسان لممارسة أعمال الحياة اليومية، وبجانبها حفر قناة في الصخر لتصريف المياه. هندسة بدئية وليست بدائية أبدًا، لأنها لا تزال تشكل أسس الهندسة المعمارية لإنسان القرن الواحد والعشرين.
كان النسر المنحوت في الصخر، يقبع أمام باب المغارة كالحارس لساكنيها فهو يشبه الإله الحامي والصنم في المعبد، وبه يستعين الإنسان ويطمئن إلى أن قوةً عظيمة كقوة النسر تحميه وتحمي أهله وتبعد عنه الشرور التي تحيط به، ما يحيلنا إلى التأكيد أن الوعي الديني للإنسان ساهم في تطوره الأخلاقي وليس كما يحدث اليوم في عالم البشر حيث ينحو البعد الديني منحى تبرير كل القذارات وسفك الدماء باسم الإله.
نعلم أن الإنسان عبر تاريخه كان ينسب نفسه في مرحلة من المراحل إلى جد أكبر، وغالباً ما يكون حيواناً قوياً وهو ما سمي بالعصر “الطوطمي”، نجد ذلك حاضراً حتى في أنساب جزيرة العرب فهناك قبائل كثيرة انتسب إلى حيوان بعينيه مثل: بني كلب وبني جحش، وبني أسد… إلخ.
ذلك الطوطم كان معين الإنسان القديم في صراعه للسيطرة على الطبيعة، وعلى غيره من الحيوانات، ثم يظهر الإنسان مسيطراً على جميع أنواع الحيوانات لا سيما بعد ثورة التدجين، لذلك فطبيعي أن نرى في وقت لاحق تماثيل آلهة الخصب إنانا أوعشتار والأسود تحت قدميها والطيور الجارحة تحت يديها، في إيحاء إلى ترويضها لوحوش الأرض والسماء.
هذا الفكر الطوطمي لا يزال مسيطراً اليوم على شعارات الدول وحتى الأحزاب، حيث نجد في الولايات المتحدة مثلًا أن شعار الحزب الجمهوري هو الفيل، وشعار الحزب الديمقراطي هو الحمار على سبيل المثال، وأصبح الدب رمز روسيا والتنين رمز الصين… إلخ
حرص رئيس البعثة الأثرية إلى جبال البلعاس ثائر يرتة على التأكيد خلال حديثه عن ثورة الرموز، التي شهدتها سورية في الألف العاشر قبل الميلاد :”إن الآثاريين يستقرؤون إيحاءات عن الحياة المعاشة للإنسان القديم من خلال النقوش التي تظهر في أعمال التنقيب” نتيجة لغياب النصوص المكتوبة، وهذا عمل شاق ومضنٍ بالنسبة للباحثين…
يقول يرتة: “بالنسبة لباحث يقرأ كثيراً من الرموز في الفترات المختلفة فإن رمز النسر ظهر في فترات مختلفة، وكان يمثل الحياة والموت بالنسبة للإنسان، فقد وجدنا لوحة جدارية ملونة بشتل هيوك (الألف السابع والسادس قبل الميلاد) عليها صور لنسور فاردة الجناحين، تحلق فوق مجموعة أشخاص مقطوعي الرأس، إضافة إلى لوحات أقدم ظهرت في الألف العاشر قبل الميلاد، توحي بأن النسر يمثل الموت بالنسبة لهذا الإنسان”.
في تل العبر، القرية القابعة على نهر الفرات الأوسط، وُجدت قطعة من لوح حجري لا تتجاوز 10 سم عليها نسور تحوم حول وعل تعود إلى 9300 قبل الميلاد، يقول يرتة: “كثيرون يخلطون بين النسور والعقاب لأنّها رسوم تجريدية، وجدت بأماكن متفرقة وهي تمثل بداية نحت الإنسان للأشكال”، لذلك يجب أن تقرأ إيحاءاتها بدقة.
يتابع يرتة: “طائر النسر الموجود أمام مغارة البلعاس يدل على تغير في نفسية الإنسان الذي عاش صياد قبل 12000 سنة سبقت الميلاد، وهي توحي بأن تطوراً سيكولوجياً طرأ على نظرته لما يحيط به، فتجسيد طائر النسر على باب مغارة هو تعبير عن استحضار دائم لذكرى هذا الطائر المهيب. ويمكن القول إن الإنسان ومن خلال تلك الرموز أصبح لديه نظرة ما ورائية زادت بطريقة مطردة مع عملية سيطرته على الطبيعة”.
طبعاً راقب الإنسان ذلك النسر وهو يحلق فوقه، فوجد أنه “عال، ناظر، مراقب، يرى كل شيء، فيما هو إنسان محدود النظر” ما أعطى طائر النسر في الفكر الإنساني الآخذ في التطور نظرة احترام ورهبة وتقديس.
من وجهة نظر ميثولوجية بحتة، واستناداً إلى ما قدمته وتقدمه نقوش أسلافنا القدماء الذين عاشوا قبل آلاف السنين، فإن هناك إيحاءات فلسفية وفكرية يمكن أن نستوحها من إيحاءات رموز النسر أولى بذور الفكر الديني. فاكتشاف رأس نسر في جبل البلعاس على باب مغارة يشكل مدخلًا مهمًا لتطور نظرة الإنسان إلى محيطه، فالإنسان منتصب القامة هو الكائن الوحيد على سطح الأرض الذي تمكن من رفع رأسه تمامًا إلى السماء، وهذا أتاح له مراقبتها ليلًا ونهارًا ولساعات وأيام وشهور وسنين طوال. تأمل واستنتج عبر ملاحظات وتراكمات فكرية ساعد تطوره البيولوجي خلالها على تنميتها والخروج باستدلالات فلسفية ودينية، بدئية وليست بدائية، على أن كائنات تعيش في عالم علوي تراقب الإنسان وغيره من الكائنات الحية.
وبقراءة متأنية لاهتمام الفنان الأول بطائر النسر “ملك السماء” وغيره الطيور الجارحة الحرة، وفي وضعيات مختلفة لا سيما وضعيته وهو فارد جناحيه أي وضعية الطيران، نستوحي أن الإنسان شغله هذا الكائن الذي في السماء أكثر مما شغله على الأرض، فالنسر مختلف عن هذا الإنسان الساكن مع وحوش الغابة، والقابع تحت براثنها في صراع وجودي على الموت والحياة، هو كائن علوي إلهي، أما الإنسان كائن أرضي مثله مثل الأسود والفهود وقطعان الماشية وديدان الأرض، لذلك رأى أن يستعين بقوى النسر الخارقة على أعدائه.
وأعتقد أن تجسيد طائر النسر -العلي، الجبّار، المترقب، الملك، سيد السماء- في النقوش والتماثيل الصخرية دفعت الإنسان الأول إلى تجسيده على الحجر وأمام المغاور، علَّ قواه الجبارة تسكن هذا الحجر وتحميه كي يبقى أمام منزله/ معبده، كي لا تهجر قواه ذلك المكان، وربما قدم له الأضاحي والقرابين كي يحافظ على قواه السحرية التي سيكرسها ذلك النسر المتفرغ لمهام الحماية على باب المغارة.
وفعلًا استمد الإنسان البدئي الذي لا يملك إلا عقله وخياله، قواه وطاقاته العجيبة في السيطرة على الطبيعة من معلمه “الساكن في الأعالي”، ثم انتقل إلى ما وراء العالم العلوي/ السماء ليحلق بتفكيره خالقاً سبع سموات جعل في آخرها مثواه الآخير.
لقد حلق الإنسان بتفكيره كما حلق النسر في السماء، ونشر سلطته على باقي الكائنات كنسر ناشر الجناحين. فكان النسر “أسطورة ” سورية بامتياز، استخدمه رمزاً للقوة والسيطرة والمهابة، كما جعل منه جسراً للعبور إلى السماء وسيداً على الموت والحياة.
الخاتمة
قد دعت الأهمية الخاصة للنسر السوري وزارة الدولة لشؤون البيئة إلى إقامة مشروع خاص له عام 1912، يعرف الناس به، والبيئة الطبيعية التي يعيش فيها، والأماكن التي يهاجر إليها، وموائله، وطريقة حياته، ودوره في السلاسل والشبكات الغذائية، إضافة إلى الدعوة لحمايته، وحماية موائله، ونقاط عبوره عبر الأراضي السورية، وعدم تخريبها.
وقد اطلقت عام 2012 وزارة البيئة الحملة الوطنية لحماية النسر السوري وشعارها “النسر السوري طائر عام 2012 ” في سبيل حماية هذا النسر ، مبينة إقامة العديد من الفعاليات والأنشطة التي تساهم في رفد هذه الحملة الهادفة إلى زيادة المعرفة والوعي لأهميته من الناحية البيئية، وارتباطه بوجدان المواطن السوري من الجوانب الثقافية، والتاريخية وغيرها.
وبينت وزيرة البيئة وقتها ان الوزارة وجدت ضرورة ملحة للتعريف بهذا الطائر الهام، الذي احتل مكانة مرموقة في الفكر والإبداع الإنساني العالمي، وهو وليد بيئة سورية خالصة من بيئات الإبداع البشري، وأن تجمع التراث الحي له من المناحي التاريخية والفكرية والبيئية والفنية، لتعطي الإنسان السوري حقه، ويظهر دوره الهام في صنع الحضارة الإنسانية، الذي يحاول المتحضرون الجدد سلبه منه.
وضمن فعاليات الحملة الوطنية للنسر السوري أصدرت وزارة الدولة لشؤون البيئة كتاباً خاصاً بالنسر السوري يهدف لإلقاء الضوء على مجموعة الطيور الجارحة في سورية، والتركيز على أهمية النسر السوري منها، ونشر الثقافة المعرفية الكافية حوله من النواحي التاريخية، والوطنية، والاجتماعية، والطبيعية، لتطوير القيم والسلوكيات الكفيلة بحماية هذه الطيور، وموائلها، وتأمين استدامة تواجدها في البيئة السورية بشكل خاص، وكوكب الأرض عموماً.كما أعدت الوزارة روزنامة خاصة بالنسر السوري إضافة إلى بروشور خاص بالحملة ، وسيرافق الحملة مسابقات علمية وأدبية واثرية وموسيقية وفنون تشكيلية ، وفيلم تسجيلي عن النسر السوري .
(من المصادر مقال الصحفي جورج كدر/ موقع صوت الترا)
اترك تعليقاً