“أنا هو الراعي الصالح” (يوحنا ١٠)
الراعي الصالح ποιμὴν καλὸς
“لماذا تدعوني صالحًا؟ ليس أحد صالحًا إلّا واحد وهو الله.”
صالح في اليونانية هو أغاثي Αγαθη – αγαθος، ومشتق منه صلاح.
كلمة صالح تعني الكثير في الكتاب المقدّس، فنقرأ مثلًا الحوار الذي دار بين الشاب الغني والرّب يسوع إذ إقترب الغني من يسوع وسأله: ” «أيّها المعلّم الصالح أيّ صلاح أعمل لتكون لي الحياة الابدية؟ فقال له (يسوع): «لماذا تدعوني صالحًا؟ ليس أحد صالحًا إلّا واحد وهو الله” (متى 16:19-17).
لا سمح الله أن يكون الرّب يسوع في جوابه هنا يقول أنّه ليس صالحًا أو بالأحرى ينكر أنّه الله المتجسّد، بل على العكس تمامًا، جوابه للغني هو نوع من الكشف الإلهي لألوهيته.
لنلاحظ ، يسوع لم يقل للشاب “لا تدعوني صالحاً” بل قال: “لماذا تدعوني صالحاً؟” وهنالك فرق شاسع بين (لا) النافية و(لماذا) التي للإستفهام.؟
إذًا فقد قصد الرّب يسوع تسليط الضوء على عمق هذه العبارة وصفتها الإلهيّة
– هل تعيّ حقًا أيّها الشاب ما تقوله؟ أي هل تعيّ أنّك واقف أمام الله الذي صار إنسانًا؟
فالصلاح هنا يتخطّى العبارات البشرية والألقاب التي تُطلق على المعلّمين.
وهذا ما مشابه تمامًا لما سأله الرّب يسوع لتلاميذه:” من يقول الناس إنّي أنا ابن الإنسان؟» (متى 13:16)
فيسوع يطلب منّا أن نتلفّظ عن يقين أنّه الله المتجسّد
فإن كان الشاب يقصد الصلاح الإلهي فهذا يعني أنّه يعترف أن يسوع هو الله.
فقول يسوع” أنا هو الراعي الصالح، والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف” (يوحنا11:10) هو شهادة وتأكيد على كونه الفادي المخلّص.
وهذا ما تنادي به المسيحية وتشهد له “الكلمة صار جسدًا ” (يوحنا14:1) و “عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد” (تيموثاوس الأولى 3 : 16).
الله وحده الكليّ الصلاح وها هو ” حلّ بيننا ” وهو وحده المنَّزه عن الخطأ، ولم يستطع أحد ولا حتى أعدائه أن يذكر له علَّة واحدة، “من منكم يبكّتني على خطيةٍ”؟ (يوحنا 8 : 46). من منّا أو في التاريخ والحاضر والمستقبل يستطيع أن يقول عن نفسه هذا الكلام؟ لا أحد، لا الأمس ولا اليوم ولا غدًا.
ويتابع يسوع ليقول: ليس للشيطان أي نصيب معه ” لان رئيس هذا العالم يأتي وليس له في شيء” ( يوحنا 30:14)
كذلك التلاميذ والرسل شهدوا لطهارته. “الذي لم يفعل خطيئة ولا وُجد في فمه مكْرٌ” (1 بطرس 2: 22). ” قدوس بلا شر ولا دنس قد انفصل عن الخطأة وصار أعلى من السموات” (عبرانين 7: 26).
وأجمل شهادة أتت في الظهور الإلهيّ والتجلّي: “هذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ”
الصلاح دعوةٌ لكل البشر، والكتاب المقدّس منذ القدم يطلعنا على أناسٍ دعيوا بالصالحين : “وكان هذا الرجل (أيّوب) كاملًا ومستقيمًا” (أيوب 1 :1).
إذًا هي دعوة غير مستحيلة إذا حقًا ثبتنا بالله وعملنا بوصاياه.
صحيح أن “الجميع زاغوا وفسدوا معًا. ليس من يعمل صلاحًا ليس ولا واحد” (رومية 12:3)، إلّا أن طريق التوبة هي قيامة وحياة جديدة.فالنعمل على تحقيق مشيئة الله فينا:
” فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل” (متى 5 : 48).
الراعي هو الذي يعرف خرافه، خروف خروف وحمل حمل، وخرافه تعرفه.
وهو الذي يسهر على خرافه ويحميهم من الذئاب الخاطفة وكلّ الحيوانات المفترسة.
وهو الذي الذي تطيعه الخراف لأنّها تثق به ولمست محبّته، وتعرف أنّه يريد خلاصها.
وهو الذي بوجوده تشعر الخراف بالطمأنينة والسلام والأمان.
وهو القائد والحامي والأب والحنون والمحب والمربّي.
وهو الذي يبذل نفسه من أجلهم.
“وهو الذي يسعى لإعادة الخروف الضال ولا يستريح حتى يردّه إلى القطيع” (مت ١٨: ١٢-١٤؛ لو ١٥: ٣-٧)
“وهو إن غاب وهرب تشتت الغنم” (زكريا٧:١٣)
كلّ هذه الصور وأخرى كثيرة غيرها تجسّدت بالرّبّ يسوع المسيح ليكون قدوةً لكل راعٍ في الكنيسة.
منذ القدم، تطلّع الشعب وعلى رأسهم الأنبياء إلى الله على أنّه الراعي، وقد تجلّى هذا التطلّع بآية في غاية الروعة لإشعياء النبي:
“كراع يرعى قطيعه، بذراعه يجمع الحملان، وفي حضنه يحملها ويقود المرضعات” (إش١١:٤٠)
ولقب الراعي أتى ملاصق للذبيحة، إذ يقول زكريا النبي:
“استيقظ يا سيف على راعي، وعلى رجل رفقتي يقول رب الجنود”
السيف يشير إلى الراعي المذبوح (إش٥٣)، وكلمة رفقتي التي تشتق منها كلمة رفيق تعني الشركة الكاملة والمساواة. فالابن هو واحد مع الآب في الجوهر.
وقد طبّق الرّبّ يسوع هذه الآية على نفسه قبيل صلبه إذ قال
“كلّكم تشكّون في هذه الليلة لأنّه مكتوب: إنّي أضرب الراعي فتتبدّد خراف الرعية”(مت٣١:٢٦)
لكنّه أكملها بالقيامة: “ولكن بعد قيامي أسبقكم الى الجليل
لانكم كنتم كخراف ضالة، لكنكم رجعتم الان الى راعي نفوسكم واسقفها”. (ابط٢٥:٢)
“ومتى ظهر رئيس الرعاة تنالون اكليل المجد الذي لا يبلى.” (ابط٤:٥)
طبعا هو رئيس الرعاة العظيم ومعطي المجد لأنّه”هو” أي يهوه كما قال “أنا هو الراعي الصالح” (يوحنا١١:١٠)
“الأيقونة: موقع بطريركية انطاكية وسائر المشرق للروم الارثوذكس”
اترك تعليقاً