أوغاريت والأبجدية السورية

أوغاريت والأبجدية السورية

أوغاريت والأبجدية السورية

مقدمة

لكي نبدأ الحديث عن سورية الحضارة وما أعطته إلى الغرب، لابد أن نتحدث أولاً عن الأبجدية التي ابتكرها السوريون القدماء ونقلوها إلى الغرب.

ابجدية اوغاريت

في عام 1933م، عثر في مدينة أوغاريت “رأس الشمرة” قرب اللاذقية على رقيم صغير الحجم يحوي عدداً من الصيغ المسمارية وعددها ثلاثون شكلاً، تبين بعد الدراسة والتدقيق أن هذه الأشكال المسمارية ما هي إلا حروف أبجدية لم يعرف لها نظير، بل لقد تأكد للباحثين أن هذه الأبجدية هي الأولى في العالم وأنها ترجع إلى منتصف الألف الثاني قبل الميلاد.وكان العالم مونتيه قد عثر عام 1922 على أبجدية أخرى في العالم مونتيه  منقوشة على ضريح أحيرام وترجع إلى زمن لاحق، القرن العاشر ق.م.

ضريح احيرام

وتبدو أهمية ضريح أحيرام هذا، والذي يرجع إلى القرن العاشر قبل الميلاد بما فيه من رسوم نافرة جميلة تمثل أحيرام والد أيشوبعل ملك جبيل الذي صنع الضريح له، وأمامه رتل من الباكيات الناحبات والعابدات، وبعضهن يمزقن ثيابهن علامة الحزن، فإن أهميته التي اشتهر بها ترجع في الواقع إلى النص المكتوب عليه بأحرف أبجدية مازالت تعتبر حتى الآن الشكل الأولي للأحرف الأبجدية العربية واللاتينية.
وكان الكنعانيون وهم قدماء السوريين على ساحل البحر الأبيض المتوسط، قد تبنوا منذ العصور الأولى الكتابة التي نراها في أوغاريت، حيث كان من المألوف هناك استعمال الكتابة المسمارية التي كانت منتشرة في بلاد الرافدين، والتي استمرت وسيلة الأكاديين والعموريين العرب القدماء ثم سكان أوغاريت من الكنعانيين، وكان لابد من استعمال هذه الكتابة بسبب طريقة النقش على ألواح الطين بمسمار خاص، ولكن المهم في أوغاريت أنهم قد استعملوا الكتابة المسمارية على الرقم الفخارية وكانت غير أبجدية كالكتابة الصينية، ثم قاموا بحذف أكثر الإشارات التي كانت تلازم الكلمات ذات الدلالة الصوتية المختصرة، واكتفوا بصورة تناسب الصيغة الصوتية، فكانت الحروف الأبجدية الأوغاريتية وعددها ثلاثون حرفاً، هي أول أبجدية في العالم. ويقول أحد الباحثين “جورج بيرو”: ”إن ابتكار الأبجدية كان حدثاً هاماً جداً لا يمكن مقارنته بأي حدث آخر في تاريخ الجنس البشري، وهو أعظم من ابتكار الطباعة، إذ أن تحليل الكلام وإرجاعه إلى عناصره الأولية يحتاج إلى عمل فكري عظيم.”.
يقدم لنا نقش أحيرام أبجدية كاملة مقروءة ومفهومة بوضوح، ذلك أن كل حرف يعتمد بصيغته وشكله على دلالته المادية لأشياء معروفة، فإذا كانت الإشارة يمكن أن تترك بعض الشك في هويتها بالنسبة للشكل المادي الذي يمثله الحرف، فإن اسم هذه الحروف يسعفنا في تثبيت هذه الدلالة.
وتسميات الحروف باللغات الكنعانية في ذاتها هي تسميات الحروف العربية لوحدة اللغتين، وهي تبين أن الحرف الأول  يسمى ألف، وتعني رأس البقرة، ويرمز إليها بما يوضح خصائص البقرة، وهو الرأس ذو القرنين، وأن بيتا “الباء” وتعني المنزل أو البيت كما هو واضح ورمزها مخطط غرفة أو صحن دار، وجيمل “الجيم” أو الجمل ويمثل بسنم، وداليت “الدال” وتعني الدلاية أو مطرقة الباب وتأخذ هذا الشكل، وياد “الياء” وتعني اليد ورمزها الزند والساعد، وكوف “الكاف” وتعني الكف ورمزها مشابه لكف اليد، وراس “الراء” وتعني الرأس وتحمل شكل الرأس، وسن “السين” وتعني السن ويأخذ الحرف شكلاً مضرساً، وماء “الميم” وتعني الماء وتتجلى بشكل متموج، وهكذا..
لقد اختلطت الابجدية الفينيقية مع رواد البحر اليونانيين القدماء من المهاجرين الاغريق الى الساحل السوري والابحار معا انتقلت الى اليونان فنشأت الابجدية الاغريقية القديمة وكانت اساس العديد من اللغات الاوربية وفق لكثير من علماء التاريخ الاغريقي…
ولقد انتقلت هذه الأبجدية إلى الكتابة الآرامية والنبطية، ومن ثم إلى العربية الأولى ثم العربية الحديثة.
كذلك انتقلت إلى الأحرف الإغريقية واللاتينية كما اسلفنا. ويقول المؤرخون، أن قدموس شقيق أوروبا وقد مضى إلى بلاد اليونان باحثاً عن أخته، وبعد أن وصل إلى (بيوتيه) أنشأ مدينة قدميا شمالي أثينا، وقام هناك بتعليم الناس أبجدية الكنعانيين، واستمرت هذه الأبجدية مستعملة مع بعض التحوير، وحاملة التسميات الكنعانية القديمة نفسها ، ثم انتشرت هذه الأبجدية في جميع الكتابات الغربية بعد أن تبناها الرومان.
ولقد عثر على نقد برونزي من عصر الإمبراطور غاليان يحمل في أحد وجهيه صورة قدموس يعلم أهل طيبة الأحرف الأبجدية الكنعانية، وهذا النقد محفوظ حالياً في المكتبة الوطنية في باريس.
و كتب هيرودوت ق5ق.م: “إن الفينيقيين القادمين مع قدموس جلبوا إلى الإغريق معارف كثيرة ومنها الحروف التي لم يكونوا يعرفونهها. وكان القدموسيون يستعملونها بادئ الأمر بشكلها الفينيقي المألوف. ومع الوقت أدخلوا عليها بعض التغييرات كما غيروا أيضاً في لسانهم، وآنئذ كان أكثر الإغريق الذين يحيطون بالفينيقيين من الأيونيين، فتعلموا منهم الحروف واستعملوها محرفة قليلاً ولكنهم استمروا على تسميتها بالكتابة الفينيقية تاريخ هيرودوت. ولقد أدخل الإغريق الأوائل على هذه الحروف، الحروف الصوتية.”.
وحوالي عام 800ق.م ظهر الإتروسكيون في شمالي إيطاليا، ويعود أصلهم إلى الساحل السوري وكيليكيا، وقد نقلوا الأبجدية نفسها إلى الرومان وبدت باللغة اللاتينية، وقام كيريللوس بالاستفادة من هذه الحروف لوضع أسس الكتابة السلافية.

 

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *