خربشات سياسية 26/1/2021
استشرافات سياسات بايدن تجاه سورية ومحور المقاومة…
واقع السياسة الاميركية في عهد ترامب
بعد مضي أربع سنوات على رئاسة دونالد ترامب، استطاعت الادارة في الولايات المتحدة الإمساك بكامل مفاصل السياستين الخارجية والداخلية، وقد ورثت داخلاً أميركياً منقسماً على نفسه عمودياً، وبتجربة فاضحة للسياسات الديمقراطية المتبعة بعد الحرب العالمية الثانية. وعلى الرغم من المخاطر العالية لإمكانية استمرار هذا الإنقسام وانفجاره بأشكال مختلفة، فإن الإدارة الجديدة لم تتعارض مع سياسات ترامب التي اتخذها تجاه خصومها الأساسيين ممن تعتبرهم تهديداً لمكانتها العالمية ودوام هيمنتها على مقدرات العالم ومساراته السياسية والاقتصادية والعسكرية، وبالأخص روسيا والصين وإيران التي تعتبر تهديداً لها عبر تحالف الدول الثلاث غير المعلن مع بعضها البعض يلحق بها محور المقاومة الممتد من ايران فالعراق وسورية وحزب الله والمقاومة الفلسطينية في غزة هي الهلال الأخطر المحيط باسرائيل.. والذي باتت تخشاه لذلك تقوم بعدوانات استباقية على سورية مستهدفة هذا المحور باستهدافها الوجود الايراني المتداخل في القواعد العسكرية السورية وخاصة العلمية منها كمراكز الابحاث وتطوير الصواريخ وقبل ذلك استهداف الاعلام السوريين وكثيرون سقطوا شهداءباغتيالهم كالعماد داود راجحة وزير الدفاع السوري واللواء الدكتور المهندس نبيل زغيب وعائلته و… ومن ثم اغتيال العلماء الايرانيين الذين يقومون بدورهم على تطوير الصواريخ…
وبالمقابل يتوالى التصعيد العدواني السعودي والتحالف العربي على اليمن المنكوب ومع ذلك تأتي ردود اليمن العسكرية والاستراتيجية موجعة جدا للسعودية وسائر المحور المعادي، وارتفاع مستوى التحشيد الاميركي – الصهيوني- العرباني غير المسبوق بحق ايران بعد التطبيع المشبوه من قبل دول الخليج والمغرب… والذي ظهر من تحت الطاولة الى العلن بهدف استراتيجي لصالح الكيان الصهيوني وهو ادخالهذا الكيان الى منطقتي الخليج العربي والبحر الاحمر لمحاصرة ايران وسباق التسليح غير المسبوق الذي تقوم به السعودية والامارات و…وكله ليس ضد اسرائيل بل ضد ايران وبشكل معلن…مع استمرار فرض العقوبات على سورية…وحتى تجيير المنظمات الدولة كمنظمة حظر السلاح الكيميائي للافتراء بحق سورية كالافتراءات الاخيرة من انتهاكات سورية مزعومة ومحاولة النظر بها وفق المشروع البريطاني في قاعات مغلقة وفيتو روسيا ضدها… اضافة الى حرق الانتاج الزراعي والغابات والاراضي الزراعية في سورية وسرقة الموارد النفطية والاقماح وحتى الآثار السورية.. من سورية من قبل قوات الاحتلال الاميركي وادواته كقسد العميلة في الشرق والشمال الشرقي وقيام الاخيرة بمحاولة كسر هيبة الدولة السورية في الحسكة والقامشلي بحصار المناطق ومنع ادخال المواد الغذائية والمياه اليها وكله بحماية اميركا وهي التي تحمي ايضا قوات الاحتلال التركي المحتلة والناهبة لسورية والتي تحاول التغيير الديموغرافي التركي في الشمال السوري… والمنظمات الارهابية التكفيرية التابعة لها كجبهة النصرة و…في ريف حماة الشمالي وادلب وشمال حلب وهذا كله لانهاك الدولة السورية عبر صراعات لولبية تناولت الامن والامان خلال عشر سنوات ولانزال نعيش مآسيها مع ابراز قوات الاحتلال الاميركي داعش مجدداً في الصحاري الشرقية لسورية والفتك بقوات الجيش والقوافل النفطية والاقتصادية والمدنية السورية البريئة وليستمر مبرر وجودها الاحتلالي والناهب لثرواتنا الضعيفة انطلاقا من منطقة التنف ومخيم الركبان… ومع انقضاض الكورونا بشكل مخيف على المجتمع السوري في ظل غياب الغذاء والدواء بفعل العقوبات الاميركية والاوربية والتي تطال روسيا الداعم لسورية وكذلك ايران والصين ومايعيشه لبنان الحاضن للمقاومة اللبنانية المرعبة للكيان العبري…
المنظور في سياسة بايدن
وكانت الإشارات الأولية حول طبيعة السياسات التي ستتبعها الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه الدول الثلاث واضحة روسيا والصين وايران ، خاصةً بعد إعلان الترشيحات الأساسية لمساعدي جو بايدن، في وزارة الدفاع والاستخبارات، ومديرة المخابرات على وجه الخصوص.
وتم تأكيد الإشارات بعد خروج ترامب وتنصيب بايدن والإعلان عن أسماء الإدارة الجديدة التي غلب عليها سمتان أساسيتان هما، الأصول اليهودية لأعضائها أو الزواج من يهود، كعائلة بايدن كلها ونائبته وعائلتها فكانت الإدارة الأولى التي تضم أكبر عدد منهم، والسمة الثانية هي العداء الواضح والصارخ لروسيا بالدرجة الأولى وللصين بطبيعة الحال.
لا يختلف وضع إيران بالنسبة للإدارة الجديدة عن السابقة، وذلك رغم التصريحات الناعمة للعودة إلى الاتفاق النووي، في محاولة لإعادة احتواء إيران وضبط مساراتها بما يخرجها عن سياق تحالفها مع الصين وروسيا وإيقاف تهديداتها الوجودية للكيان الإسرائيلي.
فالإدارة الأميركية تدرك أن الموقع الجيوسياسي للهضبة الإيرانية يشكل المرتكز الأساس لنجاح المشروع “الأوراسي” لموسكو ومشروع “طريق واحد حزام واحد” لبكين، كما تدرك أن طهران تتحرك في مواجهة الأميركيين غير المباشرة في أفغانستان والعراق سورية ولبنان وفلسطين واليمن، وقد ورثت إدارة بايدن مجموعة من أوراق الضغط من سابقتها تتيح لها هامشاً أوسع في التعاطي مع الملف الإيراني واستمرار العقوبات الشديدة والحصار عليها لاخضاعها.
استناداً إلى عناصر المواجهة الثلاث ستبقى الساحة السورية (بكل الاوضاع المحزنة كما اوردنا اعلاه) المكان المفضل لهذه الإدارة لإسقاط التهديدات الثلاث، فتعزيز تواجدها في منطقة الجزيرة السورية التي تعتبر منصة استراتيجية مطلة على الداخل السوري من جهة وعلى الساحتين التركية والعراقية، يشكل تهديداً للممر البري لمشروع بكين الذي سيمر من شمال غرب إيران وجنوب شرق تركيا، وعصىً غليظة في مواجهة الانفلات التركي من عقال الاستراتيجية الأميركية بالاعتماد على دعم القوى العسكرية الكردية من دون الوصول إلى الاعتراف بكيانية سياسية خاصة بهم كإدارة ذاتية أو فيدرالية.
ولا تخرج محاولات توحيد القوى الكردية المتنافرة عن هذا الإطار، امتداداً للعمل على توحيد شمال العراق وسورية لتصبح هذه العصى فعالة في الضغط على إيران أيضاً، بالإضافة للعمل على إعادة تركيب قوى المعارضة في الخارج لتصبح منطقة الجزيرة مقراً لها بالتنسيق مع مجلس سوريا الديمقراطية.
لا يختلف الوضع في منطقة التنف عن الشمال السوري، فهي تحولت لأهم قاعدة عسكرية استخباراتية في منطقة الشرق الأوسط، وتتيح دعم التنظيمات المسلحة في البادية السورية لاستهداف الجيش السوري والقوى العسكرية الحليفة التي تدعمها طهران بالتنسيق مع دمشق، بالإضافة إلى توسيع عملها باتجاه الأراضي العراقية لقطع الطريق البري الذي يصل بين طهران وبغداد ودمشق وبيروت وبالتالي إلى إسلام آباد وبكين.
وما عودة داعش للعمل في سورية والعراق بعد إطلاق عدد كبير من قياداته ومسلحيه من سجن أبو الهول في الحسكة إلا تأكيداً على العودة إلى مرحلة أوباما بدعم المجموعات الإسلامية التكفيرية بشكل أكبر.
لا تخرج منطقة إدلب بدورها عن سياق عمل الاستراتيجية الأميركية، وما كان للإدارة التركية أن تتخذ القرار باحتلال إدلب بمعزل عن موافقة البنتاغون، وذلك بهدف حماية المجموعات المسلحة العابرة للدول واستخدامها كقوى مزعزعة للأمن الروسي والصيني والإيراني، بالإضافة إلى استخدامها كورقة ضغط في ظهر الجيش السوري وحلفائه في حال حصول حرب كبرى مع “إسرائيل”، لتتحول إدلب إلى صمام أمان لأمن “إسرائيل” وتهديداً للأمن السوري والروسي والصيني والإيراني. وستستمر الإدارة الأميركية بحمايتها كما عبر سابقاً ممثل الإدارة السابقة في إدارة الملف السوري بأن “إدلب ستبقى قلعة للمعارضة السورية”، والعمل على إعادة ترتيب قوى المعارضة الإسلامية بأشكال وأسماء جديدة.
ومن المرجح أن تتراجع هذه الإدارة عن الاتفاق الذي تم بينها وبين موسكو وتل أبيب في منطقة الجنوب السوري المتاخمة للجولان المحتل، وأن تعود إلى تفعيل غرفة الموك بالتنسيق مع الإمارات العربية المتحدة التي مازالت تعمل على خطين أساسين، أولاً التقرب من دمشق ومحاولة استمالتها بالوعود الاقتصادية، وثانياً الاستمرار بدعم المجموعات المسلحة التي يقودها أحمد العبدو الذي يتلقى دعماً إماراتياً إسرائيلياً مزدوجاً.
يترافق كل ذلك مع استمرار العقوبات الاقتصادية الشديدة على السوريين بما يخلخل العلاقة مع القيادة السورية في ظل فساد الحرب المستشري، واستنزاف إيران وروسيا المتعبتين بالحصار والعقوبات.
المطلوب من القيادة السورية للمواجهة
ليس أمام دمشق من خيارات كثيرة في مواجهة تصاعد التهديدات العسكرية والأمنية والاقتصادية سوى إعادة النظر بإدارة الملف الداخلي سياسياً واجتماعياً واقتصادياً والضرب بيد من حديد على الفاسدين والمدمرين لقدرة الدولة اقتصاديا ومالياً والمرتبطين بشكل خفي مع المعارضة الخارجية التي تدمر وعلى العلن الليرة السورية والهدف واحد بين الفريقين…، ولا حل الا بالرد على العربدة الصهيونية بقدراتنا الذاتية والتي علينا ان نعترف بأهميتها رغم عدم حداثتها امام السلاح الاميركي الاسرائيلي المتفوق…لكن يجب الرد كي لاتذهب الدماء والمنشآت هدراً ثمة خسائر كما في كل عدوان لكن تكون سورية ترد عملياً وليس نظرياً وبالتالي تستطيع الاجهزة الامنية اكتشاف البؤر الارهابية في الجنوب والصحراء و…التي ستتحرك لدعم العدو في معرض رد الجيش السوري ومحور المقاومة عليه…
ومن الجانب الاقتصادي الواسع يتوجب العمل على الانتقال للتعاون الاقتصادي المفتوح بين سورية والعراق وإيران وروسيا، والعمل من أجل إدخال الصين والهند (وبقية نمور آسيا المؤيدة ضمناً لنا) اقتصادياً، الأمر الذي يتطلب بيئة اقتصادية وقانونية مختلفة بالتعاون مع الاصدقاء في اوربة الشرقية والتشيك و…، فهل سنرى ذلك خلال هذا العام؟
ختاماً
استناداً إلى عناصر المواجهة المرتقبة والتي تغلي على صفيح ساخن مغطى بالتراب ستبقى الساحة السورية المكان المفضل للإدارة الأميركية لإسقاط التهديدات الآتية من إيران وروسيا الصين، فمنطقة الجزيرة السورية تعتبر منصة استراتيجية مطلة على الداخل السوري وبقسد العميلة والمتعاونة مع العدو الصهيوني والمدارة من قاعدة التنف ومحيطها الامني والحامي والمهيء لداعش لتمارس عدوانها على النقاط العسكرية والاقتصاد السوري هناك وعلى الساحتين التركية والعراقية، وتبقى ادلب الظهير الارهابي التكفيري والتركماني والتركستاني الاسلامي…الداعم لاسرائيل الطفل الاميركي المدلل.
اترك تعليقاً