الأرشمندريت و العلّامة الحمصي الأب أنطونيوس مبيض

الأرشمندريت و العلّامة الحمصي الأب أنطونيوس مبيض

الأرشمندريت و العلّامة الحمصي الأب أنطونيوس مبيض

من أخصّ تلامذة المتروبوليت أثناسيوس

الأرشمندريت و العلّامة الحمصي الأب أنطونيوس مبيض
رئيس الأمطوش في موسكو و مؤسس أول كنيسة أنطاكية في ملبورن
بقلم الشماس بولس
لطالما يتردد اسمه في حمص، التي فيها ولد ونشأ وخدم لسنين طويلة، تاركاً ذكراً طيباً في نفوس محبيه الكثيرين فيها، لكن ومع ذلك لا نعثر على أية نبذة عن حياته ومجيد آثاره، ما دفعنا للبحث عن علّامة حمص وأحد آبائها الأجلاء، وقد طوته يد النسيان أو تكاد.

المتروبوليت اثناسيوس عطا الله
المتروبوليت اثناسيوس عطا الله

ولد في حمص لعائلة أرثوذكسية عريقة في الإيمان المسيحي، ولمّا بلغ الثانية عشرة تبنّاه مطران حمص وأشرف على تدريبه اللاهوتي والروحي. أدخله الرهبنة ورسمه شماساً، ليرسله للدراسة إلى المدرسة الاكليريكية في البلمند التي أعاد البطريرك ملاتيوس افتتاحها عام 1900. أتم فيها علومه، وكان من بين زملائه الأحدث سناً: ثيوذوسيوس أبو رجيلي (من بيروت، مطران صور وصيدا، ثم طرابلس فالبطريرك الأنطاكي) وألكسندروس جحا (من بشمزين، مطران طرابلس فحمص) وميخائيل شحادة (من كوسبا، مطران البرازيل).

القديس روفائيل هواويني ارشمندريتا
القديس روفائيل هواويني ارشمندريتا

ونظراً لتفوقه، أرسله مطران حمص إلى روسيا للدراسات العليا في اللاهوت، فتخرّج عام 1907 حاملاً شهادة دكتور في الفلسفة واللاهوت من أكاديمية كييف الروحية، التي كان قد درس فيها اثنان آخران من تلامذة المطران أثناسيوس، الدمشقيان: القديس رفائيل هواويني (أسقف بروكلن) والشماس ألكسندروس طحان (مطران طرابلس فالبطريرك الأنطاكي).

الأرشمندريت و العلّامة الحمصي الأب أنطونيوس مبيض
الأرشمندريت و العلّامة الحمصي الأب أنطونيوس مبيض

في نفس العام (1907)، عيّنه البطريرك غريغوريوس رئيساً للأمطوش الأنطاكي في موسكو، خليفةً للأرشمندريت العلامة أغناطيوس أبي الروس. وبسبب الحرب الأهلية التي اندلعت في روسيا، ترك موسكو عام 1919، وعاد إلى حمص ليخدم فيها بمعية معلمه ومربيه المطران أثناسيوس حتى رقاده بالرب عام 1923، فتولى إدارة المطرانية الشاغرة كوكيل للمندوب البطريركي (مطران عكار باسيليوس) حتى مجيء مطرانها في كانون الثاني 1926. وبسبب تعرضه للتهميش من قبل مطران حمص الجديد، انتقل إلى أبرشية طرابلس، ولبث فيها حتى سفره إلى أوستراليا عام 1931.
يصفه معاصروه بشدة التقوى والورع وبسعة المعارف والعلوم، ويشيرون إلى كونه أحد ثلاثة فقط في الكرسي الأنطاكي الذين أجادوا معاً اللغتين اليونانية والروسية (بالاضافة إلى التلميذين الآخرين للمطران أثناسيوس: القديس رفائيل هواويني والبطريرك ألكسندروس طحان، اللذان كانا قد درسا في أكاديمية كييف الروحية أيضاً بعد تخرجهما من كلية خالكي اللاهوتية وتسلّما رئاسة الأمطوش الأنطاكي في موسكو قبله).
دعته الجالية السورية-اللبنانية في ملبورن إلى رعايتها الروحية، لينظم شؤونها ويؤسس أولى كنائسها. لبّى النداء وتوجّه إليها على متن السفينة Royal Mail Steamer Orford، حاملاً معه كل ما قد تحتاجه الكنيسة المزمع تأسيسها من أدوات وأواني كنسية وأيقونات، فوصلها في 12 تشرين الثاني 1931.

الأرشمندريت و العلّامة الحمصي الأب أنطونيوس مبيض
الأرشمندريت و العلّامة الحمصي الأب أنطونيوس مبيض

ولمّا لم تكن هناك في المنطقة أية كنيسة أرثوذكسية، أخذ يقيم الخدم الروحية بشكل مؤقت في إحدى الكنائس الأنكليكانية، حيث كانت هناك بينهما أواصر صداقة ومحبة منذ زمن بعيد. وفي آذار 1932، أي بعد أربعة شهور فقط من وصوله إلى ملبورن، وبدعمٍ وتحريض منه كبيرين، قامت الجالية بشراء كنيسة إنجيلية معروضة للبيع، وقد تم تعديلها لتحاكي النمط الرومي، وتمت إضافة أيقونسطاس بديع الأيقونات.
وفي أحد الشعانين من ذات العام (1932) تم افتتاح الكنيسة، باحتفال جماهيري عظيم، إذ عاون الأرشمندريت أنطونيوس المطران اليوناني تيموثيوس، الواصل حديثاً، في تدشين الكنيسة الأنطاكية الأولى في ملبورن والثانية في أوستراليا (الأولى كانت قد تأسست عام 1913 في سيدني من قبل الجالية السورية فيها، وكان أول راعي لها حتى وفاته عام 1934 الاكسرخوس نقولا شحادة من كوسبا، الكورة).

صورة نادرة للبطريرك الكسندروس تعود الى عام 1932 مرافقة ببرقيته الى ابرشية اميركا الشمالية يعلمها ببطريركيته
صورة نادرة للبطريرك الكسندروس تعود الى عام 1932 مرافقة ببرقيته الى ابرشية اميركا الشمالية يعلمها ببطريركيته

يُذكر هنا أن قسماً من الرعية قد رغب في أن تحمل الكنيسة شفاعة القديس أنطونيوس، في حين رغب القسم الآخر بوضعها تحت شفاعة القديس جاورجيوس. وهنا تجلّت حكمة الأرشمندريت أنطونيوس في تجنب خطر حدوث شقاق في الرعية بسبب الاسم: استدعى مجلس الرعية وسائر أبنائها إلى اجتماع يعقد فيها، حيث قام بكتابة 12 من أسماء القديسين على 12 قصاصات من الورق، وتمّ الاقتراع، فتسمّت الكنيسة بموافقة الجميع على اسم القديس نيقولاوس، ولا تزال إلى اليوم. (تمّ منذ أيام تكريس مائدتها المقدسة الجديدة، بهمة وسعي مطران الأبرشية حالاً المطران باسيليوس في 30 حزيران 2024).

في صورة نادرة (عام 1933)، الأرشمندريت العلّامة الأب أنطونيوس مبيض مع أختيه وبعض أبناء رعية القديس نيقولاوس، ملبورن
في صورة نادرة (عام 1933)، الأرشمندريت العلّامة الأب أنطونيوس مبيض مع أختيه وبعض أبناء رعية القديس نيقولاوس، ملبورن

في 10-3-1941 ذكرت صحيفة مرآة الغرب، نقلاً عن مجلة الغربال الصادرة في المكسيك، أنباءً عن جهود الرعية فيها لتأسيس كنيسة أنطاكية في المكسيك وعزمها على دعوة الأرشمندريت أنطونيوس مبيض المشهور بعلمه وتقواه إلى أن يترأسها. لكن ليس هناك ما يشير إلى تحقق ذلك، إذ أن الأب العلّامة الورع أنطونيوس استمر في رعايته المتفانية لكنيسة القديس نيقولاوس في ملبورن حتى رقاده بالرب في 9 تشرين الثاني عام 1943. إضافةً إلى العمل الرعوي النشيط في الرعية التي بادلته المحبة والإخلاص، أنشأ جوقة للترتيل درّبها بنفسه وفريقاً لتنشئة الشبيبة الأرثوذكسية.

في كنيسة ملبورن
كنيسة ملبورن

يُشار أخيراً إلى الذكر الطيب والأثر الحسن الذي تركه الراحل الحمصي في ملبورن، لا في الرعية الأنطاكية وحسب، بل ولدى الروس واليونانيين، حيث ربطته معهم أواصر المحبة، خصوصاً لكونه يتحدث بلغتهم ويرعى شؤونهم الروحية حين لم يكن هناك كاهن روسي ويوناني في المنطقة. كما أنه قد أسهم بنشاط في تأسيس أول رعية روسية هناك، حيث اعتاد أن يقيم لهم في كنيسة القديس نيقولاوس قداساً بالشهر باللغة السلافونية، بالإضافة إلى صداقته المتينة مع مطران أوستراليا اليوناني تيموثيوس إيفانجيلينيذيس (1932-1947، والذي انتخب لاحقاً مطراناً على أميركا الشمالية والجنوبية).

صفحةMetropolite Athanasios  (Alexei of Homs)/ بقلم الادمن قدس الشماس بولس

 

 

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *