الأقباط
توطئة
يمثل الأقباط مجموعة عرقية ومذهبية هامة في مصر، وبعض بلاد الانتشار الاغترابي، ويمكن على الصعيد العرقي اعتبار الغالبية الكبرى من المصريين (مسلمين ومسيحيين) قبطية الأصول، كما يمكن الجزم بأن الغالبية العظمى من مسيحيي مصر من الأقباط.
وقد أعطى الأقباط مصر اسمها EGYPT= قبط وصنعوا تاريخها، القديم منه والحديث وما زال الأقباط المسيحيون يمثلون مجموعة متراصة من المصريين، هامة عددياً واجتماعياً وثقافياً وإن غُيبت سياسياً وحياةً عامة.
في التسمية
الأقباط أو القبط أو القُفط، لفظة أُعطيت عدة أصول: إما نسبة إلى مدينة قبطس في طيبة، وإما من الفعل (كبتن) اليوناني ويعني (قَطَعَ) تلميحاً إلى الختان الذي ما يزال أقباط مصر يمارسونه، وإما من الصفة اليونانية (إغيبتوس) وتعني مصري وقد حورها العرب إلى قِبط أو قُبط (EGYPT) = قبط وهذا المعنى هو الأكثر معقولية. ولن نغالي إن قلنا إن الكنيسة القبطية هي الكنيسة المصرية التي لم تتعد حدود مصر تقريباً.
ونميّز اليوم بين الكنائس القبطية الأرثوذكسية والكاثوليكية والإنجيلية. أما قبل الانقسام فكانت لفظة أقباط تطلق على كل المسيحيين حتى دخول العرب المسلمين مصر السنة 639 م ومنذ ذاك التاريخ صارت لفظة أقباط تطلق على كنيسة مصر اللاخلقيدونية، مقابل الأقلية الخلقيدونية التي دُعي أتباعها ملكيين أو روميين أو بيزنطيين.
في العرق القبطي
أقباط اليوم يمثلون السلالة الحقيقية لشعب مصر القديم في ما عدا بعض المسلمين أو المسيحيين من سكان المدن المتحدرين من أصول مختلفة(عربية، تركية، شامية، بربرية، يونانية، أوأوربية) كما نستثني من هذه السلالة بعض الفلاحين المسلمين في الجنوب والشمال الشرقي الذين تعود أصولهم إلى القبائل البدوية أو الليبية. ويحافظ الأقباط عموماً على الشكل الأقرب للمصريين القدماء: وجه بيضاوي أو مستدير، سحنة سمراء داكنة اللون، شعر أسود مجعّد، أنف مستقيم وعريض، شفاه غليظة…
وينتشر سكان المدن منهم في كل الأقسام الإدارية، ولهم فيها مراكز فاعلة، والفلاحون منهم يشغلون قرى مصر العليا والوسطى وخاصة مناطق أسيوط والمنيا، وهم يشاركون المسلمين في هذه الأراضي وفي أحيان كثيرة يكونون المالكين الوحيدين لها. أما بين الطلبة، فقد كان الأقباط يمثلون النسبة الأكبر منذ 25 عاماً وحتى اليوم ما زال قسم هام من طلبة الجامعات من الأقباط.
يبلغ عدد الأقباط اليوم كمسيحيين بحسب إحصاءات إسلامية أربعة ملايين فقط أما بحسب الإحصاءات القبطية، فيبلغ زهاء الأربعة عشر مليوناً. ونرى بين هذين الرقمين بوناً شاسعاً يمكن معه تقدير عددهم بمختلف طوائفهم بثمانية ملايين. أما من الناحية العرقية فإن نسبتهم تقارب 95 % من سكان مصر الحاليين ولو أن 78 % من هذه النسبة اعتنقت الإسلام مع الفتح وبعده. ولا يمثل العرق العربي في مصر أكثر من 4 % من مجموع السكان وهناك 1 % من أصول مختلفة (تركية، ألبانية، بربرية، سلافية، يونانية، أرمنية، أوربية…) ونجزم أخيراً بأن المصريين بغالبيتهم هم من الأقباط المتعربين: 84 % منهم من الأقباط المتعربين المسلمين و16 % من الأقباط المتعربين المسيحيين.
نبذة تاريخية
يُفاخر أقباط مصر بأنهم أحفاد الفراعنة، بحيث أن من يكتب تاريخهم، عليه أن يكتب تاريخ الحضارة المصرية، أولى الحضارات البشرية.
ويقسم تاريخ مصر إلى قسمين
1- مصر قبل المسيحية
تعد حضارة مصر أولى الحضارات الإنسانية كما أسلفنا، فقد ظهرت منذ الألف الرابعة قبل المسيح وكان لها أبرز الأثر في تطور الفكر العالمي من نواحي التحنيط، والحساب، والهندسة المعمارية والمائية، والتقويم الشمسي، والكتابة الهيروغليفية (أول نوع من الكتابة التصويرية) ثم الكتابة الديموطيقية وليدتها.
ومن الناحية الدينية، كانت للمصريين مؤسساتهم، وأنظمتهم العقيدية. فآمنوا بالبعث والحياة بعد الموت، وخلفوا لنا كتاب «الموتى» أعظم أثر أدبي وديني في مصر القديمة.
عاشت مصر القديمة فترة من التوحيد مع الفرعون أخناتون، الذي ترك أثراً في التوحيد العبراني (المزمور 103). ولم يكن الاحتكاك المصري باليهود هو الوحيد، فقد اتصلوا بالمغرب وبالهلال الخصيب بواسطة الهكسوك الوافدين، إضافة إلى أنهم تأثّروا باللوغوس اليوناني، الذي يقابل ماعت في التراث المصري، وهي (الحكمة) أو الكلمة الوسيطة بين الآلهة والبشر.
هنا نُذَّكّر بدخول الأفلاطونية المحدثة، والحركة الفلسفية اليونانية إلى الإسكندرية، التي كانت فيها قبل أيام المسيح جالية يهودية كبيرة، ترجمت التوراة إلى اليونانية، فيما دُعي بالترجمة السبعينية، كما كان فيها بعض المفكرين المصريين، أمثال أفلوطين الذي شرح فكرة الأقنوم ونظرية الانبثاق وفيلون الاسكندري اليهودي المعتقد.
2- من دخول المسيحية إلى مجمع خلقيدونية
ذُكِرتْ مصر في الكتاب المقدس، واستعبدَ شعبُها اليهودَ مدةً طويلةً امتدّتْ حتى خروجِهم منها بقيادة النبي موسى. لكن قسماً منهم بقي فيها، ويروي الإنجيل الشريف: “أن العائلة المقدسة هربت إلى مصر خوفاً على المسيح الطفل”. (متى2: 13ـ15).
دخلت المسيحية مصرَ، ولا سيما الإسكندرية مع مرقس الرسول، ولذلك كُنيّت كنيستها ب«المرقسية»، وما لبث أن صار في مصر مائة أبرشية أواخر القرن الثالث المسيحي. وعندما انتشرت الغنوصية في القرن الثاني، نشأت إزاءها مدرسة الإسكندرية، ومن أعلامها باثنيوس الشهيد (مؤسسها)، وأكليمنضوس الإسكندري، وأريجانس نابغة عصره، وأصبحت هذه المدرسة منارة الكنيسة، لما كان لها من تأثير في عقول الناس، بفضل طرقها العلمية، وأفكارها الروحية السامية، مع اتصافها بالنزعة الصوفية، والتأويل الرمزي لأقوال الكتاب المقدس، وباستخدامها الفلسفة الأفلاطونية مقابلاً للمدرسة الانطاكية التي مالت إلى الفلسفة الأرسطوطالية.
وجرت العادة كنسياً على أن يعلن أسقف الإسكندرية تاريخ وقوع الفصح، وثُبّت ذلك في مجمع نيقية. وكان كرسي الإسكندرية هو الثالث بعد روما والقسطنطينية، يأتي بعده كرسي أنطاكية فأورشليم.
عانت الكنيسة القبطية من الاضطهادات، وقدّمت أفواجاً من الشهداء في سبيل الإيمان،
حتى أن تاريخها يبدأ من عام 284 مسيحية الموافق لبدء التقويم القبطي، أي في العام الذي تربّع فيه ديوكلسيانوس إمبراطوراً على روما، وأمر بالإضطهادات والقتل. وكان لأساقفة الإسكندرية أهمية كبرى في المجامع المسكونية: فقد انبرى أسقفها أثناسيوس للدفاع عن ألوهية المسيح ضد آريوس في مجمع نيقية عام 325م. ودافع كيرلس عن وحدة الأقنوم في المسيح، وواجه نسطوريوس في مجمع أفسس 431م. ودافع ديوسقورس عن أوطيخا القائل بطبيعة واحدة في المسيح، وذلك في مجمع ثانٍ في أفسس 449م. وانعقد المجمع الخلقيدوني (مدينة خلقيدونية في آسيا الصغرى) سنة 451 ضد ديوسقورس الذي حاول أن يدافع عن أقوال كيرلس، وحصل الانفصال بين الكنائس اللاخلقيدونية (القبطية ـ السريانية ـ الأرمنية) والكنائس الخلقيدونية (الرومية ـ اللاتينية).
أسباب الانفصال في خلقيدونية عام 451م
يمكننا أن نلخص هذه الأسباب، بالإضافة إلى الخلافات العقيدية، على النحو التالي
1- الشعور القومي القبطي، وعدم استلطاف العنصر اليوناني الغريب. وكذلك كان الأمر عند السريان في بلاد الشام والهلال الخصيب.
2- سيطرة بطريرك الإسكندرية القوية، وإيمان الأقباط بعصمته مما جعل سلطته روحية وزمنية في آن.
3- سيطرة العنصر الرهباني على القرار في الكنيسة القبطية، مع التأثير عينه على الشعب، ومجمل الإكليروس.
أما السبب المباشرفهو أن مجمع خلقيدونية استعمل تعبيراً لاهوتياً، يؤكد أن في المسيح طبيعتين كاملتين (إلهية وبشرية)، مسقطاً رأي القديس كيرلس، وقد رأى المصريون في ذلك حكماً على هذا القديس، كون المجمع حكم على تعبير ديوسقوروس، الذي كان أقوى مدافع عن رأي كيرلس.
وقد سُمّي الأقباط ومن معهم ممن رفض المجمع الخلقيدوني ب “المونوفيزيين” أي “أصحاب الطبيعة الواحدة للمسيح”.
أرثوذكسية الأقباط
معلوم أن لفظة «الأرثوذكسية» يونانية الأصل، وتعني «استقامة الرأي» أو «المعتقد القويم»، وتُطلقْ على الكنائس غير المتحدة بروما، وتحديداً على الكنائس الشرقية. ولكن أرثوذكسية الأقباط وبقية الكنائس قبل الخلقيدونية تختلف عن الخلقيدونية وهي كنيستا روما والقسطنطينية وسائر الكنائس التي اعترفت بمقررات خلقيدونية قبل الانشقاق الكبير عام 1054م (حين اختصت الكنيسة الرومانية الغربية بلقب كاثوليكية والكنيسة الشرقية الرومية بلقب أرثوذكسية). وعلى هذا يمكننا أن نقول أن الأقباط وبقية الكنائس الشرقية هي ليست مونوفيزية /بالمعنى الحرفي للكلمة/ لكونها تعترف بناسوت كامل، ولاهوت كامل للرب يسوع، ولكنها تعتبر أن لفظتي طبيعة وشخص مترادفتان، ولا تقول قول المجمع الخلقيدوني: “بأن المسيح شخص واحد له طبيعتان إلهية وبشرية”، بل إن للمسيح الإله والإنسان طبيعة واحدة أي أن اللاهوت والناسوت متحدان فيه.
إذن المسألة لفظية، وهذا يعني، استناداً إلى البيان والاتفاق البطريركي والمجمعي الأنطاكي الأرثوذكسي، والسرياني الأرثوذكسي في تسعينات القرن العشرين، ومباحثات البابا شنودة والبابا بولس السادس، أن الأشقاء الأقباط والسريان لم يرفضا إيمان خلقيدونية، بل التعبير المستعمل فيه، مع الإشارة إلى أن الترجمة من اللغة اليونانية، وهي لغة “مجمع خلقيدونية” إلى “الديموطيقية” والسريانية هي مَن أوقع هذا الخلل اللفظي الذي أدى إلى هذه الإشكالية، لأن الإيمان واحد.
وكانت الفترة الرومية (451_641 م) فترة عصيبة بسبب الانقسامات الداخلية العميقة، ولن ندخل في هذا البحث العصيب والمتعب، الذي سَكَنَ بوصول الفرس إلى مصر عام (618 ـ 619 م) الذين زرعوا الموت في كل مكان، وذبحوا عدداً كبيراً من الرهبان، ونهبوا الأديرة الكثيرة في ضواحي الإسكندرية وهدموها. ثم ما لبث العرب المسلمون عام 639 أن اجتاحوا مصر بسرعة مذهلة، وبمساعدة السكان المحليين الذين اعتقدوا أن الفاتحين سيحررونهم من القبضة الرومية. وهكذا لم يجد عمرو بن العاص فاتح مصر أية مقاومة تذكر إلا في حصاره الإسكندرية بسبب طابعها الرومي ولكنه ما عتم أن استولى عليها عام 641م.
خلال فترة العرب المسلمين (641ـ 1517م) عُومل الأقباط بالحسنى في بادئ الأمر، وإن أثقلهم العرب بالضرائب، ولكنهم تركوا لهم أملاكهم وحريتهم في ممارسة شعائرهم الدينية، أما الروميون (الخلقيدونيون أو الملكيون) فقد عُوملوا بقسوة، ولم يكونوا وقتها إلا أقلية: (200) ألف مقابل ستة ملايين قبطي.
ما لبث الاضطهاد أن استفحل، وخاصة في عهد يزيد الأول (679ـ 682م) الذي ذبح عدداً كبيراً منهم، وأثقل الناس بالضرائب والغرامات، ووضع الوشم، وأقصى المسيحيين عن كل الوظائف فأسلم عدد كبير منهم، واستمر الاضطهاد وبلغ ذروته زمن الفاطميين، وتحديداً زمن (الحاكم بأمر الله) الطاغية الذي قتل خاليه البطريركين الأرثوذكسيين على الإسكندرية والقدس، وأجبر كل مسيحي أن يضع في عنقه صليباً يزن رطلاً (2.5 كغ) وحرّمَ الخمر في الذبيحة، حيث استعيض عنه بماء نقوع الزبيب. وفي عهد صلاح الدين الأيوبي، نَعِمَ المسيحيون بهدوء نسبي، ولكن الاضطهاد استعر مجدداً وبشدة زمن المماليك.
وعاشت الكنيسة القبطية حالة متردية، فانهارت القيم الأخلاقية، وتفشت السيمونية تحت ضغط الغرامات النقدية التي فرضها الحكام عليهم. وفسحتْ حملاتُ الفرنجة المجال للأقباط بإقامة علاقات مع اللاتين، ولكنها لم تكن دوماً جيدة. فقد طرد اللاتينُ الأقباط من الأماكن المقدسة في فلسطين، ومنعوهم من الحج إلى القدس، فانتقل النزاع إلى المستوى العقيدي، فأصدر الأقباط كتباً جدلية ضد اللاتين.
ولم يكن الوضع في العهد العثماني (1517 ـ 1805م) أفضل حالاً مع تنامي دخول الرهبنات اللاتينية، والمحاولات الحثيثية للاتحاد مع الأقباط، وكانت بداياتها مع (مجمع فلورنسا اللاتيني) عام (1439م).
في العهد المصري (1798) وحتى أواخر القرن التاسع عشر، ومع مرور الفرنسيين القصير في مصر (1798ـ 1801)، انتهى النظام الاستبدادي بالنسبة للمسيحيين المصريين وبدأ عهد الحرية، تحديداً مع محمد علي باشا خديوي مصر (1805 ـ 1849م) الذي أعطى المسيحيين كامل الحرية وطلب مشاركتهم الفاعلة في بناء دولته الجديدة، فاستفاد الأقباط من هذا النظام الليبرالي ليتقدموا ويحيوا تراثهم. وقد ازداد عددهم، بيد أن هذه الحرية التي نَعِمَ بها المسيحيون في مصر، فتحت الباب واسعاً أمام المبشرين الكاثوليك والبروتستانت، الذين اجتاحوا حظيرة الأقباط وأخذوا الكثير من خرافها. ولقد سجل البروتستانت تقدماً ملحوظاً بفضل الأموال الطائلة التي يملكونها، لا سيما على أثر الاحتلال الإنكليزي لمصر (1882 ـ 1956م). ونشير إلى أن القوانين المصرية في القرن (19) اعترفت بالمساواة في الحقوق والواجبات لكل المصريين، واستعان محمد علي بالأجانب لتحديث مصر، ولكنه فضل الأجانب على الأقباط، فقد أرسل بعض الأرمن في بعثات دراسية إلى أوربا، ولم يرسل أقباطاً، ولكنه أسند إليهم تحصيل الضرائب والأمور المالية.
وقام الأقباط الأرثوذكس بفتح المدارس، وظهرت حركة للعلمانيين، آزرت بدايات نهضة الكنيسة. كان من أهم المصلحين البطريرك كيرلس الرابع (1854 ـ 1861م) وسمّي بأبي النهضة. فقد أسس مدارس للصبيان، وأولى مدارس البنات في مصر، والمدرسة البطريركية في الأزبكية بالقاهرة. وأسس مطبعة، ونظّم عمل الشمامسة، واهتم كثيراً بتدريس اللغة القبطية.
أسهم الأقباط في الحركات الوطنية فيما بعد، فهي مصدر أمل كبير للتعويض عن هويتهم المصرية. وانخرطوا في الأحزاب الوطنية، وكان منهم مكرم عبيد أحد قادة حزب الوفد. والقضايا القومية تشهد للأقباط بريادتها ولعل مثلث الرحمات البابا شنودة من بين أهمهم.
التقوى والصلوات القبطية
إن واجب المؤمن هو رؤية ما هو من الله، وعيشه في جو سماوي، مشابه للجو الذي خلقه الرهبان. من الناحية العقيدية القبطية، يميل الأقباط إلى التركيز على ألوهية الكلمة أكثر من الكلام على ناسوته. وبالنسبة للصلاة، لا يمل الأقباط منها وترانيمهم حزينة، ونرى في ذلك معنى روحي من جهة، سببه أن من يرى مجد الله في الصلاة، يخبو مجد الدنيا في نظره ويظهر له بؤس الحياة من جهة، ومعنى نفسي واجتماعي من جهة ثانية، بسبب الاضطهادات الكثيرة التي تعرض لها الأقباط في تاريخهم، والتي طبعت حياتهم بطابع الألم والحزن، فانعكس هذا الشعور المتراكم في ترانيمهم.
للأماكن المقدسة، والأدوات الطقسية، رهبة خاصة في نفس القبطي، فلا يصعد إلى الهيكل إلا ذوو الدرجات الكهنوتية، لأن الهيكل هو انعكاس السماء مكان عرش الله. ولا يجد القبطي تعبيراً أمام هذا الواقع العظيم سوى، أن ينحني ويسجد خاشعاً أمام مجد الله وخيره وحبه للبشر.
وقد نشأت الرهبنة لدى الأقباط بكثافة، وخاصة المنحى التوحيدي، فاهتموا كثيراً بالأصوام حيث يصومون حوالي 200 يوم في العام عن اللحوم والألبان.
بالنسبة للعماد، يؤخرون عماد ذكورهم أربعين يوماً وإناثهم ثمانين يوماً، ويخبزون خبز التقدمة (القربان) كل يوم، ولا يبقون من الخبز المكرس شيئاً حتى للمرضى. وكثيراً ما يستغنون عن سر الاعتراف، بالاعتراف على دخان البخور، ولديهم عادة شرب الماء بعد المناولة احتراماً للقربان المقدس.
الأقباط الكاثوليك
منذ نهاية القرن السابع عشر، بدأ تغلغل الرهبنات والمرسلين الكاثوليك من فرنسيسكان ويسوعيين… في مصر، وجرت محاولات اللتننة بطريقة غير مباشرة بفتح المدارس. وترافق ذلك مع فكرة انتشرت بين الأقباط في مطلع القرن الثامن عشر، بوجوب الاتحاد بالكنيسة الرومانية فانضم عدد لا بأس به، وأراد بابا روما اكليمنضوس الثاني عشر أن يشجع هذه الحركة، فمنح رهبان مار انطونيوس الأقباط في عام (1731) دير القديس استفانوس في روما، الذي كان البابا لاون الكبير قد وضعه في القرن الخامس تحت تصرف المصريين المنفيين من قبل أصحاب الطبيعة الواحدة للمسيح (المونوفيزية). وكتب البابا اكليمنضوس إلى البطريرك القبطي يوحنا السابع عشر يدعوه إلى الاتحاد مع الكرسي الروماني.
وازداد عدد الأقباط الكاثوليك في مصر، فوضعهم البابا بندكتوس الرابع عشر تحت سلطة أسقف القدس القبطي أثناسيوس، الذي اعتنق الكثلكة وبقي في القدس، وأوكل أمر الأقباط الكاثوليك في مصر إلى نائبه العام وخلفه بعد موته يوحنا خرارجي، ثم متى ريفا، وأخذ كل منهما لقب «النائب الرسولي على الأمة القبطية». ولم يحصلا على الرسامة الأسقفية لعدم وجود أسقف كاثوليكي يمنحها لهما. ولما توفي متى ريفا عام (1822م) سعى الوجيه القبطي الكاثوليكي باسيليوس بك لدى البابا لاون الثاني عشر إلى تأسيس بطريركية قبطية كاثوليكية، وتدخل الخديوي محمد علي باشا ذاته في هذه القضية، لكن المشروع لم يتحقق. وكان الرهبان الفرنسيسكان والكهنة الأقباط يهتمون معاً بهذه الطائفة الناشئة في الكنائس نفسها. وعقد الفريقان اتفاقية عام (1893م) منح الآباء الفرنسيسكان بموجبها عشر كنائس للكهنة الأقباط تقع كلها في صعيد مصر.
وأسس البابا لاون الثالث عشر عام (1895م) ثلاث أبرشيات قبطية كاثوليكية هي الإسكندرية وطهطا والمنيا، وأقام المطران كيرلس مقار، وهو من تلامذة الرهبان اليسوعيين في بيروت، نائباً بطريركياً في الإسكندرية، ثم رفعه بطريركاً عام (1899م)، وكان أول بطريرك على الأقباط الكاثوليك.
أما البطريرك الحالي فهو استفانس الثاني غطاس منذ (م1986). يبلغ عدد الأقباط الكاثوليك حوالي مائة ألف مؤمن ونيف ترعاهم خمس أبرشيات.
أما الأقباط البروتستانت فيبلغ عددهم حوالي (100.000) بروتستانتي من مختلف الشيع البروتستانتية وفقاً لإحصاءات محلية.
الخاتمة
نأمل من خلال هذا البحث أن نكون قد قدمنا فائدة لقراء موقعنا بالإطلاع على إحدى أهم الكنائس المسيحية الشقيقة، والأكبر عدداً في منطقة الشرق الأوسط، والمشرق، التي تلعب دوراً مميزاً في ارتباط أبنائها بأرض مصر، على أنها أرض الآباء والأجداد، والتي لعبت وتلعب دوراً مميزاً في موقف المسيحيين القومي المتميّزفي مشرقنا بعدم الحج إلى القدس طالما هي تحت الاحتلال الصهيوني، وهذا ينسجم مع موقف بطريركيتنا الأنطاكية وبطاركتنا الأنطاكيين. إن بحثنا هذا إطلاعي محض هدفنا منه التعرف على الاخوة في المسيح الواحد آملين أن نكون قد وفقنا.
مراجع البحث
ـ د. أسد رستم، كنيسة انطاكية.
ـ الكسندروس جحى، تاريخ الكنيسة المسيحية.
ـ ناجي نعمان، المجموعات العرقية والمذهبية في العالم العربي.
Beta feature
Beta feature
Beta feature
Beta feature
Beta feature
اترك تعليقاً