الإمبراطور ثيوذوسيوس الكبير
(347م – 395م)
مقدمة
هو الإمبراطور ” ثيوذوسيوس الأول ” ، أو ” ثيوذوسيوس الكبير ” .
يطلق عليه أيضًا إسم “ثيوذوسيوس “.
كان من أصل أسباني ، أظهر مواهبه الحربية ومهارته في القيادة اسبانيا، و بريطانيا ، و تراقية. وكان قد أقنع القوط المعتنقين المسيحية بالانضواء تحت لوائه بدل أن يحاربوه، وحكم الولايات الشرقية بحكمة وروية في كل شيء إلا في عدم تسامحه الديني ؛ فلما تولى الملك روع نصف العالم بما اجتمع فيه من صفات متناقضة هي جمال خلقه، ومهابته، وغضبه السريع ورحمته الأسرع، وتشريعاته الرحيمة، وتمسكه الصارم بمبادئ الدين القويم.
ثيوذوسيوس الأول أو الامبراطور ثيوذوسيوس الكبير (347م – 395م) ، بالانجليزية Theodosius I ، هو آخر إمبراطور للإمبراطورية الرومانية الموحدة حيث انقسمت الامبراطورية الرومانية إلى شطرين بعد وفاتة.
عُين ثيودوسيوس الأول إمبراطورا للدولة الرومانية 378م. تبنى الامبراطور ثيودوسيوس الاول المسيحية في عام 380، وجعل منها دينا وحيدا للامبراطورية في العام 391م وابطل عبادة الاوثان الرومانية وحول معابدها الى كنائس مسيحية.
الجلوس على عرش الإمبراطورية الرومانية
لقد تولى الإمبراطور ” ثيوذوسيوس الأول ” حكم الإمبراطورية الرومانية بعد مقتل الإمبراطور فالنس وشقيقه ” فالنيتينيان الثاني ” في سنة 375 م .
تقسيم الإمبراطورية الرومانية إلى قسمين
قام الإمبراطور ثيودوسيوس الأول – بتقسيم الإمبراطورية إلى قسمين : الإمبراطورية الرومانية لولديه آركاديوس إلى الإمبراطورية الرومانية الشرقية (مع عاصمة بلاده في القسطنطينية) ، وهونوريوس في الإمبراطورية الغربية (مع عاصمة بلاده في ميلانو).

قسم غربي تحت حكم الإمبراطور هونريوس وقسم شرقي تحت حكم الإمبراطور أركاديوس
وقائع المجمع المسكوني الثاني في القسطنطينية
إلتأم المجمع المسكوني الثاني في القسطنطينية سنة 381م ، بناء على دعوة الإمبراطور ” ثيوذوسيوس الكبير .”
وعلى الرغم من المشاكل الكثيرة والتعقيدات المتعدّدة التي حصلت بسببه ، ومنها – أن أبرشيات الغرب بما فيها روما ، لم تُدعَ إلى المشاركة فيه ، إعتبره القديس غريغوريوس ، واحداً من أربعة مجامع يحترمها ويُجلّها ، كما يحترم ويجلّ الأناجيل الأربعة المقدسة ، وقد رَأس المجمع أولاً أسقف أنطاكية ملاتيوس الذي توفّي أثناء التئامه ، فأُسندت رئاسته إلى القدّيس غريغوريوس اللاهوتي ، وكانت قد أُقيمت عليه دعوى لخَرقه القوانين التي تمنع إنتقال الأساقفة ـ لإنتقاله من إبراشيته إلى كرسي القسطنطينية ، فإستعفى ، وترأس مكانه ، وقد خلفه في أسقفية القسطنطينية ” نكتاريوس “.
الإمبراطور ثيوذيوسيوس والقضاء على الوثنية والمِثلية
لقد بدأ الإضطهاد المسيحي للدين الروماني في عهد الملك ثيؤدوسيوس الأول في عام :381م ، بعد أول عامين من حكمه في الإمبراطورية الرومانية الشرقية.
في ثمانينيات القرن الرابع ، كرر ثيودوسيوس الأول الحظر الذي فرضه قسطنطين على بعض مُمارسات الدين الروماني ، وأعلن أن القضاة الذين لم ينفذوا القوانين ضد تعدد الآلهة ، سيتعرضون للملاحقة الجنائية، وقضى على بعض الجمعيات الوثنية ولم يعاقب مُنفذي الإعتداءات على المعابد الرومانية.
وفي عام 360م ، جرّم الامبراطور ثيودوسيوس الأول المِثلية الجنسية ، استنادًا إلى إدانة العهد الجديد لها. حيث كانت المثلية الجنسية مباحة في الوثنية الرومانية.
اكتسبت المسيحية قوة كبيرة رغم كل تلك النزاعات و ذلك في مواجهة المعتقدات وخاصة في عهده 378م-395م الذي أصدر مرسوماً ببطلان العبادات الوثنية و القرابين و إحراق البخور و ممارسة الكهانة و معرفة الغيب و أمر بهدم هياكل الأصنام.
قد مر أن توادوسيوس هو ابن الكنت توادوسيوس الذي قتله غراسيان سنة 376 ثم سمى ابنه توادوسيوس هذا ملكاً في المشرق سنة 378 وقد رأيت أنه قهر بعد ملكه الغطط وأباح لهم أن يتوطونوا في تراقيا 386 بشرط أن يخدموا المملكة وأنه انتصر لوالنتيان الثاني وقتل مكسيموس خصمه وسترى أنه بعد مقتل والنتنيان سنة 393 حارب اربوكست قاتل هذا الملك واوجان الذي نصبه ملكاً واستظهر عليهما واستبد في الملك غرباً وشرقاً وكان توادوسيوس كاثوليكياً يدافع عن الإيمان الكاثوليكي وقد عنى بعقد مجمع في القسطنطينية سنة 381 انتخب فيه القديس غريغوريوس النزينزي على الكرسي القسطنطيني وحرم بدعة مكدونيوس وناصب الارسوسيين وقد أمر بنقض هياكل الوثنيين وأبطل جعل كهنتهم ومنع عبادة أصنامهم حتى قلّ من بقي منهم في غير القرى والمزارع المسماة باللاتينية باجي (وعنها أخذ إسم Pagani وبالأفرنسية païens المراد به الوثنيين).
أما نقض الهياكل الوثنية فقد حمل توادوسيوس عليه هياج أحدثه الوثنيون في الاسكندرية لرؤيتهم تغلب الدين المسيحي على الوثنية فثاروا على المسيحيين وقتلوا كثيرين منهم فكانوا يقبضون على بعض المسيحيين ويكلفونهم أن يضحوا للآلهة ومن خالفهم علقوه على صليب وحطموا ساقيه أو أجروا عليه عذاباً آخر والكنيسة تعيد لكثير من هؤلاء الذين آثروا الموت على الجحود وعرض الأمر على توادوسيوس فأثنى في جوابه أعظم ثناء على المسيحيين الذين فازوا بإكليل الشهادة في هذه الأحداث وقال أنه لا يريد أن يمزج دم القاتلين بدم الشهداء بل يعفو عنهم رجاء أن يفقهوا أن الدين الذي يضطهدون أهله كان علة بقائهم أحياء لكنه يأمر بنقض هياكل الإسكندرية التي كانت منبعاً للفساد والمكايد وعهد إلى تاوافيلوس بطريرك الإسكندرية بتنفيذ هذا الأمر وأمر الوالي أن يمكن الأسقف من ذلك وأن يُدفع إلى الكنائس كل ما كان في هياكل الأصنام من الزينات والتماثيل لتباع وينفق ثمنها على سد فاقة الفقراء فابتدأ ثاوفيلوس في نقض هيكل سرابيس وكان أجل معبود في الإسكندرية وحطم تمثال هذا الإله الذي كان في هيكله وأحرقه ولم يدع تاوفيلوس هيكلاً في الاسكندرية إلا ودمره ولا تمثال إلا وكسره أو أحرقه وأتبع بذلك هيكل كانوب وهي أبوقير وغيره من الهياكل في مصر وكتب إلى سائر أساقفة مصر فاقتدوا بغيرته وسقطت الوثنية في مصر مع هياكلها وأصنامها وأقبل كثيرون من الوثنيين إلى الإيمان في تلك الأثناء.
وأما في سورية فأبى أهل كثير من المدن الطاعة لأمر الملك منهم أهل غزة فإنهم عزموا أن يضحوا بنفوسهم فداء معبودهم مرناس فاجتزئ الوالي بأن يقفل معابدهم وأهل رافيا في فلسطين آلوا أن لا يطيعوا أمر الملك ولو قتلهم عن آخرهم فاغضى الوالي طرفه عنهم.
وأما في دمشق فحول هيكل الأوثان الكبير وهو على اسم الاله جوبيتير وكان يشكل ربع دمشق القديمة في المساحة، إلى كنيسة كبرى صارت كاتدرائية دمشق الكبرى على اسم القديس يوحنا المعمدان، وتابع سلفه الامبراطور مركيانوس بنقل رأس القديس يوحنا المعمدان الى كاتدرائية دمشق ليوضع على مائدتها المقدسة، وليكون شافعاً لمدينة دمشق زاهرة مدن الامبراطورية الرومانية في المشرق.
وكذلك حول هيكل الشمس الشهير في بعلبك إلى كنيسة بعد أن ذبّ عنه الوثنيون بالقنا والقواضب. ولما سمع أهل اباميا بأمر ثيوذوسيوس هاجوا وماجوا واستدعوا رجالاً وثنيين من الجليل وصمموا على المدافعة عن هياكلهم على أنهم لما رأوا حاكم المشرق في مدينتهم يصحبه قضاة وجنود عدلوا عن المقاومة فدمرت هياكلهم إلا هيكل المشترى فإن بناءه كان متيناً وحجارته ضخمة مرتبط بعضها ببعض بحديد ورصاص. فحاول الحاكم نقضه وكان تعب جنوده عبثاً فأشار عليه القديس مرسل أسقف المدينة أن ينتقل إلى نقض غيره من الهياكل وأخذ هذا القديس يصلي إلى الله ليهديه إلى وسيلة لنقض هذا البناء وكان الهيكل على رابية تحدث به من الجهات الأربع أروقة قائمة على أعمدة محيط كل منها ست عشرة ذراعاً وصخرها صلد قلما تؤثر الآلات به فوفد على القديس رجل لا يعرف صناعة البناء قائلاً أنه يتكفل بهدم الهيكل بنفقةٍ يسيرة وأخذ الرجل يحفر في جانب ثلاثة أعمدة فوجد أنها قائمة في أسسها على قطع من خشب الزيتون فأضرم النار عليه فاحترقت ولما لم يبق للأعمدة الثلاثة أس ترسخ عليه تداعت وسقطت وجذبت معها باقي الأعمدة وأتبعها باقي البناء، فمجد المؤمنون الله. وكان في إحدى نواحي اباميا هيكل كبير يسمى ابولون فمضى إليه الأسقف مع الجنود والشرط لأن الوثنيين كانوا تألبوا للمدافعة عنه واستمر مرسل الأسقف بعيداً عن ساحة القتال فاستحوذ الجنود على الهيكل وخرج بعض الوثنيين ولما وجدوا الأسقف وحده وثبوا عليه وألقوه في نار لقي ربه بلظاها وعزم أبناؤه أن يثأروا به بقتل قاتليه فعقد الأساقفة مجمعاً إقليمياً نهاهم عن ذلك والكنيسة اللاتينية تعيد للقديس مرسل أسقف اباميا في 14 من شهر آب (روى ذلك توادوريطوس ك5 فصل 21 وسوزومانوس ك7 فصل 15).
وكانثيوذوسيوس يقيم في تسالونيك ولدى تفحصه عن حالة الدين في مملكته اتضح له أن جميع مسوديه في المغرب إلى مقدونيا مجمعون على الإيمان الصحيح بسر الثالوث الأقدس وأما سكان المشرق فمنقسمون إلى بدع عديدة ولاسيما في القسطنطينية فأصدر في 28 شباط 380 شريعة مفتتحة بكلمة conctos populos (أي جميع الشعوب) وهاك نصها:
” من غراسيان ووالنتيان وثيوذوسيوس الملوك إلى شعب مدينة القسطنطينية إننا نرغب في أن جميع الشعوب الخاضعين لولايتنا يتشبثون بالإيمان الذي أرشد القديس بطرس الرسول الرومانيين إليه كما يظهر من أن هذا الإيمان حفظ في رومة إلى الآن ويلزم أن نتابع عليه داماسوس الحبر الروماني وبطرس أسقف الإسكندرية المتصف بالقداسة الرسولية فإننا نعتقد بحسب إرشاد الرسل وتعليم الإنجيل أن للأب والإبن والروح القدس لاهوتاً واحداً وعزة متساوية في ثالوث مقدس ونأمر أن من يذعنون لهذه السنة يسمون مسيحيين وغيرهم ممن نعتقدهم حمقى يسمون أراتقة وأن مجتمعاتهم لا تسمى كنائس وندع عقابهم إلى إنتقام الله أولاً ثم إلى ما يلهمنا الله إليه” وقد وجه هذه الشريعة إلى القسطنطينية عاصمة الملك ليتيسر إذاعتها في باقي أعمال المملكة وذكر بطريرك الإسكندرية دون غيره من البطاركة لأن كرسيه أقامه مرقس تلميذ بطرس ولم يذكر بطريرك أنطاكية لأن هذا الكرسي كان حينئذٍ يتنازعه ملاتيوس وبولينوس وفي تلك السنة نفسها أصدر شريعة حظر بها على القضاة أن يتعقبوا المجرمين في أيام الصوم لأنها أيام طلب المغفرة من الله كما يقول في شريعته وأوقف ملاحقة الدعاوى في سبتي الفصح وأيام الآحاد في السنة كلها ومنع في هذه الأيام فتح المشاهد والملاعب والحضور فيها إلى غير ذلك من شرائعه المحكمة والمؤذنة برسوخه في الدين.

قرارات الإمبراطور ثيوذوسيوس من أجل تطهير الكنيسة
في الفترة ما بين عامي 389 م – و392 م – أصدر المراسيم الثيودوسية ( والتي أحدثت تغييراً كبيراً في سياساته الدينية ) ، التي أزاحت المسيحيين غير الارثوذكسيين من الكنيسة ، وألغت آخر الأشكال المُتبقية من الوثنية الرومانية عن طريق جعل العطلات الدينية الوثنية أيام عمل ، وحظر تضحيات الدم ، وأغلق المعابد الرومانية ، وصادر ثروات المعابد ، وأنهى عمل عذارى فيستال. أيضًا تم معاقبة ممارسة السحر. رفض ثيؤدوسيوس استعادة مذبح النصر في مجلس الشيوخ ، على الرغم من طلب أعضاء مجلس الشيوخ الروماني غير المسيحيين.
في 392 م – أصبح الإمبراطور الوحيد – منذ هذه اللحظة وحتى نهاية حكمه في عام 395م – بينما واصل غير المسيحيين طلب التسامح الديني ، أمر ثيؤدوسيوس ، أو أذن بـ – أو على الأقل فشل في معاقبة منفذي – إغلاق أو تدمير العديد من المعابد والأغراض والمواقع المقدسة في جميع أنحاء الإمبراطورية.
هو الذي جعل يوم الاحد وهو يوم قيامة الرب يسوع عطلة اسبوعية من اجل تقديس يوم الرب وقيام المؤمنين بالصلاة في الكنائس.
وقائع عقد معاهدة الصلح مع القوط
عقد صلح مع القوط الغربيين ممثلين في قائدهم فريتيجيرن عام 379م. بقي الطرفان متصالحين حتى موت ثيودوسيوس عام 395م. في ذلك العام عين القوط الغربيون ألاريك الأول كملك لهم بينما تولى أبناء ثيودوسيوس حكم الإمبراطورية فتولى آركاديوس حكم المناطق الشرقية فيها وهونوريوس الغربية منها.
اضطرابات في البلاد
وبينما كان الإمبراطور يقضي الشتاء في ميلان حدث في تسالونيكي اضطراب كان من خصائص تلك الأيام. وكان سببه أن بُثريك Botheric نائب الإمبراطور في ذلك البلد قد سجن سائق عربة محبوب من أهل المدينة جزاء له على جريمة خلقية فاضحة ، فطلب الأهلون إطلاق سراحه ، وأبى بثريك أن يجيبهم إلى طلبهم ، وهجم الغوغاء على الحامية وتغلبوا عليها ، وقتلوا الحاكم وأعوانه ومزقوا أجسامهم إرباً ، وطافوا بشوارع المدينة متظاهرين يحملون أشلاءهم دلالة على ما أحرزوه من نصر. ولما وصلت أنباء هذه الفتنة إلى مسامعه فاستشاط غضباً وبعث بأوامر سرية تقضي بأن يحل العقاب بجميع سكان تسالونيكية فدعى أهل المدينة إلى ميدان السباق لمشاهدة الألعاب ، ولما حضروا انقض عليهم الجند المترصدون لهم وقتلوا منهم سبعة آلاف من الرجال والنساء والاطفال. وكان قد بعث بأمر ثان يخفف به أمره الأول ولكنه وصل بعد فوات الفرصة. وارتاع العالم الروماني لهذا الانتقام الوحشي وكتب الأسقف أمبروز Ambrose الذي كان يجلس على كرسي ميلان ويصرف منه على شؤون الأبرشية الدينية بالجرأة والصلابة الخليقتين بالمسيحية الحقة ، كتب إلى الإمبراطور يقول إنه (أي الأسقف) لا يستطيع بعد ذلك الوقت أن يقيم القداس في حضرة الإمبراطور إلا إذا كفر ثيوذوسيوس عن جرمه هذا أمام الشعب كله. وأبى الإمبراطور أن يحط من كرامة منصبه بهذا الإذلال العلني وإن كان في خبيئة نفسه قد ندم على ما فعل ، وحاول أن يدخل الكنيسة، ولكن أمبروز نفسه سد عليه الطريق ، ولم يجد الإمبراطور بداً من الخضوع بعد أن قضى عدة أسابيع يحاول فيها عبثاً أن يتخلص من هذا المأزق ، فجرد نفسه من جميع شعائر الإمبراطورية ، ودخل الكنيسة دخول التائب الذليل، وتوسل إلى الله أن يغفر له خطاياه. وكان هذا الحادث نصراً وهزيمة تاريخيين في الحرب القائمة بين الكنيسة والدولة.
ولما عاد ثيودوسيوس إلى القسطنطينية تبين أن والنتيان الثاني؛ وهو شاب في العشرين من عمره ، عاجز عن حل المشاكل التي تحيط به. فقد خدعه أعوانه وجمعوا السلطة كلها في أيديهم المرتشية، واغتصب أربوغاست Arbogast الفرنجي الوثني قائد جيشه المرابط السلطة الإمبراطورية فيغالة ، ولما قدم والنتنيان إلى فين ليؤكد فيها سيادته قتل غيلة. ورفع أربوجاست على عرش الغرب تلميذاً وديعاً سلس القياد يدعى ايوجينوس Eugenius وبدأ بعمله هذا سلسلة من البرابرة صانعي الملك. وكان أوجينوس مسيحياً: ولكنه كان وثيق الصلة بالأحزاب الوثنية في إيطاليا إلى حد جعل أمبروز يخشى أن يصبح يولياناً ثانياً.
وزحف ثيوذوسيوس مرة أخرى نحو الغرب ليعيد إلى تلك الأنحاء السلطة الشرعية ويردها إلى الدين القويم. وكان تحت لوائه جيش من الهون والقوط ، والألاني، وأهل القوقاز ، و ايبيريا ، وكان من بين قواده جيناس Gainas القوطي الذي استولى فيما بعد على القسطنطينية، واستلكو الوندالي الذي دافع في المستقبل عن روما، وألريك القوطي الذي نهبها. ودارت بالقرب من أكويليا معركة دامت يومين ، هزم فيها أربوجاست وأوجينوس ؛ فأما أوجينوس فقد ذبح بعد أن أسلمه جنوده، وأما أربوجاست فقد قتل نفسه بيده. واستدعى ثيوذوسيوس ابنه هونوريوس Honorius وهو غلام في الحادية عشرة من عمره ليقيمه إمبراطور على الغرب ، ورشح ابنه اركاديوس Arcadius البالغ من العمر ثماني عشر سنة ليكون إمبراطور معه على الشرق ثم مات بعدئذ في ميلان منهوكاً من كثرة الحروب ولم يتجاوز الخمسين من عمره. وانقسمت بعد موته الإمبراطورية التي طالما وحدها، ولم يجتمع شملها مرة أخرى بعد ذلك الوقت إلا في فترة قصيرة تحت حكم يوستنيانوس الاول.
في سنة387م أراد ثيودوسيوس الاحتفال بمضي 4 سنوات على تمليك ابنه اركاديوس معه وعشر سنوات على حكمه، ففرض ضرائب جديدة هاجت بسببها أنطاكية.
قرارات أخرى للإمبراطور ثيوذوسيوس الأول
في عام 393م أصدر ثيوذوسيوس قانونًا شاملاً يحظر أي عادات دينية غير مسيحية عامة ، وكان قمعيًا بصفة خاصة للمانويين.
ومن المحتمل أن يكون قد أوقف الألعاب الأولمبية القديمة فقد أصدر في العام 393 مسيحية قرارا ثوريا قضى بإلغاء الأعاب الاولمبية باعتبارها مهرجانات وثنية لا تليق بالامبراطورية الرومانية المسيحية التي قد نبذت الوثنية واعتنقت المسيحية. وبعد 1500 عام رقدت أولمبيا تحت آلاف من الأطنان من التراب والركام وطين فيضانات نهري ((آلفيوس وكلاوديوس)) ونهبت خلالها القبائل الهمجية كل كنوز اولمبيا ودمرتها الزلازل، التي سجل آخر إحتفال بها في عام 393 م ، على الرغم من أن الأدلة الأثرية تُشير إلى أن بعض الألعاب ، كانت قد إستمرت بعد هذا التاريخ.