الايقونة او الصور المقدسة
الجزء الثاني
لاهوت الأيقونة
لاينفصل فحوى الأيقونة ولاهوتها عن شكلها واسلوب صناعتها ورسمها، فالمعاني اللاهوتية التي تبرزها الأيقونة كثيرة التعداد، والأساس اللاهوتي الذي بُنيت عليه الأيقونة هو سر التجسد الإلهي، إذ “لما جاء ملء الزمان ارسل الله ابنه مولوداً من امرأة، مولوداً تحت الناموس، ليفتدي الذين تحت الناموس، لننال التبني”، نعم ارسل كلمته الذي صار جسداً وحلَّ بيننا ورأينا مجده، دون ان يفقد شيئاً من جوهره الإلهي، بل اتخذ الطبيعة البشرية بجميع خواصهاوأصبح الاله منظوراً بجسد إنساني.

من هذا المرتكز العقائدي يقول القديس يوحنا الدمشقي: ” الايقونة شرعية، بعد ان صار الله في احشاء رحمته إنساناً بالحقيقة، لأجل خلاصنا، لأجل ذلك أصنع واثقاً صورة الله غير المنظور الصائر لأجلنا مساهماً في اللحم والدين، اني لست بصانع ايقونة الألوهة غير المنظورة، لكن ايقونة جسد الاله الذي رأيناه.” إذ أعلمتنا الكنيسة الرسولية الأرثوذكسية المقدسة أن نرسم السيد له المجد بايماننا ان ايقونته تمثل اقنومه، لا الطبيعة الالهية وحدها ولا طبيعته الانسانية وحدها كما اعتقد محاربو الايقونات. فنتحاشى ان نرسمه إنساناً عادياً بوجه بشري صرف – جميلاً كان ام متألماً – كما يبرزه الفن التصويري الغربي الذي حوَّلَ مفاهيمه الفنيةبرسم الايقونات الى لوحات واقعية من فن علماني غريب عن تقليد ورمزية الايقونة المقدس، وهذا ما اقصده منذ عصر النهضة في اوربة.
في هذا السياق نقرأ كلمات قنداق احد رفع الايقونات المعروف بأحد الأرثوذكسية
” إن كلمة الآب غير المحصور صار محصوراً بتجسده منك ياوالدة الاله وأعاد صورتنا المقدسة الى حسنها الاول وأشركها بالجمال الالهي، على اننا نرسم صورته معترفين بالخلاص قولاً وفعلاً: قولاً بالكلام والكتابة، وفعلاً بالتصوير.”

يقول القديس يوحنا الدمشقي وهو من اهم معلمي الأيقونة والمدافعين عنها
” إن التوقير والإكرام شيء آخر، فاللهوحده مستحق العبادة من كل من في السماء من فوق، ومن في الأرض من تحت ، فنحن نسجد لله ونعبده، ونوقر قديسيه ونكرمهم إكراماً للروح الإلهي الذي ملأهم: ” من يقبلكم يقبلني” (متى 10 : 40 )
في تصويرنا لله يحق لنا ان نصور من ظهر حسيّاً، أعني به ااقنوم ابن الله المتجسد فقط، ويحق لنا أن نصور أيضاً الروح القدس وهو الاقنوم الثالث الالهي ، حسب ما ظهر أي بشكل حمامة في معمودية الرب يسوع والسنة نارية في يوم العنصرة، ولايحق تصوير الآب الذي لم يره أحد قط من الناس، علماً أن بعض المصورين الكنسيين قد رسموه بشكل شيخ وقور بلحية بيضاء ووضعوا فوق رأسه هالة مثلثة الأعضاء، لكن هذه الظاهرة رفضتها الكنيسة وعبَّرَ عن هذا الرفض والتحريم بوضوح مجمع موسكو الكبير المنعقد في سنتي 1666-1667.
يبقى اننا نصور الآب بطريقة رمزية: يد خارجة من السماء وهي تبارك كيف يتجلى الفن اللاهوتي في الأيقونة ويُعبَّرْ عنه؟
الأيقونة لها دور هام في إظهار الوجه المتجلي والمنَّوَرْ بالنعمة الالهية والجسد الروحاني الذي تكلم عنه بولس الرسول في رسالته الأولى الى أهل كورنثوس( 15 : 36 – 45)، “جسدٌ يتجلى فيه جمال الله ومجده ونور حقيقته” كما بدا المسيح الرب متجلياً على جبل ثابور انها تنقل الينا بوسائل مادية هي الخط واللون والقماش والخشب ووجه الانسان الحقيقي كيف يكون في الأبدية، وكما يريده الله، ذلك الوجه السري موضوع تأمل وجهاد ليتحقق الله فينا، ولا يعنينا صورةالقديس الفو توغرافية اذا وجدت في مكان ما، لأنها لاتحل محل ايقونات الكنيسة المختومة بخاتم الرموز والروحانية، فالأيقونة اذاً كونها تمثل شخصاً الهيا أو أناساً قديسين يشتركون بالحياة الأبدية، نحن لانكرم خشب الايقونة او الجدران ولانسجد لها، بل أشخاص اولياء الله المصورين عليها. فينصح القديس يوحنا الدمشقي ايضاً قائلاً: “اعلموا يا احبائي اننا عندما نسجد للصليب، فنحن نسجد للمصلوب وليس للخشب، والا لكنا ملزمين أن نسجد لكل شجرة في الطريق…”
فلنتأمل بعضاً مما كتبه المتروبوليت جورج خضر:” الايقونة…نحرك انعطاف ولمسة إله، إطلالة أيدٍ على وجوه إذا ابصرتها خشعتَ وذلك كله وفق نموذجية تقبلها التراث من خبرة الأبرار…”
من هذه الرؤى انت اذا تأملت ابقونة متقنة الرسم حسب الاصول الكنسية، ترى نفسك انك لست أمام شيء جامد، بل ترى الحياة في حركة صاعدة وهابطة محققة من خلال هندسة الخطوط وتناقض الألوان في تناغم عجيب يظهر في أشكال أجساد القديسين وثيابهم والطبيعة المحيطة …
يقول المطران خضر
” يتمثل اللاهوت الانقضائي في قاعدة فنية أساسية هي قاعدة المنظور المقلوب، فإن المنظور المقلوب قائم في أن الرائي الى اللوحة ينطلق من عينه الى نقطة الهروب ( التلاقي) منقلاً من سطح الى سطح، وكأن اللوحة منحوت، والأفق اللا منتهي مداها…”

خصائص الأيقونة
1- الايقونة لاتصور جسداً بل شخصاً ووجهاً كاملاً، وأمامها الانسان لا في التاريخ بل في السر الذي وراء التاريخ.
2- الوجه في الأيقونة منزه عن كل ماهو ارضي من ثقيل وزائل، فهو معروق العظام، وقعر الوجنات وبشكل خاص عند القديسين النساك، وعقوف الأنف قليلاً، وطويله، رقيق الشفتين، كبير الأذنين، لاحدقة ولا ضياء فيه للعينين، نسبة طول الأس الى الجسم تختلف بحسب المدرسة.
– في الأبعاد المثالية ( اليونانية): النسبة 1 / 7.
– في ابعاد المدرسة الروسية: النسبة 1 / 8 وق تصل أحياناً الى 1 / 10.
– في المدرستين الأنطاكية والقدسية: النسبة 1 / 6، أو اقل.
3- ليس للأيقونة ظل، وهي ذات بعدين: طول وعرض فقط، العمق غير موجود لأن مادية الأجساد ملغاة ولأن البعد الثالث هو في قلب المؤمن المصلي تجاه الأيقونة.
4- تخرج الايقونة من وحدة الزمان والمكان، فإذا اخذنا ايقونة الميلاد مثلاً، نلاحظ تراكم كل الأحداث رغم انها وقعت في ازمة واماكن مختلفة: الرعاة مع الملائكة، المجوس قادمون، الملائكة يسبحون في السماء، الطفل مع امه في محور الايقونة،ىالقابلتان تغسلان الطفل في اسفل اللوحة، ويوسف جالس يستمع الى الشيطان بشكل راعٍ وهو يسوس في اذنه، وهكذا اذا حللنا العديد من الايقونات، وبخاصة ايقونات الأعياد.
5- بسبب اختلاف مناهج القداسة وتصنيف آباء الكنيسة فإننا نرى:
الرهبان (انطونيوس الكبير…)، الفرسان (جاورجيوس، ديمتريوس، يعقوب الفارسي…) الزهاد ( افرام السرياني، مكاريوس الكبير…)، الشهداء (أغناطيوس الانطاكي)، الشهيدات (بربارة، كاترينا…)، الأساقفة (باسيليوس، يوحنا الذهبي الفم…). ويعبر عن الاختلاف بين ايقونة قديس واخرى باللباس وبعض خصائص من حياته، ولأن القديس فريد ولا بديل له يُكتب اسمه في أعلى الايقونة.
6- بساطة في التعبير تخضع التفاصيل فيها للمجموع، اذا لاتُرسم الا الخطوط الجوهرية المعبرة عن الحركة، أي لما يمثّل الكمال في التعبير.
7- نرى في الايقونة نورانية مطلقة، بسبب الخلفية الذهبية المحققة بلصق اوراق الذهب لتجعل الايقونة رمزا من خلال انعكاس النور على الذهب، ومكاناً لتمجيد الإله المتجسد، واصفيائه المكرمين.
رمزية الأيقونة
الرموز في الأيقونة، شيء هام ينبع من التجريد المحقق فيها، ويعطي هذا الشيء للأيقونة انطباعاً خاصاً بشكل لا واقعي في بعض الأحيان، وبشكل أَخروي في غالب الأوقات، والرمز يعطي قوة وجمالاً من نوع خاص للأيقونة، مضمناً المعاني والدلالات اللاهوتية ذات السمات الشرقية، وسنستعرض عدة ايقونات ونحلل رموزها.
اولاً ايقونة القديس جاورجيوس
تكاد لاتخلو مدينة من كنيسة على اسم العظيم في الشهداء القديس جاورجيوس اللابس الظفر، الذي تُصَّرْ ايقونته، وهو راكب على حصان أبيض ويطعن بيده اليمني بالرمح التنين الأسود أو الأخضر الذي ( حسب الرواية التقليدية) يلاحق الفتاة ويحاول القضاء عليها مع اهلها، هذه الأيقونة ترمز الى انتصار (المسيحية الممثلة بالحصان الأبيض) على الواثنية واضطهادها ( الممثلة بالتنين) والفتاة هي رمز الكنيسة المخّلَصة.

ثانيا ايقونة القديس يوحنا المعمدان
يُمَّثَلْ بجناحين رمزاً الى حياته بالفضيلة والكمال وتشبهه بالملائكة فهو رسول الله الخاص الذي ارسله ليمهد الطريق لإبنه الوحيد.
ويُرسم أحياناً في أيقونة التضرع الثلاثية على يسار السيد المسيح الجالس على العرش، متضرعاً إليه مثل السيدة العذراء الواقفة عن يمين السيد له المجد.
ايقونات الرب ييسوع
يرسم بشكل نصفي، وهو يبارك بيده اليمنى، ويحمل الكتاب المقدس بيده اليسرى، وأحياناً يكون جالساً على العرش، ويحمل بيسراه الكرة الأرضية، ويلبس الثوب الأسقفي لأنه رئيس الكهنة. تحيط برأسه هالة مستديرة وفيها رسم صليب، كتب عليه الأحرف اليونانية الثلاثة التي تعني (أنا هو الكائن) رمزاً لأنه الكائن منذ الازل وسيد الخليقة، وهناك العديد من الرموز في اشكال ايقونات الرب يسوع.
1- الوجه: يكون ذا لون كستنائي غامق ومضاء في أماكن الوجنتين والذقن والأنف وفوق العينين.
2- العين: ترسم واسعة مفتوحة على العالم الآخر، لأنها ترى “ما لم تره عين” أي الأمر الإلهية من جهة، ولأن بها تتم معرفة ودراسة الناموس الالهي.
3- الأذن: كبيرة للدلالة على استماع تعاليم الرب الالهية”سمعت ما لم تسمعه أُذن” بعد أن أعرضت عن الاستماع الى ضجيج العالم.
4- الأنف: طويل ودقيق لأن يشتم دائماً الرائحة الذكية الروحانية، رائحة الثالوث الأقدس.
5- الفم: صغير للتعبير عن الطاعة لأوامر الله، ولتخصيصه للطعام القليل الكافي للحياة فقط، وللدلالة على فضيلة الصمت.
6- هالة الرأس: هي مؤشر القدسية في كل ايقونة، تحيط برأس القديس وتشير الى المجد والنور المشع منه، من خلال الذهب الملوكي الوضاء.
7- الأيادي: تدل بشكل عام على القدرة والانتصار لذلك ترسم زائدة الطول في الأصابع، وفي ايقونة العذراء حاملة الطفل الالهي تدل على أهمية الشخص المحمول وألوهيته (لذا يجب أن يُبالغ في طول الاصابع لاستحقاق حمل السيد المسيح)، وايضاًينطبق هذا الكلام على أصابع السيد المسيح في ايقونته، وهو يحمل الكتاب المقدس حيث يشير الى أن هذا الكتاب ليس بحسب الانسان بل من الله.
8- الأرجل: نحيفة وطويلة، وغالبا عند الملائكة والرسل تكون حافية للدلالة على السير والتعب في البشارة والخدمة.

9- اللباس والعري:
اللباس: يغطي اجساد الرب يسوع والقديسين بشكل عباءة فضفاضة يعبر عن ثنياتها بخطوط هندسية صارمة تنساب بشكل متناسق ويتوافق مع قداسة الأجسام، وغالباً مايوضع اللون الذهبي بشكل اشعة عندما نريد ابراز الالوهية، (مثلاً: السيد المسيح الناهض من القبر، او في حادثة التجلي…)
العري: وهو نوعان: كلي وجزيء، فالعري الكلي تقريباً (كجسد المسيح في المعمودية، أو على الصليب)، وأحياناً نراه في صور القديسين أثناء تعذيبهم واستشهادهم. اما العري الجزيء فهو مثلاً في مشهد جلد المسيح حيث يُغطى جسمُه برداء احمر.وايضاًمثال عليه ايقونة القديسة مريم المصرية.
10- الملائكة: ترمز الى الانسانية السائرة نحو الآب المخلصة بمجد الابن، وفي خدمته.
11- السمكة: رمز مسيحي ايقوني قديم منذ القرن المسيحي الأول، تشير الى ان المسيح بذل نفسه فداء عن الجميع، وهي تدل على عجيبة الخمس خبزات والسمكتين.
12- الخروف: يرمز الى ان السيد المسيح هو الغذاء الأبدي، والحمل المقدم فداءً عن العالم ( الذي سيق الى الذبح).
13- الراعي: اشارة الى راعي الرعاة السيد المسيح له المجد.
14- الكرمة: ” أنا الكرمة وأنتم الأغصان” صورة عن الارتباط العضوي بيننا وبين السيد.
15- العصا: رمز الرعاية والتعليم.
16- الصخور والجبال: رمز الى الكونية.
17- الحيوانات: رمزبهيمية الأمم.
18- الطول الزائد للأجساد: رمز للارتقاء نحو الله، ولعذرية النفس.
19- اللون الأحمر: رمز الألوهة، والمحبة التي تكتمل بالدم المراق عنا.
20- اللون الأزرق: رمز للطبيعة الانسانية( في لباس السيد المسيح الضابط الكل)، كما يرمز الى السماء، وأيضاً الى المعرفة التي لاتدرك بالعقل بل بالقلب.
21- الأخضر: رمز التجديد والانتصار، أيضاً رمز الطبيعة والكون مع اللون البني أيضاً.
22- الذهبي: آية الآيات وسيد الألوان ، رمز الألوهة ساطعة الضياء، وتعطي البهاء والمجد فهو الذي يسكب الجمال في الأيقونة بقدر كبير.
يبقى هناك الكثير من الأشياء الرمزية معبّر عنها في الأيقونة لم نأتِ على ذكرها. والخلاصة أن التعمق في الانجيل ورموزه ومعانيه يُعّدُ نبعاً ومنهلاً غزيراً لما في الأيقونة من رموز وصور لاتعتبر من الخيال، بل مما وراء الطبيعة والتاريخ البشري، وذلك ماهو طبيعي وبشري.
يقول الأب يوحنا كرونستادت
” الرب يتوق بحبه الطبيعي لنا أن يتصور في داخلنا كما يقول الرسول بولس: ” يا اولادي الذين أتمخض بكم أيضاً الى ان يتصور المسيح فيكم”.(غلا 4 :9) وكيف أتصور المسيح في قلبيإن لم ارهُ أو لا بعيني؟ لذلك نحن صور المخلص وام ربنا والملائكة والقديسين”.
أهم شيء في الأيقونة هو الوجه، فالوجه البشري هو صورة الصورة الالهية فينا، والوجه ليس من الجسد كما يقول بردياييف، إنه هو الحضور ، ولهذاالسبب فاليونانية تستعمل ذات الكلمة في تعبيرها عن الوجه والشخص.
الأيقونات والشعب
الأيقونة هي سر او شبه سر، يقدس النفوس ، ويقربها من بارئها، إن حاجة الايمان الارثوذكسي للأيقونات عظيمة جداً. وتبدو خاصة في المنازل والكنائس، إن بيتاً خالياً من الايقونات هو بنظر المسيحي بيت فارغ لايروي القلب والنظر، ولذا نرى الأيقونة في المنزل تجعل المؤمن يشعر بوجود الله في بيته، ويتجلى بنعمته وفيض البركة والحياة وبحضور العذراء والقديسين حضوراً سرياً، فيصلي أمام الأيقونات المنزلية، كأن الله وقديسيه حاضرون حقاً في مسكنه.
– عندما تضع الأم ايقونة فوق سرير طفلها لتسهر عليه وهو في مستهل العمر ويرمز ذلك للإيمان والبركة الوالدية والحنان الصحيح الطاهر.
– الشعب الروسي هو اولع الشعوب الشرقية بالأيقونة (ومعه كل السلاف والصرب والرومان والجيورجيين…) إذ تزين الايقونة بيوتهم وتحتل أرفع مكان فيه سواء كان منزل الروسي غنياً أو فقيراً، ويسرج امامها القنديل ويبقى فتيله مشتعلاً، ويُدعى الزائر للجلوس تحتها، وفي هذا كل التكريم.
– الأيقونة دافعت في تاريخنا المسيحي عن المدن، وقاتلت مع الجيوش، ولنا قصة القسطنطينية عندما حاصرها الأعداء من 715-717م، وقد البطريرك جرمانوس أسوار المدينة المتملكة حاملاً ايقونة … ففتكت في الحال عاصفةٌ هوجاء بالأسطول المحاصِرْ، ورُفِعَ الحصار عن المدينة يوم 15 آب 717م اي في يوم رقاد السيدة العذراء، ووضع البطريرك المذكور ترتيلة ” اني انا مدينتك …” التي عدلتها الكنيسة الارثوذكسية فأصبحت “إني انا عبدك…” ونرتلها في صلوات (المديح الذي لايجلس به الأكاثيسطون) وينشدها المؤمن بحماس وأصوات عظيمة تكريما لوالدة الاله الجندية…
– في دمشق يتجسد اروع التكريم للسيدة العذراء في المحلة التي فيها كنيسة مريم (اقدم كنيسة في العالم 35م) وهي كاتدرائية الكرسي الأنطاكي المقدس والبطريرك الانطاكي وتحمل اسم القديسة مريم باليونانية ” آيا ماريا” وتحتفل بعيد رقادها في 15 آب من كل عام، ومعتمادي الزمان تحرف الاسم الى القيمرية…!
– ويذكر التاريخ الحديث أن اليونانيين نادوا بالعذراءمريم قائدة عامة لجيوشهم التي قاتلت الايطاليين في الحرب العالمية الثانية 1939، وكانت ايقونة العذراء ترافق جيوشهم عندما بسطوا سيطرتهم على مدينة كورتيزا الألبانية، ودخلوها منتصرين على نشيد اني انا مدينتنك…تعزفه موسيقى الجيش اليوناني، وايقونة العذراء تتقدم الصفوف والشعب على الطريق يصفق بابتهاجٍ.
تكريس الأيقونة
هو طقس معمول به كنسياً، منذ الكنيسة الاولى، وقد رتبت خدمته بشكل يعطي التقديس للأيقونة بالصلوات ورشها بالماء المقدس. اما عادة مسح الايقونة بالميرون فهي عادة غير جائزة، ونرى هذا الطقس في كتاب ” الافخولوجي الكبير” في كنيستنا الأرثوذكسية، وتوضع الأيقونة أمام الباب الملوكي، والكاهن بحلته الكهنوتية مع التبخير ورش الماء المقدس.
في خاتمة البحث
يسارع الطلاب قبل موعد الامتحان الى الصلاة أمام الايقونة التي في الغالب تشعلها الام، برجاء التوفيق مع طلب النجاح، ويوقدون امامها قنديل الزيت او شمعة مشتعلة تبقى كذلك طيلة فترة الامتحان وفق ما تربينا ونشأنا عليه، وندخل الى الكنيسة في طريقنا الى مركز الامتحان لنصلب ايدينا على وجوهما ونشعل شمعة ونقبل الايقونة وتحديداً وفق المزاج الشعب الشامي ايقونة السيدة العذراء.
نلجأ للايقونة ومن يتمثل عليها عند كل ازمة تمر بها الأسرة او قبل السفر وعند مشروع الخطبة والزواج، وكان الأهل عادة يقدمون للعروسان ايقونة للعذراء غالباً عربونا للسعادة في الحياة الجديدة.
كثيراً مانجد المؤمن السوري والمشرقي يحمل ايقونة تراثية منزلية من بيته في الوطن الى الاغتراب لتكون حامية له ولعائلته.
عندما يسجى جثمان المتوفي في البيت توضع ايقونة فوق رأسه مع شمعة موقدة ليكون مسجى في ظل الايقونة ونور الرب يسوع.
في بيوتنا وفي غرف النوم تحديداً نضع ايقونة او أكثر، واحياناً يغطونها بنسيج ابيض رقيقمقسوم الى قسمين ملتصقين في اعلى الايقونة ومفتوحين منفرجين في اسفلها.
في بيوت الدمشقيين التقليديين القديمة، كانت تخصص غرفة صغيرة فيها كوة او كتبية في الجدار الشرقي، توضع فيها الايقونات حتى ولو كانت ورقية، ويوقد فيها امام الايقونات قنديل الزيت مع مبخرة يدوية صغيرة، يحرق فيها البخور ظهر ايام السبوت او غروب االأحاد والأعياد الكبرى وكانت الصلاة والترتيل الشعبي يتمان بقيادة جدة الاسرة او كبيرة البيت ومعها كل اولاد الاسرة ( كل العائلة تعيش في بيت واحد) وهذا ماعشناه مع جدتي لأبي ثم امي رحمهما الله.
هي عِشرةٌ عائلية في مشرقنا، تجمع بين الايقونات ومن تمثل، وافراد الشعب المسيحي، ولتوفي الايقونة بين ايدي الجميع، تمت طباعتها ورقياً لتوزع على المؤمنين لتعم البركة.
والسبح لله دوما وابداً.