البروجيازميني: القدسات السابق تقدّيسها

تعريف

 القدسات السابق تقديسها أيّ الذي قدُّست سابقًا προαγιασμένη : προ (قبل) αγιασμένη مقدّس.
إنّها خدمة ليتورجية خاصّة بزمن الصوم الكبير. لها هيكلية “صلاة الغروب” المعتادة، حيث يكون الكاهن محتفظاً على المائدة المقدّسة بقرابين تمّ “تقديسها في قدّاس سابق” يوم السبت أو الأحد. من هنا أتت التسمية.
ترتيب نقل القرابين

 يتم نقل القرابين في هذه الخدمة على مرحلتين
١- المرحلة الأولى: هي في بداية الخدمة وتحديدًا بعد الطلبة السلامية الكبرى، إذ تُنقل القرابين التي سبق تقديسها، من المائدة حيث تكون موجودة، إلى المذبح،

٢- المرحلة الثانية: تأتي بعد الإنجيل وبعد الطلبات الإلحاحيّة بحيث يتم نقل القرابين مجدّدًا من المذبح إلى المائدة المقدّسة (في وسط الهيكل)، وهذا يُسمّى “الدخول بالقرابين”، إذ بعد “الآن قوات السماوات يخدمون معنا….” التي هي بدل الشيروبيكون، يخرج الكاهن من الهيكل حاملًا القرابين بكلّ ورع ساترًا رأسه ليدخل إلى الهيكل ثانيةً من الباب الملوكي وليضع القرابين على المائدة المقدّسة، وتتابع الخدمة، حتى نصل في النهاية إلى مناولة المؤمنين، الصائمين، منها.

أثناء نقل القرابين تُرتّل “الآن قوات السماوات يخدمون معنا، بحالً غير منظور، لأنّّه هوذا ملكُ المجد يدخلُ عابرًا”. وأيضًا “ها هي الضحيّة السريّة تتزيّحُ مُكمَّلة. فلنتقدّم بإيمان وشوق، لنصيرَ شركاء الحياةِ الأبديّة. هلّلويا”.

ملاحظة: يُعلم الكاهن المومنين بعمليّة نقل القرابين في كلا المرحلتين، إذ يرن جرس صغير في البداية وفي النهاية ليسجدوا للقدسات المنقولة.

البروجيازميني: القدسات السابق تقدّيسها
البروجيازميني: القدسات السابق تقدّيسها

معنى إسم الخدمة      

كلمة “بروجيازميني” مصطلح يوناني يعني “ما سبق تقديسُهُ

وهو اسم هذه الخدمة الصياميّة الخاصة، التي تُقام يوميّ الأربعاء والجمعة من أسابيع الصوم الكبير المقدّس (صباحًا أو مساءً حسب التدبير)، بالاضافة الى يوم خميس القانون الكبير (الخامس من الصوم الكبير) المعروف “بخميس التوّبة”، وأيّام الاثنين والثلاثاء والأربعاء من الأسبوع العظيم المقدّس وأيضًا في تذكارات القدّيسين إذا لم تقع يوم سبت أو أحد: خرالمبس (١٠ شباط)، وفي  تذكار الوجود الأوّل والثاني لهامة القدّيس يوحنا المعمدان (٢٤ شباط)، والقدّيسين الأربعين شهيدًا (٩ أذار)، وفي أي عيد محلّي، وكذلك في أي يوم آخر يحدّده التيبيكون.

 ملاحظة: ترتبط هذه الخدمة على الدوام بصلاة الغروب، وفيها عناصر خاصة تتميّز بها.

شرح

لا تجري في هذه الخدمة صلاة التقدّيس (تحويل الخبز والخمر الى جسد المسيح ودمه المقدّسين) كما هي العادة في سائر القداديس، بل تتم مناولة قدسات سبق تقديسها.

في تهيئة القرابين التي تتم في سحر يوم الأحد أو السبت، أي الذبيحة، وبعد أن يقطع الكاهن الحمل الأوّل المعد للتقدّيس ويذبحه ويطعنه ويضعه على الصينيّة، يقطع حملًا آخر، أو إثنين أو أكثر حسب الحاجة للاسبوع الجديد، ويتمّم الكاهن على كلّ حمل الترتيب نفسه الذي تمّمه على الحمل الأوّل في القطع والرفع والذبح والطعن، ويقول الأفاشين الخاصة بكلّ مرحلة من المراحل، ويضعها على الصينية المقدّسة إلى الشرق من الحمل الاوّل، ملامسة بعضها بعضًا ويتابع إعداد الذبيحة كالعادة.
ملاحظة هامة

– عندما يبارك الكاهن القرابين وقت الاستحالة في القدّاس الذي يتم فيه تحضير القدسات للبروجيازماني، لا يقول: “إصنع هذه الخبزات”، بل “هذا الخبز” بصيغة المفرد، كون المسيح واحدًا. وعندما يرفع القدسات، يرفعها كلّها معًا، ويقول: “القدسات للقدّيسين”.
– في قدّاس الأحد أو السبت، يقتطع الكاهن الحمل الأوّل فقط، أي الذي سيتم تناوله في القدّاس الذي يُقام، ويضع الجزء المعيّن منه في الكأس كما هي العادة. ثم يسكب الماء الحار، أمّا الباقي من القرابين فيرفع منها الحمل الذي سيُترك لقدّاس السابق تقديسه. يمسكه بيده اليسرى فوق الكأس، ويمسك الملعقة بيده اليمنى ويضعها في الكأس ويرفعها مملوءة من الدم الطاهر (الخمر الذي استحال دمًا) ويقول:”أيّها المسيحُ السيّدُ، إن ذبيحة الأصنام قد بطلت بالدّم الإلهيّ من جنبك الطاهر المُحيي، والأرض كلُّها تقدّم لك ذبيحة التسبيح كلّ حين”. ثم يسكب الدم الطاهر بالملعقة على الصليب الذي رُسم على الحمل بالحربة سابقًا أثناء تحضير الذبيحة وهو يقول: “إتّحاد وكمال الجسد الطاهر والدم الكريم، آمين”. ومن ثم يضع الحمل مقلوبًا في علبة القرابين، ويُعيد العمل عينه، على كلّ حملٍ من الخبز المقدّس.

مفهوم هذا القدّاس
 ليس من غريب في المسيحيّة أن تكون الإفخارستيا، أي تناول جسد ودم الربّ الكريمين، محور حياة المؤمنين: “مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِي وَيَشْرَبْ دَمِي يَثْبُتْ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ” (إنجيل يوحنا ٥٦:٦). الجدير ذكره أن هذا سّر الإفخارستيّا يمارس في الكنيسة منذ القرن الأوّل مسيحي.
ولمّا كان من المستحيل على المسيحي أن ينقطع عن تناول القدسات الكريمة، عمدت الكنيسة إلى تدبيرٍ خلال الصوم الأربعيني، يتم فيه تقدّيس قدسات في قدّاس الأحد السابق ليتناولها الشعب في الأسبوع التالي، لأن زمن الصوم هو زمن توبة ورجوع إلى الذات، بينما القدّاس الإلهي، طابعه فرح الفصح وابتهاج القيامة.

البروجيازميني: القدسات السابق تقدّيسها طلاب اللاهوت في معهد اللاهوت / البلمند اثناء مرور القدسات السابق تقديسها
البروجيازميني: القدسات السابق تقدّيسها

قوانين في الكنيسة

 تشير وثيقة من القرن السابع للميلاد، إلى وجود هذه الخدمة، وإن كانت تمارس بشكل مختلف عما هو حالها اليوم. كذلك يذكر القانون الأوّل من قوانين القدّيس نيكيفوروس (٧٥٨-٨٢٩م) بطريرك القسطنينية إقامة هذه الخدمة،فيقول: “يصوم الرهبان يوم الأربعاء والجمعة من مرفع الجبن، وبعد تناول القدسات السابق تقديسها، يتغذون بالجبن أينما وجدوا”.
وثمة قوانين مجمعية تمنع إقامة القدّاس الالهي أيام الصوم
– ينص القانون ٤٩ من مجمع اللاذقية المحلّي المنعقد بين ٣٤٣ و ٣٨١م على التالي: “لا يجوز تقديم الخبز في أيام الصوم الكبير، باستثناء السبت ويوم الرّب”.
– ينص القانون ٥٢ من المجمع المسمّى الخامس – السادس (البنثيكتي)، المعروف بمجمع “ترولّو” نسبة إلى قبة كنيسة القصر الامبراطوري التي كانوا مجتمعين تحتها ٦٩٢، إلى أنّه يُقام قدّاس القدسات السابق تقديسها كلّ أيام الصوم، ما عدا السبوت والآحاد ويوم عيد البشارة المقدّس.
أصل هذا القدّاس

يعتقد بشدّة، أن هذا القدّاس ظهر في إنطاكية بين القرنين الخامس والسادس في زمن البطريرك ساويرس (٥١٢–٥١٨م)، ومن ثم إنتقل إلى القسطنطينية في القرن ذاته.
القراءات 

 يتخلّل القدّاس اليوم قراءة من سفر التكوين وأخرى من سفر الأمثال، وكلاهما يتكلّمان عن خلق الله العالم والإنسان وسقوطه وتدبير الله لخلاص الإنسان. والقراءتان تدخلان ضمن التعليم الذي كان يتلقّاه المزمعون أن يتقبلوا المعمودية يوم سبت النور. ويليق بنا أن نعرف أن هذا التعليم كان يتم في فترة بعد الظهر بعد صلاة التاسعة (ما يعادل الساعة الثالثة بعد الظهر) ليستمّر حتى بداية صلاة الغروب وإضاءة الشموع. 

النور في الكنيسة

 إعتاد المسيحيون الأوائل أن يأتوا بقناديلهم إلى اجتماع الصلاة، حيث كانت تقام الصلوات عند غروب الشمس. وحين يقترب وقت إضاءة القناديل، كان رئيس الشمامسة يخرج مع اثني عشر شماسًا من الهيكل، ويذهب إلى مدخل الكنيسة حيث القناديل مضاءة، فيأخذونها إلى وسط الكنيسة، وهناك يعلن الشماس حاملًا المبخرة، ويقول: “نور المسيح مضيء للجميع”. عندئذ يضيء الأسقف كلّ القناديل الموجودة في الهيكل، ويتوجه الشمامسة ليضيئوا قناديل الكنيسة (مذكورة بوضوح في القرن الحادي عشر).
وتطورّت الخدمة، وصار الكاهن يخرج من الباب الملوكي، مع قنديل، فيقف الجميع، فيتابع هو إلى وسط الكنيسة حيث يرسم بالمبخرة إشارة الصليب، ويعلن: “الحكمة، لنصغ، نور المسيح مضيء للجميع”. (وهذا شبيه بما  يحصل اليوم)، حيث يقف الكاهن مع المبخرة والشمعة المضاءة امام المائدة، من جهة الشرق، ويرسم إشارة الصليب معلنًا: “الحكمة، لنصغ ….” ثم يرسم إشارة الصليب متوجهًا إلى الشعب، ويعلن:”نور المسيح مضيء للجميع”.

كما يُذكر في القرون الأولى أن في اجتماعات موائد المحبة Agape كان كل إنسان يقف أمام النور الذي هو رمز المسيح (أنا هو نور العالم)، وينشد من الكتاب المقدّس. وهذا أيضُا كان يحصل في المنازل.

* ملاحظة: من أقدم التراتيل في الكنيسة ترتيلة “يا نورًا بهيًّا….” التي نرتلها في صلاة الغروب.

• ملاحظات

1. يقترب قدّاس السابق تقديسه من قدّاس القدّيس باسيليوس الكبير من جهّة صلاة الغروب. أيضًا يقترب من قدّاس القدّيس يوحنا الذهبي الفم عندما تُقام صلاة غروب عيد البشارة في الصوم الكبير.

2. الصلاة الأخيرة التي تُقال على المنبر، هي أقدم الصلوات في ترتيب الخدمة.