الجنسانية
“الأدوار الجنسانية، والعلاقات الجنسانية، والتمييز الجنساني، والمساواة الجنسانية، والعدالة الجنسانية، والتحليل الجنساني، والتوازن الجنساني، وتعميم الاهتمام بالقضايا الجنسانية”، هذه المصطلحات يتم تداولها بشكل واسع ضمن تقارير ومقررات وبيانات وخطط العمل والسياسات والبرامج والمشاريع التي تتبناها أو تصدرها الأمم المتحدة الخاصة بالمرأة. فما هو المقصود بالجنسانية؟
مصطلح الجنسانية
مصطلح “الجنسانية”، هو مفهوم حديث نسبياً من مفاهيم العلوم الاجتماعية. ولا تشير “الجنسانية” إلى الذكر والأنثى، بل إلى المذكر والمؤنث – أي إلى الخصائص والسمات التي ينسبها المجتمع إلى كل من الجنسين. فالناس يولدون إناثاً أو ذكوراً، ولكنهم يتعلمون كيف يكونون نساء ورجالاً. والمفاهيم الجنسانية متجذّرة للغاية، وتتباين كثيراً ضمن الثقافات وفيما بينها، وتتغيّر مع الوقت. على أن الجنسانية، وفي كل الثقافات، هي التي تحدد ما تتمتع به الإناث والذكور من سلطة وموارد.
عنى أنّ الجنسانية لأي فرد هي تجمع ما بين الجنس، والهوية النوع -اجتماعية، الدور، التوجه الجنسي، الإروتيسية أو الإثارة الجنسية، المتعة، الحميمية، والإنجاب. يعبر عن الجنسانية في أفكار، خيالات، رغبات، معتقدات، مواقف، قيم، تصرفات، ممارسات، أدوار وعلاقات. رغم أن الجنسانية قد تشمل كل هذه الأبعاد، إلا أنها ليست كلها ممارسة أو مُعبر عنها. تتأثر الجنسانية بالتفاعل بين عوامل بيولوجية، سيكولوجة، اجتماعية، اقتصادية، سياسية، ثقافية، أخلاقية، قانونية، تاريخية، دينية وروحانية.
ظهر مفهوم الجنسانية منذ سنوات قليلة ويعتبر من المصطلحات الحديثة في العلوم الاجتماعية، وتجمع الجنسانية بين الجنس و الهوية والنوع الاجتماعي، الايروسية والاستثارة والإنجاب والميولات الجنسية “السلوك والنشاط والانجذاب ” والتعبيرات الجسدية والرغبات وتعبّر الجنسانية عن الكينونة النفس_جسدية للإنسان التي تتشكل عنده منذ لحظة وعيه.
وبحسب تعريف منظمة الصحة العالمية فهناك فرق واختلاف، بين مفهوم الجنس والجنسانية. فالجنس يحيل إلى مجموع الخصائص البيولوجية التي تقسم البشر إلى أناث وذكور. أما الجنسانية فتضم الخصائص البيولوجية المميزة بين الذكر والأنثى، والخصائص الاجتماعية المميزة بين الرجل والمرأة؛ أي الهوية الجنسية، والنوعية.
أي أن الجنسانية هي نتيجة تداخل بين النفسي، والبيولوجي، والاقتصادي، والتاريخي، والثقافي، والأخلاقي، والديني.. إلخ. والجنسانية بناء اجتماعي تاريخي، وقراءة للمعطى البيولوجي، محدداً في نهاية التحليل. والجنسانية في النهاية ظاهرة اجتماعية شمولية.
المصطلحات والاستخدام
المعني التاريخي للنو الاجتماعي ” للجندر” الجنسانية هو الاشياء التي تعامل بطريقة مختلفة بسبب اختلافاتهم المتوارثه. في اللغة الاتينية فان معني جندر لديها ثلاث نواحي تظهر بها اولا عرق او سلالة ثانيا الفصيلة او النوع ثالثا النوع او الجنس و الاخيره ظهرت في الترجمات و الفهارس الاولي وليس حديثاً مثل قاموس اوكسفورد الكلمة لديها ثلالا تطبيقات متداوله في الانجليزية الحديثة و الاكثر شيوعاً هي تنطبق علي الفروقات بين الذكور والاناث من دون اي اعتبارات مسبقة بايلوجياً او نفسياً. الا ان الاستخدام بصورة فنية او ساتخدام لنظرية خاصة بالطبيعة البشرية و التي يتم توضيحها ضمن الصياغ. اخيرا فان النوع الاجتماعي “الجندر” هو بصورة عامة ينطبق علي مفهوم مستقلو الذي هو في العادة يخصص بكلمة محدده في كل لغة الا ان النوع الاجتماعي “الجندر” لا علاقة لي بالاختلافات بي المرأة و الرجل.
فوكو والجنسانية
ويعتبر ميشيل فوكو هو فليسوف الجنسانية، حيث قام بتأليف كتابه تاريخ الجنسانية (بالفرنسية: Histoire de la sexualité)، هي دراسة من ثلاثة أجزاء عن الجنسانية في العالم الغربي، الجزء الأول بعنوان: إرادة المعرفة، والجزء الثاني بعنوان: استعمال المتعة. أما الجزء الثالث: رعاية الذات، وقد تطورت رؤية التقسيم الاجتماعي للجنس مع فوكو، فاعتباره محددات الخطاب عاملا أساسيا في هذا التقسيم، أعطى دفعة للحركات النسوية في ذات الاتجاه. أصبحت الفوارق بين الجنسين غير ذات معنى، طالما أنها قد تم تحديدها بشكل يومي في الخطاب الاجتماعي الموجه ناحية الإناث والذكور على حد سواء، وما يحمله هذا الخطاب والذي أسماه ب “خطاب القوة ” من قدرة هائلة على إبراز الذكر في شكله القوي والمسيطر، وإقصاء الأنثى ووضعها في كثير من الأحيان فيما يسميه بالموضع “خارج السياق”.
نظر فوكو في كتابه “تاريخ الجنسانية للمثلية الجنسية”، حيث اعتبر أن الجنسَ شيءٌ قمعته العصور السابقة، خاصة في القرن التاسع عشر، وأنّ العصور الحديثة كافحت من أجل تحريره. معتبرا أنَّ “الجنس” فكرة معقّدة أنتجتها سلسلة من الممارسات، والتحقيقات، والأحاديث، والكتابات، و”الخطابات” أو “الممارسات الخطابية”، التي تضافرت سَوِيَّاً في القرن التاسع عشر.
ووفق تفسير فوكو، بُنِيَ “الجنس” من قبل الخطابات المرتبطة مع الممارسات والمؤسسات الاجتماعية المتنوعة: الكيفية التي يتعامل بها الأطباء، ورجال الدين، والمسؤولون الحكوميّون، والعمال الاجتماعيون وحتى الروائيون، مع الظاهرة التي يعرّفونها على أنّها ظاهرة جنسية.
الأمم المتحدة وقضايا الجنسانية
تعمم الأمم المتحدة الاهتمام بالقضايا الجنسانية، وهي إستراتيجية معتمدة عالمياً لتحقيق ما يسمى المساواة الجنسانية، وتُعرِّف المنظمة الدولية تعميم الاهتمام بالقضايا الجنسانية على أنه عملية تقدير آثار أي عمل مخطط له على الرجال والنساء في كل المجالات، وعلى جميع المستويات. ويعني ذلك جعل شواغل النساء والرجال وخبراتهم على حد سواء بعداً متجذّراً من أبعاد كل الجهود المتعلقة بالزراعة والصحة والسياسة والاقتصاد والتنمية الريفية.
تعرّف منظمة الصحة العالمية مفهوم الجنسانية بالفرق بين الجنس والجنسانية. إذ يشير الأوّل إلى الخصائص البيولوجية والاجتماعية للذكر والأنثى فيما تعبّر الجنسانية عن تداخل النفسي والبيولوجي والاقتصادي والتاريخي والثقافي.
يمكن اعتبار الجنسانية بناء اجتماعيا وثقافيا إذ يولد الذكور ذكورا وتولد الإناث إناثا ولكنهم فيما بعد يتعلم أو يقع تدريبهم كيف يصبحون كذلك وهي ما تسمّى بعملية التنشئة الاجتماعية.
يمكن على ضوء مفهوم الجنسانية قراءة المعطى البيولوجي، كخطوة أولى استكشافية لتحديد أحد أهمّ الجوانب الإنسانية التي يغفل المجتمع عن الاعتراف بها أو يقمعها تحت سلطة الثقافي والديني.
نقد مصطلح الجنسانية
بحسب هذا التعريف فإن النوع الجنسي يحدده المجتمع، فالفروق البيولوجية والنفسية غير ذات اعتبار في تحديد الهوية الجنسية بل المجتمع. فحينما يولد الصغير و بناء على أعضائه الجنسية يقوم المجتمع بتصنيفه في إطار ذكر أو أنثى, فاللعب الملونة والفساتين المزركشة، والتعامل الاكثر رقة من قبل المجتمع مع المولودات الإناث هو الذي يحدد طريقة مشيهن ورقتهن في التعامل، حتى الصوت في الكلام، وطريقة الأكل والشرب واللعب والدمى على شكل الإناث باللبس الأنثوي. وبالمقابل الرياضات العنيفة ككرة القدم و المصارعة هي المنح التي يطبع بها المجتمع المواليد الذكور فتحدد سياقهم الاجتماعي وحتى خواصهم الفردية ورغبتهم في الجنس الآخر.
لذلك تسعى الأمم المتحدة لتغيير نظرة المجتمع إلى المذكر والمؤنث، من خلال التعليم ووسائل الإعلام حيث تتصدى لما تسميه بالقوالـب النمطيـة الجنـسانية، والتي تخلق الفرق وعدم المساواة بين الذكر والأنثى.
مصطلحات جنسانية
الأدوار الجنسانية: هي أوجه السلوك والمهام والمسؤوليات التي يعتبرها مجتمع ما مناسبة للذكور وللإناث وللفتية وللفتيات. وغني عن البيان أن الأمم المتحدة تعمل على المساواة التامة بين الذكور والإناث في المسؤوليات، وفي السلوك وما يسند إليهم من أعمال.
التمييز الجنساني: هو أي استبعاد أو قيد يُفرض على أساس الأدوار والعلاقات الجنسانية، ويحول دون تمتع الشخص بحقوقه الإنسانية الكاملة، وأيضا تعمل المنظمة الدولية على إنهاء جميع أشكال التمييز.
المساواة الجنسانية
تعني أن تتمتع المرأة والرجل بحقوق وفرص وامتيازات متساوية في الحياة المدنية والسياسية، أي المشاركة المتساوية للنساء والرجال في اتخاذ القرارات، والقدرة المتساوية على التمتع بحقوقهم الإنسانية، والحصول على الموارد والمنافع، والسيطرة عليها بصورة متساوية، والفرص المتساوية في العمالة وفي جميع الجوانب الأخرى لموارد رزقهم.
العدالة الجنسانية
هي الإنصاف والنزاهة في معاملة النساء والرجال، من حيث الحقوق والمنافع والواجبات والفرص. وإحدى الاستراتيجيات الأساسية للعدالة الجنسانية تتمثل في تمكين المرأة.
التحليل الجنساني
هو دراسة مختلف أدوار النساء والرجال، لفهم ما يعملونه وما هي الموارد المتاحة لديهم، وما هي احتياجاتهم وأولوياتهم.
التوازن الجنساني
هو المشاركة المتساوية والنشطة للنساء والرجال في كل مجالات اتخاذ القرارات، وفي الحصول على الموارد والخدمات والتحكّم بها، وتنظر الأمم المتحدة إلى التوازن الجنساني على أنه عنصر أساسي لتحقيق المساواة والتنمية والسلام.
بعض الآثار المترتبة على مفهوم الجنسانية
نتج عن مفهوم الجنسانية مجموعة من المفاهيم والسلوكيات، نحو فصل التوجه الجنسي Sexual Attitude عن الهوية الجنسية Sexual Identity للإيحاء بأنهما شيئان مختلفان، وأنه يمكن الفصل بينهما، وللتأكيد على أن توجه (ميل) الشخص الجنسي سواء للذكور أو الإناث لا يشترط أن يتوافق مع تركيبه البيولوجي، بمعنى أنه يمكن للفتاة أن تميل لفتاة مثلها جنسيا، بدعوى أن هويتها الجنسية غير متوافقة مع تركيبها البيولوجي، والشيء نفسه بالنسبة للذكر. أما “الهوية الجنسية Sexual Identity تصاغ في البيئة الاجتماعية التي ينشأ فيها الفرد، فالولد يعطى العربة والجرار ليلعب بهما، والبنت تلعب بالعروسة. ففسيولوجية الإنسان يمكن أن تسمح له بممارسة جنسية معينة، ولكنها لا تحتم عليه هذه النوعية من الممارسة” وكانت من نتائج ذلك انتشار الشذوذ بين الرجال والنساء والتفكك الأسري والمجتمعي التي تعاني منه المجتمعات الغربية.
لقد كان فيلسوف الجنسانية “ميشيل فوكو” من أوائل من اكتوى بنار هذه المفاهيم، حيث أطلق لنفسه العنان في العلاقات الشاذة، ووصل إلى أقصاها، لينتهي به المطاف مصابا بمرض الإيدز، وليموت يوم 25 حزيران من عام 1984م في أحد مستشفيات باريس، حيث جعل من فلسفته التي تصطدم بالفطرة السوية طريقاً موصلة إلى الموت.
هذا فضلا عن فكرة المساواة المطلقة بين الرجل والأنثى، والتي تصطدم بالطبيعة البشرية، ولم تتمكن التيارات النسوية على مدار عقود من الزمن من تحقيق هذه الفكرة.
الجنسانية في المسيحية
كرم الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد الانسان المخلوق على صورة الله ومثاله” لأن الله خلقه على صورته ومثاله، “واخذ من الرجل ضلعا وصنع منه المرأة وسميت امرأة لأنها من امرىء أُخذتْ” وبارك الرب ادم وحواء :”انموا واكثروا واملأوا الارض” وطبعا وفق ماورد في بولس الرسول في سر الزواج وقدسية هذا السر :” ذكراً وانثى خلقهما…لذلك يترك الرجل اباه وامه ويلازم امرأته فيصيران جسداً واحداً وما جمعه الله لايفرقه انسان” والرجل هو رجل امرأة واحدة وتحريم الزنى وتقديس مضجع الزوجية لخير البشرية
والمرأة في المسيحية على ذلك هي مساوية للرجل في الحقوق والواجبات بمساواة الذكر والانثى..وفي الميراث والعمل وتكافؤ الفرص والمرأة هي مثل الرجل.
الجنسانية في الاسلام
ينظر الإسلام إلى الجنسانية على أنّها عملية إتحاد بين الجنسين تؤدي حتما إلى إعادة الخلق وتعمير الأرض، وهي علاقة لها قوانينها ومكاسبها، فالمتزوج والمتزوجة لها الحصانة وتدعى المتزوجة بالمحصنة ويحرم قذفها أو ثلبها.
احتفى الإسلام بالزواج كأرقى العلاقات بين الجنسين
لا تكتمل المرأة إلا بالرجل ولا يكتمل الرجل إلا بها إنّها علاقة تكاملية وليست علاقة سيّد بعبد كما يحاول البعض تقديمها.
بعد قرون من الإسلام ومن محاولات تحرير مجتمعاتنا من التخلف والجهل يمكننا اعتبار أننا نعيش أزمة جنسانية في مجتمعاتنا الإسلامية.
يرى بعض العلماء المسلمين المتنورين ان النظرة المتخلفة اسلامياً نحو الجنسانية هي متأتية من الجهل والتطرّف بعد أن تدخل بعض الفقهاء والشيوخ في مرحلة أولى وجعلوا من هذه المواضيع مطيّة للإساءة إلى المرأة وتغييبها كذات ورغبة في انحياز واضح إلى الذكورة.
وقد شكلت قراءتهم ارتدادا واضحا عن مجهود نخبة من الفقهاء المثقفين الذين خاضوا في مثل هذه المواضيع بكثير من الجرأة في فترات سابقة، أمثال الشيخ النفزاوي في كتابه ” الروض العاطر في نزهة الخاطر”.
في هذا السياق تتحدث الأستاذة فاطمة المرنيسي على أنّ الاعتراف بفاعلية الجنسانية الأنثوية يؤدي حتما إلى الانفجار الاجتماعي “إنّ غياب الجنسانية الفاعلة يصوغ المرأة في قالب الكائن المستكين والمازوخي”.فمتى تمكنت المرأة من جوانب جنسانيتها، كلما كانت مسيرة تحررها أسرع، فهي تسحق عن وعي فكرة الوعاء الجنسي وتؤسس لرغبتها بوعي، دون أن تسقط في فخ الذكورية المتفوقة أو النسوية المتطرفة.
أي أنّها تعي أنّها إنسان في الدرجة الأولى، بعيدا عن التقسيم الجنسي ولها الحق في تقرير مصير جسدها وأن تمتلك كلّ مفاتيحه.
فمتى امتلكت المرأة مفاتيح جنسانيتها ستقرر بمفردها مصيرها بعيدا عن الغلوّ والتطرّف الحداثي والديني.
اترك تعليقاً