الحديقة الجيولوجية.. و«تلول الصفا»
تقام الحدائق الجيولوجية عادةً Geopark في مناطق ذات إرث جيولوجي متميز ذي أهمية عالمية، وتعد هذه المناطق سجلاً مناخياً للأيام الغابرة،
وتسجل أيضاً جميع الكوارث التي مرت عليها من براكين وزلازل، وتحفظ في مستحاثاتها الإرث البيولوجي للكائنات الحية التي عاشت يوماً في هذه المنطقة بالترافق مع ظروف مناخية معينة.
وقد تعززت فكرة « السياحة الخضراء» مع ازدياد الاهتمام بإنشاء الحدائق الجيولوجية، هذا النوع من السياحة الذي يركز على ثلاثة أسس :
• البعد الجيولوجي المتعلق بنمط الصخور والموقع، وسيرورة العمليات الجيولوجية التي مرت على المنطقة، فهي تسلط الضوء بشكل رئيسي على الجانب الجيولوجي-السياحي الذي لطالما كان مهملاً ،
• البعد الأحيائي، ويتضمن الخواص الحيوية للفاونا (الشق الحيواني) والفلورا (الشق النباتي) حيث يتم التركيز عليه في السياحة البيئية- الجيولوجية،
• والثالث يهتم بالجماعات البشرية التي قطنت هذا المكان، نمط البناء، والبيئة الثقافية فيها بين الماضي والحاضر.وهو من بين المكونات الثلاثة الأكثر انتشارأ،
.
◘ تلول الصفا السورية..كحديقة جيولوجية
تقع تلول الصفا البركانية في جنوب شرق سورية، إلى الشرق من شهبا، ويتكون حقل حمم الصفا من شكل شبه دائري يصل في أقصى قطر له إلى 19 كلم من الشرق إلى الغرب وفي أدنى قطر إلى 16 كلم،
يبدو المنظر الطبيعي أسود بشكل لا يصدق تتخلله التلال والانتفاخات، ويمكن بسهولة مشاهدته في الصور الفضائية كبقعة سوداء فاحمة في خريطة سورية.،
هذا بالإضافة إلى بقايا المستوطنات من عصر البرونز ممثلة بخربة الأمباشي والهبارية وغيرها التي اشتهرت بطبقة البازلت المنصهر والعظام المختلطة بها والمشوية لدرجة التبلور، وبوجود كتلة عظمية هائلة متكلسة ومحروقة، عائدة لعشرات الآلاف من الحيوانات، وبطراز غير مألوف للأبنية.
وتتأتى أهمية حماية الموقع والحفاظ عليه ضمن محيطه البيئي المميز على تخوم البادية من فرادته وغناه بالمعطيات العلمية والتاريخية، ما يتطلب وضعه في حماية مديريتي الآثار والسياحة، والعمل على استعادة ما نهب من حجارته الفريدة وقد امتزجت بعظام كائنات كانت تعيش في الموقع قبل قرابة 4000 عام.
هذا بالإضافة إلى ما تتميز به المنطقة من الكتابات العربية الجنوبية وقد عرفت أولاً في سورية باسم النقوش الصفائية وهي من الكتابات العربية المشتقة من الأبجدية المسندية، والمنقوشة على الصخور في شبه الجزيرة العربية والأردن وجنوب سورية، التي استخدمت منذ القرن الأول قبل الميلاد حتى القرن الثالث الميلادي وتنتشر في عدة مواقع من منطقة الصفا دالة على عراقة تاريخها.
لذا، نجد أن تلول الصفا تحقق بسهولة شروط تحويلها إلى حديقة جيولوجية (جيوبارك)، ويمكن أن تكون أول حديقة جيولوجية في منطقة الشرق الأدنى جميعها،
كما تعتبر مساحة المنطقة أكثر من كافية لأغراض السياحة الجيولوجية والسياحة التاريخية والآثارية،
وهي ليست بعيدة عن المدينتين الكبيرتين دمشق والسويداء، ويمكن إدراتها بسهولة من السكان المحليين من السويداء بالتعاون مع البدو المقيمين في المنطقة،
ان تلول الصفا ليست إلا واحدة من الكثير من الميزات المطلقة للسياحية لبلدنا، لاظهار الطابع الحقيقي لبلدنا ذي الحكمة والجمال والعراقة.
يبلغ ارتفاع المنطقة 979 متراً عن مستوى سطح البحر، أي ما يعادل 3,212 قدماً. تضمُّ تلول الصفا عدة براكين كانت نشطة خلال عصر الهولوسين، بادئةً نشاطها قبل نحو 12,000 سنة، وقد كان أحدث نشاط بركانيٍّ مُسجَّل فيها عبارةً عن بركة حمم بركانية تغلي شوهدت في سنة 1850. توجد في وسط المنطقة (ضمن الدائرة السوداء نفسها) مناطق سوداء كالحة، أغمق من الأراضي حولها، وهي على الأرجح آثار آخر نشاطٍ بركانيٍّ في المنطقة، ترك أثره فوق الصبات الأقدم الأفتح لوناً من حوله.
وتلول الصفا ليست سوى جزءاً من صبة أكبر تُعرَف باسم حرة الشام، والتي تُعَدّ أكبر صبة بركانية في الصفيحة العربية، إذ تمتدّ على مساحة أكثر من 50,000 كيلومترٍ مربَّع في دول السعودية وفلسطين والأردن وسورية.
اترك تعليقاً