لاشك في أن أرضنا السورية، أو بلاد الشام، على نحو خاص، “تَـكَـلَّمَتْ” العربية منذ أزمنة قديمة، بالمفهومين: الثقافي البشري من جهة، والأثري في النقوش التي لا حصر لها من جهة أخرى، وما زالت وستظل “تتكلَّمها” بالمفهوم والمدلول اللغوي والثقافي والقومي. غير أن هذا هو نصف الحقيقة فقط أو أقل، لأن أرضنا لم تقتصر “معرِفَتُها” على “الثقافة” العربية وحسب بل، ولأنها كانت مهداً حقيقياً للحضارات (بالجمع وليس بالمفرد) فقد كان طبيعياً أن تُتْقِنَ الكثيرَ من اللغات والثقافات غير العربية التي يضيق المجال في هذه المقدمة عن مجرد تعْدادِها. ولا ضير في ذلك، لأن التاريخ هو التاريخ، وهذا هو تاريخنا الذي نفخر ونتباهى به، شاء من شاء وأبى من أبى، ولا يمكننا تحريفه أو تزييفه. فاللغات هي حاضناتُ الثقافات وأوعيتُها، وبالتالي فإنها، أي “اللغات” تعني “الثقافات” أيضاً من بين أشياء أخرى، وهنا نقطة البداية فيما سنذهب إليه في هذا البحث.
قد يسأل سائل: ” وكيف يمكن أن يكون الحكماء السبعة، وَهُمُ الإغريق، من بلاد الشام، وهي البلاد العربية؟” وهذا سؤال مشروع ومتوقع. ولكن الإجابة عن هذا السؤال هي أن ما قصدناه من “الحكماء السبعة الإغريق” ليس هؤلاء الأشخاص بعينهم، ولم نقصد انتماءَهم الإثني إلى سورية، بل قَصَدْنا، وبدقة أكثر، لوحتين فسيفسائيتين حَمَلَت إحداهُما صُوَرَهُمْ المُعَرَّفةَ بأسمائِهم وجَمَعَتا بينهم. وأزعمُ أنَّ هاتين اللوحتين هما اثنتان من بين فسيفساءات أربع على الأكثر مكتشفة حتى تاريخه على مستوى العالم. ما يعني، لو صحَّ زعمي، بأن أرضنا السورية، أو بلاد الشام بمفهوميها التاريخي والجغرافي، تكاد تتفرد في الإجابة، بالتصوير الفسيفسائي، عن هذا السؤال: “من هم الحكماء السبعة الإغريق؟” في حين أخفقت أرض اليونان نفسها الذين ينتمون إليها وغيرها من الأراضي على حدٍّ سواء، أو تكاد، عن الإجابة رغم أن الحكماء الإغريق هم من اليونانيين، وهم الذين لم يكونوا سوريين يوماً، ويا للمفارقة؟؟!! ولا شك في الدلالة الحضارية لهذا التفرد الذي يَشِيْ بالمستوى الثقافي الرفيع الذي بلغه السوريون في تلك العصور.
لا شك في أن هناك العديد من المصادر التاريخية التي تُعَرِّف بهؤلاء الحكماء الإغريق إفراداً، وسنذكر هذه المصادر في حينها ضمن سياق هذا البحث، ولكن الذي جَمَعَ هؤلاء الحكماء السبعة وَوَحَّدَهُم في إطار واحد ومكان واحد هو أرض سورية، وهذا سبقٌ حضاري آخر يضيف وسام شرف آخر على عدد يصعب حصره من أوسمة الشرف التي يحملها صَدْرُ سوريَّتِنا العظيمة دلالة على أسبقيتها الحضارية.
فمن كان هؤلاء؟ الحكماء السبعة الإغريق
ثمة إجماع في كافة المصادر على ستة من أسماء هؤلاء “الحكماء” الذين يُعْرفون بالإغريــقية باسم (οἱ πτ σοφοί,(= hoi hepta sophoi وباللاتـــــــينية septem sapietes وبالإنكليزية The Seven Sages of Greece وهم كما يلي:
1- كليوبولوس حاكم ليندوس في رودوس وشاعرها في القرن السادس قبل المسيح وهو صاحب مقولة “خير الأمور أوسطها”.
2- بيريانذروس حاكم كورنثة بين عامي 627-586 ق.م. الذي أوصل كورنثة إلى أوج قوتها ورفاهتها.
3- باياس البرييني أي المولود في بييريا إحدى أهم مدن أيونية في آسية الصغرى في القرن السادس ق.م. وكان فيلسوفاً.
4- طاليس (أو تالِس) الميليتي أي من مدينة ميليتوس (حوالي 624 -546 ق.م. ) كان أول فلاسفة الإغريق المعروفين وعلمائهم.
5- صولون الأتيكي (من 638 ؟ -559؟ ) الشاعر ورجل الدولة الأثيني الذي وضع أسس الديموقراطية.
6- خيلون الإسبارطي في القرن السادس الذي يرجع إليه الفضل في تبديل صورة إسبارطة المحبة للحرب إلى إسبارطة السياسية التي تسعى لتوحيد اليونان.
أمـا الحـكــيم السـابـع، فتتـباين المصـادر بـين أن يـكون “بيتّاكوس الميتيليني” (أي من ميتيلين) ) Pittacus of Mytilene (c. 650 BC على الأرجح وبين أن يكون “سقراط الحكيم” أقل ترجيحاً.
أما اللوحتان الفسيفسائيتان اللتان نعنيهما في هذا البحث المخصص لهما حصراً فَهُما كالتالي
1. لوحة فسيفساء سقراط يتوسط الحكماء السبعة الإغريق، وهو أحدهم، المحفوظة اليوم في متحف أفاميا للفسيفساء.
2. لوحة الحكماء الإغريق المحفوظة اليوم في متحف بيروت الوطني على الأرضية مباشرة بعد المدخل الرئيس لبهو المتحف.
وسنتعرَّضُ لهما بالتفصيل الممكن مع شرح مختصر لهما وتعريفات مفيدة بالحكماء السبعة الذين تَظْهَر صُوَرُهُم عليهما. وسنستشهد، في سياق هذه التعريفات، بما تيسر لنا من تماثيل لهم إضافة إلى صورهم كما وردت في اللوحتين الفسيفسائيتين إياهما.
1. أولاً: لوحة فسيفساء سقراط يتوسط الحكماء الإغريق في متحف أفاميا للفسيفساء.
تقع أطلال مدينة أفاميا السورية ومتحفها وأكروبولها المعروف بقلعة المضيق اليوم على الحافة الشرقية لسهل الغاب على مسافة 50 كيلومتراً إلى الشمال الغربي من مدينة حماة. وتواجهها على التخوم الغربية لسهل الغاب سلسلة الجبال الساحلية لتشكل حاجزاً أزلياً بينها وبين الساحل السوري. وهي مدينة أثرية متفردة بأهمية آثارها وتاريخها الحضاري الذي لا يفوتنا أن نذكر منه مدرسة الفكر الفلسفي الأفامي التي تَخَرَّجَ منها خمسةٌ من أهم أقطاب الفلسفة كما نذكر مسرحها الذي كان واحداً من أضخم مسرحَين في العالم القديم وكذلك متحف أفاميا للفسيفساء الذي يحفظ لنا لوحة فسيفساء سقراط هذه على رأس العشرات من التحف الأخرى. وقد أعطى المُصَمِّمُ الذي قام بتوزيعِ التُّحَف ضمن بناء المتحف هذه اللوحةَ ما يليق بها حيث جَعَلَها أول ما يشاهدُه زائرُ أبهاءِ المتحف لدى دخوله إليه وكأن سقراط والحكماء الذين يحيطون به هم الذين يستقبلون زائري المتحف ويرحبون بهم، تماماً كما فعل مُصَمِّمُ متحفِ بيروت الذي جَعَلَ، وبشكلٍ مستقلٍ تماماً، لوحةَ الحكماء السبعة أيضاً أولَ ما يشاهدُه زائرو المتحف لدى دخولِهم إليه. ولهذا دلالته الحضارية*، وهو مقصودٌ في الحالتين ولم يكن صدفة أو عبثاً، فهل أرقى وأروع من أن تستقبلُكَ نُخْبَةٌ من خيرة المفكرين من بني البشر؟
أما بناء المتحف فهو خان الحجيج وقوافل التجارة العثماني (الذي يرجح أن بناءه يعود إلى الفترة ما بين أواخر القرن السابع عشر وأوائل القرن الثامن عشر على الطريق ما
بين إسطنبول ومكة المكرمة). هذا البناء قامت المديرية العامة للآثار والمتاحف بتحويله إلى متحف.
اللوحة مُسْتَرَدَّةٌ من تحت أرضية المصلّى (الكنيسة الصغيرة) التي تشكل امتداداً للشطر الشرقي للكنيسة الكبيرة الرباعية المسقط في مطرانية أفاميا والتي كانت، قبل أن تصبح مطرانيةً فيما بعد، مقراً لمدرسة الفكر الأفلاطوني الجديد. اللوحة كانت جزءاً من ثلاث لوحات تزين أرضية “المدرسة”. وتبلغ أبعاد لوحة سقراط، بدون الإطار الزخرفي الذي يحيط بها، 1,30 × 2,62 متراً علماً بأن اللوحة مشوهة جزئياً في قسمها السفلي، ولكن بشكل لا يسيء إلى أي من الحكماء السبعة التي بقيت صورُهُم سليمة وشبه كاملة بأقسامهم العلوية لحسن الحظ.
نشاهد في اللوحة تصويراً رائعاً لسبعة حكماء يتوسطهم، ويعلو قليلاً عليهم جميعاً سقــراط الـذي نــتأكد من أنه يمثل سقراط ولا أحد غيره، من اسمه باليونانية Socrates ) الذي فوق كتفيه.
إنَّ النسخة الأفامِيَّةَ من الحكماء السبعة تتبنى سقراط على أنه أحدهم، وتستبعد “بيتّاكوس الميتيليني” من بينهم. وهي لا تكتفي بهذا، بل تجعل سقراط في وسطهم، ويعلو فوقهم جميعاً، وهم يحيطون به، ثلاثة من كل جانب، ويستديرون بجلستهم نحوه من كلا الجانبين.
ثانياً: لوحة فسيفساء حكماء الإغريق في متحف بيروت الوطني
مصدر اللوحة هو السويدية قرب بعلبك في لبنان وهي مربعة الشكل أبعادها 3.6 × 3.6 م تستقبل زوار متحف بيروت عند دخولهم ويتكون تصميمها من ثمانية إطارات دائرية متساوية الأقطار موزعة محيطياً حول دائرة مركزية أكبر قياساً . وتتوزع صور الحكماء على الدوائر المحيطية بالترتيب الذي سنتعرض لشرحه لاحقاً حين تقديم الحكماء بما قل ودلّ من المعلومات عنهم. وأول ما يلفت النظر هنا أن حكماء “نسخة” بيروت تختلف عن نظيرتها الأفاميَّة باحتوائها على ثمانية حكماء، أي بزيادة حكيم واحد على نسخة أفاميا السباعيَّة. وهذا الحكيم الثامن هو “بيتّاكوس الميليتيني” الذي استبعدته النسخة الأفامية. أي أن نسخة متحف بيروت ضَمَّتْ سقراط وبيتّاكوس معاً ولم تستبعد أحداً، الأمر الذي رفع العدد فيها إلى ثمانية. كما تمتاز لوحة بيروت بأنها سليمة تماماً لم يلحق بها سوى تلف بسيط مستدير الشكل أمام وجه كليوبولوس في أسفل اللوحة وهي قطعة بديعة الصنعة تتفوق على النسخة الأفامية من هذا القبيل. وأيضاً، تمتاز نسخة بيروت بكونها تحمل تعاريفاً باليونانية بأسماء الحكماء جميعهم الأمر الذي يبعد عملية الاجتهاد بالجزم على نقيض ما هو الحال في النسخة الأفامية التي لا تحوي إلاّ تعريفاً بسقراط دون الآخرين، الأمر الذي يفتح باب الاجتهاد واسعاً للتعريف ببقية الحكماء فيها. كما تحوي لوحة بيروت بعض مقولات هؤلاء الحكماء، وليس جميعهم. أما الشكل الذي يتوسط لوحة بيروت فهو الربة كاليوبي إحدى أهم ربات الشِّعر المساعدات لأبولّون إله الموسيقى والفنون الجميلة الإغريقي وقرينته ومُلْهِمَةَ الشعر الملحمي وكانت بالغة الجمال يعلو رأسها تاج. وأخيراً فإننا نعرف اسم الفنان صانع فسيفساء حكماء بيروت لأنه سَجَّلَ لنا اسمه فوق الكتف اليسرى للربة كاليوبي كما يلي أي ” عمل أمفيون” بمعنى “صَنَعَها أمفيون” أو نَفَّذَها.
الحكماء السبعة الإغريق من بلاد الشام في افامية
بعد هذا الوصف لِلَوْحَتَيْ حكماء أفاميا وبيروت، سنقوم بتعريف هؤلاء الحكماء باختصار وأبرز مقولاتهم.
1. سقراط الحكيم (469-399 ق.م): ولعله، وتالس الميليتي، أشهرهم على الإطلاق. يحتل سقراط، ليس بغير سبب وجيه، المرتبة الأعلى في لوحتي أفاميا وبيروت على حدٍّ سواء: ففي الأولى أفرَدَ له الفنان الصانع للفسيفساء وسط اللوحة ورَفَعَ مستواه فوق سائر الحكماء، وهو سقراط الذي اشْتُهِرَ بـ”الحكيم”. أما في الثانية فقد خَصَّهُ الفنان “أمفيون” الذي نَفَّذَ الفسيفساء الدائرة العليا فوق الجميع وقام بتسجيل اسمه فوق كتفه الأيمن كالتالي Socrates <ho> Athinaios أي “سقراط الأثيني”.
كان للفيلسوف اليوناني سقراط الذي عاش في النصف الثاني من القرن الخامس السابق للمسيح أكبرَ الأثر على الفلسفة الغربية من خلال تأثيره على أفلاطون. وحيث أن سقراط أشهر بكثير من أن يُعَرَّف في عجالة كهذه، فإننا آثرنا توفير الحديث عنه للأسماء الأخرى الأقل شهرة من الحكماء اختصاراً للمادة. على أنه يمكن للراغبين بالاستزادة عنه الرجوع إلى المصادر التي لا حصر لها.
2. كليوبولوس Κλεόβουλος, Kleoboulos of Lindos حاكم ليندوس في رودوس وشاعرها في القرن السادس قبل المسيح وهو صاحب مقولة (خير الأمور أوسطها) . ويلاحظ في لوحة متحف بيروت أن الفنان “أمفيون” صانع الفسيفساء أضاف عبارة بعد اسم الحكيم “كليوبولوس الليندوسي” وتعني: “المثال الممتاز”.
كان كليوبولوس ابناً لإيفاغوراس في مدينة ليندوس بجزيرة رودوس. وقد لَقَّبَهُ كليمنت الإسكندري بـ”ملك الليندوسيين” في حين تحدَّثَ عنه بلوطرخس على أنه حاكم طاغية ومستبد. أما الرسالة التي وجهها كليوبولوس إلى صولون الأتيكي ويدعوه فيها للقدوم إلى ليندوس كملجأ ديموقراطي له هرباً من الطاغية الأثيني بيسيستراتوس حسب رواية المؤرخ ديوغينيس لايرطيوس فمن الواضح أنها تزوير لاحق.
زار كليوبولوس مصر ومكث بها فترة كان خلالها على مقربة من معابدها القديمة وعلى اتصال بكهنتها الذين أمدوه بعلومهم ومعارفهم في شتى المجالات.
كان لكليوبولوس ابنة اسمها كليوبولينا اعتادت أن تنظم ألغازاً شعرية على الوزن السداسي قيل إنها لم تكن تقل أهمية عن أشعاره. توفي كليوبولوس عن 70 سنة وقبره موجود في مدينته ليندوس.
نظم كليوبولوس الشعر القيثاري الغنائي كما نظم الأُحجيات شعراً. وينسب المؤرخ ديوغينيس لايرطيوس إليه النقش على قبر الملك الأسطوري ميداس، هذا النقش الذي ينسبُهُ آخرون إلى هوميروس.
نُسِبَتْ الكثير من الأقوال إلى كليوبولوس، وفيما يلي باقة منها:
• الجهل والثرثرة آفَتا البشر.
• لا تبحث عن الفكرة، بل دعها تأتِ إليك.
• آثِرِ الإصغاء على الثرثرة.
• اطلب الفضيلة وانبذ الرذيلة.
• تعالَ على الملذّات (بمعنى تَرَفَّعْ عنها).
• احرص على التصالح بعد التخاصم.
• إياك والظلم.
• لا تفعل شيئاً عنوةً.
• خير الأمور أوسطها.
الحكماء السبعة الإغريق من بلاد الشام في متحف بيروت
3. بيرياندروس الكورنثي (627 – 585 ق.م) حاكم كورنثة بين عامي 627-586 ق.م. الـذي أوصـل كورنـثة إلـى أوج قوتـها ورفاهتها .
خَلَفَ بيرياندروس والده “كيبسيلوس” كحاكم فردي لكورنثة التي قام بإصلاحات عديدة فيها كتطوير مرفئها بأن أحدثَ ما يُعْرَفُ بالـ”ديولكوس” وهو عبارة عن “سكة قطار” لقطر السفن براً باستخدام الدواب لإعادة إرسائها في الطرف البحري الآخر ناحية بحر إيجة لاختصار طريق الالتفاف الطويل حول شبه جزيرة البيلوبونيس للسفن الراغبة بالإبحار باتجاه بحر إيجة وقبرص ورودوس وشرقي المتوسط عموماً وبالعكس. وقد سمحت له الأموال التي جناها من عبور السفن على الـ”ديولكوس” بإلغاء الضرائب كلياً عن كاهل أهالي كورنثة. ولقد أوصل بيرياندروس كورنثة إلى أوج قوتها ورفاهيتها. وازدهرت في زمنه الفنون والحرف والصناعة والتجارة والشعر واستقدمت المدينة في عصره شعراء مثل آريون وليزبوس. بقي أن نقول إنه القائل: “لا شيء مستحيل أمام الصناعة”، وأيضاً حسبما هو مدون بحذاء صورته في فسيفساء الحكماء ببيروت “ادرس عملك ملياً”. ونلاحظ هنا أن الفنان “أمفيون” لم يعمم النهج ذاته بالنسبة لبقية الحكماء إذ إنه لم يُتْبِعْ أسمائِهِم بمقولات اشتُهِروا بها هم الآخرون سوى ثلاثة منهم. ولا أستطيع تقديم تفسير لتصرفه هذا!!
4. باياس البرييني أي المولود في بييريا إحدى أهم مدن أيونية في آسية الصغرى في القرن السادس ق.م. وقد أضاف “أمفيون” مُنَفِّذُ لوحة فسيفساء بيروت عبارة o plestoi nthropoi kako التي أترجمها عن اليونانية كما يلي: ” إنَّ معظم البشر أشرار” وهي مقولة اشْتُهِرَ بها باياس أكثر ما اشْتُهِرْ.
كان باياس ابناً لتوتاموس ومواطناً لمدينة بريين وفيلسوفاً يونانياً. ويُصَنِّفُهُ ساتيروس على أنه أكثر الحكماء الإغريق حكمةً. وقد اشْتُهِرَ بطيبته.
وقد رُوِيَتْ شهادةٌ عن مدى طيبته تقول إِنَّهُ أعتق بعض النسوة السبايا بفدية مالية كبيرة دَفَعَها من عين ماله. وبعد أن قام بتعليمهن وتثقيفهِنّ كمثل بنات له، أعادَهُنَّ إلى مِسّينا موطنهن وإلى آبائهِنّ. وقيل إنه حين عثر البحارة على التحفة البرونزية ذات ثلاثة القوائم The Brazen Tripod والتي نُقِشَتْ عليها عبارة “إلى الأكثر حكمةً” فإن آباء هؤلاء النسوة اجتمعوا وأجمعوا على أن باياس هو الأكثر حكمةً من بين البشر وقرروا إعطاءه التحفة عربون امتنان لِما قَدَّمَهُ لمدينتهم من خدمات. إلاّ أنَّ باياس اعتذر عن قبول هذه التقدمة بقوله “إن الأكثر حكمة هو أبولّون”.
من أشهر مقولاته:
• إنَّ معظم البشر أشرار.
• لا يهون على الشهم أن يتقبل أي انتقاص من مُقَدِّراته.
• اختَرْ مسلكك في الأمور عن يقين وعمد، ولكن حين تفعل، عليك الصبر والجَلَدَ لتحمل العواقب.
• تَرَوَّ في الكلام، لأن في العجلة الحماقة.
• تَحَدَّث عن الآلهة كما هي حقيقةً.
• لا تكيل المديح لمن لا يستحقه من الأغنياء.
5. تالس الميليتي (نحو 624 – 546 ق.م) أول فيلسوف يوناني حسـب الكثيرين لأنه حاول تفسير الظواهر الطبيعية بعيداً عن الميثولوجيا .
تتلمذ تالس على أيدي كهنة المعابد في مصر في مختلف العلوم الإنسانية والرياضية والجيومترية التي كان هؤلاء يتقنونها. والحقيقة إن ما بات يُعْرَفُ بـ”نظرية تالس”، ومثلها “نظرية فيثاغورس” في الهندسة الجيومترية هي معارف مصرية قديمة جداً سبقت تالس وفيثاغورس بقرون عديدة لأننا نراها على البرديات المصرية القديمة ولأن المصريين ما كان بمقدورهم بناء الأهرام بدون هذه المعارف.
نكتفي بهذا التعريف المقتضب بـ”تالس” لأن الحديث عنه يطول بما لا يناسب الحيز المتاح في بحث كهذا من جهة ولأن شهرته تستأثر بالكثير من المصادر التي تتحدث عنه بإسهاب لمن يرغب الاستزادة من جهة أخرى.
6. صولون الأتيكي أي الأثيني (من 638 ؟ -559؟) الشاعر والمُشَرِّع ورجـل الدولة الأثيني ورجل الإصلاحات الذي أرسى أسس الديموقراطية الأثينية.
إنَّ أشهر ما عُرِفَ به صولون هو سلسلة الإصلاحات التي أجراها على النظام السياسي الذي كان سائداً في أثينا، أقصد نظام المدينة الدولة أو (دويلات المدن) التي كان يتداول الحكم فيها الأراخنة (جمع أرخون بمعنى أمير يجري تعيينه أو انتخابه على أساس أُسروي من النبلاء). وقد توزعت جهود صولون على الإصلاحات الدستورية والاقتصادية والأخلاقية مما أرسى الأسس الصحيحة للتداول الديموقراطي للسلطة في أثينا. وإليه تُنْسَبُ مقولة “اعرف نفسك”.
7. خيلون الإسبارطي اللاكيديموني (من لاكيديمونيا) في القرن السادس الذي يرجع إليه الفضل في تبديل صورة إسبارطة المحبة للحرب إلى إسبارطة السياسية التي تسعى لتوحيد اليونان من خلال تعزيز الرابطة البيلوبونيسية.
يتحدث المؤرخ اليوناني هيرودوتُس عن خيلون على أنه كان معاصراً لأبيقراط بينما يصفه المؤرخ ديوغينيس لايرطيوس بأنه كان رجلاً كهلاً في الأوليمباد الثاني والخمسين المنعقد عام 572 ق.م وأنه انتُخِبَ من مجلس الأعيان في إسبارطة في الأوليمبياد السادس والخمسين 556 / 555 ق.م، في حين يذكر ألكيداموس أنه كان عضواً في المجلس الإسبارطي. ويذهب لايرطيوس إلى أبعد من ذلك ليدَّعي بأن خيلون كان أول من أدخل عادةَ استخدام الملوك لأعضاء مجلس الأعيان كمستشارين لهم. ويُنْسَبُ إلى خيلون أيضاً الإطاحة بالحكم الطاغوتي في دويلة مدينة “سيكيون” التي أصبحت حليفةً لإسبارطة. ويرجع الفضل إليه بتبديل الصورة التقليدية السابقة لسياسة إسبارطة المحبة للحرب إلى إسبارطة الراغبة بتوحيد اليونان، ما أسفر عن تأسيس الرابطة البيلوبونيسية في القرن السادس ق.م.
بعض من أقوال خيلون:
• تحاشَ أن تَذُمَّ الأموات.
• أَكْرِمِ المسنّين.
• لا تشمت بالناس في مصائبهم.
• اكظُم غيظَكَ ساعة الغضب.
8. بيتّاكوس الميتليني ( 640 – 580 ق.م) كان ابناً لهيرّاديوس وأصبح ضابطاً رفيع الرتبة قاد جيشه وحقق نصراً ضد الأثينيين الذي كان يقودهم فرينون. ونتيجة لانتصاره هذا رفعوه إلى أرفع مقام ووضعوا بيده أعلى السلطات.
ولما كان الأثينيون على وشك مهاجمة مدينته، فإنه تحدى قائدهم إلى النزال بمبارزة إفرادية معه على أن تُحَدِّدَ نتيجة النزال مصير الحرب بحيث يُجَنِّب المدينتين إراقة الدماء. فقبل فرينون التحدي ولكن هذا الأخير قُتِلَ على يد بيتّاكوس الذي اختير حاكماً لمدينته فحكمها لعشر سنوات وَضَعَ لها قانوناً بنظم شِعْري نذكر منه مثلاً: “من يقترف جريمة وهو تحت تأثير الخمرة يلقى عقاباً مضاعفاً عن مثيله الذي يقترفها وهو غير سكران”. وقد كانت أبرز مقولاته: “لا تفعل لجارك ما لا تريد أن تلقاه أنت منه”.
اترك تعليقاً