القديسان الخوري الشهيد نقولا خشة وابنه الخوري الشهيد حبیب خشة الدمشقيين
في موقعنا هنا المخصص للتعريف بأعلام الكنيسة الارثوذكسية والكرسي الانطاكي المقدس وما قدموه من أجلها …
وسنبدأ بطبيعة الحال مع الأب الشهيد الخوري نقولا خشة
منذ طفولته رُبي على حب الكنيسة ونكران الذات والاندفاع من أجلها ولمع نجمه وأضاء في المحاولة الأولى التي سعى بها أبناء الكرسي الانطاكي المقدس منذ الأزمة البلغارية عام 1870 حتى 1885 لإنتخاب بطريرك عربي بعدما كانت السدة الإنطاكية ومنذ 1724 زمن نشوء الكثلكة بين صفوف أبناء الكنيسة الأرثوذكسية، خاصة وقفاً على البطاركة اليونان المنتخبين من قبل الكرسي القسطنطيني. ومن أهم أعلام تلك الفترة وهذا النشاط الطيبو الذكر: السيد ديمتري شحادة وكان يقيم في القسطنطينية(1)، والسيد جرجي مرقص ( 2 ) المقيم في موسكو، والمطران ملاتيوس دوماني ( 3 )، والمطران غفرئيل شاتيلا ( 4 )، والشماس جراسيموس مسرة ( 5 ). ونظراً لنفاذ كلمة البطاركة لدى السلطات العثمانية آنذاك فقد عاني علمنا مع أفراد الجمعية الأرثوذكسية الوطنية الدمشقية بصفته أحد أبرز زعمائها الكثير من المضايقات. لكن ذلك لم يثنه والذين معه عن عزمهم واستمرت الانتفاضة الوطنية في العشر الأخير من القرن الماضي حتى أثمرت عن تنحي البطريرك اسبريدون وانتخاب مطران اللاذقية ملاتيوس الدوماني بطريركاً إنطاكيا وتثبيته بفرمان سلطاني عام 1899.
وكان عَلَمنا السيد نقولا خشة قد تولى رئاسة أو عضوية جمعية المدارس الأرثوذكسية بدمشق وكانت هذه الجمعية المرتبطة بالمجلس الملي تشرف على المدارس الأرثوذكسية في دمشق وهي: الآسية ومدرسة البنات (حالياً ثانوية الياس قدسي خلف الكاتدرائية المريمية مقابل مبنى المدرسة الآسية الاساس) ومدرسة القديس يوحنا الدمشقي في محلة القصاع الناشئة في أواخر القرن الماضي وكانت اساساً في محلة البطريركية قبل انتقالها للقصاع عند بدء استيطان القصاع، ونحن درسنا فيها مرحلتي الحضانة والابتدائية منذ 1956الى 1964 بنهاية المرحلة الابتدائية، ومدرسة القديس نيقولاوس الكائنة داخل الصرح البطريركي (وتمتد غرباً الى مطعم قصر النارنج الحالي مع عرض الحارة بينهما اذ ان هذه الحارة كانت من اوقاف البطريركية مع حق ارتفاق عام كدرب)، ولعب دوراً رئيساً في تطور هذه المدارس وتحديث أساليب الدراسة فيها وتوحيد المناهج المعتمدة في جميعها.
وفي فترة المضايقة الآنف ذكرها انتقل السيد نقولا خشة إلى مصر التي كانت مُلتقى لنخبة المتنورين الشاميين (أرباب القومية العربية) الذين فروا من مضايقات الشرطة العثمانية السرية، وبقي هناك مدة ثمانية أشهر محاولاً تطوير عمله فيها وخصوصاً في التجارة، إلا ان النجاح لم يكن حليفه هناك فقرر العودة إلى موطنه دمشق، ليجد ان رعيتها قد أجمعت على انتخابه كاهناً وراعياً لها. وقد وافق البطريرك ملاتيوس على ذلك فوراً نظراً لما عهده ويعرفه من صفات علمنا وسجاياه وحبه للكنيسة وخدمة الناس وتفانيه من اجل الوطن، فرسمه شماساً في الكاتدرائية المريمية (كنيسة مريم) بتاريخ 25 آذار 1900 وكاهناً في 3 حزيران 1900 وكان بالطبع قد تزوج ورزق ولده حبيب وإخوته.
انصرف الخوري نقولا بكل همة وحكمة خدمة الرعية ورئس مدة طويلة في جمعية القديس يوحنا الدمشقي الثقافية الارثوذكسية التي كانت تمتلك مكتبة خاصة متميزة ضمّت موجودات مخطوطة ومطبوعة تُعد الأولى من حيث النوعية والكمية ( 6 ) وبكل اللغات، بالإضافة إلى وسائل إيضاح تعليمية إذ كانت أولى أهداف هذه الجمعية تطوير العلوم لأبناء الرعية بدمشق. أما موقع هذه الجمعية ومكتبتها فكان في مبنى المدرسة الاسية الأساس، ويمكن تحديدها الآن فوق حرم الطريق الموصل بين مبنى الاسية الحالي ومدرسة الصغار مقابلها، حيث لا تزال بقايا أقواس بارزة من جدار مدرسة الصغار الخارجي الشرقي تدل على ذلك.
لذلك أوفده البطريرك ملاتيوس مرات عدة إلى بعض الأبرشيات الانطاكية المترملة (بوفاة مطارنتها) لرأب الصدع وإعادة الأبناء المتغربين إلى كنيستهم. وكان النجاح حليفه على الدوام.
وكيلا بطريركيا في مرسين
استشهاده
كيف تم ذلك ؟
الاب الخوري الشهيد حبيب خشة
مولده ونشأته وكهنوته:
مزاياه
استشهاده
لذكراه
خلدت اسرة الشهيدين خشة تذكار هذين القديسين المنسيين، بأن أقامت لهما في العقد الاول من القرن 21 موقعا باسمي الشهيدين في مقام القديسة تقلا البطريركي في معلولا، في ديرها الاساس ببطن الجبل بجانب مرقد القديسة تقلا الشهيد وهي اولى الشهيدات في كرسينا الانطاكي المقدس. لا سيما والشهيد الخوري نقولا تولى وكيلا بطريركيا مطلق اليد في دير القديسة تقلا البطريركي في العقد الاول من القرن 20، ولم يعرف الدير ولا الاديار البطريركية مدبرا ووكيلا بطريركيا مثله في التدبير وحسن التصرف والحكمة والكرم رغم ضيق يده وشح موارد الدير… بينما ابنه الشهيد الخوري حبيب كان على الدوام يعيش خلوات روحية في دير مار تقلا ويخدم في كنيسة الدير في هذه الخلوات…
حراك اعلان القداسة
انصب اهتمام غبطة ابينا البطريرك يوحنا العاشر على هذين الشهيدين منذ مطلع عام 2023 كما بدا لي، وكانت لجنة القداسة والقديسين وانا امين سرها في دوريها البطريركي (تابعة للبطريرك وقد اسسها عام 2014 برئاسة الاسقف اثناسيوس فهد، ثم المجمعي تابعة للمجمع الانطاكي برئاسة المتروبوليت سابا) قد رشحتهما مع غيرهما مشروع قداسة، وطلب مني تزويده بماكتبته عنهما في مجلة النشرة البطريركية عام 1994 العدد 5 ثم ادرجته مع زيادة في موقعي هنا (مماثل لهذه التدوينة) وكان ابناء الشهيد حبيب قد نشروا بماكتبت ونشرت في النشرة كراسا وطبعوه في دمشق لصالح دير القديسة تقلا البطريركي في معلولا برعاية الام الرئيسة بيلاجيا سياف، (بالاضافة الى مادونه الارشمندريت توما بيطار نقلا حرفيا عن مقالي في النشرة اخذه مني كمخطوط باليد وادرجه لاحقا مع سيرة الخوري يوسف مهنا الحداد وكان ذلك في عام 1992 بتوجيه من الاسقف جوزيف الزحلاوي في مكتبه بالدار البطريركية وكان امين سر البطريرك اغناطيوس الرابع وقتها قبل سفره الى اميركا، وكان سيادة الارشمندريت توما يقوم بزياره غبطته سعيا لمعلومات تفيد مشروع كتاب يعده عن القديسين المنسيين في كرسينا الانطاكي، وقد نشر ذلك اولا في كتابه “قديسون منسيون” عن الخوري الشهيد يوسف مهنا الحداد، ثم وقبيل دورة المجمع الموسع عام 1993 الذي اعلن قداسته مع صورة تخيلية والليتورجيا كتب كراس القديس يوسف الدمشقي تقريبا بالحرف عن المخطوط الذي زودته به وكان قد كتبه في كتابه المحكي عنه كما سبق وايضا باسمه الشخصي دون ادنى ذكر للمصدر وهو انا بكل اسف علما اني كتبت سيرة المذكور بكتابي الاسية مسيرة قرن ونصف وصدر عام 1991، ثم في النشرة البطريركية حين اصدارها عام 1992، ولكن اللافت والمستغرب انه جعل من هذا القديس الذي سماه المجمع الانطاكي عندما اعلن قداسته بالقديس يوسف “الدمشقي” بينما جعله هو (كاهن بيروتي)!!! ووقتها نشرت جريدة النهار خبر تطويبه كقرار من المجمع عام 1993 بعنوان عريض في صدر صفحتها الاولى ” كاهن بيروتي يتتلمذ على يد شيخ دمشقي” !!!)
وبدأ غبطة ابينا العمل بالعظات والتعريف عن الشهيدين تهيئة للاذهان لهذا المشروع المبرور وكذلك بتوجيه منه حذا الاساقفة المعاونون وآباء الكنائس بدمشق حذوه، واعلن غبطته عنهما في دير سيدة صيدنايا البطريركي في عيد الدير 8 ايلول 2023 عن مشروع قداسة الابوين، ليكرر ذلك في كنيسة الصليب المقدس في القداس الالهي بمناسبة عيد الكنيسة في غروب العيد الاربعاء 13 ايلول 2023 وان الاعلان سيتم في دورة المجمع المقدس في منتصف تشرين الاول المقبل في دوره بالبلمند…وبدأ المكتب الاعلامي البطريركي ومعه نحن المكلف بتكشيف الوثائق البطريركية الاستعداد لهذا الاصدار المفرح وتقديم كل مايرتبط بذلك من وثائق وصور ومخطوطات بيد الشهيدين…
ماقيل عن الشهيد الاب نقولا بعد استشهاده من ائمة الكرسي الانطاكي وغيرهم من الكنائس الاخرى ومن العلمانيين في سورية الكبرى ومصر…:
_ في رسالة للبطريرك غريغوريوس الرابع وجهها في 17 تشرين الثاني سنة 1918، الى عائلة الشهيد الخوري نقولا المقيمة هناك في مصر، جاء فيها:”تمسك بالأمانة واستودع نفسه بيد خالقه متيقنا أنه ينال اكليل الحياة في مجد القديسين الابدي”._ قال عنه مطران حمص وتوابعها السيد اثناسيوس عطا الله:” لاتمر في مخيلتي صورة الشهيد في الكهنة المثلث الرحمات الخوري نقولا خشة حتى اذكر لأول وهلة وقفة العبد الصالح الامين الذي احسن الجهاد في مدة تجنّده، وهو ينتظر كلمة مولاه الأخيرة … هنالك في تلك الساعة الرهيبة… تبرز تلك الكلمة العذبة…معلنة ان العدل الالهي قد قدَّرَ له خدماته حق قدرها وهو يكافئه عما فعل…”
_ اما مطران بيروت وتوابعها السيد جراسيموس فقال فيه:”…عرفناه عامياً فاكليريكياً، وكان في كلتا الحالتين مثال البر والصلاح وقدوة في السيرة الفاضلة ونموذجا في الأعمال الحسنة وأباً حقيقياً لأولاده الروحيين…قضى نحبه تحت أشد الظلم…فكان موته موت استشهاد يذكره أبناء الكنيسة، ويكتبه له الباري في صفحة الأبناء المخلصين في سفر الحياة…”
_ بكلمة ابوية لمطران طرابلس وتوابعها المتروبوليت الكسندروس طحان جاء فيها:” …في عصر تهافت فيه الناس على اختراع أساليب الحيلة للنجاة من الموت…نرى صورة مخشعة تتجلى فيها امامنا نفس الخوري نقولا خشة تجود بجسدها الخائر القوى من تعذيب المُعذِّبينْ وقلة القوت لتخلص آخرين. هذه صورة…لامعة للصورة العظيمة التي رآها العالم يوماً ما في الجلجلة يوم صلب فادي العالم لخلاص البشر…سأذكر اسمك للرعاة الأمناء على رعيتهم واورد ذكرك وعملك كلما ذكرت خدمتك في مرسين البلد الذي خدمت نفوس رعيتك فيه خدمة الأمين ومت من اجلهم موت الأبطال لتخلص الغير.”
_ وقد رثاه متروبوليت ابرشية صور وصيدا وتوابعهما ايليا ذيب بقصيدة طويلة هذا بعض من ابياتها:
“سديد الرأي مقداماً جريئاً…………………….شديد الحزم بين العاملينا
رشيداً في مناحيه مفيداً ………………………. مجيداً في مآتيه ؤصيناً
فكم جبرت عنايته كسيراً …………………….. وكم عزت مواعظه حزيناً
وكم آوت بشاشته غريباً ……………………. وكم شملت رعايته سجيناً
وكم أحيا ليالي ساهرات……………………. ليجلي عن ذوي البؤس الشجونا
ولست مبالغا في وصف خلّ……………….. أقرت بأنس طلعته العيونا
بأبناء الكنيسة هام حباً …………………… لذا في عشفه هام البنونا
فأعلاه الفضا منه سناماً …………………. وأركبه الهوا منه متوناً
وتوّجه العلي بتاج فخر …………………. وكلّل بالسنا منه الجبينا
وألبسه فضائله رداء …………………. منيراً اسوة بالنيّرينا
وها هو يسمع التبريك منهم…………… وينشد مع صفوف المنشدين
_ وقال فيه المتروبوليت روفائيل نمر راعي ابرشية حلب والاسكندرونة وتوابعهما:” … كان ممن تاجروا بوزناتهم فربحت أضعافاً…مات شهيد بيد الجور والظلم يكلله الوفاء…فذّكرتنا اعمالُه…بجهاد الشهداء والابرار…”
_ ومن قصيدة رثاه بها الخوري برنارديس نحاس مدير الرهبنة الباسيلية الحلبية الكاثوليكية نقتطف الأبيات التالية:
إذا قدّر الرحمن موت امرىء فما ………………………….لنا غير إذعان لرب البريّة
ولكن من لم يجن يوماً جناية ………………………… فكيف به إن مات أصعب ميتة
كمن قد مضى والنور كلّل رأسه……………………….. وسار به جند العلاء بغبطة
هو الأب نيقولا الذي عمّ ماجرى ……………………… به من ضروب الجور كل البسيطة
لقد عاش وألا للعفاة وقد قضى……………………… شهيداً حميد الذكر سامي الفضيلة
سقى الله أرضا حل فيها رفاته……………………….. سحاب الرضا والعفو عند كل هفوة
ورثاه الاديب عيسى اسكندر المعلوف بأبيات منها:
” يعز علي أن تقضي شهيداً………………………… وفي مرسين عن وطن بعيدا
وأن يُجنى عليك بغير ذنب ……………………….. وقد أحموا لمقتلك الحديدا
فذُقتَ الموتَ ألواناً بصبر ……………………….. عجيب قد اراك الموت عيدا
نظيرك معشر الأبرار كانوا ………………………. وقد سفكوا دماءهم صديداً
فنلت منالهم إكليل مجد ……………………….. وكنت بجنّة الأخرى سعيدا
ورثاه السيد نجيب اللاذقاني من بيروت
” أبعدوا الخوري نقولا عنوة …………………….. وجنود خانة تتبعه
ضربوه بعصي بعد أن ……………………….. أثخنوه ووهت أضلعه
قتلوه صابراً مستسلماً ………………………. للردى والموت لا يفزعه
وأذاعوا انه قد مات من ……………………… علة قلبية توجعه
أيها الكاهن طوباك فقد …………………….. نلت إكليلا سما موضعه”
كتب عنه السيد سيرافيم كساب الدمشقي من القاهرة الذي كان يعرفه في دمشق قبلاً فقال:” … عرفته نقيّاً تقيّاً غير متعصب، ورعاً عاملاً مخلصاً سباقاً الى المكرماتِ واعظاً مؤثراً وخطيباً متدفق اللسان عذب المنطق ظريف العشرة بشوش الوجه، ولكنه عصبي المزاج… فكان يقول للمحسن أحسنت وللمسيء أسأت غير هيابٍ ولا وَجِلْ… أما حياته البيتية فكانت مثالاً يُحتذى…فهل… توحي الى نفوسنا … وضع مثالك أمام عيوننا حتى نقوى على اجتياز هذه المَخاضْة الملأى بالأخطار ؟!… ولربما كلامك غير الملفوظ بكلمات يسمع أوقع في النفوس من كلامك المسموع…!”
اما السيدة روزا توفيق اسكندر من هيليوبوليس في القاهرة فقالت:” … طوباكم يا ابانا الحنون لصبركم ماقاسيتموه. طوبى لغيرتكم وحكمتكم وتفانيكم … طوبى لرأفتكم بالقاصر والفقير… إن ذكركم الكريم … في سبيل مساعدة الضعيف لاتمحوه الأيام من قلب كل من عرفكم”
تحدثت جريدة الحوادث بطرابلس الشام بعددها رقم 343، تاريخ 22تموز السنة 1919 عنه فاعتبرته” ذلك الذبيح الذي آثر الموت على خرق حرمة الواجب … في سبيل افتداء المئات من ابنائه”. ولاحظت أن ” أعظم دليل على فضل هذا الكاهن الشهيد إجماع الكل على محبته وتقدير فضله”. ثم خاطبته بقولها:” لقد عشت عيشة العاملين الأبرار ومتَّ ميتة الشهداء الأخيار فذكر هذه الشهادة لايمحوه كرور الأدهار”.
– وفي رسالة كتبها عنه المعلم حنا ياسمين من مرسين اورد فيها :”… رأيته وكنت بمعيته أيام حصول المذبحة بولاية أطنة فكان يطوف ليل نهار في شوارع مرسين مسّكِّناً قلق الأهالي . ولقد دعاني أن أطوف معه أكثر من مرة في الليل لهذا الغر… كان يُحسنْ لكل انسان لا فرق عنده من اي ملة كان… كان لين الجانب … يقابل الكبير والصغير بالاحترام وبتواضع…كان كل من رآه يحبه… وكثيراً ماكنت اصحبه لقضاء بعض الأشغال فأعجز من كثرة وقوفه بالطريق مع من يصادفهم من الأهالي… كان إنساناً بكل معنى الكلمة…”
وكتبت “فتاة مرسين” التي كانت تلميذة في المدرسة التي أنشأها الخوري نقولا هناك للبنات، مقالاً بعنوان:” مات من ذكرُهُ لايموت”، جاء فيه :” مات كما لايموت سواه… وهو يتمم الصلاة من اجل خلاص شعبه والوطن…قدّمَ روحه فداء عن الغير … كان لمرسين راعياً أميناً … أتى مرسين رجل الله الحقيقي … كنت أجده وراء مكتبه يكتب حتى الغروب واصلاً ليله مع نهاره حارقاً نفسه كالشمعة كي يضيء طريق الظلمة… له همة لاتعرف الملل وحكمة نادرة … أب حنون للفقير وأخ مخلص للغني… يرشده ويذّكره دوماً بأخيه البائس المسكين… هو رب الخطابة وأمير من امراء المنابر… أب مجاهد يعّز وجود من يماثله… أما ذكرك فسيبقى خالداً على مر الأيام.”
اما في عدد الاربعاء في 8 كانون الثاني سنة 1919 لمجلة مرآة الغرب بنيويورك فقد نُشر مقالٌ كتبته إحدى خريجاتمدرسة مرسين للبنات جاء فيه انه ” اب ساهر على خير رعيته سهر الأم على طفلها، وهو المحامي عن الرعية كلها وعن شبابها خصوصاً من اعتداء الحكومة، فكم وكم من مرة حماهم في منزله متحملاً المسؤولية وذهب يدافع عنهمدفاع الاسد في دار حكومة الظلم مخاطراً بنفسه فلا يعود الا واكليل النصر معقود فوق رأسه بفضل جرأته الأدبية وبراعته المشهورة وحماية روسيا… انني اشعر بعجزي وقصوري عن تدوين مآثره الغّراء لكن صوت ضميري أبى أن يسكت عن مصدر الفضل…”
وفي قداس الهي أُقيم لراحة نفسه بعد استشهاده في الكاتدرائية السورية الأرثوذكسية كاتدرائية القديس جاورجيوس في أبرشية بروكلن بنيويورك ترأسه الأسقف افتيموس عفيش واكليروس الأبرشية، أبّنه المتقدم في الكهنة الخوري باسيليوس خرباوي فوصف ما لاقاه رجال الكنيسة المسيحية من قديم الزمان من الاضطهادات، وقال :” ان قتل الخوري نقولا ليس الا من تلك الاضطهادات فلذلك هو أحد الشهداء الذين تقوم على ثباتهم في الايمان والوطنية أسس المبادىء.
وفي ختام القداس الالهي تم توزيع صورة الخوري الشهيد نقولا على المصلين عند خروجهم من الكنيسة وذلك نقلا عن جريدة السائح بنيويورك بعددها 27 ك2 1919.
حواشي البحث
1-1 ديمتري شحادة قديس دمشقي انطاكي منسي بكل المقاييس مواليد دمشق حوالي عام 1820 على الارجح تلميذ القديس يوسف الدمشقي في كتّابِهِ ببيته، قبل ان يصبح كاهناً، وقبل ان يقوم القديس يوسف ( الخوري يوسف مهنا الحداد الدمشقي) بإعادة بعث المدارس الآسية الارثوذكسية الدمشقية البطريركية عام 1836 ثم يعود فينظمها على غرار المدارس الاوربية ويخرجها من نموذج الكتاتيب الشائع عام 1840. درس فيها ديمتري على يده ثم ارتحل الى اسطنبول، حيث عمل هناك كاتبا بسيطا في محلات فخر اخوان الدمشقيين الشهيرة، ومعلما لاولادهما العربية، ثم تشارك ومعلمه في الاعمال التجارية واخيرا اختط لنفسه طريق التجارة وبرع فيها، وتاجر حتى مع اقصى بلدان اوربة واوربة الشرقية وسورية ولبنان وشمال افريقيا وبغداد وفتح وكالة تجارية باسمه في بيروت واقام فيها اولا شقيقه ثم خاله الياس مصابني… وحقق ثروة كبيرة ومخطوطات وكتب ووثائق غاية في الاهمية تعد اساسية في تاريخ كرسينا الانطاكي خلال النصف الثاني من القرن 19منها كتبنا سيرة القديس يوسف الدمشقي 1987 وحدثناها 1988 واعطاها غبطته الى مركز الدراسات وبطلب منه اعطيناها الى الارشمندريت توما البيطار ليطبعها ويعتمدها المجمع المقدس عام 1993 في اعلان قداسة الخوري يوسف مهنا حداد باسم القديس يوسف الدمشقي… وقدم ايقونات عظيمة الاهمية (هي في المريمية اليوم منذ 1891 حينما عاد الى الوطن من القسطنطينية)،وهبها كلها حين شيخوخته وعودته الى الوطن واقامته اولا في بيروت وزيارته دمشق والاهل بعد كل هذه الفترة الاغترابية ليعود بعدها ويتنقل بين البلمند ودير سيدة حماطورا) الى الكرسي الانطاكي المقدس وبالأخص دمشق ودير سيدة حماطوره حيث عاش فيه كراهب بدون مسوح وتوفي فيه على الارجح العام 1910 بدليل قيام مطران طرابلس الكسندروس طحان برئاسة لجنة جرد تركته بتكليف من البطريرك غريغوريوس.
تمتع بنفوذ كبير في البلاط العثماني والبطريركية المسكونية وموسكو ، وساعد معلمه القديس يوسف في اعلاء شأن المدارس الارثوذكسية وزودها بكل مايؤدي الى تطويرها وكان يسعى لتزويدها بمطبعة حجرية (ليثوغرافيا) وكان الاداة في ايفاد الطلبة الاكليريكيين للجراسة في خالكي وبطرسبرج وموسكو وعلى يده اوفد صديقه اامطران اللاذقية ملاتيوس الجوماني الشماس جراسيموس مسرة للدراسة في خالكي وكانت الدراسة فيها لمدة 8 سنوات، ومثله الشماس اسكندر طحان …الخ وابن خاله جرجي مرقص الى روسيا الذي صار بفضل نفوذه لدى البلاط الروسي صار من كبار مدرسي العربية والتاريخ والاستشراق وحصل على لقب كبير المستشرقين وكان يساعد كل الطلاب الموفدين من جيبه الخاص ويقيمون في ضيافته ريثما يجهز لهم اقاماتهم… من الذين لعب دورا في دراساتهم العليا ومافتئوا حتى اخر حياتهم يذكرون فضله عليهم منهم غطاس قندلفت واسكندر كزما، ووصفه مطران بيروت غفرئيل شاتيلا بأن غيرته تتدفق كنهر بردى “نهر الذهب”
لعب دورا هائلا في ابطال تعيين مطارنة يونان غير كفوْين على السدة الانطاكية، وبالتنسيق مع جمهرة المطارنة الوطنيين في تولي البطاركة الوطنيين السدة الانطاكية بدءا من صديق طفولته ملاتيوس الدوماني الدمشقي.
عاد الى الوطن عام 1891 واستقر في بيروت ولكنه امضى بقية حياته بين ديري البلمند وسيدة حماطوره متبرعا بكل ماله للديرين والبطريركية وللكهنة اختاره الحلبيون مطرانا عليهم عام 1885 بالرغم من كونه علماني ووسطوا المسكوني ليقنعه بالقبول، كما اختاره البطريرك انطاكي جراسيموس ليسلمه ادارة مدارس دمشق البطريركية بعد ان يرسمه ارشمندريتا وكذلك اعتذر وتشكل وثائقه الشخصية ومخطوطاته ركنا هاما جدا من مجموع الوثائق البطريركية بدمشق بعدما قدمها مع كل كتبه الى دار البطريركية، كما ان ايقوناته المميزة قدمها مناصفة بين المريمية بدمشق ودير حماطورة واخر ذكر له ورد حين قيام مطران طرابلس الكسندروس بجرد ماتبقى من تركته في عام 1910 انظر مقالنا عنه بنبذة في النشرة البطريركية العدد السنة
مصادر البحث
- الوثائق البطريركية وثائق ابرشية مرسين في الفترة مابين 1908-1918
- السجلات البطريركية المجلس الملي الدمشقي
- روايات شفهية
- زيتون. جوزيف زيارة غبطة البطريرك اغناطيوس الرابع الى انطاكية والاسكندرونة وكيليكيا 1992 طباعة دمشق 1994، وصف مرسين
- مقالنا في النشرة البطريركية بعنوان ” الخوري الشهيد نقولا خشة وابنه الخوري حبيب خشة الدمشقيين” في زاوية اعلام ارثوذكسيون تموز 1994 ص33-45
- رستم .د اسد تاريخ كنيسة مدينة الله انطاكية العظمى
- ذكرى شهيد
- وثيقة عن الخوري الشهيد حبيب خشة بيد الخوري ايوب سميا كاهن محلة القصاع في سجل الضابط رقم1 عام 1948 وهو من سجلات الاب ايوب الاربعة وهي احصائية رعوية وتمتد فترة رعايته من 1930 الى 1968 من محفوظات المكتب البطريركي في الدار البطريركية بدمشق.
- قصاصة من صحيفة صدى الجنوب اللبنانية 1948 تحمل خبر قتل الخوري حبيب في جرود شبعا وتنفيذ حكم الاعدام بالقاتل ابو الحسن.
- خشة. حبيب كتيب “ذكرى شهيد مراثي قيلت في شهيد الكنيسة والوطن المثلث الرحمات الخوري نقولا خشة الدمشقي”مصر مطبعة الهلال 1920
اعلان قداستهما
والحمد لله الذي اكرمني وقد تحقق حلمي وسعي منذ 1994 بأول مقال لي عنهما في النشرة البطريركية (وقد اكتشفتهما من الوثائق البطريركية وكتبته)، وعدد من الاجتماعات الرعوية والشبيبية في دمشق ومع مدارس الاحد وفي موقعي كأساس لهذه التدوينة اعلاه، ومرورا بلجنة القداسة والقديسين منذ ان كانت بطريركية برئاسة المطران اثناسيوس فهد وقد شكلها غبطته عام 2014 واكرمني بعضويتها، ثم مجمعية برئاسة سيادة المتروبوليت سابا اسبر حيث تابعت فيها كأمين سر لها منذ2014 الى 2020 لاعلان قداستهما…
حيث اعلن المجمع الانطاكي المقدس بدوره المجمعي في 1لبلمند بتاريخ 19 تشرين الاول 2023 قداستهما:
إعلان قديسين في أنطاكية عبق التاريخ
١٩ تشرين الأول ٢٠٢٣
من أنطاكية الرسوليّة التي شهدت وتشهد للمسيح يسوع، وفي وقفة ملؤها عبق الإيمان ورجاء المستقبل، أعلن آباء المجمع المقدّس في دورتهم المجمعيّة العاديّة الرابعة عشرة قداسة كاهنين شهيدين أنطاكيين، هما الأب نقولا خشة الذي استشهد في مرسين سنة ١٩١٧ وابنه بالجسد الأب حبيب خشة الذي استشهد في جبل الشيخ سنة ١٩٤٨، صاحبي السيرة العطرة التي اختتماها بالاستشهاد حبًّا بالله.
وثبّت الآباء تذكارهما السنويّ الجامع في ١٦ تموز من كلّ عام.
كما أدرج آباء المجمع القدّيس روفائيل (هواويني) أسقف بروكلن، أوّل مطران أنطاكيّ على أميركا الشماليّة، في روزنامة القدّيسين الأنطاكيين، والذي يعيّد له في ٢٧ شباط من كلّ عام.
وقد حدّد آباء المجمع المقدّس الأحد الثاني بعد العنصرة (أي الأحد الذي يلي أحد جميع القدّيسين) عيدًا جامعًا للقدّيسين الأنطاكيّين.
ندعو جميع المؤمنين لالتماس شفاعة هؤلاء القدّيسين والاقتداء بفضائلهم وغيرتهم الرسوليّة.
إعلان:
تقام يوم السبت الواقع في ٢١ تشرين الأول ٢٠٢٣ صلاة الشكر في دير سيدة البلمند البطريركي لإعلان قداسة الأبوين نقولا وحبيب خشّة، وفق البرنامج التالي:
الساعة ٤:٣٠ بعد الظهر التجمّع في ساحة الدير الخارجية لاستقبال أيقونة القديسين.
الساعة ٥ بعد الظهر الزياح بالأيقونة والدخول إلى كنيسة الدير من الباب الغربي لإقامة صلاة الشكر وتوقيع طرس إعلان القداسة.
يلي الصلاة زياح بأيقونة القديسين حول الدير. وبعد الزياح توضع الأيقونة في الكنيسة للتبرّك منها.
ألا فليهب الله، بشفاعتهما كل تعزية ورحمة تغمد قلب كلّ من هام حبًّا بمحبّة ربّه المصلوب.
الدعوة عامة.
ملاحظة: على جميع الكهنة المشاركين اصطحاب البطرشيل والأفلونية معهم. وقد تم ذلك باحتفال روحي وشعبي وكشفي مهيب شاركت به كل الابرشيات اللبنانية واعضاء المجمع الانطاكي المقدس برئاسة غبطة ابينا البطريرك يوحنا العاشر
– الاحتفال البطريركي المركزي في ابرشية دمشق البطريركية برئاسة غبطة ابينا البطريرك يوحنا العاشر في كنيسة الصليب المقدس في القصاع وهي الكنيسة التي خدم فيها القديس الخوري حبيب معظم خدمته الى حين استشهاده.
غروب السبت 4 تشرين الثاني 2023
وقد جرى احتفال مهيب برئاسة غبطة ابينا البطريرك بمشاركة المعاونين البطريركيين الاساقفة الاربعة وحوالي 60 كاهنا وارشمندريتا وشماسا ووفود غفيرة من كل ابرشية دمشق مع كهنتها وكان الحضور بالآلاف وتم استقبال الايقونة بالزغاريد وعزف موسيقى فوج الصليب الكشفب ومشاركة كبرى من مدارس الاحد الارثوذكسية وبعد صلاة الشكر طاف الجميع في محيط الكنيسة اعتبارا من حارة الصليب الى القصاع وامتداد شارع بغداد المحاذي للكنيسة وكانت الجموع في حرم الكنيسة اكثر من الذين استوعبتهم الكنيسة تتقدمهم عائلة القديس حبيب وتم توزيع كراسين الاول عن القديسين والثاني عن القديس روفائيل هواويني وختم الاحتفال بكما بدأ بعزف النشيد الوطني.
اترك تعليقاً