الرداء الكنسي ( مانتييا ) في التقليد الأرثوذكسي
أصله وتاريخه ومدلولاته
تُرتدى فوق الملابس الكهنوتية الاعتيادية السوداء اللون، يتم ربطها عند الرقبة وتتدلى إلى الأرض. كانت في الأصل بمثابة عباءة تُرتدى لدرء البرد، وكملابس ارتداها العديد من الأنبياء بمن فيهم إيليا وإليشع. أول ذكر لها في العهد القديم نجده في 2 ملوك 2: 11-14، فانتقالها من النبي إيليا إلى خليفته النبي إليشع يرمز إلى انتقال الرسالة والسلطة النبوية.
الأيقونات القديمة، التي تُظهر رهباناً يرتدون المانتييا، تشهد على استخدامها منذ أقدم العصور المسيحية. فهي ثوب رهباني بالأساس، وكانت مصنوعة من مادة بسيطة وباللون الأسود حصراً، الذي يشير إلى حياة التوبة التي ينتهجها الرهبان والنساك، خاصة وأنه اللون الرهباني التقليدي، الذي يرمز إلى الحداد على خطايا المرء وللتذكير بنذر الفقر.
مع مرور الوقت، انحصر استخدامها فقط بالرهبان المتوشحين بالاسكيم الكبير من ذوي المناصب داخل الكنيسة، مع تذكيرهم في نفس الوقت بالحاجة إلى التواضع الرهباني: الأرشمندريت (رئيس الدير)، والأسقف، ورئيس الأساقفة، والمتروبوليت، والبطريرك. تدعى باليونانية μανδύα، وبالسلافية мантия.
على مر السنين، تم تطوير الزخارف والألوان المميزة على المانتييا لتمييز الاستخدامات.
في التقليد الروسي، عادةً ما يتم طي المانتييا إلى 33 طية بعدد سنوات حياة يسوع الأرضية. ترمز طيات الرداء الكثيرة إلى قوة الله الشاملة، وكذلك إلى صرامة الحياة الرهبانية وتقواها ووداعتها، وأن أيدي الراهب وبقية أعضاء جسده لا حياة فيها، ولا تصلح للنشاط الدنيوي، بل هي جميعها مائتة. خطوطها الممتدة بحرّية، وهي باللون الذهبي بالتقليد اليوناني وباللونين الأحمر والأبيض بالتقليد الروسي، تمثل أجنحة الملائكة، ومن هنا جاءت تسميتها “الرداء الملائكي”. وفي التقليد اليوناني أيضاً، عند وفاة أحد الأرشمندريتية، يتم تمزيق شريط من قماش أسفل المانتييا ويستخدم لربط جسد رئيس الدير ثلاثاً: حول الصدر والخصر والقدمين. وأما الأسقف، فعند الوفاة، توضع المانتييا على نعشه في الجنازة.
يرتديها رؤساء الكهنة في المواكب وأثناء حضور بعض الخدمات الكنسية، مثل صلاة الغروب والخبزات الخمس، أو صلاة السحر، لكن ليس في القداس الإلهي. يتم ربطها من الأمام عند الرقبة وفي الأسفل عند القدمين، ولها صدريات أربع، عليها أيقونات الإنجيليين الأربعة: يوحنا ومتى في الطرف العلوي ثم مرقس ولوقا في الطرف السفلي. وترمز هذه إلى أن الأناجيل الأربعة يجب أن تكون محور تعليم الأسقف. وقد يكون اللوحان عند القدمين مطرزين بأحرف اسم الأسقف. وقد تحتوي أيضًا أجراس صغيرة متصلة بها، مما يذكر بالأجراس المرفقة برداء رئيس الكهنة (خروج 28: 33-35). أما من ناحية اللون، فالأكثر استعمالاً لجميع الرتب الأسقفية هو البنفسجي والأحمر والأزرق، في حين أن اللون الأخضر هو للمتروبوليت حصراً (أما في روسيا فاللون الأخضر هو تحديداً للبطريرك).
اترك تعليقاً