السنوات العجاف
في أبرشية حمص الأرثوذكسية (1926 – 1933)
من الأرشيف
– بعد خلو أبرشية حمص من راع قانوني بانتقال المثلث الرحمات المطران أثناسيوس عطا الله إلى الأخدار السماوية في نصف ليل 10 / 23 من شهر تشرين الثاني 1923، كان لابد من إقامة من يكون كفؤاً ليسوس رعية المسيح فيها. فكتب البطريرك غريغوريوس في 13 شباط 1924 إلى كهنة وشعب هذه الأبرشية، طالباً تقديم أسماء ثلاثة مرشحين في مدة أربعين يوماً ليصير انتخاب أحدهم لمطرانية حمص.
– وتجددت المهلة مراراً فلم يتم المرغوب لظهور الانقسام في الشعب. فانتدب البطريرك بتاريخ 28 حزيران 1924 مطران عكار باسيليوس لكي يجري الترشيح القانوني، فلم يتمكن من ذلك. وتوالت المراجعات وقتاً طويلاً، فكتب البطريرك في 16 حزيران 1925 إلى المعتمد البطريركي في حمص السيد باسيليوس، محدداً مهلة الترشيح لغاية 6 تموز 1925.
– وفي 27 حزيران 1925، أعلنت جريدة حمص أن المدرسة العلمية الأرثوذكسية ستقيم في الغد حفلتها السنوية، التي سيتم فيها تخريج التلاميذ المنتهين وتكريم المتفوقين في كل الصفوف، وأعلنت أيضاً عن خبر مقدم الأرشيدياكون أبيفانيوس الذي استقدمته لجنة المدارس الأرثوذكسية ليكون خطيباً لحفلتها السنوية، التي نقرأ عنها في عدد 4 تموز 1925 من جريدة حمص.
– وفي الوقت المعين (6 تموز 1925) حضر من حمص إلى البطريركية بدمشق وفدان، الأول بيده مضبطة بترشيح ثلاثة أرشمندريتية أبرزهم ألكسندروس جحا، والثاني بمعية المعتمد البطريركي وبيده مضبطة بترشيح ثلاثة، من بينهم الأرشيدياكون أبيفانيوس. وبهدف توحيد الكلمة تم في 8 تموز 1925 الجمع بين مرشحي الوفدين ( بحضور البطريرك وباسيليوس عكار ونيفون زحلة) واختيار ثلاثة من بين الستة مرشحين، وفي 9 تموز 1925 كتب البطريرك بذلك إلى مطارنة الكرسي، مقدماً الأسماء وموضحاً أن المنتخب الذي يربح أغلبية الأصوات يعتبر مطراناً قانونياً على الأبرشية.
– في 12 تموز 1925، فُتحت الأجوية الواردة، مجموعها 8، كان بينها 3 لم ينتخبوا بل كان من رأيهم تأجيل الانتخاب هم: أرسانيوس اللاذقية، جراسيموس بيروت، ملاتيوس ديار بكر. ومع ذلك، استكمل الانتخاب في 22 آب 1925، في الكنيسة المريمية بحضور مطرانين فقط هما باسيليوس عكار وروفائيل حلب. وتمت سيامة المنتخب الأرشيدياكون أبيفانيوس مطراناً في يوم الخميس الموافق الأول من شهر كانون الثاني 1926. وصدرت البراءة في ذلك بتاريخ السابع من كانون الثاني (نُشرت في العدد 34 السنة الحادية عشرة من جريدة حمص في يوم السبت 6 شباط 1926).
– في 7 تشرين الثاني 1929، نُشرت في جريدة القلم الحديدي “رسالة من حمص عن مآتي طاغية حمص وكابوس آدابها الرهيب”، التي صار فيها “كشف القناع عن منحرفات هذا الراسبوتين الثاني الذي جنت أعماله الشاذة على الطائفة بأكثر مما جنت سياسة السلطان عبد الحميد”. ولما التأم المجمع في دير البلمند وحصلت تشكيات على مطران حمص، قرر المجمع برئاسة القائمقام أرسانيوس اللاذقية إستقبال وفد من حمص لأجل النظر بقضية الخلاف، وتشكل من عشرة وجهاء بارزين، كان منهم الدكتور سليم خوري وأنطون طرابلسي. وبعد بسط الوفد الحمصي لدعواه في جلسات متعاقبة، قرر المجمع إيفاد المطرانين زخريا حوران ونيفون زحلة إلى حمص، ليتوصلا بحسن إدارتهما أن يضعا حداً للخلاف الذي طال أمده. وبالنتيجة، جهر آباء المجمع أن أبيفانيوس مخطئ بإجراءاته المغايرة وسلوكه المخزي، كما شجبوا أعماله الشائنة ومآتيه الفاسدة.
– استشاط غضباً مما نُشر في الجريدة أعلاه، فطلب من محرر جريدة حمص الردّ ودحض المقالة، فاستعفى الخوري عيسى أسعد من مثل هذا العمل غير المشروع. وفي العدد 42 من جريدة حمص، نشر المطران تحت عنوان “الدرويش أبو صلاح الحجي”، مقالاً أدى إلى انتقادات لاذعة من أدباء وصحف الوطن والمهجر، مثل جريدة ألف باء، ومرآة الغرب (في 31- 7- 1930)، التي وصفت الأسلوب بالساقط، وأخذت تنشر المزيد عن تجاوزات المطران.
– وفي 16- 9- 1930، نشرت صحيفة مرآة الغرب في الصفحة 3 نصّ الاحتجاج الشعبي المؤرخ في 30 نيسان 1930، الذي أعلن على الملأ أن الطبقة الراقية من الحمصيين في الوطن والمهجر غير راضية عن شواذات المطران، وقامت بنشر مقاله كنموذج لانحطاط الآداب. ولاستيائه من سقوط هيبته، قرر إيقاف صدور جريدة حمص، فأعلن في العدد 50 :”بهذا العدد تنتهي السنة الرابعة عشرة لجريدتنا، وستصدر بعد احتجابها”.
– كانت جريدة الهدى قد نشرت في 14- 8- 1930، نقلاً عن ألف باء تحت عنوان “ماذا في حمص”، خبر محاولة اغتيال الوجيه الحمصي البارز الدكتور سليم خوري، وكذلك صحيفة مرآة الغرب (في 16- 9- 1930، الصفحة 2) تحت عنوان “حول جناية حمص”، وطُرح في الأسابيع التالية شعبياً وصحفياً، بل وفي المحاكمة (في مرآة الغرب، 22- 11- 1930، الصفحة 3)، التساؤل عن مدى تورط المطران فيها والتحريض عليها.
– وانفردت مرآة الغرب في 8- 1- 1931، الصفحة 4 (نقلاً عن الإخاء) بنشر القرار التالي رقم 506 الصادر عن محفل قاسيون: “لمّا كان إقدام الأخ أبيفانيوس على مثل هذا الأمر (إشارة إلى جناية حمص) مخالفاً للقانون ومعدوداً من الجرائم الثقيلة، تقرر بالإجماع تجريمه وفقاً لما جاء بالمادة 208 من النظام العام للمحفل الأعظم الإفرنسي والحكم عليه بالطرد والتشهير”.
– ولقد تساءلت الصحيفة: “إذا كانت الجمعية الماسونية وهي جمعية بشرية رمزية غايتها تهيئة المجموع البشري للصلاح بالثقافة والتهذيب واحترام مبادئ الفضيلة والآداب قد رفضت بقاء السيد أبيفانيوس في حظيرتها، فكم بالحري الكنيسة التي هي وحي روحي وعمل إلهي، ألا يجدر بها أن تقطع من شركتها أمثال هذا السيد؟!”.
– وفي الحقيقة لم تتأخر الكنيسة برئاسة البطريرك ألكسندروس الثالث عن هذه الخطوة. أثناء انعقاد إحدى الجلسات المجمعية في دمشق، بتاريخ 25 آب 1933، حدثت مشادة كبيرة بين المطرانين أثناسيوس حوران وأبيفانيوس حمص، والمجمع المقدس لم يسكت عن الإهانة التي لحقت أحد أعضائه في وسط جلساته لا سيما بعد أن قدم مطران حوران شكوى رسمية إلى رئيس المجمع لاعتداء ابيفانيوس عليه بالضرب، فتداول الأعضاء بذلك مليّاً، وقرروا إخراج أبيفانيوس زائد من المجمع (انظر مرآة الغرب في 25- 8- 1933، والهدى في 26- 8- 1933).
المصدر
Metropolite Athanasios الشماس بولس
اترك تعليقاً