العالِم العامل واللّاهوتيّ الفاضل غطّاس بطرس قندلفت الدّمشقيّ

العالِم العامل واللّاهوتيّ الفاضل غطّاس بطرس قندلفت الدّمشقيّ

 العالِم العامل واللّاهوتيّ الفاضل غطّاس بطرس قندلفت الدّمشقيّ

القندلفت تسمية تختص بسدنة الكنيسة وخدمتها ورعايتها، يونانية الاصل تعني امانة الكنيسة وخدمتها وحفظ موجوداتها من كتب وايقونات و… ومساعدة  الاكليريكيين في الخدمة الطقسية ايضاً بتأمين الاحتياجات والآنية المقدسة… وهذه الخدمة كالكهنوت متوارثة من الاجداد الى الآباء فالابناء والاحفاد وكانت بالنسبة لعائلة قندلفت الدمشقية خدمة افتخار وتميز لذا ليس عجباً ان نرى علمنا العلامة غطاس على هذا التميز.

لطالما تميز الكثير من العائلات الارثوذكسية الدمشقية كآل القندلفت الدمشقيين والتي لايزال الكثير من افرادها متميزون في الخدمة بكل شيء بأتعابهم وبأموالهم وبعلومهم، ولكن  لم تأخذ حقها  كما ينبغي من تسليط الضوء عليها لأسباب لانستطيع تبريرها  لعدم الوضوح سيما وانها  انجبت اعلاما تركوا بصماتهم في حقول الكنيسة والوطنية، والكنيسة والوطنية صنوان متلازمان اضافة الى خدمة الصرح البطريركي الدمشقيومؤسساته الخيرية اولمؤسسات التعليمية واساساً صرح الآسية الارثوذكسية الدمشقية العريق بشتى مراحله، اضافة الى اكليريكية البلمند في دير سيدة البلمند البطريركي التي اعاد البطريرك الانطاكي العظيم ملاتيوس الدوماني افتتاحها بعد اكثر من ستة عقود على اغلاقها التعسفي بيد البطريرك متوديوس  وكانت اعادة الافتتاح في السنة التالية لحبرية مثلث الرحمات البطريرك الدوماني البطريركية اي في عام 1900 واسند ادارتها  الى علمنا المتميز الذي نحن نسلط عليه ماتيسر لنا من ضوء باهت، الذي تسكت عنه المصادر او تتحدث عنه بخجل وهو علامة زمانه الاهوتي الارثوذكسي الفاضل غطاس بطرس قندلفت ابن هذه العائلة الخادمة لسدنة مريمية الشام الكنيسة الاقدم في الكون…

السيد ديمتري شحادة الصباغ الدمشقي
السيد ديمتري شحادة الصباغ الدمشقي

بعض من السيرة الذاتية

وُلد غطّاس في دمشق في محيط مريمية الشام في محلة ( آيا ماريا – القيمرية بعد تحريف التسمية) وهو الحي المسيحي الارثوذكسي الدمشقي بتاريخ 6 كانون الثّاني 1865، بعد النكبة التي ضربت المسيحية في الفتنة الطائفية المدمرة وهي مذبحة المسيحيين، وكانت عائلته قد استطاعت الهروب من دمشق الى بيروت مع الكثير من العائلات وتركت بيدها تلعب به ايدي الرعاع، وبعد استقرار الاحوال عادت عائلة قندلفت مع عدد من العائلات لتفقد بيوتها المدمرة والمحروقة فأعادت بناءها  ولم تقصر مجدداً في انتمائها الى الصرح البطريركي وادخلت اولادها في صرح الكلية الارثوذكسية الدمشقية البطريركية / الآسية، لذلك ادخله والده الوجيه بطرس قندلفت وكان من  اللجنة العلمية التي شكلها المجلس الملي البطريركي الدمشقي لاعادة ترقية المدارس الارثوذكسية الدمشقية كما كانت قبل دمار المدرسة واستشهاد عظيمها القديس الشهيد في الكهنة يوسف الدمشق محدث المدرسةعام 1836 و1840 والذي احدث فيها عام 1851 اول كليتين جامعيتين: كلية اللاهوت والمدرسة العليا للموسيقى الرومية.

مدرسة خالكي اللاهوتية العليا
مدرسة خالكي اللاهوتية العليا

تخرج علمنا بتميز وتفوق وفق مانسميه اليوم بالشهادة الثانوية عام 1880. اوفده والده لى العاصمة القسطنطينية للدراسة في مدرسة خالكي اللاهوتية العليا اسوة بمن سبقه من الام الكرسي الانطاكي امثال الشماس جراسيموس مسرة حامل اول ماجستير في اللاهوت وباسيليوس جبارة والشماس روفائيل هواويني (  القديس مؤسس ابرشية اميركا) …واوكل امره الى صديقه الغيور الارثوذكسي الكبير القديس المنسي ديمتري نقولا شحادة الصباغ الدمشقي التاجر الثري والمقيم في اسطنبول واساسا التلميذ الاول للقديس يوسف الدمشقي وزميل الدراسة في آسية الشام لملاتيوس الدوماني (البطريرك) وغفرئيل شاتيلا ( مطران بيروت) حيث تابع علومه اللّاهوتيّة في مدرسة خالكي في القسطنطينيّة برعاية مباشرة من طيب الذكر السيد ديمتري كبقية التلاميذ، ثم انتقل بتزكية من المذكور لدى رئيس اساقفة أثينا ليتابع علومه اللاهوتية العالية في مدرسة ريزاريون في أثينا، وحصّل شهادتها عام 1891.

مسيرته التربوية

ليعود الى دمشق ومعه هذه الشهادات العلمية واللاهوتية وفي القانون الكنسي العالية ووضع نفسه في خدمة الصرح البطريركي والمدارس، ولكنه مالبث ان ابتعد جزئيا بسبب سياسة البطريرك اسبريدون الرعائية وعلاقته المضطربة مع الدمشقيين…

ومع استقالة البطريرك اسبريدون 1898 وتولي مطران اللاذقية ملاتيوس الدوماني القائمقامية البطريركية الانطاكية، وكان  غبطته ساعيا الى توظيف كل الامكانيات عند الرعية للخدمة، فدعاه لمعرفته بقدراته  الى خدمة الصرح البطريركي والعمل بمعيته. فوفظّف علمنا مواهبه ومكتسباته العلمية في الكتابة والتّدريس، وقام  في فترة قائمقامية وبطريركية البطريرك ملاتيوس  وعلى التتابع وفق تكليف غبطته بإدارة عدّة مدراس في أنحاء الكرسيّ الأنطاكيّ، بدءًا من مرسين الذي شذ متروبوليتها عن المجمع الانطاكي المقدس فأدارها غبطته، ثمّ في بيروت بمعية مطرانها شاتيلا ودمشق بمعية غبطته…

مدرسة البلمند
مدرسة البلمند

رئاسة وادارة مدرسة البلمند البطريركية

في عام 1900 قام البطريرك ملاتيوس باعادة افتتاح مدرسة البلمند الاكليريكية، حيث اسند ادارتها الى علمنا فأقر قانون المدرسة، ووضع نظامها الداخلي وبرنامج الدروس والامتحانات لكل الصفوف وتعاقد مع المدرسين الاكفاء من ابناء الابرشيات او من الروس، وتروي الوثائق البطريركية عن سعيه الحثيث في ادق تفاصيل حياة طلاب البلمند ورعايتهم، ومواكبتهم في معيشتهم وصلواتهم وتعليمهم ومع بقية المدرسين من وطنيين وروس  في دراستهم… و حتى في العطل والعطل الصفية زياراتهم الروحية الى دار البطريركية والاديرة في الاعياد للخدمة والترتيل  بالرغم مما كان يصادفه  من سوء الاحوال الجوية وانقطاع الطرقات بسبب الثلوج وتوقف خط السكة الحديدية بين دمشق وبيروت عبر رياق وتأمين اقامة مؤقتة لهم اثناء ذلك…

البطريرك ملاتيوس الدوماني
البطريرك ملاتيوس الدوماني

لقد كان علمنا  اباً  حنوناً للطلاب اثبت انه مطرح ثقة البطريرك ملاتيوس ومديرا حكيما  بالرغم من شح الموارد، ومدبراً  مقتدراً للطلبة والمدرسة وواعظاً ومعلما روحيا …واجمع كل تلاميذه على حبه… وعند انتقال البطريرك ملاتيوس الى الأخدار السماويةمبكرا مطلع 1906، شاء خليفته البطريرك غريغوريوس حداد الذي عايشه واختبره حتى في ابرشيته طرابلس شاء ان يستمر في خدمة المدرسة الى مشارف الحرب العالمية الاولى حين اغلاق مدرسة البلمند…

اقام اخيرا في طرابلس وساعد مطرانها الكسندروس طحان في ادارة مدارس الابرشية  وفي تدريس العربية واليونانية، وفي مرافقها الادارية.

تراثه المكتوب

في رصيد علمنا العلامة غطاس بطرس قندلفت الكثير من المقالات والكتب اللّاهوتيّة والعلميّة وخاصة منها في التأريخ لدير البلمند ومطبعته  وقد كتب في المنار الارثوذكسية عنها موضحا انها هي التي اختلسها الشماس عبد الله زاخر ومن معه من الرهبان الحلبيين الذين اعتقوا الكثلكة واخذوا المطبعة الى دير الشير،  وفي المحبة البيروتية، ثم في مجلة النعمة البطريركية، وكان تراثه عظيم الاثر تأليفًا وترجمة. شغل مناصبَ عديدةً أخرى، أهمّها تعيينه عام 1898 عضوًا في اللّجنة الّتي ألّفها المجمع الأنطاكيّ المقدّس لوضع قانونٍ خاصٍّ للكرسيّ الأنطاكيّ، وتم انتخابه في العام ذاته واحدًا من العلمانيّين العشرة الدّمشقيّين (وفق قانون الانتخاب البطريركي المعمول به) الّذين شكّلوا مع أعضاء المجمع الأنطاكيّ مجلس انتخاب البطريرك ملاتيوس الدوماني.

المجمع العلمي العربي بدمشق 1919
المجمع العلمي العربي بدمشق 1919

كان من رجالات الشّام الّذين كان لهم الفضل في اعادة الكرسيّ الأنطاكيّ الى الإكليروس الأنطاكي، وأحد علماء الدّمشقيّين في القرن العشرين، كما وصفته المراجع العلمية  رشح لشغل عضوية المجمع العلمي العربي ( مجمع اللغة العربية بدمشق) الذي شكله الملك فيصل بن الحسين  عام 1919بعد تحرير بلاد الشام من الاحتلال العثماني.

رقاده بالرب

بعد كل هذه المسيرة الكنسية والوطنية وبناء الاجيال و تدريس ورعاية اللغة العربية ومرافق التعليم في سورية وكل الابرشيات…

رقد بالرب يوم الأربعاء 16 تمّوز غربي 1924، وأُجريت مراسم جنازته في اليوم التّالي، في كاتدرائيّة القدّيس جاورجيوس اللّابس الظّفر في طرابلس، وقد شارك فيها مطران طرابلس الكسندروس طحان ممثلا البطريرك غريغوريوس الرابع  ولفيفٌ من الإكليروس الأرثوذكسيّ واساسا دير سيدة البلمند وكل المؤسسات البلمندية التي تدين له بالعلم والادارة،  والجمعيّات الخيريّة والوجهاء والأصدقاء.

العالِم العامل واللّاهوتيّ الفاضل غطّاس بطرس قندلفت الدّمشقيّ
العالِم العامل واللّاهوتيّ الفاضل غطّاس بطرس قندلفت الدّمشقيّ

بعضٌ من أقواله
– «لأنّني في واجباتي الدّينيّة والوطنيّة لا يسعني إلاّ الإجابة ولو تكبّدتُ في سبيلها عرق القِرْبَة وأحييتُ اللّيالي في السّهر والمطالعة» (من مقالة «سوء العقبى في الزّواج بين ذوي القربى»)
– «لا يقوم صالح الملّة وتقدّمها إلاّ بمعرفة أحوال ماضيها وبالتّمسّك بما كان فيه من الأمور الّتي تؤدّي إلى السّعادة والنّجاح وبنبذ ما يؤدّي إلى التّقهقر والشّقاء» (من مقالة «تاريخ البطاركة الأنطاكيّين في الأزمنة المتأخّرة»)
– «الطّقوس هي حياة الكنيسة. والمؤمنون يُظهرون عواطفهم ومعتقداتهم الدّينيّة بواسطة هذه الطّقوس وسائر الرّسوم والشّعائر الشّريفة فيجب على كلّ مسيحيٍّ أن يعرف هذه الطّقوس والرّسوم وكيفيّة ترتيب الكنيسة لها وما فيها من المعاني الرّوحيّة والغايات الشّريفة» (من مقالة «التّعليم الدّينيّ في المدارس المسيحيّة الابتدائيّة»)
– «العلم الحقيقيّ لا يناقِض الدّين بل يقرّبنا إلى الله تعالى ويزيدنا إدراكًا ومعرفةً بسموّ حكمته وقدرته» (من مقالة «تعليم المرشّحين للخدمة الإكليريكيّة الشّريفة»)
– «لـمّا كانت العائلة هي ركن الهيأة الاجتماعيّة وأساسها كان الإنسان لا يشعر بسعادةٍ حقيقيّةٍ في حياته الدّنيا إلاّ ضمن العائلة المنتظمة. فإنّ العائلة تطهّر عواطف المحبّة والحنوّ والشّفقة الّتي غرسها الله في قلب الإنسان. العائلة تمكّن الإنسان من القيام بما تقتضيه فطرته الغريزيّة لصيانة النّوع على طريقةٍ مناسبةٍ لمنزلته الأدبيّة في عالم الكائنات كحيوانٍ ناطق. العائلة تفرض على الوالدين واجباتٍ مقدّسةً وعظيمةً وتبيّن لهم منفعة الشّغل والكدح والنّشاط وتحبّب هذا كلّه إليهم فضلًا عن أنّها هي العامل الأقوى على صيانة الجنس البشريّ وتأبيده فتربط أبناء كلّ جيلٍ مع مَن سبقهم وتذكِّر الآباء والأجداد مع مَن يخلفهم في المستقبل بحسن الآمال الّتي يعلّقونها بالأبناء والأحفاد» (من مقالة «سوء العقبى في الزّواج بين ذوي القربى»)
– «المحبّة المسيحيّة الكاملة تُقصي بعيدًا كلّ خوفٍ وانذهالٍ والإيمانُ الوطيد لا يؤخِّر صاحبه عن أن يقدّم ذاته ضحيّةً شهيدًا على مذبح الخدمة في خير الرّعيّة الّتي اقتناها المسيح بدمه الكريم» (من مقالة «البطريرك الأنطاكيّ الجديد»)
– «ولا يخفى أنّ الحاسّات الدّينيّة النّقيّة والحارّة هي أقوى محرِّكٍ إلى السّباق في عمل الخير وإلى نجدة المحتاجين وهذه الحاسّات الشّريفة لا تنتعش إلاّ بحسن العقيدة ولا ترتوي إلاّ بزلال التّعاليم الدّينيّة المؤيَّدة بالأعمال والمثال ولا تغتذي إلاّ بشدّة الرّجاء والتّوكّل على العناية الرّبّانيّة» (من مقالة «[الدّواء النّاجع في تخفيف ويلات الفقر وملاشاتها]»)

عرب عن اليونانية كتاب “بهجة الفؤاد في تفسير أناجيل الآحاد” مع الخوري يوحنا حزبون

ونشرته مطبعة القبر المقدس في اورشليم وهو  كتاب يشتمل على تفسير جميع الفصول الإنجيلية التى تُتْلَى في الكنائس الأرثوذكسية على مدار السنة، ويلي كل فصل عظة أدبية، تأليف نيكيفورس ثيوطوكي، وقد عرّبه  عن اليونانية ببعض التصرف.

 

  • Beta

Beta feature

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *