العلوم الإنسانية: الأبعاد التاريخية والمعرفية

العلوم الإنسانية: الأبعاد التاريخية والمعرفية

العلوم الإنسانية: الأبعاد التاريخية والمعرفيةالعلوم الإنسانية هي مجموع العلوم والاختصاصات التي تتناول النشاط البشري. تجمع العلوم الإنسانية اختصاصات من العلوم الاجتماعية إضافة إلى  الانسانيات بما فيها الفنون.

بدرجة أو بأخرى يمكن اعتبار العلوم الإنسانية مكافئة للإنسانيات، لكن في مواقع أخرى تعتبر العلوم الانسانية فروعا من الفلسفة أو الأدب.

تُعتبر العلوم الإنسانية فرعاً من فروع المعرفة المختصة بدراسة البشر و ثقافتهم بطريقة علمية باستخدام المناهج النقدية والتحليلية للتساؤلات المرتبطة بالقيم الإنسانية وقدرة الإنسان عى التعبير عن نفسه، وتمتاز العلوم الإنسانية عن غيرها من التخصصات الأكاديمية بمضمونها و منهجها المختلف، وتُوصف العلوم الإنسانية بأنّها دراسة تحليلية لخبرات وأنشطة البشر، و معرفة آليات معالجتهم للتجربة البشرية وتوثيقها

مدخل

تشهد الساحة الفكرية المعاصرة حَرَاكاً فكريّاً ومعرفيّاً كبيراً، انطلاقاً من الأفكار والأسئلة التي أصبحت منتشرة، التي مفادها إشكالات جوهرية من شأنها أن تقدم النموَّ والازدهار الفكري والمعرفي للعلوم الاجتماعية والإنسانية في آن، ولعل من أبرز هذه الأسئلة والإشكالات الجوهرية السياق التاريخي للعلوم الإنسانية:

هل نشأت باستقلالية ذاتية أو أنها نشأت في ارتباط مع حقل معرفي آخر؟

كل هذا يُعَدُّ حقلاً خصباً للدراسات الفكرية والمعرفية، إذ إنه يفتح أمام الباحثين مجالات عدة للبحث، والغوص في ثنايا وخبايا هذا الإشكال المعرفي.

“فالعلوم الاجتماعية أو العلوم الإنسانية هي دراسات تستخدم المنهج العلمي في دراسة مظاهر الفعل الإنساني على مستوى الفرد، أو الجماعة، أو المجتمع، وهي تشتمل على علم الاجتماع، وعلم الإنسان، وعلم الاقتصاد، وعلم النفس”.

تعريف العلوم الإنسانية

تُعتبر العلوم الإنسانية فرعاً من فروع المعرفة المختصة بدراسة البشر، وثقافتهم بطريقة علمية باستخدام المناهج النقدية والتحليلية للتساؤلات المرتبطة بالقيم الإنسانية وقدرة الإنسان على التعبير عن نفسه، وتمتاز العلوم الإنسانية عن غيرها من التخصصات الأكاديمية بمضمونها و منهجها المختلف.

تُوصف العلوم الإنسانية بأنّها دراسة تحليلية لخبرات وأنشطة البشر، ومعرفة آليات معالجتهم للتجربة البشرية وتوثيقها.

مجالات العلوم الانسانية

في ضوء المفهوم الواسع للعلوم الإنسانية يُمكن فهم سبب شمولها لمجموعة ضخمة ومتنوعة من الفروع الأكاديمية المتاحة للدراسة، حيث تشمل دراسة العلوم الإنسانية المجالات الآتية

علم الآثار

يختص علم الآثار بدراسة البقايا الماديّة التي خلّفها الإنسان قديماً وحديثاً، فقد يدرس علماء الآثار أحافير يبلغ عمرها ملايين السنوات من الأجيال البشرية القديمة في أفريقيا، أو قد يدرسون مخلفات البشر المادية من القرن الحالي في إحدى المدن الكبرى مثل نيويورك، و يهدف علم الآثار إلى دراسة وتحليل البقايا المادية للوصول إلى فهم واسع وشامل للثقافة الإنسانية، ويدرس علماء الآثار منطقةً جغرافيةً محددةً من العالم أو موضوعاً محدداً؛ فالتخصص بمنطقة معينة أو موضوع محدد يسمح لهم ببناء وتطوير خبرة تراكمية في ذلك، ويُعدُّ علم الآثار حقلاً أكاديمياً يشمل عدّة أنواع من الدراسات كالآتي:

علم الآثار الحيوية الذي يدرس البقايا البشرية.

علم الآثار الحيوانية الذي يدرس بقايا الحيوانات.

علم الحفريات القديمة الذي يدرس بقايا النباتات القديمة.

دراسة بقايا الصخور والأحجار.

دراسة الأدوات والتقنيات التي تُساعد على تحديد المواقع الأثرية.

الدين المقارن

يُشير مصطلح الدين المقارن إلى أحد فروع دراسة الأديان التي تهتم بدراسة جميع التقاليد والممارسات في أديان وعقائد العالم المختلفة، ويمتاز هذا الفرع بأنّه لا يدرس دين واحد وإنّما يتناول الاهتمامات والأسس الفلسفية للأديان المختلفة و يدرسها من منظور عالمي وبشكل علمي وأكاديمي؛ ليُحدّد القواسم المشتركة ونقاط الاختلاف فيما بينها.

التاريخ

تُقدّم دراسة التاريخ مؤشّرات للأفراد والمجتمعات حول سبل وآليات تحقيق التطوّر والتقدّم مستقبلاً من خلال فحص ودراسة الأحداث و التداعيات الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بالمجتمع الإنساني، والتي تختلف باختلاف الزمان والمكان، ومن هنا تكمن أهمية دراسة التاريخ بكونها تُلهم الأفراد والأمم والمجتمعات للأفضل بخصوص مستقبلهم، وذلك بالاستفادة من الماضي والخبرات السابقة للمجتمع البشري في إحداث التغييرات التاريخية.

فنون الأداء

تشمل فنون الأداء مجموعةً متنوعةً من الفنون، مثل: الموسيقى، والغناء، والرقص، والمسرح، تُعبّر عن التراث الثقافي غير المادي لأيّ مجتمع، كما تعكس الثقافة الشعبية وتُظهر عنصر الإبداع البشري، وبشكل عام يوجد مساران من الدرجات العلمية والشهادات الأكاديمية في فنون الأداء:

يعتمد المسار الأول على جانب التطبيق والممارسة إذ يقوم على درجة كبيرة من الأداء الفعلي منذ اليوم الأول، أمّا المسار الثاني فهو المسار الأكاديمي الذي يدمج بين التطبيق العملي والتحليل العلمي والأكاديمي للموضوع قيد الدراسة؛ لذلك غالباً يتمّ تدريس فنون الأداء في الجامعات والمؤسسات المختصة من خلال مزيج من المحاضرات التدريسية وورش العمل.

الفلسفة

تُعتبر الفلسفة علماً يقوم على استخدام أدوات المنطق والعقل لتحليل الطرق التي يختبر بها الإنسان عالمه، وتطرح الفلسفة بمختلف مجالاتها مجموعةً من الأسئلة الفلسفية أهمّها: هل تصف حواسنا الحقيقة بدقة؟ ما الذي يجعل الخطأ خطأ؟ كيف يجب أن نعيش؟ وفي ضوء هذه الأسئلة الفلسفية تُركّز الفلسفة على تزويد دارسيها بطرق الإجابة من خلال إكسابهم مهارات وأدوات التفكير النقدي، والقراءة الدقيقة، والكتابة الواضحة، والتحليل المنطقي؛ ليتمكّن الفلاسفة من توظيف تلك المهارات والأدوات في وصف العالم وتحديد مكان الإنسان فيه. الأدب

يُطلق مصطلح الأدب على مجموعة الأعمال الشعرية والنثرية المكتوبة التي يتّسم مؤلفّوها بقدرة عالية على التعبير والتصوير الجمالي لمشاعرهم وخواطرهم وعكسها بأرقى أساليب الكتابة، ويُصنّف الأدب وفقاً لمجموعة متنوعة من الأنظمة، بما في ذلك اللغة، والأصل القومي، والفترة التاريخية، والنوع، والموضوع.

وتشمل الدراسات الأدبية جميع الأعمال المكتوبة التي تتضمّن عنصر الخيال، كالشعر، والدراما، والسرد الأدبي.

اللغات

تهدف دراسة اللغات أو لغة محددة كتخصص أكاديمي إلى تحسين كفاءة الطالب وفهمه في هذه اللغة، وعادةً تختلف الخطة الدراسية عند دراسة اللغات كتخصص من لغة لأخرى ومن مؤسسة أكاديمية لأخرى، إلاّ أنّ هناك قاسم مشترك بين دراسة اللغات المختلفة يتمثّل في كون معظم الدرجات العلمية والشهادات الأكاديمية المتخصصة باللغات تُركّز بشكل أساسي على تحسين طلاقة الطالب وقدرته على القراءة والكتابة والتحدّث بلغة أخرى غير لغته الأم، كما أنّها تُغطّي التاريخ والسياسة والأدب والثقافة المرتبطة باللغة المختارة.

الإعلام

ودراسات التواصل يشمل تخصّص الإعلام ودراسات التواصل دراسة التواصل الجماهيري، ويتطرّق أحياناً لدراسة بعض القضايا المرتبطة بالعلوم الاجتماعية والإنسانية وعلاقتها بالإعلام، كما تتحدّث دراسات التواصل والإعلام عن نشأة وتاريخ وتأثيرات أشكال وسائل الإعلام المختلفة على المجتمع بالإضافة إلى الطريقة المثلى التي يُمكن استخدامها لتوصيل رسائل مختلفة، وعند دراسة الإعلام ودراسات التواصل كتخصص فإنّ الموضوعات التي يتمّ دراستها تختلف من جامعة لأخرى، لكن عموماً يجب أن تشمل دراسة التخصص عدداً من المواضيع و القضايا المهمّة، أهمّها ما يأتي: دراسة النظريات التي تتناول دور وسائل الإعلام في المجتمع خلال العام الأول. تناول تأثير وسائل الإعلام على بعض الظواهر الاجتماعية و السياسية المهمة خلال العامين الثاني والثالث، كدراسة تأثير وسائل الإعلام على المرأة، والحروب، والجرائم، وغيرها. التعرّف على أهم التقنيات المستخدمة في صناعة الأفلام، والأفلام الوثائقية، وبرامج الراديو، وألعاب الفيديو، و غيرها.

فن الاستوديو

يشمل فن الاستوديو جميع الفنون المرئية التي قد تكون مصنوعةً في استوديو، مثل: التصوير الفوتوغرافي والتصميم، أو فنون مشابهة لحدّ كبير للفنون المصنوعة باستديو، كالفنون المبتكرة من الرسم، والتلوين، والأعمال اليدوية، كالسيراميك، و النحت، والرسم على الزجاج، كما يُستخدم مصطلح فن الاستوديو لوصف الفن الرقمي، ويُعدّ فن الاستوديو الطلاب للعمل في مجالات عديدة ومتنوعة أبرزها مهن الفنون، والإعلام، والهندسة المعمارية، وتصميم وصناعة الرسوم المتحركة وألعاب الفيديو، وصناعة الأفلام، والتصميم الجرافيكي، وتصميم المواقع الإلكترونية والمنصات الإعلامية، وغيرها العديد من المجالات، وتتوقع الإحصائيات الرسمية لمكتب إحصاءات العمل (BLS) أن يزيد التوظيف في مهن الفنون والتصميم في العام 2028م بنسبة 3% عمّا كانت عليه عام 2018م، وهذا يعني أنّه ستكون هناك حاجة لمزيد من المختصين بهذا المجال لتلبية الطلب المتزايد على التأثيرات المرئية في ألعاب الفيديو، والأفلام، والتلفزيون، والهواتف الذكية.

فوائد دراسة العلوم الإنسانية

تكمن فوائد دراسة العلوم الإنسانية في أنّها تُشكّل قاعدةً أساسيةً للعديد من الوظائف، حيث يكتسب دارسوها مهارات التفكير النقدي و التحليلي، الأمر الذي يمنحهم قدرةً كبيرةً ومميزة للتعبير عن أنفسهم بوضوح؛ ممّا يُكسبهم درجةً عاليةً من المرونة و التكيّف على الصعيد المهني، كما تُقدّم العلوم الإنسانية فرصةً مميزةً لإكمال التعليم العالي، حيث تُهيّئ الظروف لدارسيها لاستمرارهم بالتعليم على مستوى درجات علمية متقدمة كالماجستير و الدكتوراة، كونها تُكسبهم العديد من المهارات التي يُمكن تطبيقها في مجالات واسعة ضمن حقل الآداب و العلوم الإنسانية، فمثلاً يستطيع الطالب الحاصل على درجة البكالوريوس في التاريخ تحصيل درجة علمية في مجال القانون، أو علوم المكتبات، وهكذا.

الخيارات المهنية لدارسي العلوم الإنسانية

تُشير إحدى الدراسات المتخصصة إلى مؤشرات تُفيد بأن خريجي التخصصات الإنسانية يتمتعون بنسبة عالية من الرضا الوظيفي في سوق العمل مقارنةً مع خريجي التخصصات الأخرى؛ حيث أفادت الدراسة أنّ حوالي 87% من الموظفين الحاصلين على درجة البكالوريوس في العلوم الإنسانية راضون عن وظائفهم، ويمتاز طلاب العلوم الإنسانية بمجموعة من السمات أهمّها أنّهم يتمتّعون بعلم ومعرفة كافية في مجال تخصصهم، كما أنّهم يتميّزون بمهارات تواصل قوية، ولا شكّ أنّ هذه الصفات تُتيح المجال أمامهم ليكونوا موظفين مميزين في مجالات متنوعة، و فيما يأتي بعض خيارات العمل المتاحة لدارسي العلوم الإنسانية:

التدريس

خرّيجو العلوم الإنسانية مؤهّلون ليكونوا مدرّسين، خاصةً أنّهم يمتلكون الحدّ المطلوب من مهارات الكتابة، والخطابة، كونه يتم التركيز على ذلك ضمن تخصصات العلوم الإنسانية.

التحرير

من المناسب جداً لدارس العلوم الإنسانية العمل كمُحرّر لمجلّات أو أبحاث علمية. الصحافة: في حال كان يمتلك خريج العلوم الإنسانية المهارة والرغبة بالكتابة فيُمكن بسهولة أن يعمل كصحفي في إحدى الصحف، حيث سيكون لديه مهارة عالية في التقصّي والبحث عن الموضوعات، و هو أمر يؤهّله ليكون صحفياً في القسم الخاص بالأخبار التلفزيونية مثلاً.

خبير لغوي

يُمكن العمل كمدقق أو خبير لغوي – باللغة الأم أو لغة أجنبية أخرى يتقنها- في إحدى المؤسسات الحكومية أو التعليمية أو حتّى المنظمات الدولية.

تقديم الاستشارات

تُعتبر درجة البكالوريوس في العلوم الإنسانية مقدمةً جيدةً لمن يرغب بأن يكون مستشاراً خاصةً إذا كانت هذه الاستشارات مناسبةً له من حيث موضوعها وطبيعة المؤسسة، فمثلاً إذا كان متخصصاً بالقانون فيكون الأفضل له تقديم استشارات قانونية و التعامل مع مؤسسات ذات علاقة بذلك.

تنظيم الفعاليات

بالاستفادة من مهارات التخطيط والتنظيم وترتيب الأولويات التي يملكها خريجي العلوم الإنسانية بإمكانهم توظيف هذه المهارات لبناء علاقات عمل مع شركات وعملاء مختلفين لغايات ترتيب وتنظيم فعاليات ومؤتمرات خاصة بهم. إدارة العلاقات العامة: العلاقات العامة مجال عمل يتطوّر باستمرار و يتزايد الطلب عليه مؤخّراً، ويتطلّب هذا المجال مهارات قراءة وكتابة ومهارات شخصية مميزة، وهي سمات تتوافر غالباً لدى خرّيجي العلوم الإنسانية.

تعريفات عند البعض

عرَّفها  الاستاذ علي عبدالمعطي بأنها “تلك التي تدرك العالم على أنه ينطوي على معانٍ، وتكوِّن معرفتنا بتلك المعاني، هذا يعني أن علوم الإنسان تحاول النفاذ إلى الأفكار والمشاعر، والمعاني والمقاصد التي تقف وراء الواقع أو التغيرات المختلفة، وإدراكها إدراكًا كيفيًّا”.

ومن جهة أخرى، نجد أن جون ستيورات ميل يعرِّفها بالأخلاق، من أجل التمييز بينها وبين العلوم الطبيعية، و”لقد نحت (جون ستيورات ميل) مصطلح العلوم الأخلاقية Moral science الذي يقابله مصطلح Geisteswissen schafien في اللغة الألمانية، لكي يدل على تلك العلوم التي نمت نموّاً كبيراً في القرن التاسع عشر، وتمايزت عن باقي العلوم الطبيعية”.

إن الناظر في معاني هذا التعليم، المتبصر في دلالاته، يجد أن العلوم الإنسانية أو الاجتماعية هي العلوم التي تُعنَى بدراسة الإنسان من جميع الجوانب والمستويات، لا على مستوى الفرد، ولا على مستوى الجماعة، لكن الإشكال المطروح في ساحة التداول الفكري في تحرير المعنى الدلالي المعرفي لكلٍّ من العلوم الإنسانية والاجتماعية: هل لها نفس المعنى أو أن هناك اختلافًا منهجيّاً ومعرفيّاً بينهما؟ “وهو إشكال لا يستدعي المقامُ بسطَ ما تداول فيه، خصوصًا وأن الدراسات المعاصرة في مجال الإبستمولوجيا وتاريخ العلوم لم تَعُدْ تهتم كثيرًا بهذا الإشكال، وذلك على اعتبار أن ما هو إنساني هو اجتماعي بالأساس، كما أن ما هو اجتماعي هو اجتماعي، هو بالضرورة إنساني، ولا يمكن الفصل بين الصفتين إلا على مستوًى نظريٍّ محضٍ، أما على المستوى الواقعي، فهما متداخلان ومتكاملان معًا”.

غير أنه يوجد مَن يعْتَبِرُ هذا الطرح حول العلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية يثير إشكالية تعريفها، والتخصصات العلمية التي تدخل ضمنها، واستشكال العلاقة بين العلوم الإنسانية والاجتماعية، وإن عَمَدَ البعض إلى الأخذ بالتطابق بينهما، فعندما نسأل ابن خلدون، وأوغست كونت، وكارل ماركس، وكدروف، وبياجي، وفوكو – عما هي العلوم الإنسانية، فإن الجواب لن يكون واحداً، والمبدأ العام المفسِّر لهذا الاختلاف واضح، وهو أن التصنيفات التي قدمها هؤلاء المفكرون أو الرؤية التي اقترحوها للعلوم الإنسانية متعلقة من جهة أولى بالوضعية الإبستيمولوجية العامة لمجموع المعارف الإنسانية، عند تقديم كل مفكر لتصنيفه أو اقتراحه لرؤيته، كما أنها متعلقة من جهة ثانية بالموقف الإبستيمولوجي لكل مفكر من نسق المعارف المعاصر له.

نرى

أن العلوم الإنسانية والاجتماعية عبارة عن وحدة معرفية متكاملة، ولا يمكن الفصل بينها لا على مستوى التنظير، ولا على مستوى الواقع، إذ إن الحديث عن أحد هذه العلوم والتنظير له يستدعي الحديث عن العلم الآخر، ولو بغير قصد، وهذا ما يبين النظرة والوحدة التكاملية بينهما في دراسة الإنسان وتقلبات حياته فرديًّا وجماعيًّا، تفاعله الذاتي، وتفاعله مع محيطه الاجتماعي، وتفاعله مع الله مهما كانت ديانته وانتماؤه العرقي، وهذا ما يفتح لنا الباب لطرح إشكال معرفي؛ ألا وهو: أين تكمن وظيفة العلوم الإنسانية والاجتماعية في دراسة الإنسان، وعلاقته بواقعه المعيش؛ إذ إن هذه العلوم تسعى “جميعها إلى التوصل للمعرفة العلمية، وتحاول أن تستقيَ هذه المعرفة من الواقع، ويمثل الواقع السياق الذي تقع فيه الوقائع الطبيعية والظواهر الاجتماعية والإنسانية؛ فالواقع موجود قبل أي تصور له أو إدراك؛ فهو خارج أي معرفة، ولا يمكن لأي معرفة أن تَزْعُمَ أو تدَّعِيَ أنها هي الواقع”.

أي: إن هذه العلوم ليست هي الواقع، ولكن وظيفتها العلمية والمعرفية هي دراسة الواقع، والإحاطة ببعض جوانبه، ورصد ظواهره وتحولاته اقتصاديّاً، واجتماعيّاً، وسياسيّاً، ودينيّاً.

هذا ما يوحي بعظم هذا الحقل المعرفي في دراسة الظواهر الإنسانية في أبعادها المختلفة، باحثًا عن العِلَلِ والسُّنَنِ التي تدير حركة التاريخ والإنسان، فهذا تخصص علمي له دراية كبرى بأبعاد الإنسان السيكولوجية والإبستمولوجية والديموغرافية، ويحدد العلاقات الترابطية بين هاته الأطراف، وهذا ما يعطي لهذه العلوم غنًى وتنوُّعاً.

من مصادر البحث

  • ويكيبيديا
  • الألولة الادبية واللغوية
  • موضوع -كوم

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *