القديس الانطاكي المطران روفائيل هواويني الدمشقي باعث ابرشية اميركا الشمالية

القديس الانطاكي المطران روفائيل هواويني الدمشقي باعث ابرشية اميركا الشمالية

القديس الانطاكي المطران روفائيل هواويني الدمشقي باعث ابرشية اميركا الشمالية

القديس الانطاكي المطران روفائيل هواويني الدمشقي باعث ابرشية اميركا الشمالية
القديس الانطاكي المطران روفائيل هواويني الدمشقي باعث ابرشية اميركا الشمالية

سيرة حياة قديسنا الأنطاكي الأسقف رفائيل

وعظيم أعماله وعطاءاته للكنيسة والوطن

في اصل الاسرة

من دمشق وتعود في تاريخها الى القرن الخامس عشر، وتقطن  في محلة آيا ماريا (  التسمية باليونانية آيا ماريا او القديسة مريم نسبة الى كنيسة مريم ( الكاتدرائية المريمية ) منذ العهد الرومي (القيمرية بعد تحريف التسمية) والمعروفة اليوم محلة (قيمرية – قناية الحطب) وكانت تنقل مياه بردى الى بيوتها بقناة خشبية لذلك تسمت “قناية الحطب” وقد اخذت الخانات السكانية في دائرة النفوس و الاحوال المدنية التي ارتبطت منذ العهد العثماني تسمياتها من تقسيمات الحارات، فمثلاً سكان حارة القيمرية الشهيرة حاليا كان يرمز الي سكناهم  في خانات نفوس السكان “خانة قيمرية-جادة” وهكذا.

بيت آل هواويني كان قصراً شاميا عريقا في حارة قناية الحطب تقطنه كل العائلة، وتم تقسيمه لاحقا بين الفروع في عهد مضى. ولايزال مابقي من  البيت باسم احدهم ويقع على الحارة الواقعة بين محلة الجورة ( الآغورا اي الساحة باليونانية حي الجورة هي حي الآغورا في الزمن الرومي) و شمال حارة تجمع آيا ماريا الجادة.

العائلة كبقية العائلات الدمشقية حارة الايمان المسيحي وممارسة لوجودها وخدمتها في الكنيسة الدمشقية، وممارسة للصلوات والاصوام  في حياتها العادية، وممارسة الاعمال الخيرية والانتساب الى الجمعيات الخيرية كجمعية نور الاحسان الارثوذكسية العريقة كأقدم واغنى الجمعيات الارثوذكسية الدمشقية، و شغل كبار العائلة عضوية المجالس الملية  البطريركية ووكالات الكنائس والاخويات والخدمة في مؤسسات البطريركية بدمشق، وخدمة الوطن ومؤسساته العلمية والاكاديمية لحيازة جميع ابنائها  الشهادات العلمية العالية وتميزهم في الوطن والمهجر…كما ان الاحسان الى الكنائس عادة متوارثة وقد ساهمت العائلة بوقف اراضي من ممتلكات كبيرها اواخر القرن 19 لكنيسة بلودان، في هذه المنطقة الاصطيافية وفي المساهمة مع بقية المصطافين الدمشقيين في بلودان  بتمويل ببناء كنيسة القديس جاورجيوس الارثوذكسية في بلودان مابعد عام 1922 واقرارها من قبل حاكم دمشق بأنها اطلال دير القديس جاورجيوس الرهباني في بلودان  للصلاة فيها في مواسم الاصطياف(1).

التسمية

منذ بدء انتشار الكنيات في بلاد الشام مطلع العهد العثماني، وانتفاء الاستخدام الدارج قبلها لاسماء تعود الى تسلسل اسماء اربعة او خمسة رجال عصبات في العائلة. وكانت اسرة الهواويني تحترف مهنة سبك المعادن وتختص ب”الأسلحة البيضاء” من سيوف وخناجر، اضافة الى سبك سبطانات المدافع من الحديد الصب…

في عام 1401 عندما غزا تيمورلنك المغولي البلاد وفتح مدينة دمشق التي استعصت عليه طويلاً، وعاقب رجالها بوحشية فقطع رؤوسهم كعادته في كل حروبه واقام منها برجا كبيرا من رؤوس الرجال والشباب والفتيان الدمشقيين(2)، وابقى على ارباب المهن  العريقة التي تشتهر بها عائلات مسيحية من شيوخ كار وصناع مهرة واصطحبهم معه اسرى الى بلاده ليقيموا الحرف هذه هناك…

واستبدل من بقي حيا من  عائلة الهواويني المهنة بصنع اجران الهاوون النحاسية مع استمرار العمل سرا بسكب الحديد الصب لصناعة المدافع الى زمن دخول العثمانيين…حيث حصرت الدولة هذه المهنة الحربية بها، لذلك تكنت هذه الاسرة بمهنتها ونسبت الى كبيرها كنية الهواويني واستمرت.

وكانت لكارثة 1860 اثرها على مسيحيي دمشق عموما وبالذات ارثوذكسييها فاستشهد نصف ارثوذكس دمشق بينما استطاع ربع السكان الارثوذكسيين الفرار قبل اشتداد اوار المذبحة ولجأوا الى بيروت واقاموا هناك مخيمات مؤقتة في تلة الاشرفية وكانت تلة دغلية وقد تزعمهم الدكتور يوسف عربيلي، منهم من استقر ومنهم من عاد الى دمشق، ومنهم من هاجر الى مصر واستقر في القاهرة والاسكندرية ولاحقا في مدن قناة السويس المحدثة، وتسرب الكثير من الدمشقيين الى الخرطوم مع الجيش المصري فساهموا في بنائها وتجارتها…

اما الربع الأخير الذي بقي حياً بأعجوبة في الحي المسيحي، فبقي اقلية مرتاعة ليس عندها قوت يومها وبيوتها محروقة ومدمرة واستمر واقع الدمار طيلة العقد السابع من القرن 19، عندما بدأ البعض يعودون لاعمار مساكنهم والبعض الآخر كان ابناؤهم المهاجرين يرسلون لهم الاموال لاعادة الاعمار وبعث الحرف العريقة التي كان ابناء العائلة يعملون بها قبل المذبحة وتتركز خانات الصناعة والحرفة في حاراتهم السكنية ولاتزال بعض الخانات في محلة آيا ماريا تدل على ذاك الزمن والحرف من سدي الحرير ونسج الاقمشة  الدمشقية الشهيرة كالدامسكو …وصباغتها، والحرف الخشبية من نجارة وبرداخ وتنجيد وتصديف ثم الموزاييك وكذلك نستطيع القول بضمير مرتاح ان معظم المطاعم حاليا في هذا الحي كانت خانات مهن وورش نجارة و… واستمرت على وعينا الى العقد السادس في القرن العشرين، وكان منها دكان صغيرة لوالدي …يعمل بها في حرفة حفر ونقش الخشب كما ورد هنا في سيرته بموقعنا…(3)

السيرة الذاتية للقديس روفائيل

وُلد في بيروت عام 1860 لأبوين دمشقيين، فرّا من المذابح المحكي عنها في وطنهما دمشق 1860، فنجا الطفل في بطن أمه الحامل من البطش، وأبصرت عيناه النور في بيروت التي قد لجأ إليها والداه في محلة الاشرفية، وفيها عاش سني حياته الأولى إلى أن عاد مع عائلته إلى دمشق بعد استقرار الاحوال و البدء باعادة العمران بشكل خجول، ليبدأ دروسه الأولى في المدرسة  الآسية الأرثوذكسية الدمشقية البطريركية. لم تكن الحال الاقتصادية في دمشق بأفضل مما كانت عليه في بيروت، فاقتصادها الهشّ الذي كان يعتمد أساساً على الصناعات التقليدية، وخاصة سدي الحرير والأقمشة والألبسة وهي مسيحية بامتياز مع بقية المهن والحرف ومقتل ارباب هذه المهنة ، كان لايزال منهاراً منذ دمار الحي المسيحي عام 1860 ومقتل الآلاف من سكانه، حيث كان مسيحيو المدينة الحرفيون يشكلون عصب تلك الصناعات. وهذا ما يفسّر الفقر المدقع الذي كان فيه حينذاك ذوو الطفل رفائيل الذين فقدوا ورشة السكب والادوات، والمجتمع الدمشقي بأسره، ما اضطرّ والده للتفكير بإخراج ابنه من المدرسة.
وهنا تدخلت العناية الإلهية مرة أخرى في حياة القديس الشاب، ورتبت له أمر إكمال علومه، لا في المدرسة البطريركية وحسب، بل وفي كلية خالكي اللاهوتية أيضاً، وذلك بعون من أثناسيوس عطالله (1853- 1923)، الذي كان شماساً وسكرتيراً للبطريرك  اليوناني ايروثيوس في ذلك الحين ثم لاحقاً رئيساً لدير مار الياس شوّيا  البطريركي(1883) ومطراناً لحمص (1886)، وهو العام الذي تخرّج فيه الشماس رفائيل من خالكي.

كلية خالكي

تأسست كلية خالكي اللاهوتية عام 1844 لتثقيف الإكليروس اليوناني على مستوى جامعي رفيع وتخريج قادة الكنيسة المستقبليين، وكانت برعاية مباشرة من البطريرك المسكوني والمجمع القسطنطيني، فأصبح أكثر خرّيجيها كهنة، أساقفة ومطارنة، ومنهم من اعتلى عرش البطريركية المسكونية في اسطنبول ورئاسة أسقفية اليونان في أثينا. وفي العصر الحميدي (1876 – 1908)، كان يعسر على غير اليوناني الدخول فيها، بسبب تشديد السلطات العثمانية حينها على عدم قبول غير اليونانيين فيها. وبتدخل العناية الإلهية مرة أخرى في حياة الشاب الطموح، تم تدبير أمر دخول رفائيل إلى خالكي، عام 1879، بعد استبدال اسم كنيته “هواويني” باسم آخر يوناني، هو “ميخائيليذيس”، المشتقّ من اسم أبيه ميخائيل. فإذا ما حاولتَ البحث في أرشيف كلّية خالكي لن تجد سجلاّ واحداً باسم رفائيل هواويني، بما في ذلك أطروحته “التقليد الشريف وسلطته” لنيل شهادتها اللاهوتية عام 1886، بل جميعها هي باسم رفائيل ميخائيليذيس.
كان الطلبة الانطاكيين جميعا باشراف السيد ديمتري نقولا شحادة الصباغ الدمشقي فهو يتابعهم اما بتكليف من مطارنتهم الموفدين لهم، او منه مباشرة ويهتم بمعيشتهم ودراستهم والانفاق عليهم بالنيابة او من جيبه الخاص كما فعل مع جراسيموس مسرة وباسيل جبارة وعدد من الطلبة من كل الابرشيات الانطاكية.(4)
لقد تمّ إيفاده للدراسة في خالكي قرب اسطنبول من البطريرك الأنطاكي إيروثيوس، الذي كان قد قرّب إليه العديد من الكهنة الوطنيين، وعلى رأسهم أثناسيوس عطالله، الذي كان في ذلك الحين رئيس شمامسة (أرشيدياكون) وسكرتيراً للبطريرك ومرتلاً في الكاتدرائية المريمية، وأحد أهم معلمي المدرسة الأرثوذكسية الكبرى في دمشق منذ مجيئه إليها عام 1871.
قد قيل الكثير عن كل من المطران أثناسيوس في حمص والأسقف رفائيل في أميركا، كل على حدة، منذ أواخر القرن التاسع عشر. لكن لم يتم قول إلا القليل جدا عن هذه الرابطة الروحية القوية بين رجلي نهضتنا المعاصرة هذين في الكنيسة الأنطاكية(5)
لا شك في أن المطران أثناسيوس والقديس رفائيل قد كانا من أهم أبطال تحرير الكرسي الأنطاكي في نهاية القرن التاسع عشر من نير طغمة أخوية القبر المقدس اليونانية،(6) لكن هذا لم يكن الأمر الوحيد الذي خلد ذكرهما الطيب إلى اليوم. لقد تشابها وتقاربا في أمور كثيرة: الذكاء وسرعة البديهة ودقة الملاحظة، موهبة الحديث والخطابة والوعظ، إتقان اللغة العربية والأدب العربي نثراً وشعراً، (وانا اضيف الوصول الى مرحلة القداسة فلقد شابه روفائيل معلمه اثناسيوس الى مرحلة القداسة فنقول عن المعلم بقناعة انه متقدس) والتحدث بلغات أخرى: الفرنسية واليونانية في حالة المعلم، تضاف إليهما في حالة لغتي التلميذ روفائيل الروسية والانكليزية. وكذلك موهبة حسن الإدارة وإتقان تنظيم الأعمال والمهام ذات الطبيعة الإدارية، وقد تجلى ذلك في نجاحهما المنقطع النظير في المسؤوليات التي ألقيت على عاتقهما قبل الأسقفية: المطران كرئيس دير مار الياس في ضهور الشوير والقديس كرئيس الأمطوش الأنطاكي في موسكو.
يتمّ دوما ذكر أن أثناسيوس لما كان رئيس الشمامسة العشريني في دمشق عام ١٨٧٢ قد أعان الـطفل ذا الاثني عشر ربيعاً رفائيل في الدخول إلى المدرسة البطريركية ليكمل علومه، لأن عائلته الفقيرة كانت عاجزة عن تسديد أقساط المدرسة. وهذا صحيح تماما، لكن لا يجب علينا أن نمر عليه مرور الكرام. فالقديس رفائيل قد أصبح علّامة عصره وباعث نهضة في كل أرجاء الكرسي الأنطاكي وإن كان خارج سوريا منذ 1879 (باستثناء العامين 1887و 1888، حيث بعد تخرجه من خالكي كان مساعدا للبطريرك الأنطاكي ومطران عكار).
لقد تمّ إيفاد الراهب رفائيل عام 1879 للدراسة في خالكي قرب اسطنبول من البطريرك الأنطاكي إيروثيوس، وبتكليف من خليفته البطريرك جراسيموس تمّت رسامة رفائيل شماساً في كنيسة الدير في خالكي بتاريخ 8 ديسمبر 1885. وإبّان تخرجه وعودته إلى دمشق، لازم الشماس رفائيل البطريرك الأنطاكي جراسيموس، الذي قرّبه إليه واعتمد عليه في إلقاء المواعظ خلال الجولات الرعائية للبطريرك في أنحاء الكرسي الأنطاكي في الأعوام 1886-1888.
كانت لدى الشماس الشاب رغبة كبيرة في تعلم اللغة الروسية والدراسة بجامعة كييف اللاهوتية، وقام البطريرك بمراسلتها فجاء الردّ بالقبول. وافق البطريرك جراسيموس على مضض، لكن لعام واحد فقط، وقد قطع الشماس وعداً بذلك. غير أنه قبل أن تنتهي مهلة السنة، استجدّت أمور فقرّر البطريرك إبقاء رفائيل لمدّة أطول في روسيا، ذلك أن رئيس الأمطوش الأنطاكي في موسكو آنذاك بدا غير مرغوب فيه، فطُلب من البطريرك تعيين آخر لهذا المنصب.

عندئذ أرسل البطريرك جراسيموس رسالة إلى كل من رفائيل والسلطات الكنسية في روسيا مخبراً قراره بتعيينه للمنصب، طالباً من مطران موسكو أن يرسم الشماس كاهناً (قام بالرسامة في 16 حزيران يونيو 1889 مدير أكاديمية كييف الأسقف سلفستروس في كنيسة الجامعة) وأن تتم ترقيته إلى رتبة أرشمندريت، وهذا ما حصل بالفعل في 28 تموز يوليو 1889، على يد مطران موسكو يوانيكيوس.

الارشمندريت روفائيل هواويني في روسيا
الارشمندريت روفائيل هواويني في روسيا
توجه الى كييف لدراسة اللغة الروسية ولكن تم تعيينه رئيساً للأمطوش الأنطاكي في موسكو، وهو مركز حساس جداً في تلك المرحلة، فأضحى عوناً وسندا لمعلمه الفاضل، بل ولسائر الأبرشيات الأنطاكية.
كان الفقر المدقع حالة عامة بين مسيحيي سوريا العثمانية، فلما صار أثناسيوس مطرانا لحمص، كانت الأبرشية في حالة يرثى لها: كنائس آيلة للسقوط لتقادم السنين والإهمال المتواصل. شمر عن ساعد الجد منذ يومه الاول في الأبرشية، لانه أدرك أنه ليس مجرد مطران عادي ليكتفي بإقامة الصلاة وإتمام الخدمات الروتينية من عماد وإكليل وسواها، بل هو رجل إصلاح وبناء وفي ذهنه مشاريع ضخمة تتطلب أموالا غير متوافرة. لقد جمع بعض التلاميذ وأخذ يدرسهم بنفسه لخبرته الطويلة في هذا المجال. ثم أخذ ينشئ مدارس بسيطة ويستقدم معلمين معتمداً على سخاء بعض أبناء الأبرشية الأثرياء. لكن هذا لم يكن كافياً لمطران طموح. لا بد من مخرج.
وكان على تواصل دائم مع تلميذه الدمشقي في موسكو والمراسلات بينهما منتظمة و كثيرة. فكان رفائيل هو المنجد في وقت عصيب. رداً للجميل، وبالتنسيق مع معلمه مطران حمص، بدأ رفائيل يدخل بعض التلامذة الحمصيين في جامعات روسية، تمهيدا للنهضة الاتية. وهم: اليان حلبي، أنطوان بلان، عيسى عاقل، اسبر مبيض، داود صباغ وشكر الله عطالله. (بلغ مجموع عدد التلاميذ الذين أدخلهم الأرشمندريت رفائيل في أكاديميات روسيا 27 تلميذاً: 6 من حمص، 4 من بيروت، 2 من طرابلس، 1 من حاصبيا، 4 من أورشليم، وعشرة من دمشق، وطنه الذي لم يره ثانيةً)
وبالتخطيط معاً، قام المطران عام 1893 بكتابة عريضة للسلطان العثماني يطلب فيها المساعدة على فتح مدارس في حمص، وكانت النتيجة متوقعة، وهي عدم التجاوب، ما أتاح للمطران فرصة الاعتماد على الجمعية الإمبراطورية الروسية في فلسطين.
كانت الجمعية الفلسطينية الأرثوذكسية قد تأسست في بطرسبرغ عام 1882، من قبل الدوق الأكبر سرجيوس شقيق القيصر ألكسندر الثالث (1881- 1894)، بعد زيارته إلى فلسطين عام 1881. والهدف الأساس منها هو دعم الأرثوذكسية في الأرض المقدسة. وكانت برئاسة الأمير سرجيوس، أما أعضاء مجلس إدارتها فسياسيون ومثقفون روس بارزون: وزراء وأكاديميون وكبار رجال الدين.
حظيت الجمعية بدعم مباشر من البلاط الإمبراطوري الروسي والكنيسة الروسية، ومع ذلك لم تكن لتستطيع إحراز أي تقدم يستحق الذكر من دون تعاونٍ وثيق مع بطريرك أورشليم. ولم يكن البطريرك نيقوديموس متعاوناً، بل واصطدم مع العرب ومع أخوية القبر المقدس نفسها على حد سواء، فأجبر على الاستقالة عام 1890. وبدعم روسي خفي، انتخبت أخويةُ القبر المقدس البطريرك الأنطاكي جراسيموس، المعروف باعتداله، بطريركاً لأورشليم في 27 شباط فبراير 1891. فاستعفى من البطريركية الأنطاكية في 28 آذار مارس 1891 وغادر إلى مركز بطريركيته الجديد في الأرض المقدسة، بعد أن أخبر أحبار الكرسي عبر البريد عن استعفائه.
في 11 نيسان 1891، كتب المطران أثناسيوس في يومياته: “حضر حبيب سركيس وقدم لي رسالتين. إحداهما من غبطته، توصية لي وللمسيحيين بانتخابه إلى أورشليم، والأخرى من المطران سيرافيم عن تعيينه قائمقاماً للبطريركية الأنطاكية في 30 مارس بحضور الكهنة هناك وذوات الشام، وأن غبطته قدم استعفاءه للهيئة الموما إليها في 28 مارس وتعين معاوناً له المطران أغابيوس ولجنة موافقة من كهنة وعلمانيين”.
قد كتب المطران أثناسيوس أيضاً: “استلمت رسالة من الأب رفائيل من موسخا يقول أنه توفق بإدخال تلميذين آخرين إلى مدرسة أوديسا فصار حتى الآن يتلمذ في روسيا عشرة تلاميذ حفظه الله. وأبان أنه بتبديل غبطته للقدس يجب اتحاد المطارنة الوطنيين أن ينتخبوا وطنياً لرفع العار عن أبناء العرب وستصير مساعدة من مسيحيي روسيا إذا طلبها”.
كان مطران هليوبوليس (بعلبك) نيوفيتوس حلبي قد وصل إلى موسكو مبعوثاً للبطريركية الأنطاكية، في عام 1842، حاملاً رسالة من بطريرك أنطاكية تصف الوضع المالي الصعب والمشاكل الجسيمة الأخرى، لا سيما الافتقار المحزن إلى المدارس والجمعيات الخيرية. فاقترح مطران موسكو فيلاريت (+1867) على المجمع المقدس للكنيسة الروسية التبرع بكنيسة بالقرب من الكرملين للبطريركية الأنطاكية، من أجل تعزيز الأرثوذكسية في سورية ولبنان. وقد تم قبول اقتراح مطران موسكو من قبل المجمع المقدس الروسي والقيصر في عام 1848، فتأسس بذلك الأمطوش الأنطاكي في موسكو.
عندما استلم الأب رفائيل رئاسة الأمطوش الأنطاكي هذا، في تموز/ يوليو 1889، كان الأمطوش غارقاً في الديون التي تراكمت عليه خلال رئاسة سلفه. وبحسن تدبيره ونظافة يده، تمكن الأب رفائيل من إيفاء القسم الأعظم من هذا الدين، وأخذ يساعد العشرات من نوابغ التلاميذ السوريين واللبنانيين في تأمين قبولهم في الجامعات الروسية المختلفة، متعهداً بتأمين كامل نفقات إقامتهم هناك ومصاريف دراستهم حتى التخرج والعودة إلى الوطن، ليفيدوا بعلومهم المدارس المنشأة حديثاً، وتلك التي كانت قيد الإنشاء، في مطرانيات حمص وطرابلس وبيروت، بدعم مباشر من المؤمنين الروس، عن طريق الأمطوش الأنطاكي في موسكو.
وبهذا الدعم المالي الروسي، بتدبير الأرشمندريت رفائيل ورعايته، تمكن مطارنة تلك الأبرشيات: اللبنانيان أثناسيوس عطالله مطران حمص (1886- 1923) وغريغوريوس حداد مطران طرابلس (1890 – 1906) ومعلمهما الدمشقي غفرائيل شاتيلا مطران بيروت (1870 – 1900)، من افتتاح العديد من المدارس التي كان يدرس فيها مئات التلاميذ، دون أية مساعدة تُذكر من الجمعية الفلسطينية الأرثوذكسية، التي كانت قد تأسست في عام 1882 من قبل الدوق الأكبر سرجيوس، شقيق القيصر ألكسندر الثالث (1881- 1894) وعمّ القيصر نيقولاوس (1894 – 1917)، بغرض دعم الأرثوذكسية في الأرض المقدسة.
من الجدير بالذكر أن رئيس الجمعية نفسه، الدوق الأكبر سرجيوس، كان يعارض توسيع أنشطة الجمعية في سوريا ولبنان، بناءً على مذكرة صادرة عن الجمعية للأعوام 1888-1890. مع ذلك، عند قراءة يوميات مطران حمص أثناسيوس خلال الأعوام ( 1888-1891)، يلاحظ القارئ حقيقة أن بطريرك أنطاكية جراسيموس نفسه (1885-1891) كان مستعداً تماماً لفتح باب كنيسته بمصراعيه إلى روسيا والجمعية الفلسطينية الأرثوذكسية، لكن الروس والجمعية لم يظهروا آنذاك أي اهتمام بسوريا ولبنان، وقصروا عملهم على الأرض المقدسة.
القديس الانطاكي المطران روفائيل هواويني الدمشقي باعث ابرشية اميركا الشمالية
القديس الانطاكي المطران روفائيل هواويني الدمشقي باعث ابرشية اميركا الشمالية
كانت للأرشمندريت رفائيل، بحكم منصبه كرئيس للأمطوش الأنطاكي في موسكو، بل وبسبب شخصيته الفريدة وثقافته الواسعة وأخلاقه الدمثة، اتصالاتٌ واسعة مع مسؤولي البلاط والكنيسة في روسيا. وقد بدأ معهم مباحثات لجعل الجمعية الفلسطينية الأرثوذكسية تمدّ نشاطاتها إلى لبنان وسورية أيضاً، لا الإكتفاء بفلسطين. لكن الردّ كان دوماً أن في هذا خروجاً عن المبدأ الذي قامت عليه الجمعية، وهو دعم الأرثوذكسية في الأرض المقدسة حصراً.
وبعد عامين ونيف من المباحثات الصعبة، تمكّن رفائيل من إقناع كبار المسؤولين في الدولة والكنيسة الروسية على تغيير رأيهم وتعديل خطتهم، وضرورة ضمَ حمص من أبرشيات الكنيسة الأنطاكية إلى نطاق عمل جمعيتهم الناشطة، خاصة في مجال التعليم. أصبح رفائيل نفسه عضواً فخرياً في الجمعية الفلسطينية الأرثوذكسية، وفي عام 1893 تم تعيين بيلاجيف، الذي كان عضواً في لجنتها المركزية ونائب رئيسها، كأول قنصل لدولة روسيا في دمشق، بمثابة خطوة أولى للمضي قدماً في النشاطات الكثيفة المقبلة للجمعية في سوريا. ما سيُحدث ثورة علمية غير مسبوقة في حمص، امتدت بعد نجاحها العظيم فيها إلى شتّى الأبرشيات الأنطاكية في سوريا ولبنان، بعد أن كان نشاط الجمعية لسنوات محصوراً في فلسطين والبطريركية الأورشليمية.
في عام 1893، كان للجمعية 14 مدرسة في فلسطين مقابل 3 مدارس في بيروت. في عام 1894، تولّت الجمعية مسؤولية 11 مدرسة في حمص. في عام 1895، إلى جانب مسؤولية 20 مدرسة في دمشق نفسها، أسست الجمعية 13 مدرسة جديدة في مناطق مختلفة من سوريا ولبنان، بينما أنشأت في العام التالي 13 مدرسة أخرى في سورية ولبنان، مقابل 3 مدارس فقط في الأرض المقدسة.
بحلول عام 1899، كانت قد نجحت في إنشاء 65 مدرسة في فلسطين وسورية ولبنان، مع 7690 تلميذاً. من بين هذه المدارس، كانت هناك 30 مدرسة في بيروت وجنوب سوريا (مع 3668 تلميذاً) و 12 في شمال سوريا (مع 2948 تلميذاً)، مقابل 23 فقط في فلسطين (مع 1074 تلميذاً وتلميذة فقط). في عام 1900، في عهد بطريرك أنطاكية ملاتيوس (1899- 1906)، في سوريا وحدها كانت هناك 68 مدرسة للجمعية الفلسطينية الأرثوذكسية (مع 9998 تلميذاً وتلميذة). وفي عام 1904، صارت للجمعية في فلسطين وسوريا 87 مدرسة تضم 10225 تلميذاً وتلميذة.
مصلحاً كبيراً، كان بطريرك أنطاكية الدمشقي ملاتيوس الدوماني(7) يعمل بجدّ من أجل نهضة جميع أبرشيات البطريركية، خاصة لتثقيف رجال الإكليروس في الكنيسة، بالاعتماد المباشر على الدعم المالي والمعنوي من الروس والجمعية الفلسطينية. بدءاً من المدرسة الإكليريكية الشهيرة في دير البلمند، التي أعاد فتحها في عام 1900 بإدارة مطران طرابلس غريغوريوس، قام بتسليم مسؤولية معظم المدارس الأرثوذكسية في لبنان وسوريا إلى الجمعية، وكان البطريرك نفسه عضواً فخرياً فيها وكذلك مطران حمص أثناسيوس ومطران طرابلس غريغوريوس. كما كان بيلاجيف نفسه في لجنتها المركزية بل ونائب رئيسها، وهو في آنٍ معاً القنصل الروسي في دمشق، مقر البطريركية، بل ومسقط رأس كل من البطريرك ومطران لبنان غفرائيل وخلفه المطران بولس ومطران حلب استفانوس (وكلاهما من تلامذة المطران أثناسيوس).
مع انتخاب مطران طرابلس غريغوريوس حداد بطريركاً (1906)، وهو نفسه عضو فخري في الجمعية الفلسطينية الأرثوذكسية لسنوات خلت، كان من الطبيعي أن تتعزّز أنشطة الجمعية في لبنان وسوريا أكثر مما في الأراضي المقدسة. فبلغ عدد مدارس الجمعية 77 في سوريا ولبنان، مقابل 25 فقط في فلسطين. وبإلإضافة إلى المدارس (مجموعها 102 في العام 1913)، التي كانت تقدّم التعليم مجاناً لجميع الطلاب والطالبات، كانت الجمعية تشرف على مستشفيات ومستوصفات في القدس، وبيت جالا، وبيت لحم، والناصرة، بل وفي ودمشق، وحمص، لتقديم الطبابة مجاناً لكل أبناء الكنيسة الأرثوذكسية وسائر المسيحيين.
لا نبالغ إن قلنا إنه لولا القديس رفائيل (1860 – 1915) ووجوده في روسيا مع علاقاته الدبلوماسية الرفيعة هناك على أعلى المستويات، في الكنيسة والبلاط نفسه على حدّ سواء، لما تحقق ولو نذرٌ يسير من هذا الإنجاز الهائل، ولما تأسست كل تلك المدارس، ولما حصلت كل تلك النهضة العلمية في شتى أنحاء سوريا ولبنان.
كان دور القديس رفائيل هامّاً في إقناع القيّمين على الجمعية التي كانت تحصر نشاطها في فلسطين وترفض الامتداد الى سوريا، من خلال صديقه خيتروفو، كبير موظفي الجمعية، ونائب رئيسها. فتم ضم المطران أثناسيوس الى الجمعية بل وتعيينه وكيلاً لها أيضاً في سوريا، وتسلمت الجمعية مدارس حمص، ما مكّن المطران أثناسيوس من تدبر شؤون إعادة بناء الكنائس وتوسيعها في المدينة والريف على حد سواء والإنفاق على مشاريع أخرى مثل المستوصف الخيري والمستشفى والميتم وسواها، خاصة الكلية العلمية الداخلية.
ولابد لنا هنا من الحديث ولو بإيجاز عن الدور البارز للمطران أثناسيوس مع تلميذه القديس رفائيل في تحرير الكرسي الأنطاكي من نير أخوية القبر المقدس اليونانية.(8)
لدى شغور الكرسي البطريركي بانتقال جراسيموس الى القدس بطربركاً للكرسي الأورشليمي عام 1891، استلم المطران أثناسيوس رسالة من الأرشمندريت رفائيل هواويني رئيس الأمطوش الأنطاكي في موسكو، يحث فيها معلمه وأبيه الروحي على أن الظرف مناسب الآن لانتخاب أحد المطارنة الوطنيين على عرش البطريركية الأنطاكي.
غير أن الأمور سارت بعكس ما كان يُشتهى، إذ تم بضغط من الباب العالي والقنصلية البريطانية انتخاب اسبيريدون من أخوية القبر المقدس اليونانية بطريركاً. في تلك الجلسة الانتخابية، رفض المطران أثناسيوس عطالله كل الضغوط وقام بالتصويت (وكذلك مطران طرابلس غريغوريوس حداد) لمطران اللاذقية الدمشقي ملاتيوس، الذي أعطى صوته لمطران حماة غريغوريوس جبارة.
بعد عملية الترشيح والانتخاب غير القانونية لاسبيريدون، قامت الدنيا ولم تقعد في كل من بيروت ودمشق، حيث الشعب الأرثوذكسي في كلتا المدينتين قد ثار احتجاجاً على فرمانات تحرم مطران بيروت الدمشقي غفرائيل شاتيلا من حق الترشح، بل ومن حق الانتخاب أيضاً، ما يعني حرمان أبرشيته بأسرها من هذا الحق لأنه رئيسها وممثلها.
وغفرائيل هذا كان راعياً نشيطاً ومصلحاً عظيماً، وقد كان محبوباً للغاية في كل من مسقط رأسه دمشق ومركز أبرشيته بيروت على حد سواء، ما جعل المطران أثناسيوس عطالله والمطران غريغوريوس حداد اللبنانيين، وهما ابنان روحيان له، يحجمان عن الاعتراف باسبيريدون بطريركاً، وكذلك فعل مطران اللاذقية ملاتيوس الدمشقي مواطن غفرائيل الدمشقي مطران لبنان والصديق المقرب له.
لقد أبى المطارنة الثلاث الاعتراف باسبيريدون مالم يتم تصحيح ما اعتبروه اثماً عظيماً بحق شخص غفرائيل وأبرشيته، وهي من أكبر وأهم أبرشيات الكرسي آنذاك، واعادة الاعتبار لهما. وهكذا، فلما تم ذلك، أرسل غفرائيل للبطريرك اعترافه، فأرسل المطارنة الثلاث رسائل يعترفون باسبيريدون بطريركاً.
ومع ذلك، رفض رفائيل القيام بالمثل، فكان الاكليريكي الأنطاكي الوحيد الذي أبى أن يقوم بهكذا اعتراف رغم الضغوط العظيمة التي مورست عليه وتهديد اسبيريدون له بتوقيفه عن ممارسة الخدمة الكهنوتية إذا استمر في موقفه الراسخ بعدم الاعتراف به بطريركاً.
في تلك الفترة ألف الأرشمندريت رفائيل بالعربية كتاباً عن تاريخ ومفاسد أخوية القبر المقدس اليونانية، ونشره على نفقته الخاصة في بيروت، وهو الكتاب الذي أحدث زلزالاً في الأوساط الأرثوذكسية في البطريركيات الثلاث الأنطاكية والاسكندرية والأورشليمية نفسها، بالاضافة الى مقالاته الجريئة ذات الصلة التي راح ينشرها باللغة الروسية في كبريات صحف روسيا، موضحاً للشعب الأرثوذكسي فيها فساد تلك الجمعية، مستنداً الى مصادر يونانية بمعظمها، فكسب تأييد الرأي العام في روسيا والمشرق بأسره.
أمام هذه الحقائق الفاضحة، والتهديد الكبير، اضطر اسبيريدون أن يستنجد بالقيصر الروسي نفسه لوقف حملة رفائيل في الصحافة الروسية ضده.
وقسا قلب اسبيريدون فأخذ يتجبر، ولم يعطي للمؤمنين والمطارنة الوطنيين، وعلى رأسهم أثناسيوس، أذنا صاغية. فقام عليه الشعب قومة رجل واحد عام 1897 ونادى بسقوطه، وقد تم هذا فى نهاية العام التالي حين اضطر للاستعفاء والرحيل.
وبهذا طويت صفحة سوداء سطرتها أخوية القبر اليونانية فتلاشت، وبدأ عهد جديد مع البطاركة الوطنيين ابتداء بالبطريرك الدمشقي لأنطاكية ملاتيوس الثاني الدوماني (1899-1906).
كان اسبيريدون قد طلب من الأرشمندريت رفائيل الذهاب إلى دمشق عام 1893 فرفض. واعتبر هذا عصياناً، فأصدر اسبيريدون قراراً بعزله من رئاسة الأمطوش الأنطاكي، بل وبتعليق رفائيل عن ممارسة الكهنوت، بعد رفضه الإذعان له والاعتراف به بطريركاً. استمع رفائيل لنصائح معاون المدير البطريركي فلاديمير سابلر وكبار المسؤولين في الدولة والكنيسة الروسية بطلب اعتذار من اسبيريدون، لقاء حصوله على اعتراف من البطريرك بحقه في ممارسة الكهنوت، ولو خارج حدود الكنيسة الأنطاكية، وله ملء الحرية في أن يكون تحت الرئاسة الروحية الروسية في أي مكان، عدا مدينتي موسكو وبطرسبرغ. وهذا بحد نفسه تدبير إلهي لدفع رفائيل الدمشقي للتوجه إلى أميركا، التي لم يسمع عنها من قبل، لكنه سينتقل إليها ويعيش العشرين سنة الباقية من عمره الأرضي، كارزاً بالانجيل وجامعاً وحدة السوريين، ومعلياً شأن الأرثوذكسية في العالم الجديد.
في أواخر عام 1893، عرض معاون الوكيل الإمبراطوري فلاديمير سابلر على الأرشمندريت رفائيل منصب أستاذ اللغة العربية وآدابها في أكاديمية كازان اللاهوتية، فقبله ولبث هناك إلى أن أتته دعوة من الجمعية الخيرية السورية الأرثوذكسية في نيويورك في ربيع 1895.
كانت هذه أول جمعية دينية أرثوذكسية سورية تتشكل في أميركا، وكان أولُ رئيس لها، الدكتور إبراهيم عربيلي، أحدَ أعضاء أول عائلة سورية قد هاجرت إلى أميركا بقصد الاستيطان. وكان من دمشق، المدينة السورية التي ينحدر منها أيضاً الأرشمندريت رفائيل هواويني. ولم يكن عسيراً على الصحفي الدمشقي اللامع، مؤسس أول جريدة عربية في نيويورك (كوكب أميركا عام 1892)، أن يجد وسيلة اتصال بالكاهن الدمشقي اللامع في روسيا، بعد عودة شقيقه الدكتور نجيب عربيلي من القدس لانتهاء مهمته كقنصل لأميركا في الأراضي المقدسة وتسلمه منصب مدير الهجرة الأميركية. ولما وصلته رسالة الجمعية، أوضح الأرشمندريت رفائيل أنه قد صار تابعاً للكنيسة الروسية واستحسن أن تتم الدعوة عن طريق المجمع الروسي المدبر، إذا كانوا مستعدين لإعلان خضوعهم للكنيسة الروسية، فتم الأمر وقدّمت الجمعية الخضوع الواجب.
هذه هي الأسباب والظروف التي دفعت برفائيل إلى انتقاله على صعيد شخصي من التبعية الأنطاكية إلى الروسية، وتالياً وضع الرسالة الروحية السورية الأرثوذكسية في أميركا الشمالية، التي يرأسها سواء كان أرشمندريتاً (1895 – 1904) أو أسقفاً لأبرشية بروكلن السورية (1904 – 1915)، تحت رعاية الرئاسة الروحية الروسية عوض الأنطاكية.
بعد إنهاء أعماله في روسيا، توجه الأب رفائيل إلى نيويورك يصحبه الأسقف نيقولاوس نيقولاوس زيوروف (Ziorov) العائد إلى أميركا، ومعهما جان شامية وقسطنطين أبو عضل. وقد جلب معه الأرشمندريت رفائيل الأواني المقدسة والحلل الكهنوتية لتجهيز الكنيسة الأولى التي سيفتتحها بعد أقل من أسبوعين على وصوله أميركا في 4 تشرين الثاني نوفمبر من العام 1895. وقد وجهت الجمعية رسالة شكر إلى المجمع على قبولهم إرسال الأب رفائيل. رغب الأسقف الروسي نيقولاوس في تمركز الأرشمندريت رفائيل بولاية شيكاغو لمركزها الجغرافي في منتصف الولايات المتحدة، ولكن رفائيل طلب أن يكون مركزه في نيويورك نظراً لتمركز الأنطاكيين فيها ولأن الجمعية قد اتخذتها قاعدة لها، فكان كذلك. بدأ رفائيل منذ وصوله أميركا يبذل قصارى جهده في إدارة مهمته الجديدة. وقد أقام القداس الإلهي الذي ترأسه الأسقف نيقولاوس في 5 نوفمبر، أي في الأحد الأول بعد وصوله. وسعى فوراً لبناء كنيسة للأنطاكيين، فأقام بشكل مؤقت كنيسة صغيرة في قلب الحي السوري في نيويورك، تقع في الطابق الثاني من بناء مشيد على شارع واشنطن في منهاتن.
في ربيع 1896، طاف الأرشمندريت رفائيل على ثلاثين مدينة تقع على خط مستقيم من نيويورك إلى سان فرانسيسكو، وأثناء زيارته مدينة Cairo قام الأرشمندريت بتأسيس كنيسة لها وأقام الأب جان البيروتي راعياً لها بعد أخذ الإخلاء القانوني من المطران غفرائيل شاتيلا. وهي قاعدة اتخذها لنفسه، فلم يكن ليقبل أي إكليريكي أنطاكي في عِداد الإرسالية الروحية السورية في شمال أميركا من دون كتاب رسمي من رئاسته الروحية التي يتبع لها، سواء مطران الأبرشية أو البطريرك نفسه.
في 15 آذار من نفس السنة، تأسس المجلس الروحي للكنيسة الروسية الأرثوذكسية في أميركا لمراقبة المطبوعات ومراجعتها وأختير الأرشمندريت رفائيل رئيساً لها. وفي انتصاف الربيع، قلَّدته الجمعية الفلسطينية الروسية الأرثوذكسية وساماً فضياً، تقديراً لإنجازه نقل وتأليف الكتب التي كانت تستخدمها الجمعية في فلسطين وسوريا، كما وقلدَّته وساماً فضياً لخدمته الجديرة بالتقدير أثناء حكم القيصر ألكسندروس الثالث، ومنحه القيصر الروسي نيقولاوس الثاني وسام القديسة حنة من الدرجة الثالثة لما قدمه من عمل دؤوب ونشاط مثمر أثناء تعليمه كأستاذ للغة العربية في أكاديمية كازان.
وفي هذا العام أيضاً، بدأ الأسقف نيقولاوس في نشر مجلة Russian Orthodox American Messenger باللغتين الإنكليزية والروسية، فأسند إلى الأب رفائيل هواويني مسؤولية المعاونة في تحريرها مع الأب ألكسندر هوتوفيتسكي، وقد بقي مواظباً على ذلك لتسع سنوات.
وفي مطلع سنة 1898، كان قد فرغ من تعريب كتاب التعزية الحقيقية في الصلوات الإلهية عن اليونانية والروسية، ضم الصلوات والخدم الضرورية، يقع في أكثر من ألف صفحة، فكان باكورة إنتاجه الأدبي – الروحي باللغة العربية في العالم الجديد. وكان قد طبعه على حسابه، فوزعه مجاناً على سائر كنائس الأبرشيات الأنطاكية وكنائس البطريركية الأورشليمية والإسكندرية، ولا يزال قيد الاستعمال، نظراً للغته العربية البسيطة والجزيلة بآن، ولأنه كتاب جامع يحوي بين دفتيه كل ما قد يحتاجه الكاهن والمرتل في مختلف الخدم الروحية.

وفي غضون زيارته الرعوية الثانية، التي بدأت في أيار 1898، ودامت خمسة أشهر، قُلِّد في كاتدرائية سان فرانسيسكو خلال احتفال مهيب في 6 آيار، وسام جمعية القديسة حنة من الدرجة الثانية من القيصر الروسي نيقولاوس الثاني، بناءً على طلب الوكيل الإمبراطوري والمجمع المقدس. وبعد هذه الجولة على رعايا أميركا الشمالية التي كان يؤسسها، إلتمس من الأسقف نيقولاوس رسم كهنة لرعاية السوريين، فكان ذلك.

القديس الانطاكي المطران روفائيل هواويني الدمشقي باعث ابرشية اميركا الشمالية
القديس الانطاكي المطران روفائيل هواويني الدمشقي باعث ابرشية اميركا الشمالية
لقد تعامل الأسقف نيقولاوس مع الأرشمندريت رفائيل وسائر السوريين الأرثوذكس بمحبة أبوية حقيقية، ولما تم نقله إلى روسيا في 1898، خشي السوريون ألا يكون خليفته على نفس المستوى من المحبة والرعاية الأبوية. لكن ما حصل هو أن الأسقف الذي خلفه تيخون بيلافين Bellavin قد كان أشد عطفاً على السوريين وأكثر حرصاً على تقدمهم الروحي والأدبي، فكانت فترة أسقفية القديس تيخون، والتي امتدت لتسع سنوات، هي العصر الذهبي في تاريخ الأرثوذكسية عموماً، والأنطاكية خصوصاً، في أميركا الشمالية.
الأسقف تيخون بيلافين Bellavin (بسكوف 1865 – 1925 موسكو): هو ابن كاهن، وقد تميز بالتقوى والتواضع الشديدين وبتفوقه في الدراسة. بعد التخرج من كلية بسكوف اللاهوتية عام 1883 وأكاديمية سان بطرسبرغ اللاهوتية عام 1888، أصبح أستاذاً في كلية بسكوف اللاهوتية (1888- 1891)، ثم في كلية كولم اللاهوتية (1891-1897)، حيث سرعان ما أصبح مدير الجامعة، المنصب الذي شغله حتى رسامته لأسقفية لوبلن في 19 أكتوبر 1897. تم تعيينه أسقفاً لأبرشية ألوتيان وآلاسكا في 1 سبتمبر من العام التالي. أثناء وجوده في أميركا (1898 – 1907)، ترأس أبرشية واسعة وحصل على الجنسية الأميركية. أسس في مدينة نيويورك كنيسة كاثدرائية عام 1902، ونقل إليها مقر إقامته من سان فرنسيسكو عام 1903، وغير اسم الأبرشية إلى ألوتيان وأميركا الشمالية.
شجع وأصدرالعديد من المنشورات باللغة الإنكليزية، بما فيها ترجمة الليتورجية الشرقية إلى الإنكليزية من قبل إيزابيل هابود Isabel Hapgood، وكتب تعليماً أرثوذكسياً موسعاً. في عام 1905، مُنح رتبة رئيس أساقفة وأسس أول دير أرثوذكسي في أميركا (دير القديس تيخون في بنسلفانيا، على اسم شفيعه تيخون زادونسكي). في عام 1907، استدعي إلى روسيا ليكون رئيس أساقفة أبرشية ياروسلافل، ثم في عام 1913رئيس أساقفة فيلنو حتى 1917، حيث تم انتخابه مطراناً لموسكو ومن ثمّ بطريركاً لروسيا. وفي عام 1989، أعلنت قداسته في الكنيسة الروسية.
وصل الأسقف الشاب ذو الثلاثة والثلاثين عاماً تيخون، خليفة نيقولاوس، إلى نيويورك في 12 ديسمبر 1898، وبدأ للفور عمله الكهنوتي والرعائي. وفي شهر آذار من سنة 1899، أخذ رفائيل بجمع التبرعات لبناء كنيسة جديدة للسوريين عوض الكنيسة الصغيرة في الحي القديم، ولشراء مدفن. فغادر نيويورك في 26 نيسان، متجهاً في زيارة طويلة للرعايا الأنطاكية في أميركا، موجهاً ومبشراً ومقيماً للأسرار. فخلال خمسة أشهر زار 43 مدينة.
في 30 حزيران 1901 وضع الحجر الأساسي للكنيسة في غارفيلد وفي أواخر شهر أيلول 1901 اشترى جزءاً من مدفن أوليف ماونت، فتحقق بهذا أحد مشروعي رعية نيويورك السورية، وفي شهر أيلول وبناء على طلب القيصر نيقولاوس الثاني، قام الأسقف تيخون بتقليد رفائيل وسام القديس فلاديمير من الدرجة الرابعة.
بوفاة المطران العلاّمة جراسيموس يارد، خريج الجامعات الروسية والأستاذ فيها أيضاً، شغرت أبرشية سلفكية التي تضم زحلة وبعلبك. فتمّ في المجمع المقدس الأنطاكي انتخاب الأرشمندريت رفائيل بالإجماع مطراناً لها، وتسلَّم في 11 ديسمبر 1901 برقية من البطريرك الأنطاكي تعلمه عن انتخابه باتفاق الأصوات لمطرانية زحلة. فرًّد رفائيل مجدداً بالإعتذار، مبرراً ذلك بالمشاغل والأعمال التي يقوم بها في أميركا. (نجد في أرشيف البطريركية الأنطاكية بدمشق، تحديداً في سجل الانتخابات، أنه في جلسة المجمع بتاريخ 22 ك 1 عام 1901، قد تم انتخاب الأرشمندريت رفائيل هواويني بالإجماع مطراناً لأبرشية سلفكية (ص 142). و لكنه اعتذر، فانتُخب لها بعد سنتين، في جلسة 29 ك2 1904، الخوري جرمانوس شحادة، كاهن كنيسة سان باولو في البرازيل، ليكون مطراناً عليها (ص 156).
وفي سنة 1902 قام الأرشمندريت رفائيل بجولة في المكسيك حيث بشَّر وعلَّم ووعظ وأقام الأسرار الكنسية والإلهية. وفي هذا العام أيضاً، تم تكريس كنيسة القديس نيقولاوس السورية في بروكلن، يوم الأحد 27 نوفمبر والتي اشترتها الجالية السورية في نيويورك.
تجدر الملاحظة أن كلا الكاتدرائيتين، الروسية والأنطاكية، كانتا جاهزتين للتدشين، لكن القديس تيخون اختار أن يدشّن أولاً الأنطاكية ومن ثم الروسية، معرباً بهذا الإيثار عن مشاعر محبته الأبوية الصادقة نحو جميع السوريين، وعلى رأسهم القديس رفائيل، الذي سرعان ما سيُرقى إلى رتبة أسقف مساعد للقديس تيخون رئيس أساقفة أميركا.
بسبب تباعد المسافات بين مركز الأبرشية في سان فرانسيسكو وأطرافها من ألاسكا إلى الساحل الشرقي، حيث كان التجمّع الكثسف للرعايا والمؤمنين الروس في أميركا، إضافة إلى وجود جماعات أرثوذكسية مهاجرة حديثاً إلى أميركا تحتاج إلى خدمات رعوية. رفع الأسقف تيخون عريضة إلى المجمع الروسي بهذا الصدد، ما لاقى استحساناً وقبولاً. فتغير اسم الأبرشية في عام 1900 من “ألاسكا وألوتيان” إلى “ألوتيان وأميركا الشمالية”. ثم سافر الأسقف تيخون في أيار 1902، إلى روسيا لحضور جلسات المجمع الروسي المقدس ولعرض آرائه الصائبة فيما يتعلق بنظام جديد للأبرشية المترامية الأطراف والتي ينمو عدد أعضائها ورعاياها بوتيرة متسارعة.
فقدم ثلاثة اقتراحات، قُبلت جميها وتمت المباشرة بتطبيقها فيما كان لا يزال في روسيا: أولاً- إحداث معتمدية في ألاسكا وانتخاب أسقف عليها، ثانياً- نقل المقر الأسقفي من سان فرانسيسكو إلى نيويورك، ثالثاً- تأسيس أبرشية بروكلن السورية وانتخاب رفائيل أسقفاً عليها، فيبقى رئيساً للبعثة الأرثوذكسية السورية في أميركا الشمالية ويكون بآن معاوناً ثانياً لمطران الأبرشية الروسية (لأن أسقف معتمدية ألاسكا هو المعاون الأول). تم إعلام البطريرك الأنطاكي ملاتيوس بذلك فأبدى موافقته. وفي 12 ديسمبر 1903، أثبت القيصر نيقولاوس الثاني قرار المجمع الروسي فتم استحداث أسقفية ألاسكا وانتخاب إينوسنت (Pustynsky) عليها، فرسم أسقفاً هناك.
القديس الانطاكي المطران روفائيل هواويني الدمشقي باعث ابرشية اميركا الشمالية
القديس الانطاكي المطران روفائيل هواويني الدمشقي باعث ابرشية اميركا الشمالية
بعد رسامته الأسقفية في كاتدرائية سيدة قازان في سانت بطرسبرغ، روسيا، بدأ الاستعداد للسفر إلى أميركا. في 11 يناير 1903، رجع تيخون إلى أميركا بعد إقرار التنظيم الجديد للأبرشية. في 1 شباط، وصل تصديق القيصر نيقولاوس الثاني على إنشاء أبرشية بروكلن السورية شاملة أميركا الشمالية وإنتخاب رفائيل لها، وفي 24 فبراير 1904، وصل أسقف ألاسكا إلى نيويورك. في يوم السبت 28 شباط، أي بعد أربعة أيام فقط من وصول الأسقف إينوسنت إلى نيويورك، تم الإعلان الرسمي عن إنتخاب رفائيل أسقفاً، وفي يوم الأحد الثالث من الصوم الكبير (أي اليوم التالي في 29 شباط فبراير 1904) تمت الرسامة في كنيسة القديس نيقولاوس السورية في بروكلن، برئاسة المطران تيخون ومشاركة الأسقف إينوسنت، وكانت هذه أول شرطونية لأسقف أرثوذكسي في العالم الجديد. وقد أبرق البطريرك الأنطاكي ملاتيوس مهنئاً في 11 آذار للمطران تيخون وبرقية أخرى في نفس الوقت إلى الأسقف رفائيل.
في نهاية عام 1904، أعلن الأسقف رفائيل عن مشروع إصدار مجلة الكلمة لخدمة الأبرشية ليؤلف الرعايا على الوحدة والمجلة والوئام. وفي بداية عام 1905 صدر العدد الأول من مجلة الكلمة نصف الشهرية، وكان رفائيل رئيس تحريرها ومحررها بآن، وقد دبّج فيها بيراعه كل كلمة ومقالة وخبر، حتى توقفت عن الصدور برحيله المبكر عام 1915.
لقد أدت مجلة الكلمة بأمانة ولعشر سنوات الغرض من تأسيسها، وهو تعليم حقائق الإيمان الأرثوذكسي، والتهذيب الخلقي المسيحي، والنشر عن مختلف المواضيع الكنسية، اللاهوتية والتاريخية والروحية، ونشر وقائع الأبرشية، وهي تعدّ بحقّ مصدراً أميناً لتأريخ تطور الأبرشية الأرثوذكسية الأنطاكية في تلك السنوات، بما تتضمنه من أخبار عن الأسقف القديس وجولاته الرعائية، وعن كهنة أبرشيته وأنشطة الرعايا الأنطاكية في أميركا الشمالية.
في 21 نيسان 1905، بدأ رفائيل أول زيارة رعائية له كأسقف، إستغرقت أسبوعاً، وبارك مشروع بناء كنيسة جديدة في بوسطن. كان الأسقف رفائيل مَن وضع خلال جولته هذه حجر أساس أول دير أرثوذكسي في أميركا في بنسلفانيا، والذي كان قد تبرع ببناء غرفتين من غرفه الخمس. وفي 16 حزيران، تم تعيين الأب أرسانيوس (Chavisov) رئيساً للدير. وفي 1 أيار سنة 1906، وجه الأسقف تيخون إلى الأسقف رفائيل دعوة للمشاركة في تكريس الدير، وفي 17 منه، وبمشاركة الأساقفة الثلاثة وحوالي خمسة عشرة كاهناً وبعض الشمامسة، تم تدشين الدير، وقد ألقى رفائيل عظة تحدث فيها عن عمل الروح القدس.
لقد أدرك الأسقف رفائيل أن مستقبل الكنيسة يعتمد بالدرجة الأولى على تنشئة الشباب أبناء الكنيسة المهاجرين، وباللغة الإنكليزية أيضاً. فحالما صدرت في عام 1906 الصلوات الأرثوذكسية باللغة الإنكليزية، التي كانت قد ترجمتها Isabel Hapgood، تبنّاها الأسقف رفائيل وأوصى باتباعها في كافة رعايا أبرشية بروكلن السورية. وفي مطلع سنة 1907، كانت لدى الأسقف رفائيل ثلاثة مشاريع: تخصيص أربعة صفحات من مجلة الكلمة باللغة الإنكليزية، إقامة الخدم مرة واحدة في الشهر بالإنكليزية، دروس تعليم الأولاد الدينية باللغة الإنكليزية. وقد تكللت مشاريعه بالنجاح، خاصة بالتعاون مع الأب نثنائيل إيرفاين الذي بعد اهتدائه إلى الأرثوذكسية، رسم كاهناً بوضع يد كلا الأسقفين القديسين تيخون ورفائيل.
وفي 25 يناير 1907، صدر قرار نقل رئيس الأساقفة تيخون إلى روسيا وتعيين المطران أفلاطون عوضاً عنه. وقبل مغادرة رئيس الأساقفة تيخون إلى روسيا، استدعي إلى نيويورك إينوسنت، الذي كان أول أسقف مساعد لرئيس أساقفة أميركا الشمالية من 1904 إلى 1909. وفي انتظار وصول رئيس الأساقفة الجديد أفلاطون في 5 سبتمبر 1907، تسلّم أسقف آلاسكا إينوسنت منصب قائمقام أبرشية الألوتيين وأميركا الشمالية. وفي مارس 1909، عاد إينوسنت إلى روسيا، حيث تم تعيينه أسقفاً على ياكوتسك وفيلويسك، ثم رئيس أساقفة طشقند.
وصل المطران أفلاطون إلى أميركا في 5 أيلول سبتمبر 1907، وفي 6 منه دعا الأسقف رفائيل ليرأس القداس في كاتدرائية القديس نيقولاوس الروسية، حيث ألقى الأسقف السوري كلمة ترحيبية بالأسقف الروسي. في مطلع سنة 1908 رشّح المجمع الأنطاكي رفائيل لمنصب مطران طرابلس، بعد انتخاب مطرانها غريغوريوس حداد بطريركاً. وفي 10 آذار 1908، تسلم رفائيل ميدالية استحقاق من الإمبراطورة رئيسة جمعية الصليب المقدس الروسية بصفته رئيس جمعية الصليب الأحمر العربي، التي قد تأسست برئاسته عام 1904. وفي 8 حزيران 1908، منحه القيصر نيقولاوس الثاني عبر القنصل الروسي العام وسام القديسة حنة من الدرجة الأولى، والذي يعطى عادة للأشراف، وفي 18 تموز، توجه عبر القطار إلى ولكسبري بنسلفانيا. وفي اليوم التالي، ترأس خدمة تدشين الكنيسة هناك بمشاركة كاهن الرعية الأب جرجس قطوف ومساءً ألّف مجلساً للرعية.
وفي نوفمبر 1908، صدر ما قد يدل على أن القانون الفيدرالي يمنع تجنيس الآسيوين، مما آثار قلق السوريين في العالم الجديد. وبعد عمل حثيث وجاد، تكللت جهود الأسقف رفائيل بالنجاح بإعتبار العرب السوريين من العرق الأبيض وليس الأصفر كالصينيين واليابانيين.
في 24 شباط 1909، قلَّد الأسقف أفلاطون أيقونة حبرية encolpion باسمه وباسم المجلس الروسي، وفي السنة عينها وضع الأسقف رفائيل بعض الأسس التي تخص أحكام الزواج والطلاق والمعمودية وسر الشكر والدفن، وفي 26 نوفمبر 1909، توجه إلى مونتريال في كندا، حيث كرَّس فيها كنيسة القديس نيقولاوس. وفي نهاية العام، دشّن المدرسة الليلية، التي كان شرع في تأسيسها سنة 1906، لتعليم اللغة العربية والليتورجيا والترتيل يومياً من الساعة الرابعة وحتى السادسة.
في مطلع 1911، قام بشراء بناءٍ قرب كنيسة بروكلن يتألف من ثلاث طوابق ودور سفلي، لاستخدامه كمركز للأبرشية والتعليم الديني ودار للأيتام ومقر للكاهن. وفي 27 أيلول، توجه إلى ولكسبري بنسلفانيا وفي 1 نوفمبر 1911، رأس خدمة تكريس كنيسة، وفي الثالث منه عاد إلى بروكلن. وفي آب 1912، نشر في مجلة الكلمة منشوراً رسمياً يطلب فيه عدم تقبل الأسرار من أي كاهن غير أرثوذكسي حتى في أوقات الضرورة (خطر الموت)، لأن الكنيسة الأنكليكانية لاتعتقد بنعمة الكهنوت ولا بسر التوبة والإعتراف، وقد عزز ذلك برسالة رعوية وجهها إلى أبناء الطائفة الأرثوذكسية في أميركا في أيلول من السنة ذاتها.
في صباح الخميس 25 نوفمبر 1912، بدأ المرض يفتك في أوصال جسده ابتداءاً من المعدة، ولكنه شارك في 7 ديسمبر مع الأسقف ألكسندر في تدشين كنيسة المعهد اللاهوتي، وفي 21 شباط 1913 (الذكرى المؤية الثالثة لأسرة رومانوف المالكة)، أقام الأساقفة الثلاثة القداس الإلهي، ثم اتجهوا ليشاركوا في حفل الإستقبال في المقر الأسقفي الروسي، وقد أبرق بهذه المناسبة رفائيل إلى القيصر فرَّد بالشكر طالباً الدعاء والبركة. وأثناء زيارة رعوية، كرَّس في 20 آب 1913 مدفناً في ولكسبري بنسلفانيا وقد عاد إلى بروكلن في 12 أيلول.
وفي 29 تموز 1914، بعد أن سافر المطران أفلاطون إلى مركز أبرشيته الجديدة كيشينيس وكوتين في روسيا، صدَّق القيصر نيقولاوس الثاني على انتخاب أسقف كاشير إيفدوكيم مطراناً على أميركا الشمالية، الذي لم يلتقِ به رفائيل إطلاقاً، إذ قد رقد بالرب في 1915، قبل نحو شهر من وصول الأسقف الجديد.
في مطلع سنة 1914، قام بزيارة رعوية إلى مناطق شتى من أميركا برفقة الشماس عمانوئيل أبو حطب، وعاد إلى بروكلن في 1 آذار. وفي التاسع منه، بعد أن أقام القداس، أبلغ أبناء الرعية عن عزمه على انتخاب مجلس للرعية، فتشكل مجلس الرعية من الأسقف رفائيل رئيساً تنفيذياً، الأب باسيليوس خرباوي نائباً للرئيس، والأب إيليا حاماتي معاوناً، وجبران عوض أميناً للصندوق، ونيكولا خوري أميناً للسر.
وفيما هو يجاهد في سبيل ازدهار أبرشيته، انحرفت صحته واشتدّ مرضه وعانى آلاماً شديدة، فخلد إلى السكينة والراحة برهة من الزمن. وعندما شعر بتحسن حالته الصحية في أواخر يونيو، بدأ الزيارة الرعوية الأخيرة وقد استغرقت حوالي ثلاثة أشهر ونصف حتى 16 أكتوبر 1914، والتي كرَّس خلالها كنيسة في مشغن. وكعادته، كان يبشر ويكرز بالكلمة ويقيم الأسرار.
بعد عودته إلى مقر أبرشيته في بروكلن، انطوى على مرضه صامتاً هادئاً خاشعاً، دون أن يعبر عن وجعه وألمه. انتقل من هذه الدنيا في الساعة الثانية عشرة والدقيقة الخامسة والأربعين من فجر يوم 27 شباط /فبراير 1915، عن عمر خمس وخمسين. وكان لخبر فاجعة رحيله المبكر وقعاً عظيماً لدى أبنائه السوريين واللبنانيين في أميركا، الذين بدأوا يتقاطرون يومياً بالمئات من كل الولايات لإلقاء النظرة الأخيرة على صانع مجد كنيستهم وطلب البركة. وبقرار استثنائي، سمحت السلطات المدنية في بروكلن ببقاء جثمانه في الكنيسة للتبريك لمدة أسبوع كامل، كما سمحت بدفنه تحت المذبح في القبر الذي كان قد أعده.
وفي الواحدة من ظهيرة يوم الأحد 7 آذار /مارس 1915، غصّت الكاتدارئية بالجموع، إكليروساً وشعباً، وحضر ممثلون رسميون عن الكنائس الشقيقة والهيئات الدينية والحكومية كما حضر السيناتور Barth S. Cronin. وبعد صلاة الجنازة، أودع الثرى في المدفن.

اعلن المجمع الانطاكي المقدس بدوره المجمعي في 1لبلمند بتاريخ 19 تشرين الاول 2023 :

إعلان قديسين في أنطاكية عبق التاريخ

القديسان الابوان نقولا وحبيب خشة الدمشقيان
القديسان الابوان نقولا وحبيب خشة الدمشقيان

١٩ تشرين الأول ٢٠٢٣

من أنطاكية الرسوليّة التي شهدت وتشهد للمسيح يسوع، وفي وقفة ملؤها عبق الإيمان ورجاء المستقبل، أعلن آباء المجمع المقدّس في دورتهم المجمعيّة العاديّة الرابعة عشرة قداسة كاهنين شهيدين أنطاكيين، هما الأب نقولا خشة الذي استشهد في مرسين سنة ١٩١٧ وابنه بالجسد الأب حبيب خشة الذي استشهد في جبل الشيخ سنة ١٩٤٨، صاحبي السيرة العطرة التي اختتماها بالاستشهاد حبًّا بالله.

القديسان الابوان نقولا وحبيب خشة الدمشقيان
القديسان الابوان نقولا وحبيب خشة الدمشقيان

وثبّت الآباء تذكارهما السنويّ الجامع في ١٦ تموز من كلّ عام.

كما أدرج آباء المجمع القدّيس روفائيل (هواويني) أسقف بروكلن، أوّل مطران أنطاكيّ على أميركا الشماليّة، في روزنامة القدّيسين الأنطاكيين، والذي يعيّد له في ٢٧ شباط من كلّ عام.

القدّيس روفائيل (هواويني) أسقف بروكلن، أوّل مطران أنطاكيّ على أميركا الشماليّة
القدّيس روفائيل (هواويني) أسقف بروكلن، أوّل مطران أنطاكيّ على أميركا الشماليّة

وقد حدّد آباء المجمع المقدّس الأحد الثاني بعد العنصرة (أي الأحد الذي يلي أحد جميع القدّيسين) عيدًا جامعًا للقدّيسين الأنطاكيّين.

ندعو جميع المؤمنين لالتماس شفاعة هؤلاء القدّيسين والاقتداء بفضائلهم وغيرتهم الرسوليّة.

نقل رفات القديس روفائيل هواويني بيد المتروبوليت سابا اسبر
نقل رفات القديس روفائيل هواويني بيد المتروبوليت سابا اسبر

تم نقل رفاته باحتفال مميز يوم 19 تموز 2024 (صفحة المتروبوليت سابا اسبر راعي ابرشية اميركا الشمالية

Metropolitan Saba Esper

نقل رفات القديس روفائيل هواويني بيد المتروبوليت سابا اسبر
نقل رفات القديس روفائيل هواويني بيد المتروبوليت سابا اسبر
“الله عجيب في قديسيه. “- مزمور 67: 36
قدسيون الله دائمًا موجودون روحياً مع المؤمنين، يتشفعون أمام ربنا يسوع المسيح. ولكن في يوم خاص في قرية أنطاكية، تم تذكيرهم بأنهم موجودون جسديا أيضًا.
التبرك من رفات القديس روفائيل هواويني
التبرك من رفات القديس روفائيل هواويني
منذ عام 1988، دفن القديس رافائيل حواويني، أسقف بروكلين، في مقبرة القرية. في يوم الخميس 18 يوليو 2024، تم نبش آثاره المقدسة وغسلها في حفل كئيب ولكن جميل.
شهد المئات من المخيمين والموظفين هذا الحدث التاريخي، حيث ينظرون إليه بهدوء وتوقير بينما اكتشف العديد من الكهنة والشمامسة والعاديين القديس ورجال الدين المدفونين معه.
ترأس نيافة الحبر المتروبوليت سابا الترجمة وانضم اليهم نيافة الاسقف توماس والاسقف يوحنا والاسقف نيكولاس
صليب القديس روفائيل لما كان ارشمندريتا
صليب القديس روفائيل لما كان ارشمندريتا
كان استخراج الجثث صعبا حيث دفن القديس رافائيل مع رجال الدين الآخرين. في الليلة التي سبقت استخراج الجثة، صلى سيدنا سابا إلى القديس رافائيل ليكشف عن نفسه بين أخيه رجال الدين المدفونين معه. استجاب القديس لصلواته. التاج الذهب، أو التاج، الذي جلس فوق رأس القديس رافائيل منذ جنازته وصليب وسلسلة ذهبية صغيرة مع حروف اسمه الأولى – ARH، أو الأرشمندريت رافائيل هواويني – تعرف عليه.
اقرأ المزيد عن هذا اليوم المجيد على https://www.antiochian.org/regulararticle/2114

حواشي البحث

1-شهادات شفهية من افراد العائلة
2-ساحة برج الرؤوس ( الروس) في حي القصاع
3- الحرفي الفنان جورج فارس زيتون الدمشقي شيخ كار فن حفر ونقش الخشب (هنا في موقعنا /باب اعلام ارثوذكسيون/
4-هنا في موقعنا باب اعلام ارثوذكسيون
5-. الشماس بولس- صفحة المتروبوليت اثناسيوس
6- المصدر ذاته
7- سيرته هنا في موقعنا اعلام ارثوذكسيون
8- الشماس بولس-صفحة المتروبوليت اثناسيوس

من المصادر

صفحة المتروبوليت اثناسيوس / الادمن الشماس بولس

مقالنا الانتشار الارثوذكسي في اميركا

الوثاق البطريركية ( وثائق السيد ديمتري نقولا شحادة الصباغ الدمشقي – وثائق ابرشية دمشق- وثائق ابرشية بيروت- وثائق روسيا والامطوش الانطاكي في موسكو…

صفحة المتروبوليت سابا اسبر راعي ابرشية نيويورك وسائر اميركا الشمالية.

 

  • Beta

Beta feature

  • Beta

Beta feature

  • Beta

Beta feature

  • Beta

Beta feature

  • Beta

Beta feature

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *